خريطة الحركات الإسلامية في مصر

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
خريطة الحركات الإسلامية في مصر

عبد المنعم منيب

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان

غلاف الكتاب

محتويات

 [أخف

مقدمة المؤلف

مما يبعث على العجب أن أغلب من يكتبون عن الحركة الإسلامية لا يكلفون أنفسهم عناء جمع معلومات كافية و موثوقة عن الجماعات الإسلامية المختلفة، بل إن بعضهم لا يعتمد على معلومات أصلا اللهم إلا القليل مما استقاه من مصادر امنية (و هي لها أغراضها التي لا شك تتنافى مع الصدق و الموضوعية) ثم يكملها بحكايات من نسج خياله، كلا الفريقين كثيرا ما يكتبان ما يبعث على الضحك من فرط إغراقه في الخيال و بعده عن الحقائق لدرجة أن طال التخيل و الروايات الأمنية حتى أسماء الجماعات و أفكارها الأساسية.

ولقد كنت وما زلت أؤمن أن كتابة تاريخ الحركة الإسلامية يستلزم جمع وتوثيق الروايات والشهادات الشفهية من السنة و صدور صانعى الأحداث من قادة و أبناء الحركات الإسلامية، و إذا كان هذا حتمى بالنسبة لحركات كتب عنها الكثيرون سواء مؤيدين أو معارضين ، كحركة الإخوان المسلمين، فإن هذا يصير أكثر حتمية بشأن جماعات لا يزال تاريخها و كثير من أسرارها طى الكتمان ولم يكتب منه شئ ذا بال في كتاب مسطور مثل الجهاد المصرى أو غيره كالقاعدة و من نحى نحوها.

و إنطلاقا من هذا المبدأ كانت لقاءاتى العديدة مع العديد من قادة الحركات الإسلامية و أبناءها ذوي الإطلاع على الأحداث و خلفياتها طوال العشرين عاما الماضية، و قد زاد من فرصتي في هذا المجال اعتقالي فترة طويلة مع قادة العديد من الجماعات لفترة امتدت من فبراير 1993 م و حتى 1993 2007 م.

و ربما لم يحن الوقت بعد لكتابة كل ما جمعته عن الجماعات الإسلامية المختلفة، و لكن الصديق جمال عيد اقترح على فكرة هذا البحث المختصر ليصير بمثابة دليل للمهتمين بالحركات الإسلامية ليتعرفوا على الفروق بينها و أسماءها و أهدافها و أعمالها البارزة بدقة، و قد وجدتها فكرة جيدة فسارعت لتنفيذها فأرجو أن اكون وفقت لهذا، و قد تعمدت ٦أن أطيل قليلا بشأن بعض الجماعات وذلك نظرا لقلة المكتوب عنها في المصادر المختلفة من جانب أو لكثرة الأوهام الشائعة عنها من جانب أخر.

عبدالمنعم منيب

2009م

التمهيد

مفهوم الحركة الإسلامية و سبب نشأتها

اختلف الباحثون حول أسباب ظهور الحركة الإسلامية في العصر الحديث، وقد اعتبرها كثيرون ظاهرة جديدة صاحبت انتقال العالم الإسلامي إلى العصر الحديث، و أرجعوها إلى ما إعتبروه حالة إغتراب تعرض لها الكثير من شباب المسلمين بسبب تسارع عجلة التحولات الاجتماعية و الثقافية، تلك التحولات التي اقتبست على نطاق واسع من إشعاع الحضارة الغربية المعاصرة بدرجة إعتبرها البعض صداما مع عقيدة الإسلام التي هي جزء من الثقافة العربية.

كما إعتبر باحثون آخرون أن ظهور الحركة الإسلامية صاحب هزيمة العرب أمام إسرائيل في ٥ يونيو 1967 م كرد فعل لفشل القومية العربية في مواجهة إسرائيل و كبديل لهذه القومية.

و هناك فريق ثالث من الباحثين رأى أن ظهور الحركة الإسلامية هو رد فعل لسقوط نظام الخلافة الإسلامية و الذي تمثل في إلغاء كمال الدين أتاتورك للخلافة العثمانية وإقامة جمهورية علمانية على أنقاضها في تركيا.

و لكننا نرى أن كل هذه التفسيرات غير صحيحة، و ذلك لأن الحركة الإسلامية في جوهرها ما هي إلا عمل سياسي و إجتماعي إسلامي في الفضاء العام يهدف لإحداث تأثيرات إسلامية سياسية و إجتماعية و ثقافية و دينية في ذلك الفضاء العام عبر عمل عام له صور و أساليب شتى، و مادام هذا هو جوهر الحركة الإسلامية المعاصرة، فلا شك أنها ليست أمرا جديدا بل هو قديم قدم الرسالة الإسلامية المحمدية نفسها.

فمنذ بدأ الرسول محمد (ص) في الدعوة للإسلام و هو يسعى لإحداث تغيرات دينية و ثقافية و إجتماعية و سياسية في الفضاء العام الذي تحرك فيه و كلل ذلك كله بتأسيس دولة إسلامية وحدت شبه الجزيرة العربية لأول مرة في تاريخها في دولة واحدة وكانت السلطة السياسية و الاجتماعية العليا فيها للنبي محمد (ص)، و سار خلفاؤه الراشدون أبو بكر و عمر و عثمان و على و الحسن بن علي على نفس المنوال، ثم جاء حكم معاوية بن أبي سفيان ليبدأ معه التغيير في هذا النمط الديني في الحكم، و عندئذ فقط بدأ ظهور الحركات الإسلامية التي تسعى للتأثير في الواقع السياسي فظهر "الخوارج" في نهايات عصر علي و نشط بعد معاوية "شيعة أهل البيت" و تحركوا ضد خليفته بما في ذلك الحركة الإنقلابية المسلحة التي قادها الحسين بن على و انتهت بمقتله، كما ظهرت حركة "الزبيرين" بقيادة عبدالله بن الزبير و التي لم تنته بمقتله.

و كل هذه الحركات مجرد مثال لحركات اسلامية متعددة نشأت و استمرت عبر التاريخ الإسلامي الطويل و سعت لإحداث تغيير سياسي أو إجتماعي أو ثقافي أو إقتصادي أو كل ذلك معا و بعضها أقام دولا مثل الخوارج و الشيعة و الصفاريين و غيرهم ، و قد فشكل أكثرها في تغيير الوضع السياسي القائم.

و الشاهد من ذلك كله أن الحركات الإسلامية هي إفراز طبيعي لإنفصال الدين عن السياسة بدرجة أو أخرى عبر التاريخ الإسلامي و الذي بدأ بالتدريج و ببطء منذ عهد معاوية بن أبي سفيان، خاصة في نهاية عهده عندما ورث الحكم لابنه يزيد، لقد نشأت الحركات الإسلامية من أجل مكافحة الانحراف عن نظام و أهداف و مقاصد و نمط الحكم الإسلامي الذي أرساه النبي محمد (ص) سواء وافق البعض على هذا النمط من الحكم أم لم يوافق فهذا هو دافع و هدف هذه الحركات التي نشأت منذئذ و حتى الآن.

و بالتالي فالحركة الإسلامية ليست جديدة بل هي ترجع للقرن الأول الهجري كما أشرنا.

و حتى في العصر الحديث عندما نشأت جماعات منظمة خارج المؤسسات الدينية التقليدية فإنها إنبثقت منها و كنتيجة لتكبيل هذه المؤسسات التقليدية من قبل الحكام، فمؤسس أول جماعة إسلامية منظمة في مصر "الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب و السنة" و هو الشيخ محمود خطاب السبكي أحد علماء الأزهر الشريف هو من أشهر تلاميذ الشيخ محمد عليش شيخ المالكية بالأزهر الشريف الذي قيل أن الإنجليز قد قتلوه في المستشفى عقب إحتلالهم مصر بسبب مساندته للثورة العرابية و معارضته للإحتلال الإنجليز ي، وكانت بداية تأسيس و نشاط "الجمعية الشرعية" في نهايات القرن ال ١٩ الميلادي لكنها لم تسجل قانونيا إلا بعد ذلك بنحو عشرين عاما (أي في 1913 م) عندما صدر قانون ينظم تأسيس و إدارة الجمعيات.

و نحن نرى أن ظهور الجماعات الإسلامية في مصر جاء مرتبطا ، وكما يرى البعض ، مع انحسار دور الأزهر- الذي كان بمثابة جماعة اسلامية كبيرة- و تزايد سيطرة الحاكم عليه و ليس مرتبطا بسقوط الخلافة الإسلامية و لا بهزيمة يونيو 1967 م.

بالطبع يمكن القول بأن سقوط الخلافة أو هزيمة يونيو ألهب كل منهما حماس المزيد من الشباب و دفعهم لنشاط متزايد في إطار الحركات الإسلامية المختلفة ، الا أنه لا يمكن القول بأن الحركات الإسلامية لم تنشأ إلا بسبب هذه العوامل لسبب بسيط جدا هو أن ذلك لم يحدث.

أقسام الحركة الإسلامية المصرية المعاصرة

يكاد كل من كتب عن الحركة الإسلامية المعاصرة أن يتفق على أن الحركة الإسلامية هى نهر عام تنبثق منه روافد عديدة ، أو هي حركة عامة تتكون من فصائل أو تيارات متعددة و مختلفة.

لكن اختلف الباحثون حول الأقسام التي تندرج تحتها الجماعات والتيارات و الفصائل التي تتكون منها الحركة الإسلامية المعاصرة.

  • فأشهر تقسيم هو تقسيم سياسي يعتبر أن الحركة الإسلامية تنقسم لتيارين رئيسيين هما:

١- التيار الإصلاحي: و يمثله في مصر "الإخوان المسلمون" و من على شاكلتهم من الجماعات الاخرى التى لا تسعى إلى تغيير فوري و سريع عبر القوة المسلحة.

٢- التيار الثوري: و أبرز من يمثله في مصر "تنظيم الجهاد" و من على شاكلته من المنظمات التي تسعى لإجراء تغيير سريع و شامل بالقوة المسلحة.

و لكن هذا التقسيم غير دقيق و يتسم بكثير من السطحية و التبسيط ، لأننا نجد في مصر (و العالم) جماعات إسلامية تتبنى الوسائل المسلحة دون ان يكون استخدامها لهذه الوسائل أسلوب للتغيير الشامل مثل " جماعة الناجون من النار" و " جماعة الشوقيون" و " جماعة التوحيد و الجهاد" في مصر و "منظمة القاعدة" في مصر و العالم ، فهل نسمي هؤلاء إصلاحيون و هم يستخدمون السلاح أم نسميهم ثوريون و هم لم يسعوا لتغيير نظام الحكم القائم إنما سعوا فقط للقيام بعمليات مسلحة محددة و محدودة؟

و بالتالي فإننا نرى أن تقسيم الحركة الإسلامية إلى إصلاحيين و ثوريين تقسيم غير دقيق و غير موضوعي.

و هناك تقسيم آخر مشتق من نفس التقسيم و هو تقسيمها إلى:

١-إصلاحيين: كالسابق.

٢-راديكاليين: و يقصد بهم الثوريين في التقسيم السابق.

و هذا التقسيم يرد ع ليه نفس النقد السابق من أنه سطحي و غير موضوعي، إذ كيف نعتبر جماعة لا تسعى لتغيير نظام الحكم لا سلميا و لا عسكريا جماعة راديكالية؟!

كما أن تفحص تفصيلات الفكر الديني و السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي لبعض الجماعات التي يجري تصنيفها على أنها راديكالية يكشف عن ميول تقليدية متجذرة، فكيف ننعت من كان هكذا بالراديكالية أو الثورية؟!

و قد حاول بعض أبناء الحركة الإسلامية نفسها تقديم تقسيم أكثر دقة للحركة الإسلامية، ومن أبرز و أهم من فعل ذلك الدكتور أسامة عبدالله حميد أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة بنها و أحد أبرز المفكريين السياسيين في تنظيم الجهاد المصري، وورد هذا التقسيم في ورقة قدمها لمؤتمر عن "الفكر السياسي الإسلامي" كان قد نظمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي بلندن في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، و قد قسم أسامة عبدالله حميد الحركة الإسلامية في دراسته إلى أربع تيارات:

١-تيار الإسلام الاصلاحي: و يمثله "الإخوان المسلمون" و من على شاكلتهم ممن يسعون لتغيير متدرج سلميا و ربما جزئيا.

٢-تيار الإسلام الثوري: و يمثله "تنظيم الجهاد" في مصر و من على شاكلته ممن يسعون للقيام بتغيير شامل و فوري بالأساليب المسلحة.

٣-تيار الإسلام السياسي: و يمثله في تاريخ مصر الحديث "جماعة مصر الفتاة" بقيادة أحمد حسين، و يقصد به كل من يتبنى الإسلام كمنهج و مرجعية سياسية في مواجهة الحاكم دون أن تتجذر لديه المفاهيم الإسلامية الأصيلة سواء كإسلام إصلاحي أو كإسلام ثوري، فالإسلام بالنسبة له مجرد شعار و نوبة حماسية يواجه بها ظلم الحاكم، و اعتبر أسامة عبدالله حميد أن جمال عبدالناصر كان ينتمي لهذا الاتجاه الفكري قبل أن يصل للحكم.

٤- تيار الإسلام المزيف: (حسب توصيف المؤلف) و هو التيار الذي يمثله جمال عبدالناصر بعد وصوله للحكم و هو التيار الذي لا يتخذ من الإسلام سوى مظهر و شعار لتح قيق مصالح و مئارب أخرى لا علاقة لها بالإسلام، و يعتبر أسامة حميد أن كل شخص أو جماعة تنتمي لتيار "الإسلام السياسي" يتحول للإنتماء لتيار "الإسلام المزيف" عند وصوله للحكم.

و رغم ما في تصنيف أسامة حميد من دقة نسبية تمثلت في تحديد سمات و هوية حركات لم تدخل في التصنيفات الأخرى مثل "مصر الفتاة" (و يشبهها الآن حزب العمل المجمد) و "الناصرية" إلا أنه وقع فيما وقع فيه التقسيم السابق من حصر الجماعات ما بين ثوريين وإصلاحيين فقط ، و هو تقسيم كما سبق و أشرنا لا يراعي سوى السلاح فقط للتفريق بين سمات و أوصاف الجماعات بغض النظر عن الأفكار و الأهداف و الطبيعة الاجتماعية و السياسية لكل جماعة.

وقد سبق و أن قام كاتب هذه الدراسة بتصنيف الجماعات الإسلامية على أسس عقائدية في دراسة غير منشورة بعنوان "التيارات الفكرية في الحركة الإسلامية المعاصرة"، و قد قسمنا الجماعات الإسلامية هناك على أساسين:

الأول- عقيدة كل منها او موقفها الغالب في مجال أصول الدين، و بناء على ذلك قسمناها إلى:

١-جماعات أهل السنة: و هي كل الجماعات التي تتبنى في مجال العقيدة أغلب مواقف و مذهب أهل السنة و الجماعة، و تشمل بذلك (فيما يتعلق بمصر)

"الإخوان المسلمون" و "القطبيون" بعد عام 1981 م و "السلفيون" و "أنصار السنة" و "الجمعية الشرعية" و "تنظيم الجهاد" و نحوهم.

٢-جماعات الفرق: و هي كل الجماعات التي تتبنى أراء و عقائد تخالف مذهب أهل السنة، و تشمل بذلك (فيما يتعلق بمصر) "جماعة المسلمون" المعروفة إعلاميا باسم "التكفير و الهجرة" ، و "الشوقيون" و جماعات "التوقف و التبين" ك "الناجون من النار" و "القطبيين" قبل عام 1981 م و نحوهم.

الثاني- أسلوب كل منهما في الحركة و العمل السياسي، و بناء عليه قسمناها إلى:

١- جماعات س لمية: و هى تلك التي تتخذ من الوسائل السلمية أساليبا للعمل والحركة من أجل تحقيق أهدافها مثل (فيما يتعلق بمصر) "الجمعية الشرعية" و"أنصار السنة" و "السلفيين" و "الإخوان المسلمين" بعد منتصف السبعينات، وبعض جماعات "التوقف و التبين" و مثل "جماعة المسلمون" بعد عام 1982 م، و"القطبيون" و نحو ذلك.

٢- جماعات مسلحة: و هي تلك التي تتخذ من الوسائل المسلحة أساليبا للعمل والحركة من أجل تحقيق أهدافها، و من أمثلتها (فيما يتعلق بمصر) "تنظيم الجهاد"و "منظمة القاعدة" و "جماعة التوحيد و الجهاد" و "الجماعة الإسلامية" قبل 1998 م و "الشوقيون" و "جماعة المسلمين" قبل 1982 م و نحوهم.

و تاتي أهمية التدقيق في تصنيف و تحديد تيارات و فصائل و جماعات الحركة الإسلاميةفي الماضي أو الحاضر من تأثير ذلك في تحديد اتجاهات السلوك السياسي المستقبلي لهذه الجماعات و كذلك تحديد احتمالات التطور و اتجاهاته سواء في بنيتها الفكرية أو التنظيمية أو حتى الاجتماعية.

و على كل فإننا لن نتبع في هذه الدراسة التقسيمات التي عرضنا لها لعدم دقة التقسيمات الثلاثة الأولى، و لأننا نعتبر أن التقسيم الرابع الذي اقترحناه مازال يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتعميق عبر مزيد من نقده و الجدل حوله، و بالتالي فقد إعتمدنا في بحثنا هنا على تقسيم أكثر حيادا و عمومية، و هو تقسيم يعتمد على المزج بين الجانب التاريخي لنشأة الجماعات و الخلفية الاجتماعية لمؤسسيها و الطبيعة الفكرية لمناهج هذه الجماعات و أهدافها، فاعتبرنا أن الجماعات التي أنشأها علماء من الأزهر و احترمت التقليد أو التمذهب كمنهج فقهي و هدفت لتحقيق تغيرات محدودة في البلاد سواء إجتماعية أو دينية أو سياسية إعتبرناها "حركة إسلامية تقليدية" أما الجماعات التي أسسها قادة لم يتخرجوا من الأزهر الشريف و لم ترتكز في منهجها الفقهي على التقليد أو التمذهب و هدفت لتحقيق تغيرات واسعة و شاملة في البلاد على كل المستويات الدينية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية فقد إعتبرناها جماعات تنتمي لما أسميناه ب "الحركة الإسلامية الحديثة".

و لكننا إضطررنا لعمل استثناء بسيط في ذلك و هو اعتبار "جماعة التبليغ و الدعوة" من "الحركة الإسلامية التقليدية" رغم أن مؤسسها في مصر ليس من الأزهر لكن ذلك جاء بسبب طبيعتها الفكرية وأهدافها فضلا عن أن مؤسسها الأول (و قد تأسست في الهند) خارج مصر جاء من المؤسسة الدينية التقليدية في تلك البلاد، و كذلك وضعنا جماعة د.أسامة عبد العظيم ضمن الحركة الإسلامية التقليدية بسبب الطبيعة المبهمة لأهدافها وتقليدية منهجها الفقهي رغم أن مؤسسها د.أسامة عبد العظيم لم يتخرج من الأزهر إلابعدما وضع البذور الأولى لتأسيس جماعته، كما اعتبرنا أن حزب التحرير من الحركة الإسلامية الحديثة لعدد من الأسباب منها أن مؤسسه رغم أنه درس بالأزهر فإنه أيضا درس بدار العلوم كما أنه هناك اعتبار آخر هو أن حزب التحرير طرح أطروحات جديدة نسبيا و غير تقليدية بل فارق الحركات الإسلامية التقليدية و الحديثة في العديد من الأمور التي حتمت علينا ألا نعتبره حركة تقليدية أو ذات طرح تقليدي.

ولقد اندرج تحت كل من "الحركة الإسلامية التقليدية" و "الحركة الإسلامية الحديثة" فصائل أو جماعات عدة، و بعض أسماء هذه الفصائل و التيارات هي أسماء حقيقية اختارها مؤسسو الفصيل أو التيار لأنفسهم مثل "الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب و السنة"، لكن العديد من التيارات الإسلامية لا تهتم بأن تتسمى باسم محدد بل تعمل دون أن تطلق على نفسها اسم و يلاحظ أن المحتكين بها قد يطلقون عليها اسما غير دقيق أو ملتبس مع اسم جماعة او جماعات أخرى، و في حالة لم يطلق فصيل ما على نفسه اسما محددا فإننا هنا حددنا اسما يمثل وصفا دقيقا لحالته و مواقفه الفكرية و السياسية مثلما فعلنا مع كل من "السلفية الحركية" و "السلفية التقليدية الجديدة" .

كما توجد حالة أن فصيل ما قد يطلق على نفسه اسما ملتبسا مع العديد من الفصائل الأخرى كما هو الحال في "الدعوة السلفية" و من على شاكلتهم من السلفيين فأطلقنا عليهم جميعا اسم "السلفية العلمية"، و ذلك كله يرجع إلى أن أكثر الجماعات الإسلامية لا تهتم بمسألة التميز باسم معين و لا شعار معين و ليس أدل على هذا من جماعة الجهاد التي لم تطلق على نفسها اسم محدد حتى أطلقت عليها وسائل الاعلام في البداية حزب التحرير ( إبان عملية الفنية العسكرية 1974 م) ولم تهتم الجماعة بذلك ثم أطلقت عليها وسائل الاعلام اسم الجهاد عام 1977 م، و منذئذ فقد ارتضت الجماعة بهذا الاسم و لكنه صار مشتركا بين كل الجماعات التي انشقت عن نفس الجماعة، إلى أن تبنته الجماعة التي أعيد تأسيسها من توحيد العديد من الجماعات في بيشاور أواخر عام 1988 م و أصدرت مجلات و نشرات مطبوعة تعبر عن نفسها بذات الاسم و استقر على هذه الحالة حتى الآن.

