خطاب مفتوح إلى اللواء فؤاد علام

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث


خطاب مفتوح إلى اللواء فؤاد علام

أين أهل الكهف الآن؟

سيادة اللواء فؤاد علام:

Scluss.jpg

أكتب إليك باعتبارك أحد الخبراء المعدودين في العالم في "مكافحة الإخوان".. شهد لكفاءتك في مكافحتهم الكثير، وشهدت حقبة الخمسينيات والستينيات أمجادًا لك في مكافحتهم، شهدت بها القلعة وأبو زعبل وغيرها من السجون والمعتقلات، كما أن لك آراء ونظريات ودراسات في طرق مكافحتهم لازلت تنصح بها الحكومات والأنظمة حتى الآن، وأثار كتابك الضخم "الإخوان وأنا" الجدل وردود أفعال متباينة من مختلف الأطراف.. ولهذا وباعتبارك خبير أمن من الطراز الأول أتوجه إليك بالخطاب.

سيادة اللواء:

نعرف جميعًا قصة أصحاب الكهف.. هذه المجموعة من الشباب التي اعتنقت فكرًا مضادًا لفكر النظام الحاكم وقتذاك، ولما خافت على نفسها الاعتقال والتعذيب، هربت من السلطات، وفرت من بلدها، واختفت بعد الفرار والهروب، وفشلت كل محاولات العسس في العثور عليها، ولم تظهر إلا بعد مرور300 عام، كان النظام الحاكم كله قد تغير بعد وفاة كل الحكام والمسئولين.

سيادة اللواء:

حدثت واقعة الهروب هذه في العصور القديمة، وساهم ضعف إمكانيات الشرطة وقتها، وصعوبة المواصلات، وعدم تمهيد الطرق، وكثرة المناطق غير المأهولة لقلة عدد السكان، وانعدام أجهزة الرصد والبحث، كل ذلك ساهم في فشل النظام في العثور عليهم؛ تمهيدًا لمحاكمتهم وإعدامهم، ويبدو أن النظام وقتها لم يستثر حماسة المواطنين في البحث والتنقيب عنهم، فلم يضع مكافآت مالية لمن يرشد عنهم، أو يهدد كل من تستر عليهم بالمحاكمة بتهمة "علم ولم يبلغ".

سيادة اللواء:

صورة ضوئية بأسماء ثلاثة من المعتقلين الهاربين من السجن الحربي

وفي عام 1965 م حدثت واقعة مشابهة لقصة أهل الكهف، وهي محل حديثي إليك، ففي شهر سبتمبر من عام 1965 م سجلت دفاتر السجن الحربي بالقاهرة واقعة هروب ثلاثة من المعتقلين بالسجن الحربي في ذلك الوقت وهم:

1- عبد المنعم المتولي الدسوقي العسقلاني- عمره 35 سنة- نجار- مولود بمنشأة الأطرش- شربين- دقهلية- وكان يقيم بكفر الأطرش- شربين.. هرب من حارسه أثناء التحقيق معه بالسجن الحربي، مطلوب دقة البحث عنه وإخطار قسم التسجيل الجنائي عند ضبطه.

2- محمد علي عبد الله عبد الله- عمره 42 سنة- مدرس بمدرسة كفر شكر هرب من حارسه أثناء التحقيق معه بالسجن الحربي، مطلوب دقة البحث عنه وإخطار قسم التسجيل الجنائي عند ضبطه، (كان يسكن زنزانة رقم 99 وسجل تاريخ هروبه بيوم 27/9/1965 م).

3- محمد منيب عبد العزيز حسنين دسوقي- عمره 30 سنة- أمين مكتبة كلية العلوم بأسيوط - يقيم بشارع شكري ملك أحمد مالك- قسم أول أسيوط، هرب من حارسه أثناء التحقيق معه بالسجن الحربي، مطلوب دقة البحث عنه وإخطار قسم التسجيل الجنائي عند ضبطه، (كتاب إدارة المباحث العامة رقم 69 دوري 1/10/1965 م).

