خيارات عربية
2011-02-14
بقلم : ضياء أيوب
يضم الشرق الأوسط أكبر قدرٍ من مخزون الطاقة من النفط والغاز في العالم، وفي نفس الوقت قدراً متزايداً من عدم الاستقرار السياسي الذي يؤدي إلى تجميد أو عرقلة التطور الاجتماعي والاقتصادي... هذه العوامل مرتبطة بانفجار سكاني ومجتمعات جل عناصرها من الشباب صغار السن المهمشين سياسياً وفكرياً، ونزاعات داخلية وإقليمية قديمة وخطيرة، وأيديولوجيات شمولية ذات مضامين عسكرية ودينية، ونظم حكم سلطوية مستبدة، وطموحات نووية، خلطت معاً في قالب واحد جعل منها مزيجاً سياسياً متفجراً، فإما أن تفكك عوامل التأزم هذه بما يصب في معالجة سلمية لتغيير وتحديث المنطقة، أو تترك الأمور لتتصاعد مؤدية إلى انفجارات مبنية على العنف، تؤدي إلى كارثة حقيقية للمنطقة على المدى البعيد.
الاحتمال الثالث الذي لا يزال مقبولاً في لعبة الوقت التي تمارسها الأنظمة العربية هو تثبيت الأوضاع المتردية القائمة، وهو أمرٌ لم يعد وارداً ولن يستطيع الصمود أمام الأوضاع الدراماتيكية المتغيرة بسرعة وعنف، والتي تحمل مخاطر جسيمة لا يمكن التنبؤ بما ستؤدي إليه من مشاكل مستقبليةـ وبالرغم من النزاعات والأزمات الإقليمية الحادة وخطر التصعيد النووي والتهديدات الإرهابية يظل التحدي الأساسي لغالبية الدول وللأمن في الشرق الأوسط هو الاستمرار في تجميد وعرقلة التطور والتحديث في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد فشل الاقتصاد القومي العربي رغم مدخولاته الضخمة من النفط والغاز في دخول ساحة المنافسة الدولية، ولم يستفد بقدرٍ كافٍ من التقدم الهائل في العلوم والمعلومات والتقنيات الحديثة، كما فشل في التوصل إلى نظام تعاون وتكامل اقتصادي إقليمي والتعاطي مع مدخلات العولمة ومتغيراتها المتلاحقة بوتيرة متسارعة. فالتحديث والتطوير ليس حالة تكنولوجية محضة، بل هو بالدرجة الأولى حالة مجتمعية تتطلب إعادة تهيئة العقل ووعي المجتمع نفسه.
لقد أثبتت أزمات التنمية فيما يسمى بالأسواق الواعدة أن، ثبات واستقرار اقتصاديات السوق لا تكفي ولا تضمن استمرار النجاح دون نظم حكم عادلة، ومجتمعات ديمقراطية منفتحة، وأن تبني الدول الصاعدة لاقتصاد السوق وديناميكية التكنولوجيا والعلوم، وتطبيق الجانب التقني والمالي من النموذج الغربي محكوم عليه بالفشل دون تبني العامل الأساسي المغفل، وهو المجتمع المبني على مؤسسات ديمقراطية وسيادة القانون، ليتيح للملايين من مواطنيه الأحرار إمكانيات خلاقة مبدعة، ومنتجة في عصر جديد يتخطى التمييز بين الدول النامية والمتقدمة.
ونفاجأ فيما يتصل بقضايا المنطقة بفشلها بالوصول إلى نظام أمن جماعي، ورغم وقوف الصراع العربي ـ الإسرائيلي عقبة في وجه هذا النوع من الأنظمة المطلوبة فإننا نلاحظ من جهة أخرى استغلال هذا الصراع، وغيره من العوامل الخارجية لتحويل الأنظار عن الأسباب الحقيقية لعرقلة التطور والحداثة.
إن نظرة سريعة على نظم الحكم في المنطقة لا تطرح صورة وردية إيجابية. فلا نجد في العديد من الدول تطبيقاً جاداً وشاملاً للديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، واستقلالية السلطات القضائية والتنفيذية، ومساواة المرأة أو نظم تعليم حديثة وفعالة.
يضاف إلى هذا أن انتقال رؤوس الأموال الضخمة من الدول العربية للاستثمار في الدول الصناعية الكبرى يحرم شعوبها من الاستفادة منها، كما أن تركيز الثروة في أيدٍ قليلة، أضعف الاستفادة من التقدم العلمي والتقني في الإنتاج والتقدم الصناعي والاقتصادي وفي مجال الخدمات.
إن مجابهة الأخطار الشمولية والتخلف في العالم العربي لن تتأتى ثمارها إلا باتباع طريق التحديث والتقدم، وهو طريق بحاجة إلى الديمقراطية التي لن يكون الوصول إليها سهلاً بالضرورة. لكنه طريق لا بديل عنه وهو سيصطدم ليس فقط بالقوى الدينية الراديكالية بل إنه لن يجد ترحيباً من عدد من النخب الحاكمة التي تجد في ذلك تهديداً لكيانها ومصالحها.
وإن تجاهل الحزب الحاكم في بلد ما لأبسط قواعد ومبادئ الحوار للاتفاق على برنامج عمل وطني مشترك، يحقق أهداف الإصلاح السياسي ويضع نهاية لمرحلة الجمود واحتكار السلطة السياسية من جانبه، وانفراده باتخاذ القرارات ووضع السياسات والبرامج التي تحمل شبهة الإصلاح، ولكنها تفتقر إلى الإصلاح الحقيقي وإلى الإرادة السياسية للنهوض بتكاليفه وتبعاته. شجعت على قلب أية نية حقيقية للحوار إلى شجار، وأن تتصدع الحياة الحزبية والسياسية في المنطقة وتتوه معالم الطريق، وتتفجر المشكلات والقضايا من كل اتجاه.
وليس أمام الأنظمة العربية اليوم أية بدائل أخرى عن سياسة طويلة المدى من التعاون مع شعوبها التي بقيت موجهة ومغيبة لعقود طويلة من التاريخ الحديث لأقطار المنطقة رغم أن ثورات العسكريين كانت دائماً ما تقوم باسمها، ولقد أثبتت الأحداث الأخيرة في عدة عواصم عربية فشل نماذج التحديث التقليدية العربية، وأصبحت سياسة الأمر الواقع وتجميد الأوضاع تشكل أخطاراً على المنطقة وتنذر ارتداداتها بأخطار مضاعفة على المستوى العالمي.