دعوة الإخوان في مدينة منفلوط
مركز الدراسات التاريخية
محتويات
توطئة
منفلوط مدينة ومركز تابع لمحافظة أسيوط، ومعروفة بزراعة الرمان، وتطل على الترعة الإبراهيمية الكبيرة والجو بها معتدل معظم أيام السنة، كما تتميز بجودة المياه فيها، وعلى بعد 2 كيلو من منفلوط يقع مسجد الحمد.
البنا ومنفلوط
اعتني الأستاذ حسن البنا بزيارة أقاليم مصر لنشر دعوة الإخوان المسلمين فكان يخصص رحلة الصيف لزيارة محافظات الصعيد وذلك لطول فترة الأجازة والتي يصعب زيارتهم في منتصف العام.
فكانت مدينة منفلوط ضمن المدن التي زارها الأستاذ البنا، ففي 22 رمضان سنة 1354هـ الموافق 18 ديسمبر 1935م، زار أسيوط بعد أن زيارته لمدينة الواسطى حيث خطب فيها وعرف الناس بدعوة الإخوان وظل إلى الساعة الواحدة مساء وسافر معه بعض الإخوان إلى منفلوط فالقوصية لزيارة شعبتها وتفقد أحوالها.
وبعدما تشكلت شعبة للإخوان في منفلوط عام 1937م حرص الإمام البنا على زيارته والجلوس مع إخوانه بها وتفقد حالهم.
ففي يوم الخميس 16 جمادى الأولى 1357هـ الموافق 14 يوليو 1938م، توجه الأستاذ البنا إلى الصعيد، وكانت شعبة الإخوان ببنى مجد هى باكورة زياراته للصعيد، ووصلها ظهيرة اليوم وبعد استقبال حافل من إخوان وأهالي بنى مجد والغداء وصلاة العصر أقيم سرادق ضخم ورغم ضخامته لم يتسع لكل الحضور، وبدأ الاحتفال من بعد صلاة العصر، وتعاقب الخطباء، واستمر الاحتفال حتى آخر الليل؛ حيث كانت كلمة الإمام هى مسك الختام.
ولقد ذكر الحضور بمجد الإسلام، وأشاد بعظمته، ودعا الناس لمناصرة دعوة الإسلام، وأخذ العهد عليهم بذلك، ثم فى الصباح الباكر اجتمع الإمام بإخوان شعبة بنى مجد حتى العاشرة صباحًا، ثم انتقل إلى منفلوط؛ حيث خطب الجمعة بمسجد الكاشف، ثم أعقبها بكلمة جامعة.
وبعد هذه الزيارة بعام قام الأستاذ البنا بزيارة أخرى إلى منفلوط، حيث زار السيد محمد حامد أبو النصر مندوب الإخوان بمنفلوط، وهنأه على سلامة وصوله من الحج وتمام نعمة الله عليه بأداء فريضة الحج وقد ألقى الشيخ طه الأمين شاعر الإخوان بمنفلوط قصيدة، هنأ فيها الأستاذ محمد حامد أبو النصر بالعودة من الحج فى حضور المرشد.
وهذه بعض أبيات منها:
- فكل لما أوليت مُثنٍ وحامد
وأنى لهم أن يجحدوا الفضل والحجا
- وأنت على خير وربك شاهد
وجدك طه المصطفى خير مرسل
- وخير نبى جاء والكفر سائد
فعم به الإيمان والنور والهدى
- ولم يبق غير الحق للناس رائد
فكيف وجدت الآن دين محمد
- هناك؟ وهل سوق الشريعة كاسد؟
وهل حرمات الدين فيها مباحة
- أم الكل عن حوض الشريعة ذائد؟
لك الله يا مصر من أن ترعوى
- وفى أى أوقات تتم المقاصد
فإنى لأخشى أن تلم بأمتى
- شدائد تغزو شعبها ومكايد
والله إن الأمر حق وواقع
- وأكذب شىء ما تقول الجرائد
إلى أن قال:
- تتم يا ابن الكرام المقاصد
ودمت دوام التِبْرين أخا الهدى
- ودامت لكم هدى العلا والمحامد (1)
ثم خطب الإمام البنا الجمعة فى مسجد أبو النصر، وألقى محاضرة جامعة بعد الصلاة. وفي عام 1947م زار المرشد العام منفلوط بناء على دعوة من الأستاذ محمد حامد أبو النصر واجتمع بمندوبي شُعب منطقة منفلوط للتفاهم في شئون الدعوة ثم توجه فضيلته إلى المنيا واتجه إلى دار المنطقة حيث تباحث مع مندوبي المناطق والشعب في شئون الدعوة والموقف الحاجز..
