خفايا قافلة "شريان الحياة لغزة "
خفايا قافلة "شريان الحياة لغزة "الرحلة البرية التي دامت 30 يوما
صبَّاح المختار.. الرجل الثاني في قافلة جالاوي
صبَّاح المختار.. الرجل الثاني في قافلة المساعدات البريطانية "شريان الحياة" إلى غزة، نائب رئيس القافلة جورج جالاوي، ورئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا.
انطلقت القافلة في منتصف شهر فبراير الماضي من أمام مجلس العموم البريطاني، وتضم 100 شاحنة محملة بالأغذية والأدوية ومنتجات للأطفال الفلسطينيين، فضلاً عن 12 سيارة إسعاف، وقد مرَّت بكل من فرنسا و أسبانيا و المغرب و الجزائر ، وعبَرت تونس لتصل بعدها إلى ليبيا و مصر، قبل الوصول إلى غزة عبر معبر رفح.
'المختار'.. عراقي الأصل، وُلد في بغداد في منطقة الكرك، يعيش في بريطانيا منذ شبابه، ويعيش قلبه بحسب تعبيره في كل أرجاء الوطن العربي، وخاصةً فلسطين، وإلى نصِّ الحوار:
نصِّ الحوار
* فيما يتعلق بالقافلة، ما الأهداف التي دشنتم من أجلها القافلة؟
- القافلة هدفها الأساسي بالدرجة الأولى التضامن مع الشعب الفلسطيني وتقديم المساعدات لهم، وكنا نعلم أنه يمكن في نفس الوقت تحقيقهما عبر وسائل أخرى مثل إرسال المساعدات عن طريق الجو أو تكليف جهة ما بإرسالها أو عن طريق إعلان التضامن من خلال وسائل الإعلام مثلاً أو مواصلة المظاهرات إلا أننا رأينا أنه من المهم أن نأتي بهذه المعونات عن طريق البر كي نرى الشعوب العربية أن بإمكانها أن تتخذ هذه المواقف دون ضرورة الانتظار إلى الحكومات ودون ضرورة الارتباط بها بتنظيمات سياسية، فقافلتنا تكونت من 250 شخصًا، لا يربطهم أي رابطٍ باستثناء تقديم الدعم إلى الفلسطينيين والتضامن معهم فلم يربطنا رابط سياسي أو حزبي أو ديني، فكان هناك الأطباء وسائقو الشاحنات والعاطلون عن العمل والنواب، كما كان هناك المرأة والرجل والمسلم وغير المسلم وهناك أسيويون وعرب.الهدف الثاني أننا نجد صعوبةً في بريطانيا في قبول فكرة أن تقف الحدود سواء القريبة أو البعيدة، وهنا أتحدث عن الحدود.
* علمنا أن بعض الدول عرقلت سير القافلة.. فهل هذا صحيح؟
- نعم، مثل معبر رفح و"وجد" المغربية و"مغنية" الجزائرية، وأرى أنه من غير المعقول أن تقف الحدود عائقًا أمام تقديم المساعدات في حال النكبات، فهناك التزامات على كافة الدول أن تفتح حدودها لتخفيف المعانات والمآسي الإنسانية بغض النظر عن أي مشاكل لتلك الدول، كما هو شأن الجزائر و المغرب أو الاتفاقيات كما تقول مصر عن معبر رفح.ونحن حاولنا كثيرًا أن نثبت أن الالتزام القانوني الدولي والإنساني يعلو فوق أي اعتباراتٍ أخرى.
* ما أشكال العرقلة على تلك الحدود وكيف كانت المعاملة من جانب الدول التي مرَّت بها القافلة؟
- الانطباع الذي رافقنا طوال رحلتنا من لندن إلى غزة أننا قافلة غير مرحب بنا على المستوى الرسمي على عكس شعوب تلك الدول، وشديد الأسف أنني كعربي وإن كنت أحمل الجنسية البريطانية أشعر بإحباط وبأسى شديد من الهوة التي أجدها بين الشعوب العربية وحكوماتهم.
