خطة تفكيك الإسلام
16-05-2013
بقلم: د. محمد عبد اللطيف
من يتأمل مجريات الأحداث في مصر سيتأكد لديه أن خلاف الإسلاميين مع العلمانيين ليس خلافًا فكريًّا داخل الدائرة الإسلامية، وإنما هو خلاف عقدي؛ لأن التصور الإسلامي يجعل التدبير والحكم والأمر كله لله تعالى، وليس مقبولاً- بحسب مقررات القرآن والسنة- أن يجتمع في نفس المسلم تصور أن الله عز وجل هو المدبر لكل شيء والمهيمن على كل أمر مع تصور عزل الحياة عن توجيهاته عز وجل.
ولهذا كانت المرجعية الإسلامية للدولة المسلمة أصلاً منصوصًا عليه في قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) وقد صاغ الرسول هذا الأصل في الصحيفة التي مثلت دستور أول دولة إسلامية في المدينة؛
حيث جاء فيها "وما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار فإن مرده إلى الله وإلى محمد" وأكَّد ذلك الخليفة الأول أبو بكر الصديق في خطابه بعد البيعة حين قال: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
والمتابع لتحركات التيارات والأحزاب العلمانية خلال الفترة الماضية سيلاحظ أنهم يتبعون خطة من ثلاث مراحل:
- الأولى: مهادنة الإسلام وإظهار احترامه وتوقير علمائه، .
- والثانية: الدعوة لتطوير الإسلام وإعادة تفسيره لتوظيفه علمانيًّا، .
- والثالثة: مهاجمته، وادعاء أنه لا يفي بحاجات البشر ومتطلبات العصر.
ومفاهيم المرحلة الأخيرة مستقرة في العقل العلماني، ومسطورة في مؤلفات العلمانيين.. وخطتهم بمراحلها الثلاث تحظى بدعم خارجي مادي ومعنوي؛ لأنهم يسيرون في طريق مرسومة يريدها الغرب، وهي طريق حرب الأفكار التي تستهدف إعادة تشكيل العقل الإسلامي من خلال تفكيك الإسلام وإعادة تركيبه.
والسؤال: ماذا يقول الإسلام في مواجهته لأمثال هؤلاء؟
- والجواب: أن الله تعالى قد قال لرسوله ولكل من يحملُ هَمَّ الإسلام من بعده: (وقل إني أنا النذير المبين. كما أنزلنا على المقتسمين. الذين جعلوا القرآن عضين. فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون).
ونحن مطالبون بالصدع بهذا القول في وجه كل من لم يتلقّ الإسلامَ بالتسليم الكامل، وفي وجه كل يقبل بعض الإسلام ويرفض بعضه، فهؤلاء هم "المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين" أي الذين جعلوه أجزاء يقبلون بعضه ويرفضون بعضه..
وقد قال ربنا سبحانه: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما لله بغافل عما تعملون).
هذه الحقائق القرآنية الساطعة تجعلنا لا نتوانى عن التصريح بأن خطة تفكيك الإسلام تقوم على مجموعة من المسلمين المعادين لكل ما هو إسلامي، وأنها تستهدف قطع الشجرة بيد أحد أبنائها، وهؤلاء الأبناء لهم امتدادات في مصر، تسيطر على وسائل الإعلام ومنابر التثقيف، وقد سبق لهم التحكم في كثير من مفاصل الدولة المصرية..
وهم لا يبالون بإرادة الشعب المصري إن جاءت على غير هواهم.. هذا الشعب الذي نبذ الأحزاب العلمانية عند أول فرصة أتيحت له للتعبير الحر عن إرادته، فاتهموه بالجهل وبأنه يبيع صوته بكيس من السكر وبزجاجة من الزيت..
وهم الآن يشنون حملة شعواء ضد اختيار الشعب، ويستعينون بأذناب النظام الساقط، ولا يبالون إن كفر الشعب بثورته، أو إذا حَنَّ ضعاف النفوس إلى عهد الاستبداد.
لقد تذكرت وأنا أرصد هذا الوضع ما رواه البخاري أن حذيفة بن الْيَمَانِ قال: كان الناس يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ عن الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عن الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كنا في جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا الله بهذا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هذا الْخَيْرِ من شَرٍّ ؟ قال: نعم.
قلت: وَهَلْ بَعْدَ ذلك الشَّرِّ من خَيْرٍ ؟ قال: نعم، وَفِيهِ دَخَنٌ. قلت: وما دَخَنُهُ ؟ قال: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهم وَتُنْكِرُ.
قلت: فَهَلْ بَعْدَ ذلك الْخَيْرِ من شَرٍّ؟ قال: نعم، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، من أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فيها. قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لنا.
فقال: هُمْ من جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا. قلت: فما تَأْمُرُنِي إن أَدْرَكَنِي ذلك؟ قال: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ.
والتزام جماعة المسلمين يعني في صميمه التزامَ الفهم الوسطي للإسلام، وهو فهم جمهور الأمة المنبثق من القرآن والسنة، والمدرِك لمعطيات الواقع وأولوياته، والبعيد عن اختزال التدين في بعض المظاهر والطقوس، والمنزه عن سيطرة الأهواء والرغبات الشخصية أو الحزبية.
ومن شأن هذا الفهم أن يسحب البساط من تحت أقدام أصحاب هذه الخطة، ولا يعطيهم الفرصة لتخويف الناس من المرجعية الإسلامية ومقتضياتها، فمصر بلد مسلم لكل المصريين، والحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة المصرية ليست مسئولية فئة معينة، ولكنه مسئولية كل المصريين الحريصين على تحقيق الوفاق الوطني، والراغبين في استعادة مصر لإرادتها المستقلة، وفي استتباب الأمن، ودوران عجلة الاقتصاد، وبناء المؤسسات الديمقراطية، ومنع أعداء الوطن في الداخل والخارج من إعادتنا مرة أخرى إلى عهد ما قبل الثورة.
المصدر
- مقال:خطة تفكيك الإسلامموقع:إخوان أون لاين