خطاب مفتوح إلى ممدوح مرعي وزير العدل
بقلم:القـاضي محمود رضا الخضيري
قد يعجب القارئ عندما يشاهد عنوان هذا المقال ، وموضع العجب أن مثلي في موقعه القضائي ومن نادي القضاة يستطيع أن يلتقي بوزير العدل في أي وقت ويبلغه ما يريد مباشرة وقد كان هذا هو الشأن مع من سبق المستشار / ممدوح مرعي إلى كرسي الوزارة ولكن الأمر قد اختلف كثيراً بمجيء المستشار / ممدوح مرعي ، فقد أصبح اللقاء معه يستلزم التنازل عن جزء من الكرامة إذ المطلوب ممن يريد اللقاء به أن يذهب إلى مقر الوزارة بدون موعد سابق ويطلب الإذن باللقاء على فرض وجود الوزير بمكتبه ثم ينتظر الإذن وقد يؤذن له أو لا يؤذن حسبما يرى الوزير والبطانة التي تحيط به ، وأنا في اعتقادي أن أي قاض يقبل على نفسه ذلك من أجل لقاء أي مسئول في الدولة مهما كان شأنه لا يستحق أن يجلس على كرسي القضاء لأنه فقد كرامته وبالتالي فقد صلاحيته لتولي مجلس القضاء ، ولعل هذه المقدمة البسيطة تفهم القارئ لماذا لم التق بالمستشار / ممدوح مرعي حتى لحظة كتابة هذا الخطاب ولماذا لم أبلغه ما أنوى بتبليغه له عن طريق هذا الخطاب المفتوح .
وأول شيء أريد إبلاغه له هو أني مشفق عليه كثيراً فهو زميل فاضل وكان صديقاً عزيزاً كنت اعتز بصداقته حتى تولى رئاسة لجنة الانتخابات الرئاسية وصدرت منه بعض التصرفات انتقدتها في حينها علناً وأحدث ذلك بيني وبينه شرخاً علمت به من بعض المحيطين به .
ومبعث إشفاقي عليه أنه يأتي إلى كرسي الوزارة في وقت جميع القوى الشعبية معبأة ضده لموقفه منهم أثناء رئاسة لجنة الانتخابات الرئاسية ، كما أن تصرفاته أثناء رئاسة التفتيش القضائي في وزارة العدل قد جعلت له الكثير من الأعداء داخل القضاء ، ولا أقول أن البعض خائف منه لأنه لا يليق بقاض أن يخاف من وزير العدل الذي وجد أساساً لخدمة السلطة القضائية وتحقيق رغباتها والسهر على مصالحها التي هي في المقام الأول مصالح الشعب الذي يريد سلطة قضائية قوية تستطيع أن تحقق له الحماية والحرية وتحافظ على مصالحه ، وإن كان الكثير من القضاة يتوجسون منه شراً ولا يتوقعون الخير على يديه ، في هذا الجو المعبأ بالكراهية والتوجس وعدم الاطمئنان أتيت إلى مقعد الوزارة ، والحقيقة أن إسناد الوزارة إليك في هذه الظروف دليل قاطع على أن السلطة السياسية في مصر وصناع القرار فيها لا يقيمون وزناً لمشاعر الشعب ولا يضعون في اعتبارهم رغباته وتطلعاته لأنها من وجهة نظرهم لا قيمة لها ولا تؤثر في شيء ، وهذا أمر طبيعي لأن الشعب ليس له في مصر إرادة أصلاً في اختيار حكامه يمكن أن تؤثر عليهم فلم يساهموا يوماً في إسناد السلطة لهم ولن تكون لهم أبداً يد في نزع هذه السلطة منهم ولذلك فإنهم يتجاهلونه ولا يعملون أي حساب له ، أو إن شئت الدقة يعملون عكس إرادته ورغبته كما في هذه الحالة .
عندما تردد في وقت معين إمكان اختيارك لوزارة العدل شاعت مقولة بين الناس أن الأجهزة الرقابية التي يؤخذ رأيها فيمن يلي المناصب العليا في مصر وضعت تقريراً تقول فيه إنك شخص غير مرغوب فيه من القضاة ومن الناس وترى استبعاد ترشيحك لهذا المنصب الوزاري وعندما حدث ذلك تأكد الناس والقضاة من بينهم إنك إنما أتيت إلى كرسي الوزارة من أجل هدف معين أو أهداف محددة أولها المساعدة على إقرار التعديلات الدستورية التي تساعد على التوريث بما عرف عنك من عنف في المعاملة ولا أعرف كيف سيتم ذلك إلا أن هذا هو ما يتردد أما الثاني فهو القضاء على نادي القضاة عقاباً له على مواقفه السابقة من قضية تزوير الانتخابات ولأنه يعتبر العقبة الأولى التي تقف ضد التوريث والذي يعلق الناس عليه الآمال في عدم وصول قطار التوريث إلى محطته الأخيرة .والأمر الأخير شعرنا به منذ أول أسبوع من جلوسك على كرسي الوزارة حيث امتنعت عن تحديد موعد لكل من أعضاء مجلس الإدارة في مصر والإسكندرية للحضور للتهنئة وعدم مخاطبة الناديين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة والامتناع عن تقديم الدعم المالي المقرر لهم أو الحضور إلى النادي للقاء الزملاء والاختلاط بهم ومناقشة مشاكلهم والتعرف عليهم وهم الزملاء اللذين عشت معهم عمرك في القضاء مكتفياً بصحبة القليل منهم .