فهذه الحكومات وضعت أمامنا العديد من العقبات، بعضها نعجز عن فهمها؛ لأنه سخيف وغير مبرر، وبعضها فهمناه وعجزنا عن إيجاد الحكمة من ورائه!، فمثلاً المغرب أجبرت أعضاء القافلة على خلع القمصان التي تم طبع عليها خريطة خصيصًا لهذه الرحلة؛ لأن الخريطة فيها خط يؤكد أن الصحراء الغربية ليس جزءًا من المغرب، ونحن لم نكن على إدراك بهذا الاعتبار السياسي.
ويمكن تصور هذه العقبات، ولكن غير المفهوم وغير المقبول أن تقوم الأجهزة الأمنية بمنعنا من السير في الطريق الذي تم التخطيط له مسبقًا وإعلانه، والذي وضع في اعتباره الوضع الراهن الداخلي وعدم عرقلة المرور احترامًا لسيادة هذه الدول.
ووصل المدى إلى أن الأجهزة الأمنية كذبت علينا؛ حيث أبلغتنا في إحدى الدول أن نذهب إلى نقطة ما التي تبعد 20 كم بحسب كلامهم، بينما هي علي أجهزة الملاحة المتقدمة التي بحوزتنا تبعد 200 كم أو أن يُقال أننا سنتوقف بعد نصف ساعة في مكانٍ ما رغم أن المسافة تأخذ وقتًا أكبر بحسب أجهزتنا.
رفضنا الشروط
هل تم فرض شروط بعينها للعبور إلى غزة؟
- أؤكد أننا لم نرضَ أن تُفرض علينا شروط في أي دولة، فرغم سيادة الدول إلا أنها بكل وضوحٍ لن تُلزمنا بشروط، وإن حدث شيء من هذا القبيل لكنا رفضنا رفضًا قاطعًا.وللأمانة أفضل تنظيم وجدناه في مصر ، رغم عرقلة القافلة لبعض الوقت عن طريق أجهزتها الإدارية، فهذه الأجهزة غريبة، وحتى الآن لا تستطيع الأجهزة الإدارية استيعاب لدور القافلة نتيجة بعض الأعمال الروتينة.
* ما تفاصيل المفاوضات التي جرت بينكم وبين الجانب المصري لإدخال القافلة كلها من معبر رفح؟
- في البداية أبلغونا أن الأشخاص وسيارات الإسعاف فقط هم المسموح لهم بالدخول، ثم انتقل الأمر إلى السماح بدخول الشاحنات على شرط أن تدخل ولا تخرج ووافقنا؛ لأن هذه كانت أمنيتنا، ثم رفضوا حمل الشاحنات لمواد غذائية وتشددوا في ضرورة حملها لمواد طبية فقط، حتى وصلت المفاوضات إلى دخول 99% من مساعداتنا إلى غزة .
وأود أن أشير هنا إلى أن هناك رغبةً عند مَن قام بالتفاوض معنا في مساعدة الفلسطينيين وتسهيل مهمتنا، لكن هناك أشياء غريبة تُعرقل تحركاتنا لا نعرفها، ولكن من الطريف أن تحريك السيارات من نقطة إلى نقطة أخرى تتم بمفاوضات كبيرة وممتدة بين شخصيات أمنية وعسكرية عرفنا بعدها أننا كنا نفاوض 7 أجهزة أمنية.
سرقة المواد الغذائية
أشرت إلى أن 99% من المساعدات ذهب إلى غزة أين ذهب الـ"1%" الباقي؟!
- عدد قليل من المواد الإغاثية والخيام تم تفريغها من الشاحنات إلى شاحنات أخرى وقيل لنا إنها ستدخل غزة عبر الهلال الأحمر المصري عن طريق معبر العوجة.
وحين وصلنا إلى غزة وجدنا أن هذه الآلية التي قالوا لنا عنها لم تكن دقيقةً، وتعني احتمالية سرقتها؛ ولذلك أنا أوجه رسالتي إلى الجميع من خلال (إخوان أون لاين) وأناشد باسم القافلة السلطات المصرية والهلال الأحمر المصري ضمان عدم سلب هذه الشاحنات؛ لأننا أبلغنا وزير الشئون الاجتماعية بغزة أن يُعطينا مخاطباتٍ رسمية بوصول هذه المساعدات من عدمه إليهم، ووعدنا بذلك وسنقوم في حالة عدم تنفيذ المصريين لوعدهم معنا ولو بفقد علبة بسكويت واحدة من الشاحنات بتصعيد الأمر إلى المنظمات الدولية ومنظمة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وسوف نوجه اتهاماتنا للجهات المسئولة، وهذا أمر لا نريد فعله؛ لأنه يُسيء إلى الهلال الأحمر المصري والعربي وفيه إساءة لمصر أمام المنظمات الدولية.