ثم زار دار الأستاذ توفيق خفاجة، وفي الساعة السادسة والنصف حضر حفل الشاي بدار المنطقة بين لفيف من وجوه المدينة ومندوبي الإخوان من أسيوط ومنفلوط حيث ألقى كلمة الترحيب رئيس وسكرتير المكتب الإداري بالمنيا وأعقب ذلك حديث جامع لفضيلة المرشد العام أجاب فيه على كثير من الأسئلة. (2)
نشأة الدعوة بمنفلوط
حضر الأستاذ حامد أبو النصر إحدى دروس الأستاذ البنا فأعجب بكلامه ودعوة الإخوان فسارع لبذر البذرة في منفلوط، حيث يقول:
- كان تعرفي بجماعة الإخوان المسلمين التي يغلب علي طابعها الدين الخالص ، والخلق العظيم، والسياسة الحكيمة، وقد بدأ هذا برباط الصداقة التي نشأت بيني وبين فضيلة الشيخ المرحوم محمود سويلم الواعظ السلفي الأزهري بمنفلوط آنذاك الذي كثيرا ما كنا نلتقي سويا علي قراءة الاعتصام للشاطبي وغيره من الكتب الدينية؛
- وينتقل الحديث بين الوقفة والأخرى عن الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله وعن جهاده في سبيل رفعة الإسلام والمسلمين إذ ربي كثيرا من الشباب في مختلف البلاد ابتغاء تحقيق هذا الهدف العظيم وقد حبب إليَّ فضيلة الواعظ صحبة فضيلة الإمام الشهيد والانخراط في سلك هذه الجماعة الرشيدة ، ووددت لو أتن لي جناحين أطير بهما لألقاه وكان هذا لما يجول في خاطري مما غرس في نفسي من البيئة التي نشأت فيها .
- ومن جميل الصدف أن زار منفلوط في تلك الأيام شابان يذكٌران أن الناس بمبادئ الإسلام ، أحدهما طالب بكلية الآداب بالقاهرة واسمه عبد المحسن الحسيني والآخر طالب أزهري أسمه نور الدين سليم ، وقد انتحيا ركنا من أركان المسجد بعد صلاة الظهر فاقتربت منهما حيث لا يوجد أحد ودعوتهما للزيارة في منزلي المجاور للمسجد لكنهما رفضا الاستجابة ، وبعد إلحاح قبلا دعوتي فلما دلفا حجرة الاستقبال وجدا علي المنضدة بندقية ومسدسًا فسألني أحدهما .. ما هذا ؟
- قلت هذه بندقية للصيد وهذا مسدس لأدفع به عن نفسي ، ثم قلت علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل .. فابتسما ، ثم دار بيننا حديث مطول حول الإسلام وأحوال المسلمين أجمعنا فيه علي ضرورة العمل من أجل الإسلام ولم يذكرا لي شيئا عن جماعة الإخوان المسلمين لكنني علمت فيما بعد أنهما كانا بمثابة سفيرين لانتقاء الصالحين للعنل في الحقل الإسلامي .
- وفي أواخر عام 1934م حدثني أخي ورائدي وصديقي الأستاذ المرحوم محمود عبد الدايم عن زيارة الإمام الشهيد حسن البنا لمنفلوط أثناء غيابي بالقاهرة حيث ألقي درسا دينيا بمسجد الكاشف ونزل ضيفا علي فضيلة الشيخ محمود سويلم ، وقد عشت في أمل اللقاء بفضيلة الإمام الشهيد حتى أذن الله تعالي .
- وفي عام 1934–1935 أخبرني أخي الأستاذ المرحوم محمود عبد الدايم بوجود فضيلة الإمام الشهيد بجمعية الشبان المسلمين بأسيوط، فتناولت الهاتف وطلبته في ذاك المكان فتفضل رحمه الله واستجاب إلي ندائي
- ودار الحديث الآتي:
- فضيلة الأستاذ حسن البنا .. قال نعم .. قلت له لقد أنار الصعيد بزيارتكم فهل لمنفلوط أن تحظي بمثل هذه الزيارة؟ . فقال فضيلته رحمه الله هل الأرض صالحة فقلت بملئ َفمِي نعم تنتظر البذر .. فسر لهذه الإجابة .. فقال إذن سنلقاك باكر بمشيئة الله تعالي في منزلكم قبل الغروب .
- وبناء علي ذلك أعددت حفلتين: الأولي لتناول الشاي في حديقة داري ، دعوت لها كبار الموظفين وذوي الحيثية من الأعيان والتجار في مقدمتهم سعادة المرحوم محمد الحفني الطرازي باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين بمنفلوط .