و فرض واقع الحركة الإسلامية علينا خطوة منهجية أخرى ذلك أن هناك جماعات متعددة تتشابه أفكارها و أهدافها و ظروف نشأتها و طبيعتها الاجتماعية و رغم ذلك كله فهي جماعات منفصلة تنظيميا و في هذه الحالة جمعت كل هذه الجماعات تحت مسمى واحد ليصبح هذا المسمى علما على التيار الذي يضم كل هذه الجماعات، و قد فعلنا ذلك في كل من "التوقف و التبين" و "السلفية التقليدية" و "السلفية العلمية"، و لم نفعل ذلك بشأن التيار الجهادي، لأن هذا التيار يمر الآن بمرحلة تغير سيكون لها ما بعدها من تبلور القوى داخل هذا التيار وفقا لأسس و شكل جديد يصعب توقعه الآن، و من ثم عالجنا الجماعات الجهادية كلا منها على حدة إلى أن تنتهي المرحلة الحالية و تتبلور الأمور داخل هذا التيار.

مصادر هذه الدراسة

كانت المشكلة عند كتابة هذا البحث أن تاريخ معظم الحركات الإسلامية ما زال غير مكتوب بسبب السرية التى تضربها معظم هذه الحركات على أنشطتها حينا، و بسبب إهتمام هذه الحركات بالجوانب العملية في نشاطها على حساب الجوانب النظرية أحيانا أخرى، كما يوجد سبب أخر لذلك و هو أن هذه الحركات دائما لا تهتم بكتابة تاريخها.

ولقد اهتممت منذ أكثر من عشرين عاما بمحاولة توثيق تاريخ الحركات الإسلامية المصرية من أفواه صانعى أحداثها والمشاركين فيها و المقربين من صانعي الأحداث، حتى إننى من كثرة ترددى على هؤلاء الأشخاص و مناقشتى لهم في رواياتهم عن هذه الأحداث قد حفظت معظم هذه الأحداث عن ظهر قلب ولم أعد أحتاج للإحتفاظ بها مكتوبة، و قد نفعنى الله بهذا الحفظ عندما استولت الأجهزة الأمنية على كتاباتى التى لم تكن قد نشرت حتى ذلك الوقت عند اعتقالي في فبراير عام 1993 م.

صحيح أننى قد دفعت ثمن جمع و توثيق مثل هذه الأحداث ١٥ عاما من الإعتقال لأن أجهزة الأمن اعتبرت أن هذا العمل هو نوع من الترويج لهذه الحركات، لكن على كل حال فقد كان لهذا الاعتقال فوائد عديدة منها أنني تقابلت مع عدد لابأس به من قادة منظمة القاعدة وكذلك قادة الشوقيين و قادة جماعة شكري مصطفى في السجن و غيرهم من قادة الحركات الإسلامية المختلفة مما مكني من استكمال أرشيفي التاريخي و السياسي و الفكري عن الحركات الإسلامية بكافة فصائلها.

و من هنا فإن أهم و أول مصدر اعتمدت عليه في كتابة هذا البحث هو ما سبق و جمعته من أفواه صانعي الأحداث من قادة الحركة الإسلامية بمختلف فصائلها أو المقربين منهم.

ثم يأتي ثاني هذه المصادر و هو الأدبيات الفكرية التي اعتمدتها هذه الحركات الإسلامية، و قد استفدت طبعا من شبكة الانترنت نظرا لوجود الكثير من هذه الأدبيات على الشبكة،و هو ماوفر فرصة جيدة و سهلة لتجميع هذه الأدبيات و الاطلاع عليها، صحيح أنني كنت اطلعت على هذه الأدبيات من سنوات طويلة عندما كانت معظم هذه الأدبيات سرية و يصعب الحصول عليها، و لكن طبعا احتجت الرجوع إليها الآن مرة أخرى أثناء كتابة هذا البحث، و من هنا أتت أهمية شبكة الانترنت في الحصول على هذه الأدبيات الآن.

كما انتفعت بعدد قليل من الكتب التي تعرضت لتاريخ الحركة الإسلامية أو بعض فصائلها خاصة جماعة الإخوان المسلمين لأنها أكثر جماعة اسلامية حظيت بالعديد من الكتابات، و في نفس الوقت فقد عزفت عن عدد من الكتب التي كتبت عن جماعات اسلامية كالجهاد و الجماعة الإسلامية و القاعدة بسبب أن ما لدي من معلومات عن هذه الجماعات هو أهم و أوثق مما جرت كتابته و تم نشره حتى الآن.

الباب الأول:الحركة الإسلامية التقليدية

١- الأزهر الشريف

ظل الأزهر الشريف قلعة الإسلام عبر العصور و لقد كان الجامع الأزهر في مصر هو الذي يمثل الدعوة الإسلامية و العمل السياسي الإسلامي المستقل عن الحكام في عصر المماليك و العثمانيين و حتى بداية عصر "محمد علي" و الذي في عهده بدأ تقييد حركة الأزهر و تجريده من نفوذه السياسي على مراحل عدة انتهت لما هو عليه الآن.

نتيجة لذلك بدأ بعض علماء الأزهر في التفكير في التحرك بعيدا عن القيود التي طوقت الجامع الأزهر، و من ثم ظهرت الحركة الإسلامية بفصائلها المختلفة، و منذئذ ظل الأزهر يخرج للحركات الإسلامية أو لكثير من الحركات الإسلامية كوادر دينية على مستوى عالي جدا و متميز من العلم في العلوم الشرعية، و سوف يظهر في صفحات هذا الكتاب الدور الهام الذي مايزال يلعبه الأزهر في عدد من كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة.

و رغم أن الحركات الإسلامية المختلفة أخذت في منازعة الأزهر في دوره كمرجعية وحيدة في مجال العلوم الشرعية و الفتوى إلا أنها لم تنجح في إلغاء دور الأزهر كمرجعية للمسلمين السنة بشكل كامل، لقد نجحت فقط في هز هذه المكانة و ذلك الدور ومشاركته فيها دون أن تزيحه منها إزاحة كاملة.

و لا يرجع نجاح الحركة الإسلامية في تحقيق هذا القدر من الدور و المكانة المرجعية إلى قوة وفاعلية الحركة الإسلامية بقدر ما يرجع ذلك إلى تراجع القوة الذاتية للأزهر نتيجة للحصار الذي فرضته السلطة الحاكمة عليه بدءا من عصر محمد علي باشا و ذريته وانتهاء بالجهود التي قام بها جمال عبدالناصر بعد ثورة يوليو ١٩٥٢م.

فالأزهر الذي يعد أهم مؤسسة إسلامية على الإطلاق في مصر و العالم الإسلامي كان لجمال عبدالناصر معه نهج ممكن أن نعتبره إستمرارا للنهج الثابت الذي بدأ الحكام في مصر ينهجونه منذ نابليون بونابرت و حتى الآن و هو نهج الإحتواء و السيطرة تحت ستار التطوير و التج ديد، و في هذا الإطار نتذكر ما فعله محمد علي و من بعده خلفائه مع الأزهر الشريف و ذلك النهج تلخصه كلمة الخديو عباس حلمي التي قال فيها محددا دور الأزهر:

"أول شئ أطلبه أنا و حكومتي أن يكون الهدوء سائدا في الأزهر و الشغب بعيدا عنه فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد و شغب الأفكار لأنه مدرسة دينية قبل كل شئ.

إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه.

و أطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائما بعيدين عن الشغب و أن تحثوا إخوانكم العلماء وكذلك الطلبة على ذلك.

و من يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد و الأخذ و الرد فيها فيكون بعيدا عن الأزهر" (يقصد أن من يفعل ذلك عليه أن يبتعد عن الإنتماء للأزهر) فالحكام منذ نابليون حتى الآن حرصوا على منع الأزهر من العمل السياسي، كما حرصوا في نفس الوقت على توظيف الإسلام و علماء الإسلام لتحقيق أهداف الحاكم السياسية كلما أمكن ذلك.

ولم يشذ جمال عبد الناصرعن ذلك النهج فاتخذ العديد من الخطوات للسيطرة على الأزهر وتوظيفه لصالح أهداف نظام ثورة يوليو 1952 م.

و نجد عبدالناصر يحدد دور العلماء في "ارشاد المواطنين إلى حقيقة و أهداف الثورة" و"تعبئة الرأي العام في كل البلاد الإسلامية و كافة دول العالم على اعتبار أن الجهد الذي يبذله علماء المسلمين في العالم الإسلامي أو الأمة العربية في مجال مواجهة إسرائيل مازال جهدا متواضعا" و قد دعى جمال عبد الناصر في اطار ذلك إلى "عمل لجان في كل بلد اسلامي من أجل متابعة العمل لنصرة القضايا العربية و ذلك في إطار مواجهة إسرائيل و الإستعمار العالمي الذي يقف خلفها".

ولكن كيف وظ ف جمال عبدالناصر الأزهر لتحقيق أهدافه هذه؟

تضمن المرسوم بقانون رقم ١٨٠ لعام 1952 م أي في أول خمس شهور من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي كما كانت هناك اجراءات صحبت ذلك كله و أخرى تتابعت في السنوات التالية أدت فيما أدت إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بأخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، حتى أن الهيئة تسلمت ١٣٧ ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر ١٧,٥ مثلا لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيها في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه، و لذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة ٨ ملايين جنيه وبتطبيق هذه القوانين إنخفضت الإيرادات إلى ٨٠٠ ألف جنيه إذ أن الريع تم تحديده بـ ٣% و ٤% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض فضلا عن امتناع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة هذا فضلا عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد، و بهذا ضربت ثورة ٢٣ يوليو 1952 م الركيزة الاقتصادية لعلماء الأزهر تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة الأمر الذي كان يكفل لهم الإستقلال عنها و يتيح لهم معارضتها دون الخوف من قطع مرتباتهم أو تشريد أسرهم من بعدهم.

وعلى حين عوملت اوقاف المسلمين هذه المعاملة استثنيت أوقاف غير المسلمين من أحكام هذه القوانين حيث وضعت لها قوانين خاصة و تركت لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان و ما زاد عن هذا كانت الدولة تأخذه و تدفع ثمنه بسعر السوق و هو ما ادى في أواخر السبعينات إلى مناداة عدد من الأصوات في مجلس الشعب بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين.

ثم كان إلغاء المحاكم الشرعية خطوة بارزة قامت بها ثورة يوليو لتقليص دور الأزهر في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة إذ أن م2009تها لنشاطها كانت تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن الحكومة خاصة في مجال المنطلقات الأيدولوجية، و عبدالناصر و ثورة يوليو كانا يهدفان لتأميم الدين لصالح نظام الحكم فكان لزاما القضاء على هذه المحاكم التي كان يستحيل تأميمها لصالح النظام الحاكم، و كانت ثورة يوليو واعية بذلك منذ البداية إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم ٤٦٢ لعام 1955 م، وبذا بدأت هيمنة ثورة يوليو ١٩٥٢م على القوة الإسلامية الأكبر في مصر و في العالم الإسلامي و هي الأزهر الشريف و علماؤه، حيث شكل إلغاء المحاكم الشرعية تحديا لنظام الشريعة الإسلامية نفسه في دولة اسلامية يعلن دستورها أن دينها الرسمي هو الإسلام.

وبإلغاء المحاكم الشرعية و بالهيمنة على إدارة الأوقاف نجح الرئيس جمال عبد الناصر فيما فشل فيه الإحتلال الغربي من الهيمنة على أبرز مؤسسة لعلماء الإسلام في العالم كله.

و قد شنت أجهزة إعلام الدولة-الثورة حملة إعلامية صاحبت ذلك كله، ووصفته بأنه ثورة جديدة تجري داخل الأزهر و تقودها الدولة من أجل التجديد و التقدم لخدمة الأزهر و الإسلام، و بلغ الأمر أن هاجم د. محمد البهي في جلسات مجلس الشعب ( 1961 م) ما وصفه بأنه جو العداوة و الجمود الذي يسود الأزهر وقال: "إن الثورة أعطت الإصلاح للأزهر لأن الشيوخ لم يريدوه"، و كان محمد البهي أحد المواليين لعبد الناصر داخل الأزهر.

و بعد أن هيمن عبدالناصر على الأزهر و موارده الاقتصادية كان عليه ان يكرس هذه الهيمنة بقانون رسمي محدد المعالم فتم اصدار قانون تنظيم الأزهر ( ١٠٣ لسنة 1961 م).

و كي يتضح المدى الذي كبلت به الحكومة مؤسسة الأزهر لابد أن نعود لأحداث جلسة مجلس الأمة (البرلمان) التي أقرت قانون تنظيم الأزهر، يقول فتحي رضوان: "لإجبار المجلس على الموافقة حضر رجال الثورة و جلسوا أمامنا على المنصة، و تحديدا كان على المنصة أنور السادات وكمال حسين و كمال رفعت، و هدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض مشروع القانون قائلا: كانت ثورة في ٢٣ يوليو ١٩٥٢ م والذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام و اليوم ثورة جديدة و سيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير".

و وفقا للوثائق الرسمية فإنه تغيب عن جلسة إقرار القانون بمجلس الأمة ١٧٩ عضوا أي ما يعادل ٤٩ % من إجمالي أعضاء المجلس، ووفقا لنفس الوثائق الرسمية فإنه لم يعترض من الأعضاء الحاضرين سوى النائب صلاح سعده، بينما ذكر فتحي رضوان أن أكثر من نصف الحاضرين عارضوا القانون.

وهذا القانون و إن كان أعاد تنظيم الأزهر فعلا و قسمه إلى هيكل تنظيمي جديد لكنه ربط هذا التنظيم كله بجهاز الدولة و خاصة رئاسة الجمهورية بشكل مباشر، فشيخ الأزهر ووكيل الأزهر و رئيس جامعة الأزهر يعينهم رئيس الجمهورية، كما أن كافة أجهزة الأزهر الرئيسية كالمجلس الأعلى للأزهر و جامعة الأزهر و مجمع البحوث الإسلامية ينفرد رئيس الجمهورية بتعيين القيادات العليا فيها، فمجمع البحوث يرأسه شيخ الأزهر وأعضاء المجمع يعينهم رئيس الجمهورية، أما جامعة الأزهر فبالإضافة لإنفراد رئيس الجمهورية بتعيين رئيس جامعة الأزهر فعمداء الكليات يعينهم أيضا رئيس الجمهورية، وبصفة عامة فالهيكل العام الإداري و المالي للأزهر أصبح وفقا لقانون تنظيم الأزهر جزءا من الهيكل المالي و الإداري للحكومة (أي السلطة التنفيذية).

و بعد كل هذا فكيف للأزهر أن يعصي لرئيس الجمهورية أمرا فضلا عن أن يعارضه؟؟

و لكن ما النتيجة العملية لهيمنة نظام ثورة يوليو على الأزهر؟؟

النتيجة أن الأزهر لم تصدر من داخله أي مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد، بل بالعكس وقف إلى جانب جمال عبد الناصر في كل مواقفه و من ذلك على سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر يساند بها جمال عبدالناصر في صراعه مع محمد نجيب (الأهرام ١٧ فبراير 1954 م)، و أيضا التأييد الذي قدمه الأزهر لنظام حكم جمال عبدالناصر فيما يتعلق باتفاقية الجلاء (الأهرام ٢٦ فبراير 1954 م)، و كذلك المساندة التي قدمها الأزهر لنظام حكم جمال عبد الناصر إثر الأزمة مع اسرائيل التي سبقت هزيمة يونيو 1967 م بإعلان تأييده لجمال عبدالناصر ومباركته لخطواته في صد عدوان الصهيونية والإستعمار(الأهرام ٢٥ مايو 1967 م ).

و استمر الأزهر على هذا النهج مع خلفاء جمال عبدالناصر الرئيس السابق أنور السادات والحالي حسني مبارك، و قد أدى ذلك كله لإضعاف مكانة الأزهر في نفوس المسلمين و بالتالي تدهور دوره و مكانته كمرجعية عليا للدعوة الإسلامية و الإفتاء لكل المسلمين،و بدأ الكثير من المسلمين يضعون ثقتهم في العديد من الناشطين الذين ينتمون للحركات الإسلامية و الذين يطلق عليهم الدعاة.

و هذا كله زاد من مكانة و دور الحركة الإسلامية بكافة فصائلها.

٢- الطرق الصوفية

لابد أن نشير إلى جانب أخر من الحركة الإسلامية و هو الجانب الذي عاصر الأزهر وتداخل معه و تمثل في الطرق الصوفية، و لقد مرت الطرق الصوفية بتطورات شبيهة بما مر به الأزهر و انتهت إلى ما انتهى إليه من سيطرة الحاكم عليه.

فالطرق الصوفية التي كانت تمثل مع بداية ثورة ٢٣ يوليو 1952 م نحو ٣ ملايين منتسب ينتظمون في ٦٠ طريقة، أيدت جمال عبدالناصر بوضوح في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية و الخارجية من البداية فعلى سبيل المثال وقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبدالناصر في صراعه ضد الإخوان و أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان بيانا في مولد الرفاعي عام 1965 م أبرز فيه هذا الموقف، كما أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية بيانا استنكر فيه ما أسماه المؤامرات الرجعية التي يدبرها الملك فيصل (ملك السعودية) و شاه إيران و الملك حسين (ملك الأردن) و رئيس تونس الحبيب بورقيبة (الأهرام ١٢ ابريل 1967 م)، وكذلك أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية بيانا يبرر فيه و يؤيد قرارات عبدالناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في مايو 1967 م (الأهرام ٢٧ مايو 1967 م)، و في ديسمبر 1967 م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا لعبدالناصر في أعقاب هزيمة ٥ يونيو 1967 م.

و مازالت الطرق الصوفية تسير على هذا النهج حتى الآن من تأييد الحاكم و عدم إتخاذ أي مواقف معارضة له، و عدم تأييد أي قوى معارضة.

و هذا كله أضعف من إقبال الناشطين الإسلاميين عليها، فلا يقبل عليها إلا راغبي الراحة النفسية و البعد عن مشكلات الواقع بكل تعقيداته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية، و من هنا أقبل الناشطون الإسلاميون على الجماعات الإسلامية المتعددة التي لها مواقف أكثر فاعلية واندماجا مع المجتمع و مشكلاته.

٣- السلفية التقليدية

أولا : السلفية التقليدية

السلفية التقليدية تيار قديم جدا في مصر منذ العصور الوسطى الإسلامية و قد مثله العديد من الجمعيات و المجموعات منذ بدايات القرن العشرين الميلادي مثل جمعية "الهداية" التي قادها الشيخ محمد الخضر حسين لكن هذه الجمعيات كانت تنشأ ثم تنحل مع مرور الوقت.

و كانت هذه الجمعيات تهتم بالشعائر الإسلامية التعبدية المختلفة و تجريدها من البدع، و السعي لتنفيذها على النحو التي كانت عليه في العصور الإسلامية الأولى في عصر النبي محمد صلى الله عليه و سلم و عهد صحابته لاسيما الخلفاء الراشدين بشكل خاص، كما اهتم هذا التيار دائما بما تسميه الجماعات الإسلامية بالهدي الظاهر و يقصد به إتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم في الأمور المتعلقة بشكل الملابس و شعر الرأس و اللحية بالنسبة للرجال و الحجاب و عدم إظهار التزين بالنسبة للنساء.

ثانيا : الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب و السنة

الشيخ محمود خطاب السبكي (رحمه الله) هو مؤسس "الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب و السنة" و قد أسسها في تسعينات القرن ١٩ الميلادي و كان من علماء المذهب المالكي في الأزهر الشريف، و عندما تم إصدار قانون الجمعيات سجل الشيخ جمعيته وفق هذا القانون عام 1913 م، و ظلت تعمل حتى اليوم و لها فروع كثيرة بكل محافظات مصر و عادة ما يقودها علماء من الأزهر الشريف حتى الآن رغم أن من بين دعاتها أشخاص من خريجي المدارس و الجامعات المدنية و هؤلاء يتلقون دورات علمية لمدة سنتين في معهد إعداد الدعاة التابع للجمعية، قبل أن تعتبرهم الجمعية دعاة و تسمح لهم بالخطابة و إعطاء الدروس في مقراتها.

و"الجمعية الشرعية لت عاون العاملين بالكتاب و السنة" لا ت2009 السياسة و لاتتكلم فيها و لا تتخذ أي مواقف سياسية، لكنها لسبب أو لأخر في قامت عبر الحاج عيسى عاشور صاحب دار الاعتصام للنشر بأصدار مجلة اسمها الاعتصام و اتفق مع الجمعية الشرعية على اعتبرها لسان الجمعية الشرعية، و ظلت هذه المجلة تكتب عن السياسة و كأنها إحدى صحف المعارضة مما دفع رئيس مصر السابق أنور السادات إلى وضعها في زمرة الصحف و المجلات التي صادرها ضمن القرارت القمعية التي أصدرها ضد جميع قوى المعارضة المصرية في ٥ سبتمبر 1981 م، و لكن المجلة عادت للصدور بعد إغتيال السادات إلى أن توقفت مع انتهاء ترخيصها بوفاة صاحبها، لكن الجمعية الشرعية أصدرت في السنوات الأخيرة مجلة باسم التبيان و هى تنحو منحى سياسيا أشبه بالاعتصام لكن الاتجاه الإخواني الذي تميزت به الاعتصام خفت قليلا في التبيان و إن ظل بارزا بها، و يعكس التوجه السياسي لهاتين المجلتين رغم تعبيرهما عن جمعية تنأى بنفسها عن السياسة حالة عدم الاقتناع بالالتزام الحرفي لقاعدة عدم الاشتغال بالسياسة التي كان محمود خطاب السبكي قد إلتزم بها منذ تأسيس جماعته كما يعكس أيضا إختراق جماعة الإخوان المسلمين القوي لهذه الجمعية الكبيرة و القديمة و الهامة، و التي يقدرأعضاؤها الناشطون بعشرات الآلاف.

