خطأ التحليل الأميركي وراء خطة «إصلاحات»
بقلم : فهمي هويدي
ربما يكون مبكرا نسبيا الحديث عن المبادرة الأميركية لتعزيز الديمقراطية ودفع عجلة التنمية في منطقة الشرق الاوسط، تلك التي قيل ذات مرة انها ستعلن في منتصف شهر سبتمبر (ايلول) الماضي، ثم تأجل الموعد الى السادس من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ولانها لم تعلن ولم يتح لنا أن نطلع على النص الذي يفترض ان يقدمه وزير الخارجية الأميركي كولين باول، فإن أي مناقشة لمحتواها تظل قابلة للنقض والتجريح، ومن ثم ستكون مسلكا لا يخلو من مغامرة، غير ان التقارير التي خرجت من واشنطن على نحو متواتر خلال الايام الماضية، اتفقت على ثلاثة أمور، الأول ان هناك مبادرة اميركية يجري اعدادها منذ عدة أشهر، والثاني ان موضوع المبادرة هو تشجيع الدول العربية على توسيع نطاق الممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وتوفير ضمانات التنمية الاقتصادية عن طريق الاصلاح الاقتصادي وتطوير التعاون التجاري بين دول المنطقة، أما الأمر الثالث فهو ان المساعدات الأميركية التي تقدم لدول المنطقة سوف تربط بالبرامج المقترحة من جانب الولايات المتحدة لتحقيق التنمية المنشودة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتعليمية.
في التقارير المنشورة معلومات عن ملايين الدولارات التي ستخصص للمرحلة التجريبية، وملايين أخرى سترصد لتدريب النشطاء السياسيين والصحافيين والقيادات العمالية والنسائية، كما ان هناك معلومات عن دول عربية سيتم البدء بها في مجال التنمية السياسية (الدمقرطة) وأخرى سيتم اقامة شراكة اقتصادية معها، غير ان التفاصيل ليست هي ما يهمنا الآن، خصوصا انها تظل منقوصة قبل اعلان الخطة أو المبادرة الأميركية، إنما الذي يهمنا بقدر أكبر هو فكرة المبادرة وإطارها العريض ومقاصدها الكلية، فذلك الجانب هو ما يثير العديد من الأسئلة والملاحظات من الزاوية العربية.
ذلك اننا لن نذهب بعيدا اذا قلنا ان الخطة الأميركية وثيقة الصلة بأحداث 11 سبتمبر 2001، الأمر الذي يثير الملاحظة الأولى وهي ان الولايات المتحدة مازالت عند تحليلها الخاطئ لملابسات تلك الأحداث ودوافعها، ذلك انها مصرة فيما يبدو على تحميل الوضع العربي وحده المسؤولية عما جرى، ومازالت عاجزة عن ادراك الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، وهي ان سياستها أيضا تحمل قسطا من المسؤولية، ونتيجة لتحليلها القاصر فإنها لم تقتنع بعد بأن شيئا ما في سياستها يحتاج الى تغيير، وبدلا من ذلك فانها ركزت على محاولة تغيير الوضع العربي الذي تتهمه بأنه فرخ تلك العناصر التي قامت بالهجوم على نيويورك.
وذلك موقف يدعو للدهشة والقلق، الدهشة لان قوة عظمى مثل الولايات المتحدة لديها مؤسساتها وعقولها الكبيرة والعديد من مراكز الرصد والتحليل، عجزت عن اجراء التقييم الصحيح لملابسات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبالتالي لم تر في السياسة الأميركية ما يستوجب المراجعة أو التعديل، أما القلق الذي ينتابنا من جراء ذلك الموقف فسببه ان اصرار الولايات المتحدة على عدم مراجعة سياستها في المنطقة يعني في حقيقة الأمر استمرار أسباب التوتر والغضب التي تفتح الأبواب لامكانية تجدد أعمال العنف والإرهاب في أي وقت.
بسبب التحليل القاصر فإن الادارة الاميركية وهي تركز على الوضع العربي، تجاهلت تماما كل ما يتعلق باسرائيل، وتلك هي الملاحظة الثانية، ذلك ان أي مشتغل بالسياسة، حتى وان كان مبتدئا، يدرك جيدا ان المشكلة هناك، والمصدر الحقيقي للتوتر ليس في أوضاعنا السياسية أو الاقتصادية أو التعليمية، بقدر ما انه في اسرائيل، بما تمثله من عدوان وقهر واطماع وتهديد للفلسطينيين والعرب أجمعين.
الملاحظة الثالثة ان أحدا لاينكر ان العالم العربي يعاني من أزمة في الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، وأكثر دوله تعاني من مشكلات في التنمية الاقتصادية، واذا فهمنا ان التنمية الاقتصادية يمكن ان تتم بمعونة خارجية، إلا انه من الثابت ان الاصلاح الديمقراطي لايتم ولا تترسخ جذوره إلا من خلال نضال الشعوب أولا، أما اذا تحقق عن طريق ممارسة ضغوط من الخارج، فانه يظل هشاً ومعرضاً للانتكاس في أي لحظة، اذا خفت تلك الضغوط تحت أي ظرف، وحتى اذا افترضنا ان نصائح الخارج والضغوط التي تستصحبها يمكن ان تساعد على الاصلاح الديمقراطي، فان الولايات المتحدة ليست مؤهلة للقيام بذلك الدور ورغم اننا لانختلف في ان الولايات المتحدة بلد ديمقراطي من الطراز الأول، إلا اننا لم نعرف ان واشنطن دافعت عن الديمقراطية خارج حدودها إلا بالقدر الذي يخدم مصالحها، وليس خافيا على أحد ان الادارة الأميركية لم تتردد في اقامة تحالفات مع العديد من الأنظمة المستبدة، لان مصالحها اقتضت ذلك، حدث ذلك في الماضي ونراه بأعيننا هذه الأيام، مما أحسبه لايحتاج الى برهان، وعلى سبيل التذكرة فقط فانني ألفت النظر الى ان حلفاء الولايات المتحدة في وسط آسيا هم نفر من الحكام المستبدين، الذين يمثل بعضهم امتدادا للمرحلة الستالينية، واذكر أن الجنرال برويز مشرف حين استولى على السلطة في باكستان اعتبر في واشنطن ديكتاتورا عسكريا انقلب على حكومة منتخبة لكنه حين سلم قيادته للاميركان بعد 11 سبتمبر، اصبح زعيما حكيما وقائدا موثوقا به، استقبل في البيت الابيض بكل حفاوة وترحاب.