- وفي الموعد المحدد شرف الزائر الكريم الإمام الشهيد حسن البنا تلكم البقعة التي أراد الله لها أن تسعد بأول لقاء . وعند بدء الحفل نادانا مؤذن المغرب ، وهنا استأذن فضيلته لأداء الصلاة بمسجد " أبو النصر " المجاور للمنزل وتبعه المدعوون ، وبعد آداء الصلاة استأنف الجميع تناول الشاي ، ومن هذا التصرف فهم المدعوون كيف أن الرجل حريص علي تلبية نداء الله مهما كانت العوائق .
- وهكذا يطابق الفعل القول ، وأحس المدعوون بعظمة الرجل فرفعوه في نفوسهم احتراما وإجلالا ، فأسبغ لطائفه عليهم وأخذ ينثر نظراته المريحة إلي فرد منهم كأنما يتحدث إليه دون الآخرين ، ثم ألقي كلمة مناسبة قصيرة حول الرسالة ودعوة الناس إليها ، وانتهي الحفل علي أحسن ما قدر له من النجاح والتوفيق .
- وبعد صلاة العشاء حضر فضيلته الحفلة الثانية التي أقيمت بدار جمعية الشبان المسلمين فوجدها مكتظة بجمع غفير بمثل مختلف طوائف الشعب . وافتتح الحفل بآي الذكر الحكيم وهنا وقف الإمام الشهيد مرتديا جلبابه الأبيض الناصع وعبادته وعمامته العالية ؛
- كل هذا في إيهاب ممتلئ بروح كبيرة نفاذه استطاعت بعد برهة وجيزة أن تهيمن علي قلوب السامعين فتراهم يبكون حينا ويهتزون حينا آخر ، وتشرئب أعناقهم في ثانية ويستولي عليهم السكون في أخري ، وهكذا أخذ يحدث القوم ، والقوم في نشوة من الاستماع وفي حياة لم يروا لها مثيلا من قبل . (ومن يُؤت الحكم فقد أوتي خيرا كثيرا) . صدق الله العظيم .
- هكذا كان الحديث ذكرا لأمجاد الإسلام ومشاهد من حياة السلف الصالح في أخلاقهم العظيمة وتتبعهم لتعاليم القرآن الكريم وتأَسَيهم برسول الله صلي الله عليه وسلم ، وشرح لهم حال المسلمين في الماضي وشأنهم اليوم ، وكيف أنهم أصبحوا غثاءً كغثاء السيل ليس عن قلة ولكن لبعدهم عن النبع الأول وعن مصدر الحياة القوية ألا وهو الإسلام القوي .
- بعد هذا سمعنا القوم يقولون وما المخرج أيها الواعظ الكريم .. أخذوا ينظرون إلي فمه ويمنعون النظر إلي شفتيه بماذا ينطق ماذا يقول .. النجاة بين شفتيه .. الحق ينحدر من فيه ... عندئذ قال الإمام ولا نزال نقول من بعده حتى يرث الله الأرض ومن عليها ليس من سبيل إلا بالرجوع إلي كتاب الله تعالي دستورا واتخاذ نبينا صلي الله عليه وسلم إماما وزعيما وفي سبيل ذلك يكون الجهاد بعد الرباط أولا والميثاق والعهد لله ...
- فاستجاب القوم لقوله بفرح سرور بالغين ورتلوا معه التوبة والاستغفار في جو رحيب يخيم عليه جلال الطاعة وأذكر أنه لم يطلب منهم بيعة علي غرار ما كان يفعل في أواخر أيامه في التجمعات الخاصة ، وانتهي الحفل بذكر الله وانصرف الجميع وفي نفس كل منهم تقدير وأكبار وإعجاب بالإمام الشهيد مؤملين النفس أن يلتقوا به مرة أخري فيستزيدوا من معينه الذي لا يغيض ومن روحه الفياضة ؛
- ثم انتقل إلي داري مرة أخري حيث هيئت له حجرة خاصة للنوم ودخلها باسم الله وجلس علي الفراش متربعا وقال : هيه .. هيه يا سيد محمد اجلس . ماذا أعجبك الليلة ؟ فقلت له ما يجول بخاطر كل شاب في ذاك الوقت من حسن خطبته وجمال توقيعها وموقفه كخطيب .