لكن لابد من ملاحظة أن الخطاب السياسي لمجلات هذه الجمعية و لبعض دعاتها في المساجد قائم على أسلوب الاصلاح الجزئي العشوائي، فهو لا يطالب بتغيير شامل و متكامل كما أنه لا يطرح برنامجا متكاملا و محددا للاصلاح أيا كان جوهره، بل يكتفي بتوجيه النقد للعديد من الجوانب السلبية و قضايا الفساد والفشل السياسي و الاقتصادي و إن كان تركيزهم الأكبر على قضايا الفساد الأخلاقي، و يقتصر تناولهم لأي من هذه القضايا على بعض جوانبها الجزئية دون الإطار الكلي لها الذي ينتظمه النسق السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي العام.

و تركز الجمعية إهتمامها الأكبر في مجال تنقية الدين من البدع و الخرافات و مكافحة التبرك و التمسح بالأضرحة أو النذر لها و الصلاة فيها و رغم أنها لا تدعو للتمسك بمذهب فقهي محدد فإن من بين علماءها من يلتزمون بمذهب محدد بحكم دراستهم الأزهرية أما دعاة الجمعية الشرعية فمرجعهم الأساسي كتاب الشيخ محمود خطاب السبكي "الدين الخالص" و هو موسوعة فقهية ضخمة تذكر معظم الأراء الفقهية بأدلتها ثم ترجح أحدها.

و ترى"الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب و السنة" أن مشكلة الأمة الإسلامية تكمن في البدع و الخرافات التي دخلت على الدين و منها العديد من طقوس التصوف، و انه إذا تم تنقية الدين من هذه البدع سوف يعود للأمة مجدها و عزها.

و بالرغم من ذلك فإن موقفهم من الصوفية ليس بحدة فصائل اسلامية أخرى، بسبب الطبيعة الصوفية التي تربى عليها السبكي في الأزهر، و بالتالي فإن الجمعية الشرعية تميل لتقسيم التصوف لنوعين نوع معتدل و هو الملتزم بالسنة و نوع متشدد و هو الذي يتضمن انحرافات عقائدية و فقهية.

ثالثا : جماعة أنصار السنة المحمدية

فصيل من الحركة الإسلامية التقليدية حاد جدا في موقفه من التصوف و الصوفية ذلك الفصيل قام بتأسيسه الشيخ محمد حامد الفقي عام 1926 م تحت اسم "جماعة أنصار السنة المحمدية" وهي تعمل بنشاط حتى الآن، و كان الشيخ محمد حامد الفقي من علماء الأزهر كما كان من مرتادي الجمعية الشرعية، لكنه اختلف معهم في أحد جزئيات مسألة صفات الله تعالى و هي جزئية من علم العقيدة و هي من المحددات التي تفرق بين الفرق الإسلامية المختلفة (كالمعتزلة و الأشاعرة و أهل السنة و الشيعة و غيرهم)، و لذلك أنشأ الشيخ حامد الفقي "جماعة أنصار السنة المحمدية" و هي في فكرها العقيدي أقرب إلى أهل السنة أكثر من الجمعية الشرعية و تركز في خطابها على محاربة بدع المساجد و الأضرحة و الصوفية و تعتبر أن البعد عن الإسلام الصافي هو أحد أسباب تخلف الأمة الإسلامية كما أن مسألة وجوب الحكم بالشريعة على مستوى نظام الحكم في الدولة حاضرة و منصوص عليها في أدبيات الجماعة و ميثاقها ولكنهم عندما يطالبون بها عبر الخطابة و الكتابة و الدروس المسجدية فإن ذلك لا يصحبه أي عمل سياسي أخر ومعظم علماء"جماعة أنصار السنة المحمدية" هم من علماء الأزهر الشريف حتى اليوم،و لها فروع كثيرة في كل محافظات مصر لكنها أقل حيوية من الجمعية الشرعية رغم أن فكرها الفقهي أكثر حيوية من فكر الجمعية الشرعية.

و تصدر"جماعة أنصار السنة المحمدية" بانتظام مجلة شهرية اسمها "التوحيد" تتسم بأنها بعيدة لحد كبير عن الخوض في السياسة و هي بذلك عكس مجلات الجمعية الشرعية، بل إن هذا مثير للدهشة لأن الطرح الفكري لجماعة أنصار السنة أكثر إلتصاقا بالسياسة إذا قارناه بالطرح الفكري لل "الجمعية الشرعية" بسبب حرص الأولى الواضح و الصريح في ميثاقها على طرح قضية الحكم بالشريعة و الدعوة لها و الاصرار على أنها واجب شرعي لا سبيل للفكاك منه و انه السبيل الوحيد للإصلاح و الخروج من أزمات الأمةالراهنة.

و في مقابل الاختراق القوى و الواضح الذي حققه الإخوان المسلمون للجمعية الشرعية، فإنه من الواضح أن هناك إختراق مماثل حققته السلفية العلمية و السلفية الحركية لجماعةانصار السنة.

و يقدر عدد نشطاء جماعة أنصار السنة في مصر بما يزيد قليلا عن عشرة آلاف ناشط، لكنها قوية بما تملكه من مؤسسات خيرية و معاهد علمية و مكتبات و مساجد و إن كانت الأخيرة تم ضمها لإشراف وزارة الأوقاف في محاولة حكومية لتكبيل الجماعة و الحد من توسع نشاطها و زيادة أعداد أعضائها منذ التسعينيات.

و توجد امتدادات لجماعة أنصار السنة المحمدية في بعض الدول العربية لكنها لا تتبعها تنظيميا، و أهم جماعات "أنصار السنة المحمدية" خارج مصر توجد في جمهورية السودان و هي هناك أقوى و أكبر من جماعة أنصار السنة في مصر رغم أن جماعة مصر هي الأصل، و لكن ربما يرجع السبب لحرية الحركة المتاحة للجماعة هناك بالمقارنة للجماعة في مصر.

كما يوجد متعاطفون فكريا مع جماعة أنصار السنة في العديد من دول العالم بما في ذلك في أوروبا لكن مع مرور الوقت يزداد تماهي أنصار السنة مع السلفية العلمية و السلفية الحركية لتشابهما الشديد في المنهج الفكري.

رابعا : السلفية التقليدية الجديدة

هذا التيار برز بشكله الحالي في منتصف السبعينات من القرن الماضي، و أتباع هذا الفصيل يطلقون على أنفسهم السلفيين، و هم لا تجمعهم منظمة محددة لكنهم يلتفون حول عدد من المشايخ و يتتلمذون عليهم و يمثل الشيخ منفردا هو و مجموعة تلاميذه كيانا مستقلا عن بقية المشايخ و تلاميذهم، و يتفاوت عدد التلاميذ من شيخ لآخر حسب نجاح الشيخ و شهرته في مجال الدعوة فهناك شيخ عدد اتباعه يقدر بعشرات الآلاف و هناك شيخ عدد أتباعه يقدر بالعشرات فقط، و أشهر مشايخ هذا التيار و أكثرهم شعبية الدكتور أسامة عبدالعظيم أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر و الذي يزعم البعض أن أتباعه أكثر من مائة و خمسين ألف منتشرين في معظم محافظات مصر، و هو رقم كبير إذ قارناه بحجم مجموع أعضاء العديد من الأحزاب السياسية في مصر فيما عدا الحزب الحاكم و تزداد أهمية هذا العدد من الأتباع إذا علمنا أن كل هذا العدد هم من النشطاء و ليسوا مجرد مستمعين لشيخ، و يعتبر الشيخ محمد مصطفى الدبيسي بمثابة نائب للدكتور أسامة عبدالعظيم و هو أهم مساعديه منذ نشأة هذا الفصيل، رغم أن هذا الفصيل لم يعلن عن هيكل تنظيمي محدد المعالم حتى الآن.

و هذا الفصيل عادة لا يشتغل بالسياسة ولا يتكلم فيها علنا و لا يتخذ مواقف سياسية علنية لكنهم قد يضطرون للكلام في السياسة تحت ضغوط أتباعهم المقربين جدا و يكون ذلك في جلسات سرية لخواص الأتباع و يقتصر كلامهم السياسي على شرح تصوراتهم للواقع السياسي و مشكلاته، و يعتبرون هذا الكلام من الأسرار التي يكون من المحظور علي الجميع إذاعتها خارج نطاق الذين حضروا هذه الجلسات السرية.

و تتلخص رؤية هذا الفصيل للتغيير السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي في تفسيرهم الخاص لقوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فهم يرون أن الأية تشير إلى أن تغيير واقع الأمة الإسلامية إلى الأفضل لن يتم إلا عندما يغير كل مسلم نفسه وفق معايير الإسلام فيلتزم بتعاليمه و يؤثر في من حوله من أهله و جيرانه و زملاء عمله فيغيروا هم أيضا أنفسهم بنفس الطريقة و بذا ينصلح حال الأمة من وجهة نظرهم، و من أهم معايير الإسلام التي يسعون لتطبيقها في الواقع تنقية الدين مما يرونه من البدع خاصة المرتبطة بالتصوف و الأضرحة و كذلك منع المسلمين من الإفتتان بالحضارة الغربية و مرتكزاتها الفكرية المخالفة للإسلام، و وسيلة التغييرعندهم تنحصر في الدعوة عبر خطب الجمعة و الدروس الدينية في المساجد بالإضافة إلى الدعوة الفردية و طبعا دخلت على الخط القنوات الفضائية و مواقع شبكة الإنترنت، و كان هذا الفصيل يقوم بدعوة الناس في الشوارع للصلاة في المسجد و الإستماع لدروس المشايخ (عندما كانت أجهزة الأمن تغض الطرف عن هذا في فترة السبعينات من القرن الماضي) لكنها توقفت عن هذا النشاط في الثمانينات من القرن الماضي تحت ضغط الأمن.

و تفيد بعض المعلومات الموثوقة المتسربة عن قيادة هذا التيار أن أكثرهم لا يمانع من المشاركة في التصويت في الانتخابات النيابية و غيرها من انواع الانتخابات لدعم محاولات الاصلاح و هم في ذلك يتفقون مع منهج الإخوان المسلمين.

خامسا : جماعة التبليغ و الدعوة

تعتبر جماعة "التبليغ و الدعوة" أحد الفصائل الهامة في "الحركة الإسلامية التقليدية" في مصر تالية في المرتية بعد السلفية التقليدية من حيث الأهمية و العدد، و قد دخلت جماعة التبليغ و الدعوة إلى مصر في منتصف سبعينات القرن الماضي تقريبا قادمة من الهند، و رغم أن جماعة "التبليغ و الدعوة" أصولها هندية و لا تمت للأزهر بصلة مباشرة إلا أن مؤسسها الهندي (ولي الدين الكاندهلوي) هو من مشايخ الصوفية هناك، و معلوم أن التصوف رافد رئيسي من روافد الأزهر الشريف.

و على كل حال فإن جماعة "التبليغ و الدعوة" عندما دخلت العالم العربي أخذت صبغة سلفية شكلية نتيجة لسيادة المنهج السلفي في معظم فصائل الحركة الإسلامية على اختلافها لإلتزام كافة الفصائل بالعمل (و لو شكليا) بحديث النبي محمد ( ص) " تفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قالوا: و ما تلك الفرقة ؟ قال : ما أنا عليه اليوم و أصحابي" رواه أبو داود و أحمد و الحاكم و غيرهم و هو حديث صحيح، كما أن أول من أدخل جماعة "التبليغ و الدعوة" إلى مصر هو الشيخ إبراهيم عزت (رحمه الله) ، و قد كان ذا توجه سلفي فاصطبغت جماعة "التبليغ و الدعوة" في مصر بطبيعة إبراهيم عزت السلفية.

و جماعة "التبليغ و الدعوة" كانت و مازالت من أكبر الجماعات الإسلامية المصرية عددا إذ يقدر عدد نشطائها في مصر بما يزيد عن ٢٥٠ ألف شخص و ذلك بسبب الطبيعة البسيطة و السهلة لمنهجها الفكري و أسلوبها البسيط و النشيط في العمل و فاعلية و حماس أعضائها، و عدم اصطدامها بالحكومة و عدم منع الأمن لها ، و إن ضيق عليها أحيانا بشكل محدود.

و يتلخص تصور جماعة "التبليغ و الدعوة" للواقع الإسلامي المعاصر و سبل تغييره في مثل يضربه عادة نشطاء جماعة "التبليغ و الدعوة" عند شرحهم لمنهج جماعتهم و هو أن الأمة الإسلامية مثل كوب ماء يركد في قاعه كمية كبيرة من السكر و كل ما تحتاجه الأمة هو تقليب هذا الماء بملعقة حتى يذوب السكر فيه و يصبح حلوا، فالأمة فيها الخير لكنها تحتاج لحركة تنشط هذا الخير الكامن في نفوس الناس، و هذا التقليب هو ما تقوم به جماعة "التبليغ و الدعوة" في العالم كله، عبر دعوة الناس في الشوارع للصلاة في المسجد و عند ذهابهم للمسجد يلقون عليهم دروسا في منهج الجماعة و كلاما حماسيا كثيرا جدا في وجوب الصلاة و التحلي بالمظهر الإسلامي في المأكل و المشرب و الملبس و النشاط في الدعوة عبر جماعة "التبليغ و الدعوة" لإنقاذ الإمة الإسلامية من النار، كما يعرضون على مرتادي المسجد "الخروج في سبيل الله" للدعوة في إطار جماعة "التبليغ و الدعوة".

و هذا الخروج هو وسيلة عملهم الرئيسة حيث يخرج العضو لمسجد بعيد عن بلدته أو حتى دولته لمدد تبدأ من ثلاثة أيام و تتدرج إلي أربعة أشهر و تمر بأربعين يوما، و هذا الخروج في سبيل الله يتضمن المكث في المسجد و عدم الخروج منه إلا في الجولات التي يدعون فيها الناس من الشوارع و المقاهي إلى المسجد.

و تلزم جماعة "التبليغ و الدعوة" أتباعها بعدم الكلام في السياسة أو الجماعات الإسلامية المختلفة أو الخلافات الفقهية أو الكلام عن غير المسلمين كما تلزمهم بعدم الإشتغال بطلب العلم الشرعي لأنه سيشغلهم عن العمل الأهم من وجهة نظرهم و هو الدعوة للتدين.

يشار إلى أن جماعة التبليغ و الدعوة جماعة كبيرة جدا على مستوى العالم و تمثل تيارا واسعا مازال يعمل بنشاط في كافة أنحاء العالم و لها دور كبير و بارز في الدول غير الإسلامية خاصة في أوروبا و الولايات المتحدة، و عبرها يعتنق الإسلام كثير من غيرالمسلمين في الغرب.

وبالنسبة لمصر ففي السبعينات من القرن العشرين كان كثير ممن إنضووا في صفوف الحركة الإسلامية بكافة فصائلها قد تم جذبهم من الشوارع و النوادي و المقاهي إلى المساجد عبر دعاة جماعة التبيلغ و الدعوة، و بعد أن التزموا بتعاليم الإسلام وفق هذه الجماعة تفرقت بكثير منهم السبل ما بين منضم للسلفية العلمية أو السلفية الحركية أو منضم للسلفية التقليدية أو للإخوان المسلمين أو تنظيم الجهاد.

هذا فضلا عن الكثيرين الذين استمروا في صفوف جماعة التبليغ و الدعوة نفسها.

و أثناء التحقيقات الواسعة التي شملت معظم قادة جميع فصائل الحركة الإسلامية إثر إغتيال رئيس الجمهورية السابق محمد أنور السادات تبين أن الكثيرين من أعضاء و قادة كثير من الفصائل خاصة تنظيم الجهاد قد بدأ إلتزامهم الإسلامي عبر دعاة جماعة التبليغ و الدعوة، و من أش هر هؤلاء عبود الزمر أحد أشهر قادة تنظيم الجهاد، كما ثبت أن الشيخ ابراهيم عزت رحمه الله قد ألمح لمحمد عبدالسلام فرج بأنه مؤمن بمنهج تنظيم الجهاد و لكنه لأسباب عديدة لا يمكنه الانضمام لتنظيم الجهاد و لكنه في نفس الوقت ألمح له بأنه يمكن لتنظيم الجهاد أن يجند أعضاء التبليغ و الدعوة سرا و فرادى للعمل في صفوف تنظيم الجهاد، و كان نص كلامه حسب هذه الرواية "أنا أحضر لكم الناس منالشارع للمسجد و أنتم تولوا الباقي".

و أثناء التحقيقات مع تنظيم الجهاد إثر إغتيال الرئيس السادات انكشفت هذه الواقعة لأجهزة الأمن، و لذلك فإن جهاز الأمن لم يسمح لجماعة التبليغ و الدعوة بالعمل طوال حياة إبراهيم عزت بدءا من نهايات عام 1981 م و حتى وفاته، و لم تتأخر وفاة إبراهيم عزت كثيرا، و قد اثيرت العديد من الشكوك حول وفاته لكن أحدا من اتباعه لم و لن بجروء على إثارة الكلام حول أهمية التحقق من سبب موت ابراهيم عزت المفاجئ وما زعن عن حقنه بحقنة ما و هو على سفينة متجهة للعربية السعودية رغم أنه لم يكن يعاني من أي مرض!.

الباب الثاني الحركة الإسلامية الحديثة

١- جماعة الإخوان المسلمون

أقدم فصائل الحركة الإسلامية الحديثة "جماعة الإخوان المسلمين" التي أنشأها الشيخ حسن البنا (رحمه الله) عام 1928 م.

و حاول حسن البنا أن يجمع بين مختلف التيارات الفكرية الإسلامية في جماعته كي يوحد صفوف المسلمين في مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجههم فأعلن "نحن دعوة سلفية و حقيقة صوفية" ولكن حسن البنا شدد على أن الصوفية وسيلة و ليست غاية و أنها منهج تربوي و ليست دروشة، لكن هذا لم ينجح في لم الشمل إلا بقدر محدود فلا السلفيون تركوا جماعاتهم و التحقوا بالإخوان و لا الصوفية تركوا طرقهم و انضموا للإخوان، لكن الذي حدث أن أصبح في الإخوان تيارات سلفية و أخرى صوفية و هكذا.

و قد هاجم البنا الشق الفكري المخالف للإسلام في الحضارة الغربية و لكنه استفاد من علوم غربية متعددة بسبب عدم تصادمها مع الإسلام و على رأسها علم التنظيم و الإدارة و الصحافة و الاعلام و غيرها.

و مازال الإخوان المسلمين في العالم كله يطبقون مبادئ حسن البنا بشكل عام حتى الآن.

و البنا مثله مثل قادة سائر الحركات الإسلامية الحديثة ، رأى أن المسلمين قد اضمحلت حضارتهم بسبب بعدهم عن الإسلام الذي كان عليه النبي محمد (ص ) و رأي انه ما من ثم فالسبيل لحل مشكلات المسلمين كلها و عودة مجد الأمة الإسلامية الغابرهو العودة للإلتزام بالإسلام كما كان عليه الصحابة.

أما وسيلة التغيير عند الإخوان المسلمين فإنها مرت بعدة تطورات منذ أسسها حسن البنا و حتى الآن ، إذ مال البنا بعد تطور الجماعة ووصولها لأوج قوتها إلى أن يؤسس ما أسماه بالتنظيم الخاص و قد ظن أكثر الكتاب و الباحثين أن هذا التنظيم هو تنظيم عسكري سري فقط و لكن الحقيقة أن هذا التنظيم هو تنظيم عقائدي ومسلح في آن واحد و أتت سريته من منطلق أن البنا كان مدركا أن الإنجليز و القصر، بل و سائر القوى الدولية الكبرى لن تسمح ب وجود تنظيم سياسي اسلامي كبير و قوي يسعى لإعادة الخلافة الإسلامية، و من ثم أعد العدة ليوم المواجهة، و لكن بعد اغتيال الحكومة للبنا و ضربها لجماعة الإخوان، فإن خليفة البنا حسن الهضيبي سعى لإيهام الجميع بأنه يعمل على حل التنظيم الخاص بينما كان يسعى لإعادة بناءه على أسس جديدة تتلائم مع طبيعة المرحلة الجديدة في ضوء تجربة الإخوان السابقة، و ذلك وفقا لرواية صلاح شادي (رحمه الله) أحد أبرز قادة الإخوان في مذكراته.

ثم دخل الإخوان صراعات متتالية مع نظام جمال عبدالناصر بعد الثورة انتهت بإلقائهفي السجن حتى أفرج عنهم السادات في منتصف السبعينات، ليصبح التنظيم الخاص مجرد تاريخ.

و بذا دخل الإخوان المسلمون في مصر مرحلة جديدة من تاريخهم ألغوا فيها العمل المسلح كوسيلة للتغيير السياسي من حساباتهم و حصروا وسائل تغيير الحكومة و المجتمع في النضال السياسي السلمي و العمل الاجتماعي الخدمي و العمل الثقافي و الإعلامي، و سرعان ما خاضوا إنتخابات مجلسي الشعب و الشورى و المجالس المحلية .