وأنا أقول لهم المثل العربي: "إذا سرقت فاسرق جملاً"، ولا داعي لمد اليد إلى مواد إغاثية بسيطة في طريقها إلى شعبٍ محاصر، والقضية لدينا ليست في حجم الموجود لديهم، ولكن في المبدأ في الوقوف ضد الفساد ويكفي الفلسطينيين ما هم فيه.
لحظات إنسانية
* نتوقف مع لحظة دخولكم عبر معبر رفح إلى غزة.. كيف رأيتموه؟
- انظر، منذ عشر سنوات ذهبت أنا وجورج جالاوي بـ"باص" أحمر ذي طابقين إلى العراق لكسر الحصار المفروض عليها، ومررنا بنفس الطريق، ولكنه امتدَّ بنا إلى بغداد، ولم نتوقف عن البكاءِ ساعتها؛ لأنه سواء في العراق أو في غزة وجدنا أن الجانب الإنساني يعلو فوق الاعتبارات الأخرى، فحينما دخلنا إلى غزة ونحن قافلة بريطانية التي تسبب رئيس وزرائها "بلفور" في معاناة فلسطين بعد إعطائه وعدًا لا يمتلكه إلى مَن لا يستحقه، جئنا نعتذر هذه المرة إلى غزة ، عمَّا ارتكبه بلفور وعما ارتكبته حكومتنا الحالية ضد غزة من أخطاء سياسية وقانونية.
ذهبنا لهم واستقبلنا مئات الآلاف في غزة، ولكن نظرنا فوجدنا كأننا دخلنا إلى سرادق عزاء، ذهبنا إلى عزاء أب فقد ابنه، وعزاؤنا لن يرجع الولد لأبيه ولا كيس أرز سيرجعه لأبيه، ولكنه كان لنثبت له أنه ليس وحده الذي يتألم، وأنه ليس وحده الذي يبكي، وأنه ليس وحده الذي يعيش مرارةَ الفقد والوحدة، وليس وحده يرفض ما يحدث على أرضه.
فعلاً لقد كان لقاءً مخجلاً لنا، فقد رأينا كبار السن والعجائز يقبلون يد شباب صغار السن جاءوا لتأييدهم ودعمهم، وبكينا ساعتها كثيرًا لأننا رأينا أمة تجبر أبناءها على الوقوف هذا الموقف الصعب، أمتنا هي إلى تتحمل ما يحدث في فلسطين وليس الصهاينة وحدهم لأننا صامتون.
نريد من العرب فعلاً أن يكون بشرًا، لا نطلب منهم أن يكون مسلمين أو عربا حتى، نريد منهم الجانب الإنساني، والجانب البشري، هذا ما نريده منهم، وكفاهم حصارًا لغزة، كفاهم ما حدث.
وضع صعب
* عندما دخلتم إلى غزة.. كيف كان الوضع؟ ولماذا سلمتم المساعدات إلى حكومة إسماعيل هنية تحديدًا؟
- مبدئيًّا نحن لا نوافق على لعبة السياسة الدائرة في الغرب، وبما فيها حكوماتنا أو حتى الحكومات العربية ولا نتعامل مع وصف الحكومة الشرعية بغير الشرعية؛ لأننا نتعامل مع فلسطين، ونتعامل مع الحكومة المنتخبة في غزة ، وهي الحكومة الشرعية، وهذا كلامي كرجل قانون قبل أي شيء، وأنا قرأت الدستور الفلسطيني، وسأقدم مناقشةً مستفيضةً حول هذا الأمر لاحقًا، فالدستور منح الرئيس محمود عباس إقالة الحكومة وإعلان الطوارئ، ولكن الدستور ينصُّ على وجود هذه الحكومة حتى إجراء انتخابات جديدة، وهو ما لم يحدث؛ ولذلك فالادعاء بعدم شرعية حكومة إسماعيل هنية هراء في عرف القانون والدستور الفلسطيني، بينما حكومة فياض غير دستورية.. ذهبنا إلى غزة والتقينا بالحكومة الشرعية، وسلمنا مفاتيح السيارات إلى نائب رئيس الوزراء الفلسطيني بمحتوياتها، وهكذا سلَّمنا الأمانة لمَن يُمثِّل الشعب الفلسطيني.