- فقال لي لكن ما رأيك في المعاني التي ذكرت . قلت له إن المعاني التي ذكرتها فضيلتك كثيرا ما تجري علي ألسنة الخطباء والوعاظ والعلماء .. لكن ليس هذا هو السبيل للرجوع بالمسلمين إلي عهدهم وأمجادهم السالفة . قال إذن ماذا تري ، وكنت في ذاك الوقت متوشحا بمسدسي الذي لا يفارقني في مثل استقبال ذلكم الزائر الكريم الذي أحببته قبل أن أراه .
- فقلت له إن الوسيلة الوحيدة للرجوع بالأمة إلي أمجادها السالفة هو هذا وأشرت إلي مسدسي فانبسطت أساريره كأنما لقي بغيته وعثر علي مطلبه ، وقال لي ثم ماذا تكلم فعشت في هذه الكلمات برهة قطعها فضيلته باستخراج المصحف الشريف من حقيبته قائلا هل تعطي العهد علي هذين مشيرا إلي المصحف والمسدس .
- فقلت نعم: بدافع قوي أحس به ولا أستطيع أن أصفه ، اللهم إلا الفيض الإلهي الغامر والسعادة الأبدية التي أرادها الله لي في سابق علمه . وبعد أن تمت البيعة بهذه الصورة . قال فضيلته مهنئا مبروك إنها الأولي في صعيدكم ؛
- ومن ذلك الحين ارتبطت بالرجل ارتباطا خاصا وثيقا .. ارتباطًا نسيجه الحب والوفاء وفيه كل معاني الرجولة الصادقة ، ومن هذا المنطلق ابتدأت أعمل في محيط الإخوان كأحدهم ، وفي حقل الدعوة كأحد عمالها الذي أرجو أن أكون من الصادقين منهم .
- وفي اليوم التالي لزيارة الإمام الشهيد لمنفلوط طلب مني فضيلته أن أستدعي له بعض الشباب من الذين حضروا الحفل بدار الشبان المسلمين بالأمس ، حتى يلتقي بهم علي الدعوة، فقلت له: لا بأس علي أني لا أستطيع أن أترك جمعية الشبان المسلمين التي أعمل فيها الآن ، ولا بأس من أن نلتقي بهؤلاء الشباب الذين سأحضرهم لدي فضيلتكم في حجرة صغيرة ضمن حجرات دار الجمعية فوافق فضيلته وقال هذا يكفي .
- المهم اللقاء علي الفكرة دون النظر للمسميات وفعلا دعوت لفضيلته حوالي عشرين شابا أغلبهم من مدرسي المرحلة الأولية في ذاك الوقت وتناولوا مع فضيلته طعام الغذاء علي طريقة مبسطة سعد بها حيث فرش بساط علي الأرض واجتمعنا عليه في شكل حلقة ويظهر أن هذا الوضع المبسط وقع في نفسه موقعا جميلا مما يدل علي أن هذه البساطة مبدأ بارز من مبادئه في تربية النشء وتهيئة الجماعة؛
- وتحدث حديثًا عذباً فياضا ، ونظر إليهم نظرة جعلتهم يكبرون في نظر أنفسهم من حيث أنهم مسئولون عن الإسلام وعن دعوة الناس للنهوض به من جديد ، فلما أحسوا بهذا المعني في أنفسهم تهيئوا لتلقي البيعة في سبيل هذه الدعوة قائلا لهم يكفي أن نرتبط علي هذه المعاني ، وعليكم أن تجتمعوا مرة واحدة كل أسبوع وتتذاكروا سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم وأشار عليهم بقراءة كتاب حماة الإسلام ، وقرأ معهم سورة العصر وانفض الاجتماع .
- ومن ذلك الحين التقت هذه المجموعة في أماكن مختلفة من أبرزها مكتب تحفيظ القرآن الكريم الملحق بمسجد " أبو النصر" بمنفلوط .
ونذكر أنه عندما زار الإمام الشهيد تلك الشعبة في أيامها الأولي كتب بيده هذه العبارة تسجيلا لزيارته الكريمة:
- (دعوتنا قصة من قصص القرآن الكريم فيها عبرة وعظة وهداية ونور ، إن بدت اليوم أحدوثة في أفواه الناس فهي في الغد حقيقة في مجتمعاتهم وفي دار الأرقم بن أبي الأرقم نبتت الدعوة الأولي ، وفي مثل هذه الدار يعيد التاريخ سيرته، ويأتي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) .
وقد تحققت الآمال فقد أسس الإخوان المسلمون بمنفلوط دارًا خاصة منسقة بميدان أبو النصر ، جمعت أوجه الأنشطة المختلفة للجماعة ، وقد صودرت هذه الدار وما فيها مع غيرها من دور الإخوان المسلمين في أنحاء البلاد بقرار من مجلس قيادة الثورة ثم احتلتها هيئة التحرير. (2)
ويقول عباس السيسي:
- قال لي الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام للإخوان المسلمين. إنه وجّه الدعوة إلى فضيلة المرشد الشهيد حسن البنا لزيارة مدينة منفلوط وقد لبى الدعوة وأقيم بمناسبة حضوره حفل دعي له جمع كبير من الناس.