ونعتقد أنه لولا تعنت الحكومة معهم وتزويرها الإنتخابات لفازوا بنسبة أكبر من مقاعد أي من هذه المجالس كلما خاضوا الإنتخابات على جميع المقاعد.

ورغم أن الإخوان ينافسون في أي إنتخابات يدخلونها بحساب حذرا من بطش الحكومة إلا أن آمالهم بتسلم الحكم عبر الإنتخابات قد انتعشت بتسلم "حزب العدالة و التنمية" الحكم في تركيا و هو حركة ذات جذور إسلامية لحد ما.

و هناك العديد من الانتقادات التي يتم توجيهها لجماعة الإخوان المسلمين من الإسلاميين و العلمانيين على حد سواء و كثيرا ما يتم استخدام تاريخ الإخوان لإثبات هذه الانتقادات كما يتم كثيرا تزوير تاريخ الإخوان المسلمين من أجل اثبات هذهالانتقادات.

و من الانتقادات التي تم توجيهها للإخوان مهادنتهم لبعض الوقت للملك أو لقوى سياسية مكروهة شعبي ا، وترى هدى عبد الناص ر(د . هدى عبد الناصر ، الرؤية 1952 ، دار المستقبل العربي ، – البريطانية للحركة الوطنية المصرية ، 1936 القاهرة ، الطبعة الأولى 1987 ، ص ١٩١ بتصرف يسي ر. ) أن المنهج الحركي للإخوان المسلمين يأتي متسقا مع أهدافها وأساليبها التنظيمي ة، برغم التناق ض الظاهر فيه، لأنها قامت بعقد تحالفات تكتيكية مع الأحزا ب، ومع القصر في فترات مختلفة من أجل ضمان أمنها وتحقيق أهدافها في الانتشار في حماية الحكومة القائمة.

1952 – و رأي طارق البشري (طارق البشري ، الحركة السياسية في مصر 1945 ط دار الشروق ، الطبعة الثانية ، القاهرة 1983 ، ص ٥١ ، ص ٦٢ ، ص ٦٤ ) أنه ثبت تحالف وتعادي الإخوان مع المل ك، ومع قوي حزبية عديد ة، وهذا ينفي تبعيتهم لأي منها، ويؤكد أنهم إنما سلكوا هذه المسالك من منطلق استقلالي لتحقيق أهدافه م، ولكن ينتقدهم في عدم تقويم هذه المسالك ونقدها في كتاباتهم الحديث ة، رغم أن الملك وأحزاب الأقلية هي التي إغتالت حسن البنا وسامت الإخوان أسوأ عذاب في تاريخ مصر الحديثة.

٢- جماعة شباب محمد (ص)

و الجماعة التالية لحركة الإخوان المسلمين من حيث تاريخ النشأة هي "جماعة شباب محمد" التي أسسها مجموعة من قادة وشباب الإخوان الذين انشقوا عن جماعة الإخوان المسلمين عام 1939 م وعلى رأسهم محمود أبو زيد عثمان و حددوا خلافهم مع الإخوان في عدة نقاط أبرزها عدم أخذ قيادة الإخوان بمبدأ الشورى في إتخاذ القرار وذلك بالمخالفة لتعاليم السياسة الشرعية الإسلامية و كذلك عمل جماعة الإخوان المسلمين تحت لواء الحاكمين بغير ما أنزل الله على حد تعبير المجموعة المنشقة و يقصدون به رضا جماعة الإخوان بالعمل السياسي في إطار القانون الوضعي السائد و الذي يحكم العمل الحزبي و النقابي.

و قد طرحت جماعة "شباب محمد" في مسألتي "الحكم بما أنزل الله" و "وسيلة تغيير الواقع" أطروحات تشبه ما تم طرحه بعد ذلك بأكثر من خمس وعشرين سنة من قبل تنظيم الجهاد مما دعا أحد أبرز منظري تنظيم الجهاد (د. أسامة عبدالله حميد) إلى إعتبار أن "جماعة شباب محمد" هي المرحلة الأولى من تاريخ التيار الجهادي في مصر، إلا أن معلوماتي الموثوقة تفيد أن مؤسسي تنظيم الجهاد الأوائل لم يسبق لهم أن اتصلوا لا بجماعة الإخوان المسلمين و لا شباب محمد.

و كانت جماعة "شباب محمد" تؤمن أنه لا سبيل لنهضة الأمة الإسلامية و الخلاص من مشاكلها إلا بإقامة الخلافة الإسلامية والعودة للإسلام الصافي كما كان عليه النبي (ص)، و هي في ذلك مثل سائر الجماعات الإسلامية السابقة و اللاحقة لكنها زادت عليهم شيئا جديدا و هو أنها حددت أنه لا سبيل لتنفيذ ذلك سوى بالتشدد و التعصب للإسلام بمعنى عدم المهادنة أو اللين و كذلك استخدام الجهاد المسلح، و قد أعلنت "جماعة شباب محمد" ذلك في أدبياتها و على رأسها مجلة النذير التي آلت لها ملكيتها من الإخوان المسلمين بعدما انشق صاحب امتيازها ( وهو محمود أبو زيد عثمان نفسه) مع من انشق وشارك في تكوين "جماعة شباب محمد".

و قد بلغت"جماعة شباب محمد" مبلغا لا بأس به من الإنتشار و القوة أيام حرب فلسطين عام 1948 م إذ أرسلت في إحدى المرات ما يعادل نحو ٢٠ % من كتائب المتطوعين الذاهبين لفلسطين بينما أرسل الإخوان المسلمون نحو ٧٠ % من هذه الكتائب و اشتركت جميع الأحزاب و الجمعيات الأخرى في ١٠ % الباقية.

لكن جاء عبدالناصر للحكم و تقلصت الحريات و بمرور السنوات تقلص وجود "جماعة شباب محمد" حتى لم يعد منها شئ في نهاية السبعينات من القرن العشرين سوى بعض الكتيبات و المنشورات التي تصدرها من حين لأخر بإشراف محمد عطية خميس المحامي رئيس "جماعة شباب محمد" حينئذ، و بوفاة محمد عطية خميس في أوائل الثمانينات انتهى أي ذكر ل"جماعة شباب محمد" في الشارع السياسي و الإسلامي بمصر.

٣- القطبيون

تكونت جماعة القطبيين في السجن بعد انتهاء محاكمات قضية الإخوان المسلمين في عام 1965 م و التي تعرف عند البعض بتنظيم سيد قطب ، و قد تكونت من مجموعة صغيرة من قادة و أعضاء الإخوان المسلمين و كان على رأسهم الأستاذ محمد قطب شقيق سيد قطب، و كان من ضمنهم كل من عبدالمجيد الشاذلي و مصطفى الخضيري و الدكتور محمد مأمون ، و قد اختلفوا مع الإخوان في عدة قضايا و أهمها استراتيجية العمل الإسلامي.

و الإستراتيجية التي اعتمدها القطبيون للتغيير الإسلامي قد دونها مؤخرا بشكل متكامل محمد قطب في كتابه "واقعنا المعاصر" و تتلخص في أنه يتحتم تربية أغلبية الشعب على العقيدة الإسلامية الصحيحة حتى إذا قامت الدولة الإسلامية الحقيقية أيدها و تحمل الصعاب التي ستترتب على قيامها من قبل القوى الغربية التي ستقاوم أي نهضة اسلامية حقيقية في مصر و ستضرب حصارا ظالما (حسب رأيه) على الدولة الإسلامية الناشئة يطال كل شئ من اول منع استيراد القمح و المواد الغذائية إلى منع استيراد أي مواد صناعية، بل و منع تدفق ماء النيل بطريقة أو أخرى حتى لو وصل الأمر إلى ضرب السد العالي بقنبلة نووية صغيرة، و انطلاقا من هذه الرؤية فالقطبيون يرون أنه يتحتم بجانب تربية الشعب قبل إقامة الدولة الإسلامية فإنه يتحتم أن يهتم أبناء الحركة الإسلامية بالتفوق في تعلم العلوم و التكنولوجيا الغربية الحديثة حتى تتوافر لهم فرص إيجاد الحلول العلمية و العملية الحديثة للتغلب على هذه الصعاب المترتبة على إقامة الدولة الإسلامية في مصر.

و رغم أن استراتيجية القطبيين في التغيير لها رونقها و وجاهتها "بالنسبة لكثيرين من الإسلاميين" إلا أنهم لم يضعوا تكتيكات (أساليب) واضحة و مناسبة لتحقيقها مما جعلها تبدو و كأنها نوع من الترف الفكري.

و بصفة عامة فإن ال قطبين عددهم صغير، و معدل التجنيد لديهم يعد بطيئا جدا و ذلك كله يعكس الخلل في تكتيكات جماعة القطبيين، و لذلك فرغم أنهم بدأوا مسيرتهم الدعوية في نفس الوقت الذي بدأ فيه الإخوان في منتصف السبعينات فإن عدد القطبيين الآن لا يزيد عن عشرين ألفا بينما ربما يزيد عدد الإخوان المسلمين الآن عن مليون.

كما يلاحظ أن القطبين ليس لهم نشاط في الجامعات و لا المعاهد و لا النقابات بعكس كل من الإخوان و السلفيين الآن و الجهاد و الجماعة الإسلامية سابقا، و هذا أيضا يعد مظهر من مظاهر الخلل في أساليب عمل جماعة القطبيين.

و رغم ذلك كله فإن التيار القطبي مازال تيارا مؤثرا و موجود في معظم دول العالم خاصة العالم العربي، لكنهم في كل مكان لهم نفس الخصائص الموجودة فيهم في مصر من حيث البطء و عدم الفاعلية، و قد أدى ذلك في بعض الحالات إلى تململ عناصر فاعلة داخل الجماعة و من ثم الانشقاق عليها مللا من جمود المنهج الحركي للجماعة.

٤- جماعة الجهاد الإسلامي

ولم تتكون أي جماعة اسلامية في اطار الحركة الإسلامية الحديثة بعد تأسيس "شباب محمد" و "القطبيين" إلا في عام 1964 م عندما تأسست الخلايا الأولى لتنظيم الجهاد المصري. نشأة تيار الجهاد في مصر و أسبابها:

روج الكثيرون لفكرة أن تيار الجهاد خرج من عباءة الإخوان المسلمون، وشاعت هذه الفكرة على أنها حقيقة ثابته يقينا لا يجوز أن يتطرق لها البحث العلمى الموضوعى بتحقيق أو نقد أو تمحيص لاسيما أن هذه الفكرة تستخدم دائما من أجل التعريض بفكر جماعة الإخوان المسلمين و أنه السبب فى كل ما يتأتى من قبل أى جماعة إسلامية على الساحة.

و لقد آمنت بهذه الفكرة في بداية إلتحاقي بالحركة الإسلامية أواخر السبعينات من القرن العشرين الميلادى، وظللت متمسكا بها إلى أن قررت كتابة تاريخ الحركات الإسلامية المعاصرة في مصر فحينئذ قررت أن أخضع كل شئ للبحث العلمى بمعايره الصارمة.

وقد كنت وما زلت أؤمن أن كتابة تاريخ الحركة الإسلامية يستلزم جمع وتوثيق الروايات والشهادات الشفهية من صدور صانعى الأحداث من قادة و أبناء الحركات الإسلامية، و إذا كان هذا حتمى بالنسبة لحركات كتب عنها الكثيرون سواء أعداء أو أصدقاء كحركة الإخوان المسلمين، فإن هذا يصير أكثر حتمية بشأن جماعات لا يزال تاريخها و كثير من أسرارها طى الصدور والكتمان ولم يكتب منه شئ ذا بال في كتاب مسطور مثل الجهاد المصرى أو غيره كالقاعدة و من نحى نحوها.

و إنطلاقا من هذا المبدأ كانت لقاءاتى العديدة مع العديد من قادة الحركات الإسلامية و أبناءها ذوي الإطلاع على الأحداث و خلفياتها، و من هذا ما يخص جماعة الجهاد الإسلامى المصرية و تاريخها الذى سطرناه من حصيلة كم هائل من المقابلات مع قادة ومصادر جهادية عديدة لكننا فى أغلب الأحيان لن نتمكن من ذكر هذه المصادر بشكل صريح وذلك بناء على طلبهم والذى عللوه بأسباب لا تخفى على حصافة القارئ.

النشأة

نشأت أول مجموعة جهادية في مصر حوالى عام 1964 م بالقاهرة، وكان أبرز مؤسسيهاثلاثة هم علوى مصطفى (من حى مصر الجديدة) و إسماعيل طنطاوى (من حى المنيل) ونبيل البرعى (من حى المعادى) وكانوا جميعا طلبة في الثانوية العامة وقتها، ولقد تخرج إسماعيل من كلية الهندسة بجامعة الأزهر فيما بعد، كما تخرج علوى من كلية الهندسة أيضا، بينما تأخر نبيل البرعى دراسيا ثم إلتحق بكلية الأداب بجامعة بيروت.

أصبحت هذه المجموعة تنظيما يضم عددا من المجموعات في القاهرة والجيزة والإسكندرية ، وربما قليل من المحافظات الأخرى، وكانوا جميعا من طلبة ثانوى أو الجامعة لكن التنظيم إستمر سنوات كبر فيها كل صغير.

وكان من بين أعضاء هذا التنظيم أيمن الظواهرى في نهاية الستينيات، كما كان من أعضاء هذا التنظيم يحى هاشم ورفاعى سرور، و أيضا كان من أعضائه محمد إسماعيل المقدم من الإسكندرية ، كما إنضم لهذا التنظيم في نفس الفترة (نهاية الستينات) مجموعة الجيزة التي كان من أبرز قادتها مصطفى يسرى و حسن الهلاوى لكن هذه المجموعة سرعان ما إنفصلت في أوائل السبعينات عند أول بادرة خلاف مع التنظيم.

ولقد ساهم في تشكيل أفكار وإستراتيجية التنظيم ثلاثة عوامل:

الأول- أن كل قادة و أعضاء التنظيم تربوا في مساجد الجمعية الشرعية و جماعة أنصار السنة المحمدية وهما جماعتان ذاتا توجه سلفى واضح، كما تأثر جميع أعضاء التنظيم بالشيخ محمد خليل هراس " وهو أحد علماء الأزهر ، ورئيس جماعة أنصار السنة في ذلك الوقت من أواخر الستينيات وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي" تأثرا كبيرا جدا حتى أن بعض المصادر تنقل روايات لم تتأكد بعد أنه رحمه الله كان على علم بالتنظيم ويؤيده ويوجهه شرعيا.
الثانى- أن فكرة الإنقلابات العسكرية كانت رائجة في ذلك الوقت في المنطقة العربية والعالم ، وجرى تنفيذها بنجاح كبير في دول عربية و إسلامية كثيرة في ذلك الوقت، كما راجت في ذلك الوقت أيضا فكرة حرب العصابات من أجل التحرر الوطنى.
الثالث- إعتقاد مؤسسو التنظيم أن تنظيم الضباط الأحرار كان تابعا للإخوان المسلمين ثم خانهم لإن الإخوان لم يحسنوا تربية و تثقيف الضباط على فكر الجماعة، كما أن الجماعة –حسب رأيهم- أخطأت لأنها لم تسخدم القوة وتحديدا الإنقلاب العسكرى في مواجهة عبدالناصر.

و كانت الأثار المباشرة لهذه العوامل الثلاثة هو تبنى التنظيم للمنهج السلفى في مجالى الإعتقاد والدراسات الشرعية، وتبنيه لمنهج التغيير السياسى والاجتماعى والاقتصادى بالقوة المسلحة.

ولقد إختار التنظيم مبدئيا أسلوب الإنقلاب العسكرى لتحقيق هذا التغيير، وتبنى نهج الإعتماد في إختراق الجيش على أشخاص تم تربيتهم مسبقا في التنظيم ثم دفعهم للإلتحاق بالكليات العسكرية.

كان التنظيم يعتمد مناهج لتعليم الدراسات الشرعية، تقوم على أساس المنهج السلفى، كما ألزم الأعضاء بحضور دروس الشيخ محمد خليل هراس بمسجد "قولة" بعابدين و هو المقر العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر، كما تضمنت المناهج الدراسية بجماعة الجهاد الأولى هذه كتابي "فى ظلال القرآن" و"معالم في الطريق" لسيد قطب .

أما في مجال التدريبات العسكرية فإن هذه الجماعة لم تكن تتبنى سوى التدريبات البدنية الشاقة بجانب التدرب على الألعاب القتالية كالمصارعة و الكاراتيه، لأنهم كانوا يتبنون فكرة التغيير عبر التغلغل في الجيش و إستخدامه للقيام بإنقلاب عسكرى، وذلك عبر توجيه الأعضاء من طلبة الثانوى لدخول الكليات العسكرية وكذا توجيه الأعضاء من طلبة الجامعات للتحوي ل للكليات العسكرية.

ولهذا أيضا لم يكونوا يهتمون بشراء أو تخزين السلاح أو التدرب عليه خارج الجيش اللهم إلا ما كان من تصرفات فردية لم يكن التنظيم يمانع فيها.

و كانت هذه الجماعة تعتمد في مجال التجنيد على تجنييد الملتزمين بتعاليم الإسلام أيا كان إنتمائهم الفكرى بإعتبار أن خلافهم الرئيسي مع غيرهم هو مسألة (طريقة التغيير) فإقناع أى ملتزم بهذه الفكرة يحوله لشخص صالح للإنضمام لجماعة الجهاد، لكن كان بالطبع لهم بعض الملاحظات و الخلافات القليلة والجوهرية مع كل من الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة المحمدية في بعض تفصيلات مسائل في العقيدة حتى أن علوى مصطفى كان قد كتب كتيبا في هذه المسائل.

وقد ظل هذا هو منهج جماعات الجهاد المصرية في الدعوة والتجنيد حتى الآن، حيث كانت مساجد الجمعية الشرعية و أنصار السنة وحلقات الدرس فيهما هى ملتقى أعضاء الجهاد، كما كانت الميدان الأبرز للدعوة والتجنيد لجماعة الجهاد في ذلك الحين بسبب انحسار النشاط الإسلامي في ذلك الوقت في هذه المساجد و منع الأنشطة الإسلامية في سائر ساحات العمل السياسي الأخرى كالجامعات و النقابات.

فأجابوا جميعا إجابة واحدة هى: لم أكن في يوم من الأيام عضوا في الإخوان المسلمين كما لم يكن أحد من أسرتى عضوا في الإخوان كما لم أتعلم على يد أحد من الإخوان.
  • وسألتهم ما الذى دفعكم لفكرة التغيير؟؟
قالوا: رأينا الواقع مخالف لما ينبغى أن يكون عليه الواقع الإسلامى كما درسناه فقررنا أننغيره.
  • و سألتهم لماذا إخترتم القوة كوسيلة وحيدة للتغيير؟؟
قالوا: لأنها الوسيلة الوحيدة الناجحة كما أن النظام الحاكم يحكم بالقوة والقمع ويسد أىمنفذ للتغيير السلمى، و يستخدم كل إمكانات الدولة لمنع أى تغيير إجتماعى إسلامى سلمى ومتدرج.
  • وسألتهم لماذا الإنقلاب العسكرى تحديدا وليس غيره؟؟
قالوا: أغلب حكام العالم الإسلامى حصلوا على الحكم بهذه الطريقة و هى طريقة فعالة ونحن أولى بإستخدامها لأننا نعبر عن دين وثقافة الأمة أما هم فلا يعبرون إلا عن فكر ومصالح الغرب الصليبى أو الشرق الشيوعى (طبعا كان الإتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية قائمين في الفترة التى نتكلم عنها).

وفي نهاية الستينات كان من أعضاء التنظيم أيضا عصام القمري.

إنشقاق في التنظيم ونشأة تنظيم يحى هاشم

بعد هزيمة يونيو 1967 م ثم محاكمة قادة سلاح الطيران المصرى الذين اعتبروا مسئولين عن الهزيمة عام 1968 م ومجئ الأحكام مخففة ، خرجت مظاهرات حاشدة من الطلبة والعمال في القاهرة والإسكندرية ضد نظام الرئيس جمال عبدالناصر محتجة على الأحكام والهزيمة معا واستمرت هذه المظاهرات لفترة.

و انتهز يحى هاشم " وهو وكيل نيابة ، وأصبح أحد أعضاء التنظيم البارزين" الفرصة وحاول أن ينفذ أمرا كثيرا ما طاقت إليه نفسه، ألا و هوالإلتحام بالجماهير وقيادتها للإطاحة بعبدالناصر لأنه كان قد شعر في وقت سابق أن طريق الإنقلاب العسكرى بالطريقة التى تبناها تنظيم الجهاد بقيادة إسماعيل طنطاوي هو طريق طويل سيستغرق عشرات السنوات إن لم يكن مستحيلا أصلا.

و لقد خطب يحى هاشم في الجماهير المحتشدة الذين حملوه على الأعناق وطافوا به قليلا بالشوارع قبل أن يلقى القبض عليه ، حيث سرعان ما أطلقوا سراحه عندما تبين لهم أنه وكيل النيابة العامة.

و حينئذ بدأت المشاكل والخلافات ليس بين يحى والسلطات و لكن بين يحى هاشم ومعه مجموعة كان أبرزه ا رفاعى سرور من جهة ويقابلهم في الجهة الأخرى إسماعيل طنطاوي و علوى مصطفي وبقية التنظيم.

كان رأى إسماعيل طنطاوي ومن معه أن يحى مخطئ و أن عمله هذا هدد التنظيم بالإنكشاف.