وما أحب أن أقوله لك في هذا الشأن أن محاولة القضاء على نشاط نادي القضاة وإفراغ هذا النشاط من مضمونه ، محاولة ليست بالجديدة على النادي أو الحكومات المتعاقبة ، فعلها الرئيس عبد الناصر عقب بيان 28 مارس حيث أعقب ذلك بحل مجلس إدارة النادي ومذبحة القضاة ، ومات عبد الناصر ويده مضرجة بدم القضاة وتاريخه مشوه بعار هذه المذبحة ، وبقى نادي القضاة شامخاً عالياًَ بل واشتد عوده عن ذي قبل وانطبق عليه المثل القائل " أن الضربة التي لا تقسم الظهر تقويه " ، وبعد ذلك حاول الرئيس السادات بأسلوبه الذكي ودهائه القضاء على نادي القضاة بالعمل على إنشاء كيانات أخرى ممكن أن تقوم مقامه وهي ما يسمى الآن جمعيات الاستئناف أو النيابة العامة وساعده على ذلك بعض وزراء العدل ممن يقبلون أن يكونوا أداة في يد الحكام ولم يستطيع القضاء على النادي وظل النادي في علوه وشموخه حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن والتف حوله الشعب كله وأطلقوا عليه اسم " بيت الأمة " تعبيراً عما يكنونه له من احترام وتقدير ، وحدث ما حدث في الفترة الأخيرة مما عشته معنا وعاشه الشعب كله ، وأطيح بالأخ الفاضل المستشار / محمود أبو الليل من على كرسي الوزارة ظناً منهم أنه عجز عن قمع غضبة القضاة لاستقلالهم وحرية الشعب ونزاهة الانتخابات ثم أُتي بك لكي تقوم بذلك، وأني أنصحك حباً وحرصاً عليك وأقول لك أن نادي القضاة قلعة حصينة مليئة بالأسود التي تزود عنه وأن محاولة النيل منه تبوء بالخسران وأن السلطة التنفيذية تريد أن تقضي على نادي القضاة وتخرج من المعركة نظيفة اليد وهي إن شاء الله واهمة وعندما تبوء خطتها بالفشل ستكون أنت وأعوانك كبش الفداء الذي اعتادت الحكومة تقديمه عقب كل أزمة حتى تبدو أمام الشعب أنها بريئة مما حدث فانتبه يا أخي ممدوح لهذا الفخ الذي ينصب لك ولنا ولا تقع فيه كما وقع فيه غيرك وأعلم أن لنادي القضاة رب يحميه ويدافع عنه ونأمل من الله ألا تلقى وأنت تهاجم نادي القضاة مصير أبرهة صاحب الفيل وتصبح حديث الناس والتاريخ تندراً وشماتة .
أخي ممدوح مرعي ما فلعته حتى الآن في الإدارات التابعة لك في وزارة العدل شيء جيد لم يسبقك إليه أحد وهو يلقى التأييد والدعم من كل القضاة ونشيد به في كل مجلس ونأمل أن يكون بداية طيبة لإصلاح أوضاع هذه الأجهزة ، ولكن بدايتك مع نادي القضاة لا تبشر بخير فلماذا هذا التناقض ؟! إن الإصلاح عبء كبير لا يمكن أن تقوم به وحدك هذا إذا كنت تنوي الإصلاح حقاً بل لابد أن يعاونك الجميع على ذلك بالأفكار والإرشاد والنصح والمساعدة ونحن على أتم استعداد لمعاونتك على الإصلاح والتغيير لأن المشكلة صعبة ومعقدة وقد بدأنا كما تعلم ذلك منذ مؤتمر العدالة الأول والأخير ووضعنا الكثير من الأفكار التي تساعد على حل الكثير من مشكلات العدالة في مصر لو نفذت لما كان هذا حال العدالة الآن ولكن لأنه لا توجد رغبة في الإصلاح تم إلقاء هذه الأفكار في سلة المهملات والعمل على عدم عقد أي مؤتمر لمتابعة تنفيذ هذه الأفكار .
هل تعرف لماذا يا أخي ممدوح ؟؟ لأن القائمين على أمر هذا البلد لا يردون إصلاحاً ولا تغييراً لأنه ليس في مصلحتهم بل فيه القضاء عليهم وإذا ما قاموا بشيء من ذلك فعلى هواهم وهو لا يكون أبداً في مصلحة الناس والوطن كما شهدنا في التعديلات الدستورية الأخيرة .