- وكان من الذين شاركوا في الحفل شاعر ألقي قصيدة في المناسبة وقد لا حظ الشهيد حسن البنا من أحد الجالسين بجواره أنه يتابع النطق بأبيات القصيدة كأنه يحفظها. فسأله هل أطلعك الأستاذ الشاعر على قصيدته؟
- قال إن هذه القصيدة من تأليف جد السيد محمد حامد أبو النصر ولكن الشاعر نسبها لنفسه ويودي أن أراجعه في ذلك! فقال له المرشد الشهيد هل تريد أن تبهت الرجل وتحدث بينك وبينه فجوة؟ إن الشاعر يريد أن يكرمنا فهل يستحق منا أن نؤذي شعوره. لأن يبقى صديقا لنا خير من أن يعادينا. إن الإنسان ينسى الحسنة ولا ينسى السيئة!!
- وقال لي الأستاذ محمد حامد أبو النصر. إنه قد حضر حفل عقد قران ابن أحد كبار علماء الأزهر وهو كبير عائلة شريت من ريفا محافظة أسيوط. ودعى على هذا الحفل فضيلة الإمام شيخ الأزهر الشريف.
- والشهيد حسن البنا وقد حضرا.. وحين بدأ عقد القران تقدم عدد من أبناء العائلة إلى فضيلة المرشد حسن البنا ليتولى عقد القران. ولكنه اعتذر عن ذلك بإصرار وقام بنفسه وقدَّم الإمام الأكبر ليتولى صيغة العقد وبذلك أرضي الجميع بهذه اللفتة الكريمة المؤدبة من أخلاق حسن البنا في تربية أبناء هذا الجيل. الذي يجب أن يخرج حظ نفسه من نفسه. (3)
ففي يوم الجمعة المبارك 9 من ذي الحجة سنة 1355 الموافق 22 يناير 1937 اجتمع في منفلوط حضرات الإخوان الآتية أسماؤهم:
- السيد محمد حامد أبو النصر والشيخ عبد الحميد عبد الستار والشيخ محمد السنوسي مقلد والشيخ متولي علي حمزة والشيخ عبد الرحيم عبد الحليم مقلد والشيخ مرسي عبد الجليل ومحمود أفندي إبراهيم عبد الدايم والشيخ محمد محمد صالح الحمصاني وغيرهم وقد أجروا عملية انتخاب هيئة شعبة الإخوان المسلمين بمنفلوط
فأسفرت النتيجة عن اختيار الآتية أسماؤهم:
- السيد محمد حامد أبو النصر رئيسًا، الشيخ عبد الحميد عبد الستار وكيلاً، محمد أفندي السنوسي مقلد سكرتيرًا، الشيخ متولي حمزة أمينًا للصندوق؛
وقرروا بعد هذا بالإجماع ما يأتي:
- أولاً: اعتبار هذه الهيئة مؤقتة لحين نشر الدعوة بين الأصدقاء والأفراد وتوسيعها.
- ثانيًا: عمل الإخوان على نشر الدعوة بكل الوسائل الممكنة.
- ثالثًا: إرسال تلغراف للجنة الملكية الإنجليزية المؤلفة للفصل في قضية فلسطين تتضمن المشاركة مع الإخوان العرب أهل فلسطين.
- رابعًا: توزيع رسالة المأثورات على الإخوان لحفظها والاستعانة بها على نشر الدعوة.