وكان رأى يحى هاشم ومن معه أن خطة التنظيم مستحيلة التحقيق وأن الوقت مناسب لكشف حقيقة عبدالناصر ونظامه للناس بعد الهزيمة وتأليبهم عليه والقيام بمشروع تغييرى ذى طابع جماهيرى ( إما ثورة شعبية و إما حرب عصابات).

وفي المناقشات ظهرت خلافات عديدة أخرى أبرزها أن إسماعيل طنطاوي وفريقه يرون حتمية الإلتزام بالشكل الظاهري ( من لحية للرجال ونقاب للنساء) ، بينما يرى يحى وفريقه عدم حتمية ذلك في ظروف عدم قيام الحكم الإسلامى في البلاد كى تتيسر حركة التنظيم السرية.

و لم تفلح كل محاولات الوفاق و إنشق يحى وفريقه و أسسوا جماعة أخرى.

وفي عام 1975 م اشتبكت مجموعة يحي هاشم مع الأمن في الجبل وتم تصفية يحى هاشم و مجموعة من القادة وسجن أخرون وبذلك إنتهت جماعة يحى هاشم.

إنشقاق أخر في التنظيم

إثر حرب أكتوبر 1973 م تفجر خلاف أخر بين أعضاء التنظيم بشأن مدى إسلام ضباط الجيش من أعضاء التنظيم الذين شاركوا في الحرب خاصة من مات منهم فيها، وكان من ضمن الذين ماتوا شقيق علوى مصطفي، وتزعم علوى القول بأنهم شهداء بينما أصر أخرون على أنهم غير شهداء لأنهم قاتلوا تحت راية الطاغوت( السادات ) ولتحقيقأهدافه.

و حاول إسماعيل طنطاوي التوفيق بين الطرفين دون جدوى، وانشق علوى عن التنظيم كما فارق أخرون التنظيم دون أن يعملوا في إطار تنظيمي آخر، وإستمر التنظيم بقيادة إسماعيل طنطاوي وظل معه كثيرون أشهرهم نبيل البرعي وعصام القمري وأيمن الظواهري و كان معهم في ذلك الوقت أو بعده بقليل سيد إمام الشريف.

إستقلال مجموعة الجيزة

وإثر تعدد الخلافات هذا إقترح حسن الهلاوى من قادة مجموعة الجيزة على مصطفى يسري القائد الأرفع منه أن تستقل المجموعة عن إسماعيل طنطاوي إلى أن تنتهى الخلافات عنده، وبذا إستقلت المجموعة إلى حين، وهى التى كانت تشكل كمجموعة مستقلة أصلا من قبل أن تنضم لتنظيم إسماعيل طنطاوى.

نشأة جماعة صالح سرية

عندما أقام الدكتور صالح سرية في مصر كموظف بجامعة الدول العربية حاول إقنا ع قيادة الإخوان في مصر بتبنى فكرة الإنقلاب العسكرى لكن دون جدوى، و أثناء ذلك تعرف على العديد من الشباب من قادة و أعضاء تنظيمى إسماعيل طنطاوي و يحى هاشم ، سواء في لقاءات إسلامية ببيت السيدة زينب الغزالي ، أو في مساجد الجمعية الشرعية و أنصار السنة.

وحاول صالح سرية التقارب معهم جميعا إلا أنه إصطدم بسلفية إسماعيل، حيث كان صالح يرى إرجاء حسم الخلافات في مسائل عقيدية وفقهية لما بعد إقامة الدولة الإسلامية بعكس إسماعيل الذى يرى حتمية الإلتزام بكل مواقف السلف الصالح من أهل السنة والجماعة وعدم التعاون مع أى شخص يخالف ذلك، كما إستحال التقارب بين صالح ويحى هاشم بسبب إصرار الأول على الإنقلاب العسكرى وإصرار الثانى على حرب العصابات.

وهكذا فشل صالح في التوافق مع الجهاد بعد فشله في التوافق مع الإخوان المسلمين، فكان لزاما عليه أن ينشئ تنظيمه الخاص ممن تعرف عليهم سواء عند زينب الغزالي أو عند إسماعيل أو يحى ثم تحرك بهم وضم جددا ومن ضمن من جرى ضمهم مجموعة الجيزة وصار من أبرز القادة في تنظيمه أحمد صالح (بورسعيد ) كارم الأناضولي و مصطفى يسري وحسن الهلاوى (الجيزة ) وطلال الأنصاري وخالد المنشاوي وعلى المغربي(الإسكندرية ) ومحمد شاكر الشريف (قنا ) وغيرهم.

وبعد فشل المحاولة الإنقلابية التى دبرها التنظيم عبر الكلية الفنية العسكرية عام 1974م والحكم على صالح وكارم بالإعدام وغيرهم بأحكام مختلفة، تم إنتخاب المهندس أحمد صالح من بين الحائزين لحكم البراءة أميرا عاما للتنظيم، وتم إعادة تشكيل التنظيم.

وقد تعرض التنظيم لضربة أمنية عام 1977 م، وتمت محاكمة عدد كبير من قادته وأعضائه فيما عرف إعلاميا بإسم قضية تنظيم الجهاد وتم الحكم على المهندس أحمد صالح بعشر سنوات سجن كما نال الباقون أحكاما مختلفة.

وتم إنتخاب الدكتور مصطفى يسري أميرا عاما للتنظيم، ونشط التنظيم إلى أن أصدر مصطفى يسري قرارا بحل التنظيم إثر إختراقات أمنية للتنظيم وضربه أمنيا فيما عرف بقضية تنظيم الجهاد 1979 م.

وبعد حل التنظيم شكل كل قائد من قادة المستوى الوسيط بالتنظيم تنظيما مستقلا من المجموعات التى كانت تابعة له قبل الحل، كما حاول بعضهم إعادة ضم كل المجموعات في تنظيم واحد كبير، وذلك كله له قصة كبيرة أخرى لاسيما أن أحد القيادات الوسيطة هذه هو محمد عبد السلام فرج مؤلف كتاب "الفريضة الغائبة" وقائد التنظيم الذى إغتال رئيس مصر السابق أنور السادات في أكتوبر 1981 م.

مسيرة تنظيم إسماعيل طنطاو حتى أكتوبر 1981 م: عندما تم القبض على صالح سرية وتنظيمه تحسب إسماعيل طنطاوي من ورود إسمه في التحقيقات فهرب إلى هولندا وبعدها تزوج هولندية وحصل على الجنسية الهولندية،وعندما داهم الأمن منزله لم يجده.

وقام بعد ذلك كل من أيمن الظواهري وسيد إمام وعصام القمري بإعادة تنظيم الجماعة واستمروا في نشاطهم إلى أن إنكشفوا للأمن في أكتوبر 1981 م بسبب محاولاتهم للإندماج مع تنظيم محمد عبد السلام فرج، و ألقى القبض على أيمن الظواهري وعصام القمري ونبيل البرعي والدكتور أمين الدميري ومعظم أعضاء التنظيم، وهرب كل من سيد إمام و محمد الظواهري.

و إلى هنا ينتهى فصل واحد من فصول تاريخ تنظيم الجهاد المصرى لتبدأ فصول أخرى عديدة.

تيار الجهاد في مصر و إغتيال السادات لقد شهد عام 1980 م أحداثا هامة في تاريخ تيار الجهاد المصرى يمكن إيجازها على النحو التالى:

1) حل تنظيم الجهاد بقرار من الدكتور مصطفى يسرى أمير عام التنظيم آنذاك، وإمتناع القيادات الوسطى للتنظيم عن إبلاغ قرار الحل للمجموعات، وإستقلال كل منهم بمجموعته للعمل منفردا وفق أراءه الخاصة التى تعلمها في إطارالتنظيم المحلول.
2) طرح المهندس محمد عبدالسلام فرج لتصوره عن التكتيكات و الأساليب الواجب إتباعها من قبل التيار الجهادى في سعيه لتحقيق أهدافه، و قد سعى المهندس محمد عبدالسلام لتحقيق أهدافه بهذه الأساليب والتى تعتبر مزيجا من أساليب جماعتى التبليغ و الدعوة و الإخوان المسلمين، و كان محمد عبدالسلام أحد القيادات المتوسطة في تنظيم الجهاد.
3) نجاح المهندس محمد عبدالسلام في عدة خطوات كان لها تأثيرها الكبير على التيار، وهى:

أ ) تجنيد مقدم المخابرات الحربية عبود الزمر لتنظيم الجهاد الذى يقوده.

ب ) إقنا ع قيادة الجماعة الإسلامية بالصعيد بفكر الجهاد و تجنيدها لصالح هذا الفكر، و ضمها للعمل من خلال مجموعاته.

ج) الإندماج مع عدة مجموعات جهادية هامة أولها من حيث الترتيب التاريخى مجموعة نبيل المغربى.

ولقد ساهمت هذه الأحداث في تشكيل تاريخ تيار الجهاد في المراحل التالية على النحو الذى ستظهره السطور التالية.

لقد أدت الطريقة التى سلكها محمد عبدالسلام إلى خروج تنظيم الجهاد من حيز الكم العددى المحدود إلى حيز الأعداد الكبيرة نسبيا و ذلك على حساب الكيف، و كان من المتوقع وقتها أن يكون ذلك على حساب الأمن لكن الحالة السياسية و الأمنية السائدة في مصر آنذاك ساعدت على إستمرار التنظيم آمنا و نشيطا حتى 1993 1981 م.

كانت تكتيكات محمد عبدالسلام أشبه بنشاط تنظيم علنى يسعى للإنقلاب على نظام الرئيس السادات عبر وحدات من الجيش المصرى و وحدات شبه عسكرية سعى لتكوينها من مدنيين من أعضاء التنظيم، و نجح فى تكوين و تدريب بعض الوحدات المدنية كما نجح في ضم عدد من ضباط الجيش للتنظيم كان أشهرهم مقدم المخابرات الحربية عبود الزمر، و الملازم أول خالد الإسلامبولى، والملازم أول إحتياط مهندس عطا طايل، و المقدم ممدوح أبوجبل، و غيرهم.

كان تنظيم محمد عبدالسلام يتذرع بالسرية ظاهريا لكن التطبيقات العملية لمعظم قادة و أعضاء التنظيم كانت أقرب ما تكون للعلنية ليس إنطلاقا من مبادئ تنظيمية بقدر ما كان تعبيرا عن العشوائية و الإهمال، لكن ضعف الأجهزة الأمنية حينذاك كان السبب الرئيس لعدم إنكشاف التنظيم.

كان محمد عبدالسلام متعجلا بشدة للقيام بالتحرك الإنقلابى ضد حكومة السادات العلمانية، و فاقه في هذا التعجل نبيل المغربي الذى كان لديه مجموعة مدربة تدريبا شبه عسكرى كما كان نبيل المغربي نفسه ضابط إحتياط سابق بالمخابرات الحربية، و كان قد وضع برنامجا مكثفا ومبسطا و قصيرا لتدريب المدنين على عدد من الأعمال العسكرية التى رأى أنها كافية لتحقيق أهدافه.

و قد أدت حرفية عبود الزمر العسكرية لتعزيز نزعة التعجل (و يصفها البعض بالتهور) لدى محمد عبدالسلام، لأن العسكرى عادة ما يقول للسياسى أعطنى الإمكانات و أنا أنفذ، و هذا ما حدث من عبود عندما وضع خطة القيام بإنقلاب عسكرى يدعمه مدنيون مدربون عسكريا.

لقد طلب من محمد عبدالسلام و سائر القادة توفيرعدد حدده بدقة ليدربه عسكريا وفق برنامج تدريبى محدد، بجانب توفير كميات و أنواع السلاح والذخائر و الوسائل المختلفة اللازمة و التى حددها أيضا، لقد صار الأمر أكثر حسما لدى محمد عبدالسلام بعدما أيد تعجله رجل عسكرى بحجم عبود الزمر حتى لو كان هذا التعجل بشروط، وصار لهذا التعجل مبرراته الموضوعية، وصارت المشكلة مختزلة في توفير الإمكانات العسكرية فقط و التى هى في التحليل الأخير مال و رجال، و من ثم سعى محمد لإيجاد حلول سريعة لمشكلة ضعف الإمكانات.

ولم ترضه معدلات التجنيد التى تجرى عبر تكتيكات إما علنية أو شبه علنية رغم إرتفا هذه المعدلات جدا بالقياس لما كان عليه التنظيم أيام مصطفى يسري و من قبله، و من ثم سعى لتكتيك جديد يقوم على تجنيد قادة مجموعات كبيرة نسبيا بحيث يمثل تجنيدهم تجنيدا لسائر مجموعتهم، و في هذا الإطار تعرف على مجموعات عدة و قام بضمها، بعضها كان من المجموعات المتبقية من تنظيم الجهاد المحلول وبعضها كان على فكر أخر لكن قام محمد بإقنا عهم بفكر الجهاد و جندهم له.

ومن أمثلة المجموعات الجهادية القديمة التى تم دمجها أو التنسيق معها مجموعة أحمد هاني الحناوي و جماعة محمد سالم الرحال التى كان يقودها آنذاك كمال السعيد حبيب و مجموعة بالشرقية (مركز منيا القمح) كان يقودها أنور عكاشة، و جماعة أيمن الظواهر، وغيرهم.

كانت جماعة محمد سالم الرحال من أكبر المجموعات لأن الرحال سعى لتجميع معظم المجموعات المتبقية من تنظيم الجهاد القديم بعد حله، و لكنه سرعان ما تم ترحيله من مصر (كان فلسطينى يحمل الجنسية الأردنية) فترك قيادة التنظيم لكمال السعيد حبيب، الذى وافق فيما بعد على تنسيق واسع النطاق مع تنظيم محمد عبدالسلام و كان هذا التنسيق يقترب من حد الإندماج الكامل.

أما جماعة أيمن الظواهري فكانت تركز على تحصيل الإمكانات المادية كالمال والسلاح و البيوت (لإستعمالها كقواعد للتنظيم أو مخازن للسلاح) أكثر من التركيز على الأفراد، بإعتبار أن تجنيد الأفراد هى مرحلة تالية لمرحلة إستكمال الإمكانات المادية، و قد تم الإتفاق على الإندماج بين المجموعتين عبر طارق الزمر مندوبا عن محمد عبدالسلام و الدكتور أمين الدمير مندوبا عن أيمن الظواهري.

أما أبرز المجموعات التى لم تكن على فكر الجهاد و إستقطبها محمد عبدالسلام لفكر الجهاد فهى مجموعة الصعيد و التى عرفت باسم الجماعة الإسلامية، وقصتها مشهورة حيث كان الخناق الأمنى قد تم تضييقه على الجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط بعدما سلكت سلوكا عنيفا يما عرف في أدبياتهم فيما بعد بتغيير المنكرات باليد كتكسير البارات و منع الإختلاط بين الجنسين بالقوة، و كان قادة هذه الجماعة قد تمردوا منذ عام 1979 م على نصائح قادة الإخوان المسلمين كالأستاذ عمر التلمساني و الدكتور محمد حبيب و قرروا الإستمرار في سلوكهم السياسي الخاص بهم.

و أثناء هذا التضييق الأمنى هرب منهم من هرب و كان من الهاربين كرم زهدي أحد أبرز عناصر مجموعة من ١٢ شخصا كانت تقود عمل الجماعة بالجامعة و كانت تسمت باسم مجلس الشورى، و لم يجد كرم مكانا للهرب و الإختباء من الأمن حينئذ سوى غرفات المدينة الجامعية بجامعة القاهرة، حيث كان الوضع الأمنى هادئا نظرا لسيطرة السلفيين و الإخوان على الحركة الطلابية بالقاهرة حينئذ.

و علم محمد عبدالسلام بخبر وجود كرم فقابله عبر عضو تنظيم الجهاد شعبان عبداللطيف الذى كان قد أعطى محمد عبدالسلام تقريرا شفهيا بشأن كرم و مجموعته وكان شعبان قد توثقت علاقته بكرم في المدينة الجامعية بالجيزة ، و إستطاع محمد عبدالسلام أن يقنع كرم بفكرالجهاد، وتحمس كرم للإنضمام للتنظيم لكنه تريث حتى يرجع لبقية زملائه في مجلس شورى الجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط ، و رجع لهم كرم و جاءوا لمقابلة محمد و إقتنعوا كلهم بشكل أو بأخر بالفكر الجديد و أصبحوا جزءا من منظومة محمد عبد السلام.

و كان طموح محمد عبدالسلام واسعا بشأن سرعة التمكن من تنفيذ إنقلابه المأمول لذلك لم يكتف بهذه المعدلات المتسارعة من التوسع فى التجنيد أو الإندماج أو التنسيق بل سعى لإقنا ع جماعات و قادة من إتجاهات فكرية رافضة لفكر تنظيم الجهاد أصلا كالإخوان المسلمين و السلفين، فكانت الدعوة لعدد من قادة هذه الإتجاهات لحضور إجتماع في بني سويف تحت شعار التخطيط و التنسيق لمحاربة فكر جماعات التكفير في مصر، و كان هذا الشعار مجرد ساتر أمنى للتغطية على الهدف الحقيقى للإجتماع.

تولى الدعوة للإجتماع محمد سعد من قادة العمل الإسلامي السلفي في بنى سويف و ذلك بإيعاز من محمد عبدالسلام، و استضاف محمد سعد الاجتماع في مسكن أحد أتباعه في بنى سويف، و كان الغرض الحقيقى للإجتماع أن يعرض محمد عبدالسلام تصوره لإقامة الدولة الإسلامية عبر الإنقلاب العسكرى ويطلب من الحاضرين تأييد هذا التصور و دعمه بالمال و الرجال، و قد دعى محمد سعد لهذا الاجتماع قادة من السلفيين منهم محمد مصطفى الدبيسي و محمد أحمد إسماعيل المقدم و غيرهما كما دعى أسامة عبدالعظيم و لم يحضر، كما دعى بعضا من قادة الإخوان فحضر بعضهم، كما حضر عدد من قادة الجهاد على رأسهم محمد عبدالسلام و الدكتور عمر عبد الرحمن، و كان محمد سعد بمثابة شاهد و وسيط لأنه لم يكن حينئذ عضوا في تنظيم الجهاد حسب إحدى الروايات.

و رفض بعض الحاضرين ما طرحه محمد عبدالسلام وكان على رأس الرافضين قادة الإخوان المسلمين، كما تريث بعض السلفيين و طلبوا فتوى مباشرة و محددة بشأن هذا التصور من عدد من العلماء حددوهم حينئذ و كان من ضمن العلماء الذين حددوهم طالبين فتاوى منهم بالموافقة على هذا التصور الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى و الشيخ عبدالعزيز بن باز.

و هكذا سعى محمد عبدالسلام بكل دأب للإسراع بالإطاحة بالرئيس السادات و إقامة دولة إسلامية وفق تصوره و يمكن تصور حجم نشاط محمد عبدالسلام إذا علمنا أن النتيجة كانت إرتباط كل المجموعات الجهادية التى كانت موجودة بمصر حينئذ بتنظيم محمد عبدالسلام برابطة ما، إما التنسيق أو التعاون أو الإندماج أو التعاهد على الإندماج و نحو ذلك من الإتفاقات.

لكن الأيام جرت بما لم يكن يتوقعه محمد عبدالسلام نفسه، فسرعان ما دبت الخلافات بينه وبين الجماعة الإسلامية، فتحولت العلاقة من إندماج كامل إلى تعاون ومعاهدة على الإندماج عندما يحين وقت القيام بالإنقلاب.

و لم يكد محمد عبدالسلام يفيق من هذه الخلافات حتى باغتته قرارت ٥ سبتمبر 1981 م و كان محمد نفسه مطلوبا للإعتقال فيها لكنه نجح في الهروب من أجهزة الأمن، و في نفس الوقت كانت قوائم الإعتقال تتضمن أغلب أعضاء مجلس شورى الجماعة الإسلامية لكنهم هربوا ولم يعتقل منهم سوى طلعت فؤاد قاسم.

توجه عدد كبير من مجلس شورى الجماعة الإسلامية إلى القاهرة وسعوا لمقابلة محمد عبدالسلام و أركان قيادته، و في الاجتماع ألح قادة الجماعة الإسلامية على أهمية أن يتحرك تنظيم الجهاد بسرعة و يباشر القتال ما دام السادات بدأ بضرب الحركة الإسلامية عبر قرارات التحفظ (إشتهرت فيما بعد بقرارات ٥ سبتمبر 1981 م) وحذروا تنظيم الجهاد من أن يقع فيما وقع فيه الإخوان المسلمون عندما ترددوا في إستخدام القوة ضد عبدالناصر مما أفسح المجال لعبدالناصر للبطش بهم، و في الواقع أن هذه الفكرة كانت الفكرة السائدة لدى تيار الجهاد و كان محمد عبد السلام نفسه هو الذى رددها كثيرا من قبل على أسماع قادة الجماعة الإسلامية، فحينئذ لم يكن أحد من الجهاد ينتقد الإخوان في شئ ذى بال غير هذا .

و كان محمد عبد السلام غائبا عن هذا الاجتماع لأسباب أمنية لكن حضره عبود و طارق الزمر و صالح جاهين و غيرهم من أركان القيادة لدى محمد عبدالسلام، و قد وعد الجهاديون قادة الجماعة الإسلامية خيرا لكن أرجأوا القرار النهائى لوقت لاحق و إن كانوا أشاروا لملامح القرار التى تلخصت في شن حملة إغتيالات واسعة النطاق لرؤس الحكم في البلاد تشمل فيما تشمل السادات نفسه، و تقرر في الاجتماع أن يقيم أسامة حافظ بالقاهرة ليكون حلقة الوصل بين الجهاد و الجماعة الإسلامية التى كان قادتها يعيشون هاربين في الصعيد، و إنفض الاجتماع على ذلك في مساء ٢٥ سبتمبر 1981 م.

