خمس إضاءات على صورة قاتمة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
خمس إضاءات على صورة قاتمة
انتهاكلت الاقصى.jpg

بقلم : معتصم حمادة

رسم الإسرائيليون خطوطاً حمراء لمواقفهم في أنابوليس.

فما هي الخطوط الحمر الفلسطينية؟

ووضعوا خيارات لما بعد أنابوليس بما في ذلك احتمال الفشل، فما هي خيارات الفلسطينيين؟

وسلكوا كل أشكال الابتزازات ليحققوا مبتغاهم، فما هي عناصر القوة الفلسطينية لمجابهة هذه الابتزازات؟

لم يتوقف العالم عن الانشغال بالدعوة إلى اللقاء الدولي في أنابوليس، في ولاية ميريلاند.

وكأن مصير القضية الفلسطينية، وكذلك مصير المنطقة برمتها باتا معلقين بنتائج هذا اللقاء.

ولا يمكن أن ننكر أهمية اللقاء وخطورته، ولكننا بالتالي لا يمكن لنا أن نعتبر أن هذا اللقاء، أياً كانت نتائجه، سيكون نهاية المطاف، أو نهاية التاريخ، وكأن لا تاريخ بعده.

فموعد اللقاء، مازال غير معلن، لربما لم يتحدد من قبل أصحاب الدعوة حتى الآن.

وجدول أعماله مازال هو الآخر غامضاً.

ولربما، أيضاً، لم يتحدد هذا الجدول حتى الآن.

والورقة المشتركة، التي يفترض أن يتقدم بها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، لم تجد طريقها إلى النور بعد، وهي التي سوف تشكل أساساً للبيان الختامي للقاء.

وهي التي سوف ترسم المسار السياسي لما بعد اللقاء أيضاً.

وإلى جانب هذا كله، يلاحظ أن الغموض سيد الموقف، لكنه غموض تخترقه، بين لحظة وأخرى، إضاءة تستحق أن يتم التوقف عندها.

@ الإضاءة الأولى، هي الحديث عن تشكيل لجنة ثلاثية، أميركية ـ إسرائيلية ـ فلسطينية، للتدقيق في ما أنجزه كل من الطرفين المعنيين من الفصل الأول من خطة الطريق. ولقد تشكلت هذه اللجنة ـ في حال تم التأكد من صحة الحديث ـ بناء على جدل فلسطيني ـ إسرائيلي حول الفصل المذكور.

فالجانب الفلسطيني يقول إنه أنجز حوالي 90% من التزاماته من هذا الفصل، وأن الجانب الإسرائيلي لم يلتزم بشيء حتى الآن، بما في ذلك تفكيك البؤر الاستيطانية التي تم استحداثها بعد آذار (مارس) 2001، وهي تزيد على المئة بؤرة.

ووقف توسيع الاستيطان، بما في ذلك استجابة لما يسمى بالزيادة الطبيعية لسكان المستوطنات.

وهذا يطال بالطبع تشييد جدار الفصل العنصري. بدوره يقول الجانب الإسرائيلي إنه لا يستطيع أن يخطو أية خطوة في تطبيق الفصل المذكور إلا عندما يتأكد من إنجاز الجانب الفلسطيني لالتزاماته، وأهمها اجتثاث «الإرهاب» وتفكيك بنيته التحتية، والقضاء ـ تداعياً ـ على «الكيان الإرهابي في غزة».

وفي ظل النقاش العقيم، اتفق الجانبان على الاحتكام إلى الولايات المتحدة لتقرر هي «كوسيط» مدى ما أنجزه كل طرف.

خطورة هذا الموقف، أنه يجر الجانب الفلسطيني من البحث في اتجاهات الحل للقضايا الرئيسية (الحدود والمستوطنات ـ المياه ـ الأمن ـ اللاجئون ـ والقدس) نحو البحث في قضايا ذات طابع أمني بحت.. بحيث ينحرف النقاش وتنحرف المفاوضات، ويعود الجانب الفلسطيني إلى دوامة البحث العقيم في الإجراءات الأمنية.

