دمعــات شيـخي
بقلم : محمود القلعاوي
نظرت إلى شيخي فوجدت الدموع تسكب من عينيه وقد شخص بصره إلى صورة معلقة على جدران الحائط وقد وقف الحجيج على جبل عرفه لابسين البياض .. فسألته عن سبب دموعه فقال لي : يا ولدى ما أكثر أسباب الدموع في أيامنا .. وسأخبرك بسبب كل دمعة ..
أما الدمعة الأولى :- فعلى هذه اللحظة التي كم أتمنى أن أكونها هناك .. لحظة الضعف بين يدي القوى يا ولدى .. لحظة أن تهفو القلوب إلى خالقها .. لحظة أن ترتفع الأكف إلى معطيها والمنعم عليها .. لحظة أن يتجرد المسلم من كل حولٍ وطولٍ إلى حول الله وقوته .. لحظة أن يلجىء المسلم بضعفه وفقره إلى قوة الله وغناه .. لحظة أن يتجرد المسلم من دنياه ويتعلق بآخرة .. يا ولدى ما أجملها لحظة يعيشها الواحد فينا مع ربه ..
أما الدمعة الثانية :- فعلى تذكري للموت وسكرته وشدته وكربته .. الموت يا ولدى الموت .. لكم بَعُدت فكرة الموت عن أفكارنا .. ولو ملأت فكرته حياتنا لخلت حياتنا من كل فكرة أخرى .. ألا ترى الحجيج وقد تجردوا من ملابسهم بل من حياتهم كلها .. إنه مشهدُ من المشاهد التي تُحيي القلوب الميتة وتُوقظ العقول الغافلة .. وتُحيي الأنفس التي كثر عليها الران فانشغلت بالدنيا وضربت عليها الغفلة .. صدقت يا رسول الثقلين : " أكثروا من ذكر هاذم اللذات ".
أما الدمعة الثالثة :- فعلى حال المسلمين اليوم .. على الدماء المراقة .. على المساجد المهدمة .. على الأعراض المنتهكة .. على الأموال المسروقة .. على القرآن المدنس .. على الأقصى المكبل .. على العراق المُغيب .. كل هذا يا ولدى والحجاج على جبل عرفة ملبسهم واحد .. قبلتهم واحدة .. غايتهم واحد .. تلبيتهم واحدة .. فكرتهم واحده .. غايتهم واحدة .. فأين وحدة القلوب من وحدة الأبدان يا ولدى .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
أما الدمعة الرابعة :- فعلى شوق في قلبي أن أكون ممن يتباهى بهم ربى في هذا اليوم .. أمنية أتمناها وعلى ربى تحقيقها .. ففي الحديث عن جابرِ رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم :- ( ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء .. فيقول : انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي .. ولم يروا عذابي ) .
أما الدمعة الخامسة:- فعلى قيمة هذه الدنيا .. فعلى عرفة يشعر الحاج بقيمة هذه الدنيا .. فلا تراه يبني دوراً ولا يشيّد قصوراً فهو يعلم أنها أيام قلائل ثم يأتي الرحيل .. وحينئذِ يستعد لما بعد ذلك اليوم .. وإلى أوبته .. إلى دياره الأولى .. إلى معاقله الأصيلة .. أليس هذا حال أهل الدنيا غريبٌ أو عابر سبيل .. فما بالنا بها منشغلين وكأننا عنها غير مرتحلين .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .
نسأل الله عز وجل يا ولدى أن لا يحرمنا الأجر والثواب .. وأن لا يحرمنا من فيض عطائه لأهل الموقف الذين يجتمعون بقلوبٍ خاشعة .. وأعينٍ دامعة .. وأنفسٍ ضارعة لله سبحانه وتعالى أنه على ذلك قدير وبالإجابة خبير ..
فخرجت من عند شيخي والدموع تسكب من عيني .. وكلامه يتردد في آذني .. ولساني يلهج اللهم آمين .. اللهم آمين ..
المصدر
- مقال:دمعــات شيـخيموقع:الشبكة الدعوية