في نفس الوقت الذى عقد فيه الاجتماع بمقر تابع لصالح جاهين بقرية صفط اللبن بمحافظة الجيزة داهمت ثلاث حملات من قوات الأمن ثلاث مقرات هامة لتنظيم الجهاد بالجيزة أحدها كان المقر المقرر لعقد الاجتماع المذكور و الثانى منزل عبود الزمر نفسه و ذلك بالمخالفة للقانون الذى يمنع تفتيش أى شئ تابع لضابط المخابرات الحربية إلا بواسطة المخابرت الحربية نفسها، و كان خبر إنطلاق الحملات قد وصل لتنظيم الجهاد قبيل إنطلاقها بخمس دقائق فاكتفوا بتغيير مكان الاجتماع و تشديد إجراءات التأمين له، مما ضيع على الأمن فرصة صيد ثمين وسهل كان الحصول عليه سيغير مجرى التاريخ في مصر.

و بعد الاجتماع علم قادة الجهاد بإنكشاف أمر التنظيم للأمن فجرت عملية إنتشار واسعة (هروب منظم) مما قطع صلتهم بأسامة حافظ و من ثم بمجموعة الجماعة الإسلامية برمتها.

و خلال أيام قرر محمد عبد السلام إغتيال السادات عبر عدد من ضباط الجيش التابعين له و استقر الأمر على قيام خالد الإسلامبولى بها على الوجه المشهور والمعروف عن العملية، و فى البداية عارض عبود و عدد من قادة الجهاد (على رأسهم المهندس أحمد سلامة مبروك) العملية لكن محمد عبدالسلام الرجل الأقوى في التنظيم قرر المضى في العملية فتمت.

كانت معارضة عبود لأسباب تكتيكية أما معارضة أحمد سلامة فكانت لأسباب إستراتيجية، حيث كان يرى عدم الصدام مطلقا مع الحكومة في هذه المرحلة و كان يصر على تهريب جميع قادة وعناصر التنظيم الذين تم كشفهم ، خارج البلاد بينما يكمل الباقون العمل بهدوء دون صدام لحين لحظة إستكمال الإمكانات الكاملة و الإستيلاء الشامل على مقاليد الحكم.

نجحت عملية إغتيال السادات و فشلت العمليات الأخرى التى كان مقررا لها أن تتم بالمواكبة معها و كذا التى كان مقررا لها أن تتبعها، وتساقط أعضاء و قادة التنظيم المسلح ، الواحد تلو الأخر و كان سهلا على الأمن أن يجهز على التنظيم في أسابيع محدودة بمجرد أن أمسك بطرف أول خيط بسبب الضعف الشديد في الإجراءات الأمنيةلدى التنظيم.

و لم يكن قادة الجماعة الإسلامية الهاربين بالصعيد على علم بالهزائم التى يلقاها حلفاؤهم من قادة الجهاد فى القاهرة و سائر محافظات مصر خارج الصعيد بسبب إنقطاع الإتصال بين حلقة وصلهم (أسامة حافظ ) و بين قادة الجهاد بمصر، و من ثم أصاب صقورهم (كرم زهدى و على الشريف) نوبة من الحماس الشديد إثر سماعهم بخبر نجاح عملية إغتيال السادات من وسائل الإعلام، و 2009 كرم زهدى وعلى الشريف إرهابا فكريا و كلاميا على بقية أعضاء مجلس الشورى حتى أرغماهم على الموافقة على القيام بأحداث أسيوط المشهورة في فجر أول أيام عيد الأضحى حيث هاجموا مديرية أمن أسيوط و مراكز الشرطة و فرق الأمن (الأمن الداخلى) وإنهارت منظومة الشرطة مما دعى لتدخل قوات المظلات و الكوماندوز التابعين للجيش و تخليص المدينة من سيطرة الجماعة الإسلامية و القبض على قادة و أعضاء الجماعة الإسلامية خلال ثلاثة أيام من الصدامالمسلح.

و لم يعلم عبود الزمر و قادة الجهاد بأمر أحداث أسيوط إلا من إذاعة مونت كارلو.

و هكذا إجتمع جميع قادة الجهاد و الجماعة الإسلامية مرة أخرى لكن كان مقر الاجتماع هذه المرة في السجن، و كان معهم معظم أعضاء الجماعتين.

في بداية مرحلة السجن كان الجميع من أعضاء و قادة الجماعة الإسلامية و الجهاد مشغولين بالتحقيقات و المحاكمات لكنهم بعد مرور عدة شهور عليهم في السجن تم نقل مقدم المخابرات الحربية السابق عبود الزمر و رائد المدرعات السابق عصام القمري من السجن الحربي إلى سجن ليمان طرة حيث كان يقبع عدد من قادة كل الجماعة الإسلامية و الجهاد، و لم يكن يدور في خلد أحد منهم حينئذ أي تصور مستقبلي لعمل جماعي داخل أو خارج السجن كما لم يسع أي منهم حتى ذلك الوقت للقيام بأي عمل تنظيمي داخل السجن.

و كانت حالة قادة الجهاد و الجماعة الإسلامية حينئذ مختلفة عن حالة كل من عبود الزمر و عصام القمري، فالأخيران قد تورطا و هما في السجن الحربي في تدبير محاولة للهروب من السجن و القيام بانقلاب عسكري يعقب هروبهما من السجن، و قد اتصلا لهذا الغرض بمجموعة من قادة الجهاد و الجماعة الإسلامية الهاربين كانوا قد نظموا أنفسهم بمساعدة عبود الزمر و عصام القمري، و كان على رأس هذا التنظيم الهارب عديدون من أشهرهم رفاعي طه و منتصر الزيات و صلاح عبد القادر و مجدي سالم و عادل عبد المجيد و هاني السباعي وغيرهم.

و عندما تم نقل عبود و القمري إلى سجن ليمان طرة سعى الاثنان إلى دمج وتوحيد تنظيم قادة الجماعة الإسلامية و الجهاد في جماعة واحدة تحت ذريعة الاعداد لمواجهة المحاكمة التي عرفت إعلاميا في ذلك الوقت باسم محاكمة الجهاد الكبرى و التي كان من المزمع أن يقدم لها ٣٠٢ من القادة و الأعضاء النشيطين في كل من تنظيمي الجهاد و الجماعة الإسلامية.

و تكون مجلس شورى لقيادة الكيان الذي أريد له أن يجمع تنظيم الجهاد (جماعة محمد عبد السلام و جماعة أيمن الظواهري و جماعة سالم الرحال) بالاضافة للجماعة الإسلامية، و كان مجلس الشورى مكونا من كل من أيمن الظواهري و طارق الزمر و ناجح ابراهيم و عصام دربالة أعضاء و عبود الزمر رئيسا، كما كانت هناك لجان نوعية انتظم فيها العديد من القادة الآخرين من سائر المجموعات، و عندما استقال عبود الزمر من رئاسة مجلس الشورى لبعض الوقت خلفه في رئاسة المجلس عصام القمري، لكن الجماعة الإسلامية طالبت بإلحاح برجوع عبود في رئاسة المجلس بعد فترة وجيزة، و قد تم ذلك.

و حدثت خلافات كثيرة بين كل منظمات الجهاد من جهة و بين قادة الجماعة الإسلامية من جهة اخرى، و رغم أن هذه الخلافات قد اتخذت العديد من المظاهر إلا أن جوهرها الحقيقي كان صراعا على قيادة الكيان الجديد الذي ضم كل الجهاديين و الجماعة الإسلامية في كل السجون تقريبا، إذ كان قادة الجماعة الإسلامية و هم مجلس الشورى الخاص بالجماعة الإسلامية و الذي كان مكونا من ١٢ عضوا (وكلهم كانوا وقتها من طلبة جامعة أسيوط عدا كرم زهدي الذي كان وقتها طالبا بمعهد التعاون الزراعي و قيل أنه كان مفصولا من المعهد في ذلك الوقت) يسعون للسيطرة على قيادة الجماعة الجديدة التي كان الجميع يظن أنها ستكون ذات دور بارز في العمل الإسلامي بعد خروج عدد من القادة من السجن إثر انتهاء المحاكمات.

و كان قادة منظمات الجهاد المختلفة يرون أنفسهم أنهم ذوي خبرات مختلفة فعبود الزمر و عصام القمري كانا ضابطين سابقين و مرموقين في الجيش بالنسبة لأبناء جيلهما كما كان أيمن الظواهري و العديد من قادة الجهاد قد أتموا دراساتهم الجامعية و لهم خبرات تنظيمية جيدة و عديدة تختلف عن الحال الذي كان عليه قادة الجماعة الإسلامية، و لذلك فقد قال عصام القمري ذات مرة "إن قادة الجماعة الإسلامية كلهم طلبة و كلهم رأيهم واحد فليس لديهم أي تنوع في الأراء فلماذا يتعين علينا أن نجلس معهم جميعا و نستمع لهم جميعا، يكفي ان يأتينا واحد منهم برأيهم جميعا و خلاص"، و لكن قادة الجماعة الإسلامية كانوا يتشبسون بالتحرك وحضور أي لقاءات مجتمعين بكل عددهم لإعتبارهم أن ذلك يمثل ضغطا على الآخرين، كما كانوا يصدرون النصائح و التوصيات باسم الدكتور عمر عبدالرحمن الذين كانوا قد ضمنوا ولائه الكامل لهم و عدم خروجه عن رأيهم أبدا بينما هو واجهة جيدة دينيا و إجتماعيا بصفته عالم دين محترم في مواجهة قادة الجهاد ذوي الخبرات التي لن يختلف على أنها أعلى منهم كمجرد طلبة في ذلك الوقت.

و نظرا لنجاح قادة الجماعة الإسلامية في استخدام الدكتور عمر عبد الرحمن بهذه الطريقة، فقد تفجرت قضية أنه لا ولاية لضرير و التي فجرها في بداية الأمر ، عصام القمري و تبعه جميع أعضاء و قادة الجهاد بعد ذلك، و لم تكن ما يسمى بولاية الأسير التي أثارتها مجلة روزاليوسف فيما بعد ذلك بسنوات مثارة بأي شكل من الأشكال لأن الجهاد كان من قواعدهم أنه لا ولاية لا لأسير و لا لضرير، بينما كانت الجماعة الإسلامية تؤيد الأمرين بلا أي جدل فقادة الجماعة الإسلامية في السجن كان لهم القول الفصل في كل شئ يخص الجماعة الإسلامية خارج السجن بل و خارج مصر أيضا، كما كان الدكتور عمر عبدالرحمن هو أمير الجماعة الإسلامية المعلن بغض النظر عن حقيقة الصلاحيات التنظيمية التي كان يمتلكها في حقيقة الأمر.

و على كل فقد افترقت السبل بكل من الجماعة الإسلامية و الجهاد منذئذ، و خرج من السجن ثلاث جماعات جهادية منفصلة، الأولى الجماعة الإسلامية المعروفة بقيادة حقيقية لمجلس الشورى المكون من ١٢ عضوا و الذين يطلق على من تبقى منهم حتى الآن القادة التاريخيون للجماعة الإسلامية و هم الذين قادوا مبادرة وقف العنف و سوف يأتي تفصيل عن هذه الجماعة في الصفحات التالية .

و الجماعة الثانية التي تمخضت عن هذه الخلافات هي جماعة عبود الزمر و التي قادها بعد الخروج من السجن مجدي سالم و أحمد النجار و عادل السوداني و أحمد سلامة مبروك و آخرون.

و الجماعة الثالثة هي جماعة أيمن الظواهري و قد توحدت جماعة عبود الزمر و أيمن الظواهري في أواخرعام 1988 م و تشكلت قيادتها في بيشاور من أيمن الظواهري و أحمد سلامة و الرائد عبدالعزيز الجمل و محمد الظواهري و عادل عبد القدوس وغيرهم و كان الأمير العام حينئذ الدكتور سيد إمام الشريف و صار اسم هذه الجماعة الجديدة "جماعة الجهاد الإسلامي" و اشتهرت في خارج مصر باسم "الجهاد المصري"، بالاضافة لذلك فقد انفصل عبود الزمر و طارق الزمر و العديد من قادة الجهاد الذين معه في السجن عام 1991 م عن جماعة الجهاد هذه و انضموا للجماعة الإسلامية في السجن.

و خاضت "جماعة الجهاد الإسلامي" عدة عمليات مسلحة ضد رموز للسلطة كما حاولت ارتكاب مزيد من هذه العمليات و فشلت ، و تعرضت لضربات أمنية قاسية في داخل و خارج مصر مما استدعاها لإصدار قرار بوقف جميع عملياتها المسلحة داخل مصر عام 1995 م، و لم تقم بأي عملية منذئذ حتى اشتركت مع منظمة القاعدة في عمليتي نسف السفارتين الأمريكيتين في كينيا و تنزانيا ردا على عملية خطف المخابرات الأمريكية لعدد من قادة و عناصر جماعة الجهاد و كان أشهر المخطوفين من قادة الجهاد قبل قصف السفارتين أحمد النجار عضو مجلس شورى الجهاد و مسئول التنظيم المدني به.

مراجعات الجهاد

و ابتداءا من 1999 م بدأ العديد من قادة جماعة الجهاد المصرية في السجون المصرية ما سمي بمراجعات الجهاد، و التي قادها أخيرا الدكتور سيد إمام الشريف و الذي ألف كتابين لهذا الغرض، الأول "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر و العالم"، و تهدف لإقنا ع قادة و أعضاء الجهاد بالمبررات الشرعية لوقف العمليات المسلحة في مصر و العالم و الكف عن السعي لقلب النظم الحاكمة في العالم الإسلامي، و قد ألف الدكتور أيمن الظواهري كتابا رد فيه على وثيقة الدكتور سيد إمام الشريف فعاد سيد إمام و ألف كتابا رد فيه على كتاب ال ظواهري، و ما زالت مراجعات الجهاد تتفاعل بين مؤيد و معارض من قادة التنظيم و أعضائه حتى الآن في داخل مصر و خارجها، و من المتوقع أن يمثل هذا مخاضا لتغيرات هيكلية فكرية في قلب تنظيم الجهاد داخل و خارج مصر.

لكن سرعان ماظهرت تنظيمات عديدة جديدة تتبنى فكر جماعة الجهاد أو القاعدة بمعزل عن قادة الجهاد القدامى مما شكل تحديا خطيرا للأجهزة الأمنية، حيث كان ارتباط الأجيال الجديدة من الجهاديين بالقادة القدامى يمثل خيطا مهما لأجهزة الأمن لكشف المجموعات الجهادية الجديدة، لكن ظهور منظمات و مجموعات جديدة كلها ليس لها أي ملفات لدى أجهزة الأمن ساعد على مفاجأة الأجهزة الأمنية في عمليات تفجيرات طابا ( 2004 م) و شرم الشيخ ( 2005 م) و دهب و الأزهر و ميدان عبدالمنعم رياض (ثلاثتها في 2006 م)،صحيح أنه تم تصفية هذه المجموعات و لكن بعدما نفذوا عملياتهم، كما أن أجهزة الأمن راحت تكتشف من حين لأخر وجود مجموعات جهادية صغيرة إما تحمل فكر "جماعة الجهاد المصرية" أو فكر "قاعدة الجهاد" بقيادة أسامة بن لادن.

الفرق بين جماعة الجهاد و الجماعات الإسلامية الأخرى

و لكن ما هي رؤية جماعة الجهاد الإسلامية المصرية لوسيلة التغيير و أولوياته و ما الفرق بينها و بين الجماعات الإسلامية الأخرى؟؟

تتلخص رؤية جماعة الجهاد للواقع بصفة عامة في أن ضعف المسلمين و تخلفهم يرجع للبعد عن الإسلام بالمفهوم الذي تراه الجماعات السابقة و هنا جماعة الجهاد لا تختلف عن أي منها و لكن يأتي الخلاف في استراتيجية التغيير التي تبنتها جماعة الجهاد والوسائل التي اتبعتها في ذلك و ذلك كله انطلاقا من تصورها عن الواقع السياسي الإسلامي المعاصر.

لقد تصورت جماعة الجهاد الواقع السياسي الإسلامي في إطار الحديث الصحيح المشهور و الذي تفهم كل الحركات الإسلامية من خلاله ماضي الأمة الإسلامية و حاضرها و مستقبلها و الذي يقول فيه النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) "تكون النبوة فيكم ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء الله أن يرفعها ثم يكوم ملكا عضوضا فيكون فيكم ما شاء الله له أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ثم يكون ملكا جبريا فيكون فيكم ما شاء الله له أن يكون ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت"، فجميع الحركات الإسلامية ترى أن النبوة المذكورة في الحديث هي عصر حكم النبي للمسلمين بينما الخلافة على منهاج النبوة تبدأ بعصر أبي بكر الصديق و تنتهي بيوم تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان و أنه من معاوية و حتى بداية العصر العباسي الثاني هو الملك العضوض أي الظالم و أما المرحلة الحالية فهي مرحلة الملك الجبري، أي ما نسميه بلغة العصر أنظمة الحكم العسكرية التي تحصل على الحكم عبر الإنقلاب العسكري.

إلى هنا تتفق كل فصائل الحركة الإسلامية الحديثة تقريبا على هذا التوصيف بل و تتفق معها كثير من فصائل الحركة الإسلامية التقليدية على نفس التوصيف، و لكن كل هذه الفصائل تنحصر خلافاتها و تمايزاتها في كيفية التعامل مع هذا الواقع.

فالجهاد يرى أنه مادامت حكومات العالم الإسلامي قد إغتصبت الحكم بالإنقلاب العسكري رغما عن الشعوب و بمساندة و مباركة من الإستعمار الغربي فإنه يحق للمسلمين أن يستردوا حقهم المغتصب بالقوة المسلحة، و رأى الجهاديون المصريون أن الإستيلاء على الحكم في العالم الإسلامي أولى من قتال الغرب رغم كل الظلم الذي يظلمه الغرب للمسلمين و قد اعتمدوا في ذلك على القول بأن أنظمة الحكم في العالم الإسلامي هي عدو قريب بينما الغرب هو عدو بعيد و استدلوا على أولوية قتال العدو القريب بقوله تعالى "يأيها الذين أمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة" و معنى"يلونكم" أي الأقرب لكم.

العدو القريب و العدو البعيد

و تظهر قيادة الدكتور صالح سرية (و هو فلسطيني) لمحاولة انقلابية قام بها تنظيم الجهاد المصري عام 1974 م في مصر مدى إيمان جماعة الجهاد المصرية بتقديم ما يسمونه بالعدو القريب على أى عدو أخر بما في ذلك اسرائيل فصالح سرية فلسطيني و مع ذلك قام بنشاطه الجهادي ضد حاكم عربي و ليس ضد الصهاينة في فلسطين المحتلة، و لاتقتصر دلالة حركة صالح سرية على ذلك فقط بل فيها دلالة أخرى هامة جدا تبرز مدى اهتمام تنظيم الجهاد بمصر فصالح سرية فلسطيني و عاش فترة طويلة في عدد من الدول العربية المختلفة على رأسها العراق و الأردن و مع ذلك ركز محاولته التغيرية على مصر بالذات.

مصر في الفكر الجهادي

و في الواقع فإن تنظيم الجهاد المصري و العديد من الجهادين الإسلامين حول العالم ظلوا إلى وقت قريب يرون أنه يجب التركيز على الإستيلاء على الحكم في مصر لتكون القاعدة والمنطلق الذي تنطلق منه عملية التغيير الإسلامي إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي لما لمصر (في رأيهم) من تاريخ و مكانة و إمكانيات و موقع جغرافي هام، و قد ساقوا أدلتهم على هذا الطرح في العديد من أدبياتهم السياسية مثل كتاب "فلسفة المواجهة" لطارق الزمر.

و إذا كان تنظيم الجهاد المصري قد اعتمد استراتيجية التغيير بالقوة المسلحة فإنه اتخذ من الإنقلاب العسكري وسيلة وحيدة لتنفيذ هذه الإسترتيجية حتى عام 1980 م عندما أدخل عبود الزمر فكرة أن الانقلاب عسكري لابد أن تصحبه تحركات شعبية مؤيدة له، و ظلت هذه هي وسيلة الجهاد المعتمدة للتغيير إلى أن تشرذم التنظيم و ضعف بعد انضمام كثير من قادته الكبار للقاعدة عام 1999 م، كما تم قتل القادة الكبار الآخرين الذين رفضوا الإنضمام للقاعدة و أصروا على بقاء تنظيم الجهاد على استراتيجيته القديمة بعيدا عن استراتيجية القاعدة مث ل نصر فهمي و طارق أنور و غيرهما، و كان مقتل هؤلاء في القصف الأمريكي لأفغانستان خاصة قصف قندهار و كابول.

الهجمات المسلحة المحدودة و موقعها من استراتيجية الجهاد

رغم أن الجهاد يختزل فكرته كلها عن التغيير في الإنقلاب العسكري إلا أنهم وضعوا في استراتيجيتهم ما أطلقوا عليه العمليات الخاصة و هي (حسب وجهة نظرهم) عمليات مسلحة محدودة ضد رموز الحكومة و جهاز الأمن بهدف الضغط على الحكومة بغرض وقف تعذيب المعتقلين أو الإفراج عنهم ونحو ذلك و من هذا المنطلق نفذوا محاولات اغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي ووزير الداخلية الأسبق حسن الألفي و نحوهما من العمليات.