- خامسًا: تحديد يوم الجمعة من كل أسبوع لاجتماع الإخوان للنظر في شئون الشعبة ويلي ذلك الإمضاءات. (4)
وفي عام 1940 كان مسئولى شعب الإخوان كالتالي:
- منفلوط السيد محمد حامد أبو النصر
- القوصية منفلوط حسن أفندى رشوان
- بنى مجد منفلوط عبد الرحمن أفندى عثمان
- سراوة منفلوط الشيخ عبد العزيز منصور
- نزالى جانوب منفلوط على أفندى أحمد
- وفي عام 1944م كان تشكيل مسئول منطقة منفلوط هو الأستاذ محمد حامد أبو النصر
الجمعية العمومية والهيئة التأسيسية
تم اختيار عدد من إخوان منفلوط ليمثلوا في الجمعية العمومية وأيضا في الهيئة التأسيسية للإخوان حيث كانت كالتالي:
- محمود عفيفي
- سرحان عدوي
- عبد العزيز السويقي
- أبو الوفا الخطيب
- نجيب أفندي رشوان (5)
- كما تم اختيار الأستاذ محمد حامد أبو النصر في الهيئة التأسيسية للجماعة منذ نشأتها عام 1945م
أنشطة إخوان منفلوط
قام إخوان منفلوط بالتفاعل مع القضية المصرية والقضية الفلسطينية، بل عمدوا إلى الكثير من الأنشطة، ومنها أن أقام الإخوان حفل تأبين للراحل الكريم سعادة الطرزي باشا أحد أعيان محافظة أسيوط (وهو قبطي) وذلك تقديرًا لأثاره الجليلة وأعماله النافعة في سبيل الإسلام والوطن. (6)
كما أن
- "الإخوان المسلمون ببني مجد منفلوط يشكرونكم وشيوخ ونواب الأمة لاهتمامكم بقضية فلسطين ويؤيدونكم" (7)
ظلت منفلوط بلدًا هادئًا ساكنًا مثال الاستمساك بعقيدته الإسلامية حتى هاجمته في رجب 1355هـ، سبتمبر 1936م عصابة من المبشرين "الفرنسيسكان" لفتح مدرسة للبنين والبنات، وقام الإخوان بها بتحذير الأهالي من شرورها، وقام البلدة على بكرة أبيها مسلميها ومسيحييها لصد هذه الغارة التي تمس الطرفين معًا، ووعد سعادة محمد الحفني الطرزي باشا وحضرة حسن بك يونس بالعمل على إنقاذ بلدهما الأمين من شر هؤلاء المضللين. (8)
وبعد إقالة حكومة الوفد تولى أحمد ماهر رئيس حزب السعديين رئاسة الوزارة فحل البرلمان وأعلن عن إجراء انتخابات لتشكيل مجلس نواب جديد، فقرر الإخوان دخول الانتخابات تنفيذًا لقرارات المؤتمر السادس بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية بهدف خدمة دعوة الإسلام والمطالبة بنظام حكم إسلامي؛
فتقدم للترشيح من الإخوان المسلمين كل من المرشد العام عن دائرة الإسماعيلية، والأستاذ أحمد السكري عن دائرة الفاروقية بحيرة، والأستاذ صالح عشماوي عن دائرة مصر القديمة، والأستاذ عبد الحكيم عابدين عن دائرة فيدمين الفيوم، والأستاذ عبد الفتاح البساطي عن دائرة بندر الفيوم، والسيد محمد حامد أبو النصر عن دائرة منفلوط، كما ترشح بعض الأفراد القريبين من الإخوان في دوائر أخرى. (9)
ولإقناع الإخوان أن البرلمان هو الرئة الوحيدة للتنفس بحرية في ظل الأحكام العرفية آنذاك ولإرادتهم أن يزاولوا حقا مكفولا لكل مواطن بطريقة المشروع رشح الإخوان ستة منهم بصفتهم الشخصية كما قرر مكتب الإرشاد لهم وكان منهم البنا في الإسماعيلية ومحمد حامد أبو النصر في دائرة منفلوط وأقيمت المؤتمرات والمسيرات وأشكال الدعاية الانتخابية الأخرى.
معسكر الواسطى بأسيوط 1939م
"هذا المعسكر أقيم فى الجهة الغربية من الواسطى بجوار نهر النيل فى منطقة من الأرض فسيحة، وقد انتظم فيه إخوان شعب أسيوط المختلفة، وتم فيه نشر الدعوة كغيره من معسكرات الأقاليم؛ فقام الإخوان بزيارة الواسطى يوم الجمعة 11جمادى الآخرة 1358هـ، وصلّوا الجمعة فيها، وقاموا بشرح مبادئ الإخوان.
كما قاموا بزيارة بلدة الوليدية يوم الأحد الموافق 13جمادى الآخرة؛ حيث صلوا الظهر فى المسجد الكبير، كما ألقى داعية الإخوان الأخ مصطفى عبد البديع كلمة عن دعوة الإخوان، ثم اخترق إخوان الكشافة شوارع أسيوط حتى وصلوا إلى دار الإخوان، ثم عادوا ثانية بنفس الطريقة إلى معسكرهم" (10)
وكان من أعجب المواقف فى ذلك المعسكر مشاركة الحاج سليمان صالح الحبارون شيخ الإخوان ببنى مجد التابعة لمركز منفلوط، والذى أشرف على بلوغ الثمانين عامًا، وإصراره على المشاركة الفعالة، وعلى أن يتساوى مع جميع إخوانه فى كل التكاليف؛ فيقوم بالحراسة، ويؤدى التدريبات الرياضية، كما يقوم بأعمال النظافة والطبخ كأى شاب من شباب الإخوان، ويحرص على ذلك.