هذه الملاحظة تثير سؤالا جوهريا هو: هل الخطة الأميركية للاصلاح الديمقراطي تطلق غيرة على الديمقراطية في العالم العربي، أم ان المراد بها العمل على اعادة تشكيل المنطقة لكي تتوافق أكثر مع المصالح الأميركية، وتحسين الوجه الاميركي في ظروف الاعداد للحملة العسكرية ضد العراق؟
اذا كانت المسألة غيرة على الديمقراطية، فلماذا تتجلى في المنطقة العربية دون غيرها، ولماذا لانرى لها تجليات أخرى في أنحاء العالم، خصوصا في أميركا اللاتينية القريبة من الولايات المتحدة، واذا لم تكن غيرة على الديمقراطية، فإننا ينبغي ألا نلام اذا شككنا في براءة الخطة وفي التوقيت الذي اطلقت فيه، الأمر الذي يرجح عندنا الاحتمال الثاني الذي يستبعد الموقف المبدئي، ويصب في وعاء المصالح الاميركية الخاصة والخالصة.
يزيد من شكوكنا ان مصطلح «الاصلاحات» أصبح سيئ السمعة بعد الذي جرى مع السلطة الفلسطينية، حتى اصبح رفع الشعار من قبيل الحق الذي يراد به باطل، ذلك ان تجربتنا مع الشعار في الساحة الفلسطينية تزودنا برصيد كبير من الشك في مقاصده، لان الاصلاح الذي تمناه الفلسطينيون، كان مختلفاً في مراميه عن ذلك الذي اصرت عليه الادارة الاميركية متضامنة في ذلك مع ارييل شارون رئيس الحكومة الاسرائيلية، وحين يكون شارون في قلب الصورة فان ذلك وحده كاف لاقناعنا بضرورة اغلاق الأبواب في وجه ذلك النوع من الاصلاحات.
استطرادا من هذه النقطة فانني توقفت عند اشارات التقارير المنشورة الى ان الخطة الأميركية تتضمن تأكيدا على أهمية حرية الصحافة وعلى ضرورة احترام مبادئ حقوق الانسان، إذ اعتبرت ان هذه الاشارات تفتقد الى الصدقية والجدية، شأنها في ذلك شأن حكاية الديمقراطية، ذلك انني لم افهم كيف تدافع الولايات المتحدة عن حرية الصحافة في بلادنا في الوقت الذي تنشئ فيه وكالة خاصة لتزييف الأخبار والتدليس على الناس، وتسريب تقارير ملفقة تتحدى المصالح والسياسات الاميركية وتحسن صورة الولايات المتحدة لدى جمهور المتلقين، تماما كما انني لم افهم كيف تمارس الولايات المتحدة غيرة على حقوق الانسان، بينما اغلب الاجراءات التي اتخذتها في داخل الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر، تتناقض تناقضا صريحا مع مبادئ حقوق الانسان، ومع الدستور الاميركي ذاته.
لقد رفعت الدول الاوروبية في القرن التاسع عشر شعار «تمدين الشعوب المتأخرة» لكي تبرر فرض استعمارها على الدول الفقيرة والنامية في افريقيا وآسيا، وحين دعا المستشار الالماني بسمارك ممثلي الدول الأوروبية للاجتماع (في عام 1884) لتحديد قواعد المنافسة بين تلك الدول في مجال السيطرة على بقية العالم، فانه خطب فيهم قائلا ان الحكومة الامبراطورية دعت الى عقد المؤتمر انطلاقا من إيمانها بأن كافة الحكومات المدعوة لحضوره تحدوها الرغبة في اشراك سكان افريقيا الأصليين في التقدم الحضاري، عبر فتح تلك القارة امام التجارة وعبر توفير وسائل التعليم لسكانها، ومن خلال تشجيع البعثات، وكل ما من شأنه نشر المعارف وتيسير القضاء على العبودية خاصة تجارة الرقيق.
تحت راية تلك الاهداف النبيلة زحفت الجيوش الاوروبية على أرجاء القارة الافريقية وتنافست في اجتياحها ونهب ثرواتها، وكانت تلك هي الترجمة الحقيقية لشعار تمدين القارة الافريقية.
اننا نلمح في الخطة الأميركية تشابها مع كلام بسمارك، يتركز في استهداف مجالات عدة لتحقيق الاصلاحات المنشودة، وهو ما اختار له بسمارك عنوانا آخر هو «اشراك السكان الأصليين في التقدم الحضاري».
واذا عرفنا كيف ترجم كلام بسمارك في الواقع الافريقي، فان ذلك يدعونا الى طرح السؤال التالي: ترى كيف ستترجم الخطة الأميركية الجديدة في الواقع العربي؟
المصدر
- مقال:خطأ التحليل الأميركي وراء خطة «إصلاحات»موقع:الشبكة الدعوية