الفرق بين القاعدة و الجهاد المصري

وهناك فرق بين الجهاد المصري و القاعدة رغم أن كوادر الجهاد كانوا هم الركيزة الأساسية في تأسيس و إدارة القاعدة، فالقاعدة تبنت منذ 1998 م استراتيجية محاربة الولايات المتحدة وحلفائها عبر ضرب مصالحهم في أي مكان في العالم بهدف إضعاف قدرتها و نفوذها في المنطقة الأمر الذي سيمنعها (حسب رأيهم) من مساندة حكام العالم الإسلامي الذين نجحوا في التغلب على محاولات الجهاديين في الحصول على الحكم بسبب المساندة الأمريكية، كما أن القاعدة بجانب ذلك تهدف بهذه العمليات لكسب تأييد الجماهير في العالم الإسلامي لدعم خط القاعدة و محاولاتها المستقبلية للحصول على الحكم.

و قد شرح هذه الإستراتيجية كثيرا أيمن الظواهري في مناسبات شتى، لكن في حقيقة الأمر فمبتكر هذه الإستراتيجية الأصلي هو أبرز المفكرين الإستراتيجيين في القاعدة أبو مصعب السوري، لكن الظواهري تلقاها منه و اقتنع بها بعدما نجحت السي أي إيه في معاونة الأجهزة المصرية في توجيه ضربات موجعة إلى جماعة الجهاد المصرية، و قام الظواهري باقنا ع أسا مة بن لادن بها، و من ثم نشأ سلوك القاعدة المسلح الذي يستهدف العدو البعيد قبل العدو القريب خلافا لرأي جماعة الجهاد المصرية .

ومن أبرز العمليات المسلحة التي قام بها تنظيم الجهاد في مصر هي

1- محاولة انقلابية فاشلة عام 1974 م عرفت باسم عملية "الكلية الفنية العسكرية"، و قد حوكم أعضاء و قادة من تنظيم الجهاد فيها بقضية عرفت إعلاميا بهذا الاسم.
٢- مهاجمة حارس قنصلية أجنبية بالإسكندرية عام 1977 م و محاولة سلب سلاحه، و قد حوكم قادة و أعضاء التنظيم في ذلك الوقت في قضية عرفت إعلاميت باسم قضية تنظيم الجهاد.
٣- إشتباك علي المغربي عضو تنظيم الجهاد بالإسكندرية عام 1977 م مع قوة من الشرطة حاولت اعتقاله و قتل في الإشتباك ضابط أمن دولة كما لقي على المغربي مصرعه.
٤- إغتيال الرئيس أنور السادات و مجموعة من مرافقيه في العرض العسكري في ٦ أكتوبر 1981 م على يد أربعة من أعضاء تنظيم الجهاد.
٥- إلقاء قنبلة على معسكر قوات أمن القاهرة بحي الساحل بشبرا في ٨ أكتوبر 1981 م.
٦- محاولة إغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء حسن الألفي عبر تفجير أحد أعضاء التنظيم نفسه في موكب الوزير أمام الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقد قت ل عضو التنظيم بينما أصيب اللواء حسن الألفي و عدد من حراسه بجراح بالغة (صيف 1993 م).
٧- محاولة إغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي بتفجير موكبه بسيارة ملغومة تم تفجيرها بالتحكم عن بعد بأحد شوارع القاهرة في حي مصر الجديدة ، و لم يصب رئيس الوزراء بأذى لكن أصيب بعض المارة

بإصابات مختلفة ( 1993 م).

٨- إغتيال الشاهد الأول في قضية محاولة إغتيال عاطف صدقي قبيل موعد إدلائه بشهادته بعدة ساعات ( 1993 م).
٩- عدد من المحاولات الفاشلة لإغتيال الرئيس حسنى مبارك عبر المتفجرات في شوارع القاهرة، كانت إحداها بسيارة ملغومة امام أحد المساجد، و أخرى كانت عبر تلغيم الطريق الرئيسي الذي يمر به موكبه، و في كل الحالات لم يتم التفجير لأن الرئيس غير مسار موكبه في اللحظات الأخيرة.
١٠ - تفجير السفارة المصرية في اسلام أباد (باكستان).
١١ - الاشتراك مع منظمة القاعدة في تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا و تنزانيا في وقت متزامن ( 1998 م).

٥- السماويون

كان الشيخ طه السماوي (و شهرته عبدالله السماوى) قد اعتقل عام 1965 ضمن جماعة الإخوان المسلمين و كان مازال في سن المراهقة، و عندما خرج من السجن نجح في تأسيس جماعة جديدة أصبح هو أميرها ليسعى لإعادة تأسيس دولة الخلافة الإسلامية عبر تكوين جماعة كبيرة تعتزل المجتمع و تعيش في الصحراء، و في منتصف السبعينات صارت جماعته من أكبر الجماعات الإسلامية على الساحة المصرية حيث لم يكن يضاهيها في الانتشار حينئذ سوى جماعة شكري مصطفي، و كان شكري زميل السماوي في سجون عبدالناصر.

و لا تقتصر أهمية السماوي على ذلك بل ترجع أهميته لأن انتشاره هذا أدى لتوسيع رقعة المنتمين للحركة الإسلامية في السبعينات الأمر الذي جعل كثيرا من رموز الجهاد و السلفية و الجماعة الإسلامية تلاميذ لبعض الوقت لدى السماوي حتى قيل بحق "أن جميع الإسلاميين قد مروا عليه في وقت ما من حياتهم"، و من أشهر من تتلمذ عليه الملازم أول خالد شوقي الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري السابق أنور السادات.

والشيخ طه السماوي معروف أنه شاعر له شعر كثير متميز.

وكان السماوي قد نشط لبعض الوقت في أواخر الثمانينات و حتى أواخر التسعينات مع حزب العمل المصري و مازال ساعد السماوي الأيمن عبدالرحمن لطفي (ابن خالة خالد الإسلامبولي) يعمل كقيادي لحزب العمل بالمنيا في صعيد مصر.

و كانت أجهزة الأمن قد نسبت الى جماعته تهمة حرق اندية الفيديو فى عام 1986 م. وتم القاء القبض عليه للمرة الاخيرة عام 2007 م عندما اتهمته أجهزة الأمن باحياء جماعة السماوى عل ى اثر تصريحات اعلامية انتقد فيها مراجعات الجهاد التي أعلنها الدكتور سيد إمام.

و لم يعد لجماعة السماوي وجود الآن، و قد توفى السماوي نفسه في يناير 2009 م.

٦- جماعة المسلمين (التكفير و الهجرة)

كان الشاب شكري مصطفى متعاطفا مع جماعة الإخوان المسلمين في الستينات من القرن العشرين، و لذلك تم القبض عليه ضمن الإخوان المسلمين و شاركهم محنتهم في سجون عبدالناصر ابتداءا من عام 1965 م و حتى خروجهم من السجن بعد موت عبد الناصر على يد السادات.

و لم يكن شكري مصطفي متشربا بفكر الإخوان المسلمين بالشكل الكافي كما أن ما حدث له ولغيره من تعذيب شديد دفعه للتفكير بشكل نقدي في فكر الإخوان المسلمين و موقفهم الفقهي من السلطة و المجتمع، و ساعده في ذلك أن أحد زملائه من المعتقلين الأكبر سنا و الأقدم في الدعوة قد تبنى فكرا يرتكز على تكفير كل من يخالف النسق العقيدي و الفقهي الذي يتبناه و قد ساق هذا الشيخ نسقا فقهيا و عقيديا يتطابق في معظم جزئياته مع مذهب الخوارج و هم الفرقة الإسلامية التي ظهرت ابتداء من خلافة الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

و كان ظهور هذا الفكر الجديد و الدعوة إليه في السجن هو سبب تأليف الأستاذ حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين لكتابه الشهير "دعاة لا قضاة" في محاولة لتحصين جماعة الإخوان المسلمين ضد هذا الفكر الخطير.

و العجيب أن الشيخ الإخواني( الشيخ على اسماعيل) الذي تتلمذ عليه شكري مصطفي سرعان ما تراجع عن هذا الفكر و ظل شكري متمسكا به و داعيا له، إلى أن خرج من السجن و أسس جماعة أسماها "جماعة المسلمين" و اشتهرت إعلاميا باسم "جماعة التكفير و الهجرة"، و قدر عددها في أزهى عصورها (منتصف السبعينات) بعدة ألاف، أما الآن فيصل عدد أعضائها الألف بالكاد.

و ترتكز المنظومة الفكرية لجماعة المسلمين على عدة أسس

١- اعتبار أن الألفاظ المعبرة عن سائر المعاصي كالظلم و الفسق و الذنب و الخطيئة و السيئة و الخطأ و نحوها تعني كلها معنى واحد هو الكفر المخرج عن الملة، و بالتالي فكل من ارتكب أي مخالفة شرعية مما يطلق عليها أحد هذه المسميات في آيات القرآن أو في الأحاديث فهو كافر كفرا مخرجا عن ملة الإسلام.
٢- اعتبار أن الهجرة من دار الكفر (أي دولة لا تحكم بالشريعة) هي واجب شرعي حتمي، و لذلك سعت جماعتهم لإيجاد مكان للهجرة فيه و اعتزال المجتمع.
٣- اعتبار مبدأ التوقف في الحكم على أي مسلم ليس معهم في الجماعة فلا يحكمون له بكفر أو إسلام حتى يتبين كفره من إيمانه، و هذا التبين يكون عبر عرض فكر الجماعة عليه فإن وافق انضم إليهم و صار مسلما حسب رأيهم و إن رفض حكموا بكفره.
٤- الحكم بكفر من يتحاكم للقانون الوضعي أيا كان دافعه و أيا كان نوع القانون الوضعي الذي يحكم به أو يتحاكم إليه، و لا يعتبرون في ذلك أى إستثناء كحالات الإكراه أو الإضطرار أو الجهل أو الخطأ و نحو ذلك بل يتمسكون بالتكفير في ذلك كله، و لا يفصلون في ذلك بين القانون الوضعي المخالف للشريعة أو الموافق لها، فهم لم يطرحوا ذلك الفرق أصلا.
٥- و بناء على هذه الأفكار رفضت جماعة شكري مصطفي علماء السلف و أقوالهم و كتبهم بل كانوا ينتقون من الأحاديث ما يؤيد مذهبهم و يرفضون ما لا يؤيده بلا ضابط أو قاعدة محددة و هم يكفرون علماء السلف جميعا من أول صحابة النبي و حتى الآن، كما أنهم يفسرون القرآن برأيهم ووفق أفكارهم و يرفضون أي تفسير يخالف رأيهم كما أنهم لا يرتكزون على كتب تفسير و لا حديث و لاغيره، بل الذي كان يقرأ الكتب و يشرحها لهم شكري و سجلوا و دونوا ما قاله و كل اعتمادهم عليه حتى الآن، و المجموعة التي كانت تقرأ في الكتب كان مصير أغلبها إما الاعدام و إما ترك الجماعة و فكرها.

و من هذه الأسس انطلق شكري مصطفي ليكون رؤيته عن الواقع السياسي و طريقة تغييره، فكان شكري يرى أنه لابد من إقامة دولة إسلامية وفق منهجه الفكري، و خلص من تحليله السياسي للواقع الدولي و الإقليمي إلى أن القوى الكبرى ستسعى بمعاونة اسرائيل إلى تفتيت العالم العربي إلى دويلات صغيرة لتسهيل عملية إضعاف الأمة الإسلامية، و من ثم اعتقد شكري مصطفي أن هذه الحالة سوف تمثل ظرفا مواتيا له لإقامة دويلة إسلامية على جزء من مصر و اعتقد أن القوى الكبرى قد تدعمه في ذلك أو تغض الطرف عنه في ذلك بإعتبار أن عمله هذا سيساهم في تحقيق مخططها الإستعماري في التفتيت على أن يسعى بعد ذلك إلى توحيد هذه الدويلات بالتغلب عليها واحدة بعد الأخرى بعدما تقوى شوكته ليتمكن من إعادة توحيد العالم الإسلامي كله في دولة واحدة.

و تورطت جماعة شكري مصطفي في خطف و إغتيال وزير الأوقاف حينذاك الدكتور محمد حسين الذهبي بعد أن كان قد انتقد في إحدى المناسبات فكر جماعة شكري مصطفي، بسبب إحساسه بخطورة هذا الفكر و عظم مخالفته للعقيدة الإسلامية، و قد أثيرت العديد من الشكوك حول ما إذا كان شكري مصطفي قد تورط في هذا القرار بسبب إختراق أمني محدد دفعه لذلك لضرب عصفورين بحجر واحد: الأول- هو التخلص من الوزير الذهبي رحمه الله بسبب دخوله في ذلك الوقت في صراع مع مراكز قوة معينة في الحكم.

و الثاني- هو توريط شكري و جماعته في عمل إرهابي كبير يمكن أن يتخذ ذريعة للخلاص من شكري و جماعته بالكلية بعدما استفحل خطرها بسبب انتشارها و اتساع حجم عضويتها.

و مازالت حتى الآن هذه الفرضية محل بحث و جدل بين قادة الجماعة القدامى و أعضائها المؤسسين، و كذلك بين الكتاب و الباحثين المهتمين بتاريخ هذه الجماعة.

و بعد فشل شكري و اعدامه و ضعف جماعته اتخذت الجماعة منهجا مختلفا في التغيير يرتكز على فكرة انتظار ظهور المهدي المنتظر و الإنضمام إليه، و من ثم فهم ي2009ون الدعوة إلى أفكارهم دون تسلح أو سعي لأي عمل سياسي أو عسكري من أي نوع و يقتصر عملهم داخل الجماعة على العمل التربوي و الاجتماعي بالإضافة للعمل التعليمي لأنهم باتوا يحرمون دخول المدارس و الجامعات بعد اعدام شكري و رفاقه.

٧- السلفيين

أولا : السلفية العلمية

في منتصف السبعينات أنشأ مجموعة من قادة الحركة الطلابية الإسلامية في عدد من جامعات مصر تيارالسلفية العلمية لكن كان ثقلها الرئيسي في جامعة الإسكندرية حيث قادها من هناك و إلى جميع أنحاء مصر محمد إسماعيل المقدم و سعيد عبد العظيم و أبو إدريس و أحمد فريد و غيرهم و كان من أبرز قادتها في القاهرة حينئذ عبدالفتاح الزيني، و قد رفضوا الإنضمام للإخوان المسلمين عام 1978 م و سموا أنفسهم المدرسة السلفية و رفضوا لفظ الأمير لإعتبارهم أنه يقتصرعلى إمارة الدولة و لكن أطلقوا على قائدهم أبي إدريس لقب "اسم قيم المدرسة السلفية" أسوة بالمدارس العلمية التي كانت قائمة في عصور الإزدهار في التاريخ الإسلامي، و احتدم التنافس بين "المدرسة السلفية" والإخوان على ضم الشباب و السيطرة على المساجد، و عندما أصدرت المدرسة السلفية نهاية عام 1979 م سلسلة كتب دورية باسم "السلفيون يتحدثون" تندر عليهم بعض الإخوان بقولهم السلفيون يتحدثون و الإخوان يجاهدون و كان الجهاد الأفغاني قد اندلع لتوه ضد السوفيت و كان الشائع حينئذ أن المجاهدين الأفغان هم من الإخوان المسلمين.

و ظلت السلفية العلمية تطلق على نفسها اسم "المدرسة السلفية" لعدة سنوات لكنها سعيا لتطوير حركتها و اعطاءها مزيد من الحركية زاد اهتمامهم بالعمل الجماهيري و أطلقوا على منظمتهم اسم "الدعوة السلفية" و بذلك اصبح اسم "المدرسة السلفية" مجرد تاريخ.

و"الدعوة السلفية" منتشرة في كل أنحاء مصر و لها أتباع كثيرون يقدرون بمئات الألوف و يطلق عليهم اختصارا اسم "السلفيين" لكنهم ليسوا تنظيما هرميا متماسك مثل الإخوان المسلمين بل يغلب عليهم التفرق لمجموعات يتبع كل منها شيخ من المشايخ لكن مشايخها متعاونون بدرجة كبيرة جدا، ومن مشايخها المشهورين غير الذين ذكرناهم محمد حسان و أبو ذر القلموني صاحب كتاب "ففروا إلى الله" و محمد حسين يعقوب و محمد حسين العفاني و ياسر برهامي و أبواسحاق الحويني و مصطفى العدوي و غيرهم كثير جدا لكننا ذكرنا أشهرهم.

كما أن "الدعوة السلفية" مثلها مثل بقية تيارات الحركة الإسلامية الحديثة ترى وجوب رجوع المسلمين إلى الإلتزام بتعاليم الإسلام وفقا لمنهج السلف الصالح لكنهم أكثر حرفية و التزاما بذلك و اقل اجتهادا و تجديدا فيه، و يفرق بينهم و بين الإخوان المسلمين رفضهم للتصوف و آراء الأشاعرة و المعتزلة و الشيعة التي ترك الإمام حسن البنا الباب مواربا لها بهدف لم شمل المسلمين، كما يفرقهم عنهم أيضا رفض "الدعوة السلفية" للعمل الحزبي و الدخول في إنتخابات مجلسي الشعب و الشورى، كما يفرقهم عن الجهاد و القاعدة رفضهم للعمل المسلح و التنظيمات السرية.

و أبرز استراتيجية معلنة ل"الدعوة السلفية" و أدقها هي التي طرحها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (رحمه الله) في عدد من محاضراته و كتبه و تتلخص في أن ما لحق بالمسلمين من تدهور حضاري سببه الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و الإسرائيليات و الأراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح و بالتالي فالتغيير الإسلامي (حسب رأي الألباني) لابد من أن يمر بالمراحل التالية:

أولا- التصفية: و هي أن يقوم علماء المسلمين بتنقية الكتب الشرعية كلها من الأحاديث الضعيفة و الموضوعة و الإسرائيليات و الأراء الفقهية التي تخالف الحديث الصحيح .
ثانيا- التربية: حيث يتم دعوة و تربية أغلبية المسلمين على هذه الكتب الصافية من أي أخطاء.
ثالثا- المفاصلة: حيث يعلن المؤمنون انفصالهم عن الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله و يعلنون أن هؤلاء الحكام على باطل و ينذرون الحكام و اعوانهم بالرجوع عن باطلهم و إلا سيواجهون جهادا إسلاميا من أهل الحق و يطالب كل المسلمين بتحديد موقفهم بشكل واضح إما مع أهل الحق و إما مع أهل الحكم و هنا حكمهم هو حكم أهل الباطل.
رابعا- الجهاد: و هو في حالة ما إذا رفض الحكام الإلتزام بالإسلام بعد الإنذار السابق فحينئذ يجاهدهم أهل الحق لأن الصفوف في هذه الحالة ستكون قد تمايزت فصار بعض الشعب مع الحق و بعضه مع الباطل و هنا سيكون الفريقان المتصارعان واضحين لا بس فيهما، فلا يقع ضحايا لا علاقة لهم بالصراع بل يكون أى إنسان إما مع هذا الفريق أو ذاك.

و قد قيل للشيخ الألباني و هل تنتظر أن يتركنا الحكام عندما ننذرهم و نتحرك في المجتمع لإستقطاب تأييد الناس؟؟ يا شيخ إنهم لن يتركوننا بل سيبادروننا بالقتال!!!

فرد عليهم الألباني: يا إخواني بس شدوا حيلكم في تحقيق الكتب و نشر الدعوة الإسلامية بين أغلبية الشعب و عندما نصل للمفاصلة لن نختلف بشأن تحديد وقت الجهاد إن شاء الله.

و الشيخ الألباني هو سوري من أصل ألباني و هو من أكبر علماء الحديث النبوي الشريف في عالمنا المعاصر، و قد تتلمذ عليه و على يد بعض تلاميذه عدد من كبار مشايخ الدعوة السلفية في مصر، و قد توفي في مطلع القرن الواحد و العشرين.

و رغم أن "الدعوة السلفية" تتبنى استراتيجية الألباني هذه بشكل صريح تارة و بشكل ضمني تارة أخرى لكنها لم تضع تكتيكات محددة و متكاملة لتنفيذها، كما لم يتبع السلفيون أي خطط أو أساليب موضوعية محددة لتنفيذ هذه الإستراتيجية عمليا.

ومن المتوقع أن يسعى النظام الحاكم في مصر في لحظة ما لافساح ساحة العمل السياسي أمام "السلفية العلمية" لاحداث توازن مع العمل السياسي الضخم الذي يقوم به الإخوان المسلمين، لأن السلفيين هم التيار الأضخم في الساحة الإسلامية المصرية إلا أنهم ليس لديهم مركزية في التنظيم كما لا يملكون عمق الخبرة التنظيمية و السياسية التي يتمتع بها تنظيم الإخوان المسلمين، فضلا عن أن توزع السلفيين إلى مجموعات متعددة تتبع كل منها شيخ من مشايخ السلفية هو عقبة أخرى من عقبات قيام السلفيين بأي دور سياسي، و قد كانت أحداث حرب غزة ( 2009 ) مناسبة لظهور أثر تعدد المشايخ على الموقف السياسي للسلفيين فقد رد الداعية الشهير الشيخ محمد حسان على الشيخ محمد حسين يعقوب بشأن موقفه من حرب غزة ردا اتسم بالحدة الشديدة إذ مدح الشيخ محمد حسان صواريخ حماس في برنامجه "جبريل يسأل والنبي يجيب" على قناة الرحمة وأنكر على من يقلل من جهدهم ويسخر من صواريخهم، وفي رد واضح على سخرية حسين يعقوب من حماس قال الشيخ حسان "شكرًا لكم لقد بذلتم ما استطعتم كما أمركم ربكم.