سيادة اللواء:

ومرت عشر سنوات ولم يظهر لأحد من هؤلاء الهاربين أثر، وهذا ما أكدته مصلحة الأمن العام بتاريخ 11/1/1975 م في خطابها إلى وكيل النائب العام حيث تقول: أفادت مصلحة الأمن العام بكتابها المؤرخ 11/1/1975م أن المجني عليه سبق اتهامه في قضية الإخوان عام 1965م كما سبق النشر عنه بالجريدة الجنائية بالعدد رقم 41 لسنة 1965 م بتاريخ 11/10/1965 م تحت بند 2 لهروبه من حارسه أثناء التحقيق معه في السجن الحربي.

وأكده رد نائب وزير الداخلية أيضًا "أفاد نائب وزير الداخلية لمباحث أمن الدولة بكتابه المؤرخ 23/3/1975م أن المجني عليه ضبط في 6/9/ 1965 م ورحل إلى السجن الحربي بتاريخ 18/9/1965 م وأن قائد السجون الحربية أخطر المباحث العامة في عام 1965 م بهروبه من السجن الحربي، وأنه لم يتم ضبطه حتى تاريخ تحرير الكتاب".

سيادة اللواء:

ومضت أربعون سنة كاملة، ولم يظهر أحد من هؤلاء الهاربين، سواء باختياره أو بالقبض عليه.. مضت أربعون سنة كاملة، تغير فيها النظام الحاكم أكثر من مرة، وتغيرت الحكومات مرات ومرات، ورغم ذلك لم يظهر لهم أثر.

وتغير مسئولو الأمن مرات عديدة، بل وأدخل بعضهم السجون وحوكموا بالفساد والتعذيب، ورغم ذلك لم يظهر لهم أثر.

وصدر عفو عام عن كل الهاربين والمتهمين في قضايا سياسية، ورغم ذلك لم يظهر لهم أثر.. فأين ذهبوا؟

هل سننتظر 300 عامًا حتى يظهروا كما ظهر أهل الكهف القدامى؟ لا أظن.. فالدنيا قد تغيرت و300 عام قديمًا تقابل ثلاثة أعوام حديثًا:

فالإمكانات الهائلة لأجهزة الشرطة والمباحث والمخابرات، وأجهزة الرصد والتصنت والاستشعار والبحث والتنقيب قد ابتدع فيها ما لا يخطر على عقل بشر.

وخبراء الأمن المزودين بالخبرات والكفاءات والدراسات كثرة وفيرة، ويكفى وجود خبير نادر الكفاءة كسيادتكم.

والبلاد لم يعد فيها موطئ لقدم أو شبر لم تطأه قدم إنسان، أو تخترقه أقمار التجسس الصناعية المحلية والدولية.

والتعاون بين خبراء الأمن ومكافحة الإرهاب مكثف ومستمر، واجتماعات وزراء الداخلية العرب للتعاون في مكافحة الإرهاب لم تتعطل أو تتوقف.

والتعاون مع الدول "الصديقة" في مجال مكافحة الإرهاب يشهد طفرات غير مسبوقة. فكيف لم يظهر لهؤلاء الهاربين أثر؟ كيف لم يظهروا طواعيةً؟ أو يُقبض عليهم؟.

سيادة اللواء:

هل لدى سيادتكم إجابة تشفي الغليل وترد الشكوك والشبهات، وتقضي على الإشاعات؟

سيادة اللواء:

قيل أنهم قد عُذبوا حتى الموت، ودفنوا في صحراء مدينة نصر والجبل الأصفر.. هل تصدق ذلك.. وشهد بذلك زملاء لهم كانوا معتقلين معهم في نفس الوقت، وبعضهم شاهدهم في لحظات الحياة الأخيرة: كزكريا التوابتي وطاهر سالم شهود قتل محمد منيب عبد العزيز، ومجدي عبد العزيز وعلي عبده عفيفي شهود قتل إسماعيل الفيومي، وعلي سبيع ومحمد عبد المنعم شاهين وكمال أحمد خالد ويوسف فرج يوسف شهود قتل محمد علي عبدالله، ومحمود عزت وطاهر سالم شهود قتل محمد عواد.