وقد حدَّث الإمام الشهيد رحمه الله أنه فى إحدى دوريات الحراسة قبل فجر ليلة من الليالى مرّ يتفقد الخيام، وكانت مسماة بأسماء أبطال الصحابة؛ فهذه خيمة أبى بكر، وهذه خيمة أبى عبيدة، وهذه خيمة خالد، وأخرى لسعد بن أبى وقاص… وهكذا.
فخيل إليه أنه يرى أصحاب هذه الخيام داخل خيامهم، فأخذته نشوة من الحماسة، جعلته يلوح بسيفه فى الهواء، (ولهذا السيف قصة سوف تأتى)، ويهتف بكل قوته بصوت غير مسموع حتى لا يوقظ النائمين "الله أكبر ولله الحمد"؛
قال: فما راعنى إلا أن رأيت نورًا موصلا بين سماء المعسكر وأرضه يجلله ويتغشاه، ذكرنى بخيط من النور رأيته مغرب يوم عرفة ممتدًا من السماء إلى الصخرات الكبار بجبل الرحمة سنة 1324 هجرية، حين أديت فريضة الحج، فشغلت بمشاهدته عن الهتاف، واستمر لحظات قصار، ثم عاد كل شىء كما كان، وزاولت مهمتى من إيقاظ الإخوان للاستعداد لصلاة الفجر، ولم أحدّث بهذا أحدًا غيرك لتطمئن على المعسكر، ولتعلم أننا والحمد لله على نور من ربنا.
أما قصة السيف فتتلخص فى أن الحاج سليمان رحمه الله حين قُبل بالمعسكر ونودى اسمه بين الجنود فيه، قال: "اشتهيت أن أكون من سكان خيمة أبى بكر، ولكن لم أطلب هذا الطلب حتى لا يقال: جندى متمرد يختار لنفسه ويخالف النظام"، ولكن سرعان ما فوجئت بالأخ يوسف قومندان المعسكر يقول: "الحاج سليمان خيمة أبى بكر"، فقلت فى نفسى: "هذا أول التوفيق"، وحمدت الله.
وفى توزيع دور الحراسة انتدبنى "الحكمدار" ليخطرنى بدوريتى، فخرجت معه، وقلت له: هل يكون حارس بغير سلاح؟ وأين السيف الذى أجاهد به؟ فابتسم، وقال: إنه حاضر، وسآمر لك به، وسرعان ما أمر، فأحضر سيفًا أثريًا، كان بعض الإخوان قد تبرع به للمعسكر، وقدمه إلىّ ضاحكًا..
فتناولته فرحًا مسرورًا، وتقلدته لساعتي، واعتقدت أنه توفيق آخر، وأن عملنا فى هذا المعسكر سلسلة من التوفيق والحمد لله، وبهذه الروح كان الإخوان يقيمون معسكراتهم، ويزاولون فيها نواحى نشاطهم. فرحم الله الحاج سليمان، وأفسح له فى جنته، آمين. (11)
حرب فلسطين
ساهم الأستاذ أبو النصر في جمع السلاح مع إخوان منفلوط حيث يقول:
- في أواخر 1947 وجهت إلي الدعوة من حضرة صاحب الفضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين واجتمعنا في المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالقاهرة، وتقدم لنا الشيخ صبري عابدين عضو الهيئة العربية العليا وممثل سماحة مفتي فلسطين الخاص..
- وذكر لنا الحوادث التي تقع في فلسطين، وأبان لنا الفظائع، التي ترتكب فيها وطلب منا أن نعاون المجاهدين، وذلك بشراء الأسلحة، والتبرع بها كل على قدر استطاعته؛
- وطبعًا أثار فينا الحمية وأبكانا مما يقع في فلسطين، وانصرفنا كل إلى بلده وأخذت اتصل بالناس الذين أعرفهم من العرب بالصحراء الغربية، واتصلت بواحد منهم اسمه الشيخ محمد حمد رمضان شيخ عرب بني شعران، بمركز منفلوط ليجمع لنا أسلحة؛
- وبالفعل أحضر كمية من الأسلحة، وقد علم بوليس منفلوط بهذا ووضع يده على الأسلحة، وقبض على الشيخ محمد حمد رمضان وقدمه للنيابة، فتقدمت أنا لحضرة وكيل النيابة وقلت له: "إن هذا السلاح نجمعه من أجل فلسطين".