* ما المشاهد التي طالعتها في غزة وكيف رأيتم صمود الشعب الفلسطيني؟
- رأينا مشاهد الدمار، تدمير البشر والشجر والحجر، تدمير بنايات وزارات مدنية، وهي جرائم حرب وفقًا لاتفاقية جنيف خاصةً المادة 52، هناك تدمير لمئات الجوامع والمدارس والوزارات والمستشفيات.
وآخر ما رأيناه على بعد عدة كيلو مترات من حدود مصر، وتحديدًا في رفح، تم تدمير مركز إسلامي كبير، به مسجد ومركز إيواء، وعلمنا أنه تم بنَّاؤه في 5 سنوات، ولكن الصهاينة دمروه في دقيقتين.
الأيتام الذي كانوا داخل مركز الإيواء جلسوا في خيمة فوق أنقاض المسجد، يحيوننا، وكأنه حرام على الصهاينة أن يكتفي الأيتام بكونهم أيتامًا فقط.
باختصار يكفي تأكيد أن غزة تعيش نكبةً إنسانيةً كبرى؛ ولذلك أدعو من كل قلبي على الفلاسفة الكبار الذين يبررون العدوان على غزة ، ويبررون المأساة التي يعيشها أهالي غزة أن يذيقوا بعضًا منها حتى يستطيعوا التفلسف والتبرير.
أما عن مشاهد الصمود فهي كثيرة، رأيناها في عيون الجميع مسئولين وأساتذة جامعات وسيدات منتقبات ومحجبات والرئيس إسماعيل هنية.
وأستطيع أن أؤكد أن هناك في غزة إرادةً وتصميمًا وعزمًا لتجاوز ما يمكن أن نتصوره في الدفاع عن أنفسهم وعن بلادهم، فالآن لا يوجد ما يبكون عليه، ولا يجوز في عرفِ أحدٍ كما هو في عرفهم أن يتوقف أحدٌ أمام الاعتداء على زوجته أو ابنته أو أخيه أو أبيه موقف الصامت الذليل. وأعتقد اعتقادًا كبيرًا أن كافةَ الضغوط التي تمارس عليهم ستبوء بالفشل، ومَن يعتقد في نجاحها فهو واهم ولم يجلس مع هؤلاء الناس.
مخاطرة هنية
* احكِ لنا عن تفاصيل مقابلتكم مع رئيس الوزراء إسماعيل هنية؟.
- وفدنا تكوَّن من 6 أشخاص كان على رأسه جورج جاولاي وأنا، وأقول لك إن السيد هنية خاطر بحياته للالتقاءِ بنا، فبعض وزرائه لم يقابلوه منذ 3 أشهر وقابلوه فقط معنا، وعلمنا أنه أصرَّ على مقابلتنا لتحيتنا، وأبلغنا حصول كافة أعضاء الوفد على جواز السفر الفلسطيني، ومازحناه ساعتها قائلين: إذا لم تعطوا لنا هذا الجواز، سنطالب بالجنسية نفسها".
ودار النقاش بطريقةٍ ودودة عن الوفد ورحلته، ورسخ هنية في أذهاننا أنه إنسان هادئ مستمع جيد موزون الشخصية، يُفكِّر قبل أن يتحدث، لديه درجة عالية من الدفء الإنساني، متواضع لأقصى الدرجات.وشرح جورج جالاوي للوفد هذا الانطباع قائلاً: هذا هو الفرق بين القيادة الفلسطينية في الضفة والقيادة في غزة، ففي غزة هي جزء من الشعب، وفي الضفة هي قيادة فقط.ووصل تواضعه إلى مَن يعملون على رعايته، فهو يتعامل معهم بشكل أخوي، حتى توصلت إلى قناعة أنني مستعد إلى أن أكون صديقه إذا وجدت باقي صفاته تتوافق معي.
المصدر:فلسطين الأن