وشهد بذلك بعض الجنود وصف الضباط الذين شاركوا في عمليات الضرب والتعذيب: كالأومباشى محمد علي المراكبي والمساعد نجم مشهور، والأومباشي أبو زيد. ورُفِعت قضايا تدعي تعذيب هؤلاء وعشرات أمثالهم، وحققت النيابة في بلاغات التعذيب حتى الموت، وصدرت أحكام ضد المعذبين من رجال المباحث الجنائية العسكرية وجلادي السجون والمعتقلات، ودفعت الدولة تعويضات لأهالي هؤلاء الضحايا.

ورغم ذلك لم أستطع أن أصدق شيئًا من ذلك كله.. لا شهادة المعتقلين، ولا شهادة زملاء الجلادين، ولا تحقيقات النيابة، ولا أحكام القضاء.. لماذا؟ لأنَّ سيادتكم أنكرت ذلك تمامًا، أنكرته شفاهة وكتابة، وأكدت ذلك أكثر من مرة، فهل أصدقهم وأكذبك؟ حاشا لله.

ولكن سؤالاً يحيك في صدري ولا أستطيع كبته: إذا كانوا لم يُعذبوا حتى الموت ويدفنوا في الجبل والصحراء فأين هم؟ ولِمَ لَمْ يظهروا حتى الآن؟.

سيادة اللواء:

واجهت هؤلاء الشهود جميعا بأمر هروب هؤلاء المعتقلين مكذبا شهاداتهم ورواياتهم حول التعذيب ، فاستنكروا قولي بشدة

الأومباشي أبو زيد متهما إياي بالغفلة وقال :

أولا : " خلال فترة السنوات الثماني التي عشتها في السجن الحربي لم يهرب خلالها أحد ، كيف يهرب والحراسة مشددة والسور عال ، والأبواب من وراء أبواب ، كلها مغلقة، وعلى كل باب حرس لا يمكن أن ينام ".

ثانيًا: شد أذني أحدهم وقال: هل هربوا جميعًا في يوم واحد ومحاولة واحدة أم فرادى وعلى فترات؟

قلت: بل فرادى وعلى فترات.. فكان أولهم هروبًا محمد عواد وسُجِّل تاريخ هروبه يوم 20/8/1965 م، ومحمد علي عبد الله يوم 27/9/1965 م، وسُجّل عشرات غيرهما هاربين بتواريخ مختلفة.

قال: فماذا تفهم من ذلك؟.

قلتُ: ؟!

قال: لو كان هروبهم جميعًا في يوم واحد لقلنا أنهم انتهزوا ظروفًا خاصة أو غفلة طارئة واستغلوها هاربين، أما أن يهرب واحد اليوم والآخر غدًا والثالث بعد غد، ويستمر الأمر هكذا دون قلق أو اتخاذ تدابير منذ هروب الفرد الأول فشيء غريب، وألا تشدد الحراسة وتزداد قوتها وعددها، ولا تعلن حالة الطوارئ القصوى، ولا يقيد المعتقلون أو يحبسون في زنازينهم حتى يحقق في هذا الأمر، فشيء عجيب..

هذا الهروب المتكرر لا يتم في السجن الحربي الرهيب، بل هو شيء هزلي.. يذكرنا بما كنا نراه يحدث (زمان) من تلاميذ "مدرسة الصنايع بنين" حين يهربون من المدرسة ويقفزون متخطين السور واحدًا تلو الآخر متجهين إلى "مدرسة التجارة بنات" غير مبالين بنداء أو وعيد ناظرهم المسكين.

سيادة اللواء:

لم أستطع الرد على هؤلاء المعاندين.. فهل لدى سيادتكم رد أو تفسير؟

كيف استطاع هؤلاء الهرب من السجن الحربي العتيد؟

سيادة اللواء:

توعدتُ هؤلاء المعاندين بأني سألجأ إليك طالبًا الرد المبين، فانفجروا ضاحكين وقالوا: وهل علم أين هرب واختفى خديوي آدم؟ حتى يعلم بمكان هؤلاء؟ لقد أنكر صادقًا معرفته باسمه وحكايته فأضحك المستشار مأمون الهضيبي حين ناظره وتعجب من كانوا لهم شاهدين، ونصحوني صادقين: لن تجد عنده ردًّا، ولكن عند "جرجس بك" الخبر اليقين.