وهو بحث يبدأ، لكنه لا ينتهي، لأن قضايا الأمن عند الإسرائيليين قضايا مطاطة، يمكن أن تشكل العنوان الوحيد، ولسنوات طوال، على جدول أعمال المباحثات الثنائية.

لذلك، على المفاوض الفلسطيني، إذا ما شعر أنه انزلق إلى دوامة القضايا الأمنية، أن يسارع إلى الخروج من هذه الدوامة، وأن يعيد النقاش إلى أصوله: جدول الأعمال (أي قضايا الحل الدائم)، أسس الحل (قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي) وسقف زمني للمفاوضات، حتى لا تتحول إلى هدف بحد ذاته، وبما يضع نهاية واضحة للاحتلال، ويرسم الطريق نحو الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، وعاصمتها القدس، وضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها.

وإذا لم يستدرك المفاوض الفلسطيني فمعنى ذلك أن انزلاقه سيكون بلا حدود ونحو المجهول.

@ الإضاءة الثانية تتمثل في «الوثيقة» التي سربها وزير «الشؤون الاستراتيجية» في الحكومة الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، ورسم بها «الخطوط الحمر» التي يتوجب على إيهود أولمرت ألا يتجاوزها في مفاوضاته مع الجانب الفلسطيني، في أنابوليس، وفي مفاوضات الحل الدائم.

ونظرة سريعة على «وثيقة» ليبرمان تستنتج أن الورقة تنسف كل أساس لحل مقبول: فهي تنسف أساس قيام الدولة المستقلة، وأساس الترابط الجغرافي بين الضفة والقطاع، وأساس عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتستبيح الأرض والقدس لأجل المزيد من التهويد والاستيطان، وتدعو لإعفاء الاحتلال من أعباء وظيفته الاحتلالية، وإحالة هذه الأعباء إلى السلطة الفلسطينية تحت القبضة العسكرية المباشرة للحلف الأطلسي أي استبدال الاحتلال الإسرائيلي باحتلال أطلسي.

والواجب يتطلب ألا يتم الاستخفاف بورقة ليبرمان، ففي ظل تقاطع المصالح، بينه وبين حزب العمل بقيادة إيهود باراك، وحزب شاس بقيادة بن يشاي، يمكن لهذه الورقة أن تشكل «موضع إجماع» القوى الإسرائيلية الفاعلة في حكومة أولمرت، الذي بدوره يتبناها لأنها لا تتعارض مع صهيونيته وأطماعه الاستعمارية.

إذن، الإسرائيليون، وعلى يد أكثر أطرافهم تطرفاً، رسموا «الخطوط الحمر» لوفدهم إلى طاولة المفاوضات.

ترى ما هي «الخطوط الحمر» للوفد الفلسطيني؟

هل هي وثيقة الأسرى (وثيقة الوفاق الوطني) أم تصريحات رئيس السلطة محمود عباس؟

أم أن العملية التفاوضية تسير بارتجال، وسطحية، الأمر الذي يهدد منذ الآن خطورة النتائج التي سوف تسفر عنها هذه العملية؟

بات من الضروري أن ترسم اللجنة التنفيذية هذه الخطوط.

ولا يكفي القول إن أية وثيقة سيتم التوصل إليها مع الجانب الإسرائيلي سوف تعرض على «اللجنة التنفيذية»، بل يجب القول «إن ما من وثيقة قد يتم التوقيع عليها، إذا لم تستجب لأهداف الشعب الفلسطيني كما رسمتها بوضوح وثيقة الوفاق الوطني».

@ الإضاءة الثالثة هي الحديث في الأوساط الرسمية الفلسطينية، وفي أوساط الجهات المانحة، عن أزمة مالية قد تصطدم بها السلطة الفلسطينية.

وتشير هذه الأحاديث إلى أن حكومة فياض قد تقف خلال فترة قصيرة عاجزة عن تسديد مرتبات العاملين في أجهزة السلطة وإداراتها، خاصة بعد أن كادت الحكومة أن تسترد كل الأموال المحجوزة لدى الإسرائيليين، من إيرادات ضرائب المعابر.

كما تشير هذه الأحاديث إلى أن المانحين الأوروبيين يفضلون أن يتبنوا مشاريع تنموية في مناطق السلطة، الأمر الذي يبقي مسألة توفير الأموال لتسديد المرتبات هي العقدة الناتئة في وجه السلطة.