الأفكار التي تؤدي إلى الإصلاح كثيرة والراغبين فيه من الشعب أكثر ولكنهم لا يجدون على الإصلاح معيناً من الحكومة ، فينطوون على أفكارهم ويندبون حظهم وينزوون خلف مكاتبهم حزناً ويأساً ، أو يغيرون مواقفهم إلى النفاق والتملق والمداهنة لأنهم يجدون أن ذلك هو السبيل الوحيد للظهور والحصول على المراكز المرموقة .
أمرت يا أخي ممدوح بإنشاء مكاتب في المحاكم للعمل على خدمة القضاة ليل نهار وهذا أمر جيد ولكنك تعلم أن هذه المكاتب تقوم بما يقوم به نادي القضاة من خدمات فما هو الداعي إلى ذلك ؟. هل هي محاولة لإبعاد القضاة عن ناديهم وبيتهم ؟ إذا كان الأمر كذلك فهي محاولة فاشلة لأنه لا يمكن للناس أن تنصرف عن بيتها إلى بيت آخر مهما كانت فخامته لافتقاره إلى الدفء والسكينة التي يشعر بها الإنسان في بيته ، فهي محاولة مكتوب عليها الفشل قريباً .
نادي القضاة يا أخي ممدوح هو بيت العائلة بالنسبة للقضاة وإذا كنت أنت قد نسيت ذلك أو تحاول أن تتناسى تحت بريق كرسي الوزارة فإنك ستتذكر ذلك قريباً بعد أن تترك هذا الكرسي ولا تجد لك مكاناً تأنس فيه بصحبة الزملاء والأصدقاء سوى هذا المكان كما كنت تأنس دائماً ، وعندها ستجد الحضن الدافئ والابتسامة الرقيقة تستقبلك وتقول لك تقدم ولا تخجل فإن بيت العائلة يسع حتى من يسئ إليه .
أخي ممدوح مرعي إذا كنت تنوي حقيقة أن تقدم خدمات للقضاة بنية حسنة لا بغرض القضاء على نادي القضاة بيت العائلة الكبير فإن هناك مشاكل كثيرة وخدمات لا يقوى عليها النادي تستطيع باعتبارك عضو في السلطة التنفيذية التي تملك ذهب المعز أن تساعد في القضاء عليها ومنها على سبيل المثال المشاكل الصحية التي يعاني منها القضاة مثل حالات الفشل الكبدي والفشل الكلوي وبعض الأمراض المزمنة التي يتكلف علاجها ملايين الجنيهات ولا يستطيع النادي تدبير إلا القليل منها فإذا كنت ترغب حقيقة أن تقد م خدمات قيمة ومؤثرة للقضاة فعليك بحصر هذه الحالات والسعي لدى الحكومة لدعمها عندها تكون قد قمت بخدمة جليلة للقضاة يعجز النادي عن تقديمها ويشعر القضاة بها وتنعكس عليك حباً وعلى العمل والعدالة فائدة .
هل تعلم يا أخي ممدوح أن هناك مئات الأحكام القضائية إلم تكن آلاف الأحكام الصادرة ضد وزير العدل بمبالغ مستحقة للزملاء لم تجد طريقها للتنفيذ منذ سنوات ؟ وهذا عار على الوزارة وعلى الحكومة بصفة عامة ألا تحترم وتنفذ الأحكام القضائية بحجة عدم وجود موارد مالية حالة أن الحكومة تسرف في أمور أخرى وهو ما ينطبق عليه المثل القائل : ( تقتير هنا .. وإسراف هناك !)
هل تملك يا أخي ممدوح أن تتفاهم مع حكومتك لتدبير هذه الأموال اللازمة لتنفيذ هذه الأحكام احتراماً لها وعملاً على وصول الحقوق إلى أصحابها حتى لا تكون وزارة العدل مثالاً يحتذي به في عدم احترام وتنفيذ الأحكام القضائية ، أم أن هذا اختبار صعب عليك اجتيازه ؟!
دور المحاكم يا أخي مهملة بشكل كبير وإجراءات التقاضي معقدة بشكل يعوق سير العدالة وتعيينات النيابة والموظفين تحتاج إلى إعادة نظر لأنها من أول خطوات الإصلاح فهل تستطيع يا أخي ممدوح أن تقوم بكل ذلك وحدك أو بمعاونة فئة قليلة من أغلقوا عليك الباب حتى لا تختلط أو تسمع لغيرهم وهذا أول طريق الفشل . نادي القضاة ورجاله في خدمة العدالة وخدمتك إذا كنت تنوي حقاً إصلاح القضاء أما إذا كنت تنوي غير ذلك فهم أول من سيقف في وجهك ويحاربك ويقول لك أننا نذرنا أنفسنا على أن ندافع عن الحق والعدل والحصن المنيع حتى آخر قطرة من دمائنا وأن الموت في سبيل نصرة الحق أحب إلى نفوسنا من العيش حول كرسي الوزارة حتى لا نلقى مصير جنود أبرهة .