منفلوط والهضيبي
يقول أبو النصر:
- "بعد استشهاد الإمام حسن البنا أخذ الإخوان يبحثون عمن يخلف الإمام حسن البنا ويتولي منصب المرشد العام ولما كنت أقيم فى الصعيد (فى منفلوط محافظة أسيوط) فلا أعرف تفاصيل الأحداث التي انتهت إلى اختيار الأستاذ الهضيبي رحمه الله
ولكن جاءني أحد الإخوان وقال لي:
- نحن نأخذ بيعة من الإخوان للأستاذ الهضيبي مرشدا وخلفا للإمام حسن البنا ولم تكن لى أية صلة بالأستاذ الهضيبي قبل اختيار الإخوان له مرشدا ولكني عرفت أنه كان على اتصال وثيق بالإمام الشهيد حسن البنا .
- فقد كان الإمام الشهيد حسن البنا على صلة بشخصيات كبيرة ولم يكن البنا يعرف هذه الشخصيات وكان الإمام الشهيد حسن البنا لا يذكر أسماء هذه الشخصيات الكبيرة خاصة تلك التي تتوالي مراكز حساسة فى الدولة لحكمة يراها . وكان الأستاذ الهضيبي إحدى هذه الشخصيات غير المعروفة لدي الإخوان .
عندما عرض على أمر اختيار الأستاذ الهضيبي توقفت قليلا وقلت :
- إنني لا أعرفه حتى أبايعه .. لابد أن أعرفه ثم أبايعه . وفعلا تمت المعرفة وتمت البيعة مني له وإن كنت واحدا من أواخر الإخوان الذين بايعوا الأستاذ الهضيبي وقد علم الأستاذ الهضيبي بموقفي هذا ووافق على ضرورة التعرف والتثبت من حقيقة الشخص الذي سيبايع حتى تكون البيعة صحيحة.
ويضيف السيد محمد حامد أبو النصر:
- قبل تولي الأستاذ الهضيبي قيادة الإخوان كنت عضوا فى مكتب الإرشاد لمدة لا تقل على عشر سنوات ولكن فى الفترة الأولي للأستاذ الهضيبي لم أكن عضوا فى مكتب الإرشاد واخترت عضوا فى مكتب الإرشاد ابتداء من ديسمبر عام 1953.
- وقد حدث فى تلك الفترة مشاكل داخل الجماعة ومشاكل خارجها ولاحظت على مواقف الأستاذ الهضيبي أنه كان عطوفا على الإخوان ورءوفا بهم يفتح قلبه لهم ويعطيهم الفرصة لمراجعة أنفسهم .
- وطبعا عرف الإخوان الضغوط التي مورست عليه كى يستقيل وحادث احتلال منزله واحتلال المركز العام لتحقيق هذه المؤامرة وقد شكل من لجنة تضم:الشهيد محمد فرغلي والأستاذ عمر التلمساني وأنا..
- وتحدثنا مع الإخوان الذين شاركوا فى هذه المؤامرة ووضعنا النقاط على الحروف وعرفنا الأشخاص الذين كانوا وراء تدبير هذه المؤامرة وقد صفح الأستاذ الهضيبي عن الجميع.
المصادر
- مجلة النذير الأسبوعية السنة الثانية العدد 5 صـ16 29 محرم 1358هـ 21 مارس 1939م.
- جريدة الإخوان المسلمون اليومية العدد 227 السنة الأولى 7 ربيع أول 1366هـ 29 يناير 1947 ص2
- محمد حامد أبو النصر: حقيقة الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر، دار النشر والتوزيع الإسلامية.
- عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، دار قبس
- جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية السنة الرابعة العدد 44 27 ذو القعدة 1355هـ 9 فبراير 1937م.
- الإخوان المسلمون الأسبوعية العدد 70 السنة الثالثة 14 شوال 1364هـ 20 سبتمبر 1945 ص 23، 24، 25
- الإخوان المسلمين اليومية العدد 189 السنة الأولى 22 محرم 1366هـ 16 ديسمبر 1947م ص2
- جريدة النذير، العدد (4)، السنة الأولى، 21 ربيع الثاني 1357ه 20 يونيو 1938م، ص(16).
- جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية السنة الرابعة العدد 24، 25 6، 13 رجب 1355هـ 22، 29 سبتمبر 1936م
- السابق، العدد (53)، السنة الأولى، 5 شعبان 1365ه 4 يوليو 1946م، ص(4).
- مجلة النذير الأسبوعية السنة الثانية العدد 27 صـ22 6 رجب 1358هـ 22 أغسطس 1939م.
- حسن البنا: (مذكرات الدعوة والداعية)