وقد يكون هذا الكلام صحيحاً، وقد يكون مفتعلاً، لكن خطورته أنه يأتي عشية الذهاب إلى أنابوليس، مما يحوله إلى أداة ابتزاز للسلطة، وهو ما يذكرنا بالأحاديث عن إفلاس م. ت. ف. مالياً عشية الذهاب إلى مؤتمر مدريد.

وقد فسر الأمر آنذاك على أنه كان وسيلة لابتزاز وضغط على مؤسسات م. ت. ف. والعاملين فيها للموافقة على شروط الذهاب إلى مدريد، في صفقة مقايضة بين هذه الشروط وبين توفير المال للعاملين من المنظمة.

ونفترض أن على السلطة الفلسطينية أن توضح حقيقة القضية، وأن على الجانب العربي، الذي يبدي حرصاً على المصالح العربية في أنابوليس، إلى المسارعة لمعالجة المسألة المالية هذه، قبل أن تتحول إلى «عملية تفاوضية» توفر للمفاوض الفلسطيني الذريعة لتقديم التنازلات.

@ الإضارة الرابعة وتتمثل في مناقشات لجنة الأمن والخارجية في الكنيست، للاحتمالات المختلفة، فيما لو فشلت مباحثات أنابوليس، مستندة في مناقشاتها إلى تقرير للشاباك يقول إن الحالة الفلسطينية منهكة، وإن الفلسطينيين عاجزون عن اللجوء إلى انتفاضة ثالثة إذا ما فشلت المباحثات، دون أن يلغي احتمال وقوع بعض أعمال «العنف والشغب» لكن دون الوصول إلى مستوى انتفاضة عام 2000.

أي أن الإسرائيليين لا يستبعدون فشل أنابوليس، وبالتالي يضعون مخططات لمواجهة هذا الفشل وتداعياته.

ويصبح السؤال: «ما هي الاحتمالات، بنظر الجانب الفلسطيني، وما هي مخططاته لمواجهة كل من هذه الاحتمالات؟».

@ الإضاءة الخامسة (وهي في كل الأحوال أكبر من إضاءة عادية) تتمثل في الأعمال العدوانية الإسرائيلية ضد قطاع غزة (قصف، توغل، اغتيالات، قطع الإمدادات، إغلاق المعابر، حصار شامل الخ) في خطوة ابتزازية بشعة بذريعة سيطرة حركة حماس على القطاع، ولا يقتصر العدوان على القطاع بل يمتد كذلك إلى الضفة نفسها، الأمر الذي يوضح إلى أي مدى يستغل الجانب الإسرائيلي الحديث والتحركات بشأن أنابوليس لينفث حقده ضد القوى الفلسطينية على اختلاف اتجاهاتها، بهدف تعميق الانقسامات داخل الصف الفلسطيني ـ فالجانب الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من هذه الانقسامات.

صورة قاتمة تزيدها قتامة تصريحات أولمرت القائلة، بأن أنابوليس لن ينجز ما عجزت أربعون عاماً عن إنجازه من سلام. وحديثه عن أنه ليس واثقاً من أن الوقت قد حان للوصول إلى السلام.

وقناعته الراسخة أن الجهود لإنجاح أنابوليس، وفقاً للمواصفات الإسرائيلية، لا تتعارض مع العمليات العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.

صورة قاتمة لابد للجانب الفلسطيني أن يأخذها بالاعتبار، مع الإدراك التام، أن الخطوة الاستراتيجية لمواجهة ضغوطات أنابوليس واستحقاقاته، هي في العودة إلى الوحدة الداخلية.

لذلك من كان حريصاً على تفويت الفرصة على أنابوليس، وصون البرنامج الوطني الفلسطيني عليه أن يكون حريصاً على بذل الجهود الممكنة لوضع حد للانقسام، ولإعادة الوحدة إلى الصف الفلسطيني.

فالانتقاد، والشجب والاستنكار، والتراشق بالاتهامات، كلها خطوات في الهواء لن تجدي نفعاً ولما تستجيب للمصلحة الوطنية.


المصدر