و الدور على هؤلاء الذين يسفهون جهد إخواننا ويحقرون صواريخ إخواننا ويحقرون ضربات إخواننا الموجعة التي ملئت قلوب اليهود بالفزع وملئت قلوب اليهود بالرعب" ، و في هجوم لاذع على سخرية يعقوب من المقاومة دون ان يسميه قال "نحن نرجو الله و الدار الآخرة وهم يرجون حياة رخيصة بأي ثمن" ثم وجه حسان كلامه للحكام الذين يجلسون على كرسي الحكم فقال: "في النهاية الكل هيموت، انت فاكر إن الكرسي هيخوف ملك الموت، إنت فاكر إن الجنود هتخوف ملك الموت لا يا حبيبي... أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي .."

و كان الشيخ محمد حسين يعقوب الداعية السلفي المشهور قد وجه قبلها نقدا لاذعا لحماس و سخر منها و من أعمال المقاومة سخرية مرة كما سخر ممن يطالبون الشعوب و الحكومات الإسلامية بعمل شئ لغزة و قال لا نستطيع أن نعمل لهم شيئا، كما سخر من الصواريخ التي تطلقها المقاومة و قال انها لا تفعل شيئا سوى أنها تعطي الذريعة لقتل الفلسطنيين، جاء ذلك في محاضرتين ليعقوب بثهما موقع طريق الإسلام عبر شبكة الانترنت قبل محاضرة حسان بيوم، و هذا الموقف يعطى صورة لما قد يكون عليه الأمر في حالة انغماس السلفيين في العمل السياسي في مصر، فهم قد يختلفون بشدة و يتنازعون في مواقفهم من القضايا السياسية المختلفة، و هذا أيضا جانب من جوانب ضعفهم إذا تمت المقارنة بينهم و بين الإخوان المسلمين الذين يملكون تنظيما مركزيا السمع و الطاعة فيه حديدية.

و تيار الدعوة السلفية هذا منتشر في جميع أقطار العالم تحت أسماء و مسميات متعددة، و لكنها كلها متفقة في مجمل و جوهر المنهج الفكري، و إن تعددت إجتهاداتهم السياسية و التي يعتبرونها قسم من الاجتهاد الفقهي، فنجدهم في بعض الدول كالكويت و البحرين يشاركون بقوة في الحياة السياسية و المجلس النيابي، كما شارك بعض منهم في الحكم لفترة من الزمن في كل دول الخليج و اليمن و لكنهم سرعان ما يختلفون مع الحكام بسبب صلابة منهجهم.

و على كل حال فهذا التيار السلفي الذي أسميناه هنا بالسلفية العلمية و كذلك توأمه الذي أسميناه هنا بالسلفية الحركية يمثلان في مختلف دول العالم أقوى و أكبر تيار إسلامي منافس لجماعة الإخوان المسلمين في العدد و الحيوية بل إن نشطاءه و أتباعه ضعف أتباع الإخوان المسلمين في كل مكان لكن هذا التيار يتخلف عن الإخوان المسلمين في القدرات و الخبرات التنظيمية و السياسية كما أشرنا سابقا.

ثانيا : السلفية الحركية

في نفس الوقت الذي نشأت فيه السلفية العلمية (منتصف السبعينات من القرن العشرين الميلادي) نشأ في حي شبرا بالقاهرة رافد أخر من روافد السلفية بقيادة عدد من الدعاة الشباب حينذاك و كان أبرزهم في ذلك الوقت الدكتور سيد العربي و الدكتور محمد عبد المقصود و الشيخ نشأت ابراهيم ولم يختلف هذا الرافد السلفي عن السلفية العلمية الا في شئ واحد و هو الاعلان عن كفر الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية باسمه أيا كان اسمه، و قد انتشر هذا التيار مع الوقت و صار له أنصار و أتباع يقدرون بعشرات الآلاف لا سيما بعدما برزت شعبية بعض الدعاة الإسلاميين من هذا التيار مثل الداعية ذائع الصيت فوزي السعيد، و قد أطلق بعض أتباع هذا التيار على أنفسهم اسم السلفية الحركية، و لكن المشايخ الكبار من هذا التيار لا يطلقون على أنفسهم أي اسم.

و قد تعرض هذا التيار لحصار أمني شديد منذ عام 2001 م بسبب قيام عدد من رموزه بالافتاء لعدد من الشباب بجواز جمع التبرعات و تهريبها إلى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، و جواز الانتقال لهذه الأراضي للمشاركة في المقاومة المسلحة هناك، و على إثر ذلك قام هؤلاء الشباب بجمع عدة ملايين من الجنيهات كتبرعات و هربوها لغزة كما حاولوا التدرب على السلاح بهدف الانتقال لغزة عبر سيناء للمشاركة في أعمال المقاومة المسلحة، و قد تم إعتقالهم جميعا كما إعتقل معهم إثنان من أبرز رموز هذا التيار و هما الشيخ نشأت ابراهيم و الشيخ فوزي السعيد، و تم تقديمهم جميعا إلى محاكمة عسكرية بالقاهرة، و صدرت ضدهم أحكام متفاوتة لكن المحكمة برأت ساحة كل من الشيخين نشأت ابراهيم و فوزي السعيد، و تم الافراج عنهما بعد عدة سنوات من الاعتقال.

و لكن مازال رموز هذا التيار و دعاته ممنوعون من التعبير عن آرائهم في أي مكان سواء مساجد أو صحف أو فضائيات أو حتى في جلسات خاصة، و قد تجرأ الشيخ نشأت ابراهيم و ألقى موعظة دينية في مناسبة عزاء في فيلا أحد أقرباء المتوفى و ذلك تحت إلحاح أهل المتوفى فتم اعتقاله في نفس الليلة عام 2007 م و ظل بالسجن عدة شهور قبل أن يفرج عنه بعد أخذ التعهدات عليه بعدم الكلام مرة أخرى في أي مكان.

و يبدو أن التشدد الأمني مع هذا التيار يأتي من مجاهرة هذا التيار بمعارضة الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة تصريحا في خطابهم الدعوي و تصريحهم بكفره، هذا رغم موقفهم الواضح برفض العمل المسلح أو إنشاء منظمات اسلامية سرية.

ثالثا : السلفية الجهادية

في أوائل التسعينات رغب عدد من الجهاديين العرب البارزين أمثال أبومحمد المقدسي أبوقتادة الفلسطيني في دفع تهمة طالما أثارها بعض الإسلاميين السلفيين تجاه التيار الجهادي و هي أنهم يهتمون بالجهاد فقط بينما لا يهتمون بالعلم فأطلق هؤلاء اسم السلفية الجهادية على التيار الجهادي و انتشر هذا الاسم في دول الخليج و الشام، لكن اسم السلفية الجهادية أصبح اسما ذائع الصيت بعد عدد من العمليات المسلحة في الخليج و الشام، و بدأ بعض المتعاطفين مع القاعدة في مصر و غيرها يستحسنون التسمي بهذا الاسم لا سيما و أنه أقل اثارة للشبهات الأمنية من اسم القاعدة، مع أن فكرهم الحقيقي هو فكر منظمة القاعدة.

و بذا يتبين لنا أن اسم السلفية الجهادية لا علاقة له بالسلفية العلمية أو الحركية الموجودتين في مصر و في أغلب الدول العربية، و الذين يطلق عليهم اللفظ الدارج و المشهور "السلفيين".

٨- حزب الله

في عام 1980 م أنشأ أحمد طارق المعيد بكلية التجارة بجامعة الأزهر بالاشتراك مع الشيخ (محجوب. م) و أخرين جماعة إسلامية صغيرة و أطلقوا عليها اسم "حزب الله" و كان الشيخ محجوب (و هو شاعر متميز و دارس جيد لعلوم اللغة العربية و الفقه الإسلامي) قد حاول قبل انشاء هذه الجماعة أن يوفق بين عدد من الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة المصرية لكنه فشل ، فلجأ مع أحمد طارق لإنشاء هذه الجماعة الجديدة التي كانت ذات ميول جهادية، حتى أن الشيخ محجوب كان ضيفا شبه دائم على الندوات الفكرية و الفقهية التي كان ينظمها تنظيم الجهاد في عدد من المساجد التابعة للتنظيم في هذه الفترة.

و انحصر عمل هذا الحزب في موطن أحمد طارق و الشيخ محجوب و هو مدينة الإسكندرية و تحديدا في حي الحضرة بالإسكندرية و ذلك من خلال مسجد "المجاهدين" هناك، و قد كان نشاط الجماعة منحصر في الأعمال الدعوية و الندوات العلمية الفقهية و السياسية بالمسجد.

و قد اعتقل الشيخ محجوب و غيره من مؤسسي الحزب اثر إغتيال السادات في أكتوبر 1981 م، و أطلق سراحهم بعد عدة شهور قضوها في السجن.

و استمر و انتعش نشاط الحزب في الإسكندرية من منتصف الثمانينات و حتى عام 1989 م عندما لقى أحمد طارق مصرعه في حادث سير تعرضت له سيارته، و حدث نزاع حينئذ بين القيادات حول من سيخلف أحمد طارق كقائد عام للحزب.

و كان الشيخ محجوب قد ابتعد عن أنشطة الحزب قبل مصرع أحمد طارق بسنوات. و تمخض الصراع على القيادة داخل الحزب إلى انقسام الحزب إلى جناحين: المجموعة الأولى- حملت اسم "حزب الله" و استمرت في العمل بنفس الطريقة، و إن كان غياب كاريزما أحمد طارق قد أضعفها، فضلا عن الضعف الذي أحدثه الانشقاق نفسه، و قد حد ث بينها و بين تنظيم الجهاد تعاون دعوي بشكل غير مباشر منذ 1991 م و حتى 1993 م.المجموعة الثانية- انشقت عن الحزب نهائيا و انضمت لتنظيم الجهاد.

و من أهم أدبيات الحزب كتابان

الأول عن "وجوب العمل الجماعي".

و الثاني عن "العذر بالجهل" و يتضمن ترجيح كفر كل من ارتكب عملا كفريا و هو جاهل بكون هذا العمل من الكفر، و هم بذلك يختلفون في هذه المسألة مع الإخوان المسلمين و السلفية العلمية و السلفية التقليدية و الجماعة الإسلامية و أغلب تنظيم الجهاد، و يتفقون مع القطبيين و الشوقيين.

و ظل "حزب الله" في أفضل أحواله لا يضم سوى بضع مئات من الأعضاء و ظل نشاطه محصورا في الإسكندرية و حدها، و لكنه بسبب علاقات تعاونية دعوية غير مباشرة نشأت بين الحزب و بين مجموعة تابعة لتنظيم الجهاد تم إعتقال عدد من قادته ضمن قضايا تنظيم الجهاد عام 1993 م و ظلوا في السجن لعدة سنوات و بعدها خرجوا من السجن، و لكن أجهزة الأمن لم تسمح لهم بعد خروجهم بالقيام بأي نشاط و حتى الآن، كما أن أحدا من قادته لم يقم حتى الآن بكسر الحظر الأمني هذا.

٩- الجماعة الإسلامية

كانت الجماعة الإسلامية قد تكونت كحركة طلابية في منتصف السبعينات من القرن الماضي داخل جامعة أسيوط مثلها مثل سائرالحركات الطلابية التي تكونت في كل جامعات مصر في هذه الفترة على أيدي مجموعة من الطلاب في جامعة أسيوط كان أبرزهم أبو العلا ماضي و محي الدين عيسى و صلاح هاشم و كرم زهدي و ناجح ابراهيم و رفاعي طه و أسامة حافظ ، و في 1978 م عرض الإخوان على كافة الجماعات الإسلامية بكافة الجامعات الإنضمام لجماعة الإخوان المسلمين فاستجاب البعض و رفض البعض و كان ممن استجاب و انضم للإخوان المسلمين أبو العلا ماضي و محي الدين عيسى و ممن رفض كرم زهدي و ناجح ابراهيم و رفاعي طه و صلاح هاشم و أسامة حافظ و معهم أغلبية الجماعة الإسلامية بجامعة أسيوط .

و منذ أن عرض محمد عبدالسلام فرج عليهم فكر و استراتيجية الجهاد عام 1980م تبنت الجماعة الإسلامية بقيادة كرم زهدي استرتيجية جماعة الجهاد لكنها لم تتبلور عندها وسائل عسكرية تفصيلية لأنها لم تمتلك كوادر عسكرية ذات بال كي تخطط لها، فأكبر كادر عسكري في الجماعة الإسلامية هو مصطفى حمزة الذي اشتهر في الدنيا كلها و صدر ضده حكمين بالإعدام الغيابي في مصر، و هو الذي تولى قيادة الجناح العسكري للجماعة الإسلامية كما تولى قيادة الجماعة عدة فترات و هو الذي خطط لعملية إغتيال الرئيس مبارك في أديس بابا و هو الذي أعطى الأمر بالتنفيذ، و مصطفى حمزة هذا حاصل على بكالوريوس زراعة و كان ضابط إحتياط سابق في الجيش المصري برتبة ملازم!!!!.

و فضلا عن هذا كله فإن مصطفى حمزة كان عضوا في تنظيم الجهاد ولم ينضم للجماعة الإسلامية إلا في السجن عام 1983 م، عندما اختلفت الجماعة الإسلامية و الجهاد و قرر كل منهما العمل بمعزل عن الآخر كما بينا في الصفحات السابقة عند كلامنا عن جماعة الجهاد.

و اشتهرت الجماعة الإسلامية باستعمال القوة في تغيير ما اعتبرته من المنكرات المخالفة لتعاليم الإسلام في المجتمع، مثل منع اختلاط النساء بالرجال و شرب الخمر و حفلات الموسيقى و الأفراح و المسرحيات أو عروض الأفلام و نحو ذلك، كما 2009ت نوعا من السيطرة في المدن و الريف كلما سنحت لها الفرصة فهاجمت شقق الدعارة و تجار المخدرات كما أرغموا النصابين على إرجاع الأموال لأصحابها كلما سنحت الفرصة لهم، و أثار ذلك حنق الحكومة عليهم لأن الحكومة شعرت أن هذا إلغاء لها و لسيطرتها على المجتمع لصالح اتساع نفوذ الجماعة الإسلامية، ووجهت للجماعة الإسلامية ضربات أمنية اجهاضية متتابعة.

وقد وجه السلفيون و الإخوان و الجهاديون اللوم للجماعة الإسلامية بسبب هذه الم 2009 ات لأسباب مختلفة.

و بسبب أساليب الجماعة الإسلامية هذه فقد قامت بالآلاف من الأحداث المسلحة أو شبه المسلحة الصغيرة و الكبيرة على حد سواء و كان أشهرها الصدامات مع قوات الشرطة في مناسبات مختلفة في الصعيد بدءا من عام 1986 م و حتى 1997 م، و شملت هذه الأعمال مهاجمة أفراد و قيادات شرطية و سائحين بأسلحة بيضاء أو أسلحة نارية، كما اصطدموا بقوات الشرطة في حي عين شمس بالقاهرة عام 1988 م، و كذلك في حي امبابة بمحافظة الجيزة أعوام 1990 م و 1992 م، كما حاولوا تفجير سيارة ملغومة يقودها أحد أعضاء الجماعة في موكب وزير الداخلية آنذاك زكي بدر بالقاهرة و لكن المتفجرات لم تنفجر لوجود عدد من الأعطال الفنية بها ( 1990 م)، كما إغتالوا عدد من كبار ضباط مباحث أمن الدولة بالقاهرة و الصعيد و لكن الأغلبية كانت في الصعيد مركز ثقل الجماعة.

كما شنوا في عام 1994 م حملة ضد عدد من البنوك بالقاهرة و الجيزة عبر بث شحنات ناسفة ضعيفة أمام هذه البنوك لترهيب الناس من التعامل معها، و في عام 1995 م حاولت مجموعة من أعضاء الجماعة الإسلامية إغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا عاصمة أثيوبيا أثناء توجهه لحضور إجتماع القمة الإفريقية لكن العملية فشلت بسبب أن الرئيس كان يستقل سيارته المصفحة بينما استخدم المهاجمون في العملية بنادق الكلاشنكوف فقط و لم يستخدموا أي أسلحة مضادة للدروع.

لكن حملتهم الأعنف و الأعلى صوتا كانت ضد السائحين في مختلف محافظات مصر، و كان آخرها عملية معبد حتشبسوت بالأقصر عام 1997 م و كما كانت هي الأخيرة فقد كانت هي الأعنف حيث قتل فيها ٥٨ سائحا أجنبيا.

و قد أطلقت الجماعة الإسلامية ما أسمته مبادرة وقف العنف عام 1997 م، و ترتب عليها أن تراجعت الجماعة الإسلامية عن فكرها السابق و صارت تؤيد الحكومة بشكل أو بأخر كما أصدرت عشرات الكتب ترد فيها على أطروحاتها الفكرية السابقة التي كانت تؤيد العمل المسلح ضد الحكومة، و صارت الجماعة الإسلامية تعلن أنها أصبحت جماعة دعوية فقط لكن منتقديها إعتبروا أن طرحها الجديد يجر شباب الحركات الإسلامية بعيدا عن العمل السياسي مما يعطل و يضعف الحركات الإسلامية ذات التوجه السياسي و اعتبر هؤلاء المنتقدون أن هذا في حد ذاته هو عمل سياسي بامتياز يصب في مصلحة الحكومة.

و رغم كل هذا الجدل فإن من يتابع موقع الجماعة الإسلامية على الإنترنت سيجد أنه مملوء بالمقالات السياسية ليست من باب التحليل و متابعة الأحداث فقط بل و أيضا من باب تبنى مواقف سياسية محددة من قضايا الساعة المحلية و الدولية، و اعتادت الجماعة أن تصدر بيانات تحدد فيها موقفها من أحد قضايا الساعة من حين لأخر و كثيرا ما تبرز صحف الحكومة مثل هذه البيانات نظرا لأنها تخدم غالبا المواقف الحكومية و لو بطريقة غير مباشرة.

١٠ - حزب التحرير

أسس حزب التحرير تقي الدين إبراهيم النبهاني، الذي ولد بقرية "إجزم" من قرى حيفا بفلسطين سنة 1909 م، و قد تنقل بين الأردن وسوريا و لبنان إلى أن كانت وفاته في بيروت أواخر عام 1977تلقى النبهاني دراسته الابتدائية في مدرسة القرية، ثم غادر إلى مصر للدراسة في الجامع الأزهر فأتم دراسته به، وحصل على الشهادة العالمية، ثم انتسب إلى دار العلوم في القاهرة وبعد أن حصل على شهادة دار العلوم عاد إلى فلسطين.

عمل النبهاني مدرسا في حيفا بالخليل، ثم التحق بسلك القضاء الشرعي، وتدرج في الوظائف حتى عام 1948 حين غادر فلسطين إبان النكبة إلى بيروت حيث استقرت أسرته.

وعلى إثر إلحاق الضفة الغربية بالمملكة الأردنية عام 1950 عين النبهاني عضوا في محكمة الاستئناف الشرعية في بيت المقدس، ثم استقال من عمله في سلك القضاء الشرعي وعمل مدرسا في الكلية الإسلامية بعمان.

. واستقال النبهاني من منصبه وتفرغ لقيادة حزب تحرير الذي أسسه عام 1953 1970 تحت عنوان "جواب /٦/ و يعرف حزب التحرير نفسه في نشرة بتاريخ ٢٦

  • سؤال":

"إن حزب التحرير وهو حزب إسلامي من حيث مبدئه، ليس حزبا إسلاميا كالتكّتلات الإسلامية، فهو لا يعّلم الناس الإسلام ولا يدعو المسلمين للإسلام، ولا يعظ الناس بالإسلام، فالإسلام مبدؤه وليس عمله، والإسلام أساسه وليس صفته، فهو يتوّلى السلطة حين يتاح له أن يتولاَّها ليرعى شؤون الناس فعلا، ويحاسب السلطة في جميع الأحيان سواء أكان في الحكم أو خارج الحكم، فعمله كّله محصور بالسياسة، إ ما عمليًا بمباشرتها وإ ما نظريا بمحاسبة الح ّ كام على أساس الإسلام".

  • وجاء في التعريف بالحزب في كتاب "مفاهيم حزب التحرير":
"يجب أن تكون الكتلة التي تحمل الدعوة الإسلامية كتلة سياسية، ولا يجوز أن تكون كتلة روحية، ولا كتلة أخلاقية، ولا كتلة علمية، ولا كتلة تعليمية، ولا شيئا من ذلك ولا ما يشبهه، بل يجب أن تكون كتلة سياسية، ومن هنا كان حزب التحرير - وهو حزب إسلامي - حزبا سياسيا، يشتغل بالسياسة، ويعمل بها لأنه يثّقف الأمة ثقافة إسلامية تبرز فيها الناحية السياسية"
  • وفي موقعه على الانترنت حدد حزب التحرير أهدافه، في عدة نقاط هي:
أ-استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم.
وهذه الغاية تعني بالنسبة لحزب التحرير إعادة المسلمين إلى العيش عيشًا إسلاميًافي دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي.
ب-والحزب يهدف إلى إنهاض الأمة النهضة الصحيحة، بالفكر المستنير، ويسعى إلى أن يعيدها إلى سابق ع زها ومجدها، بحيث تنتزع زمام المبادرة من الدول والأمم والشعوب، وتعود الدولة الأولى في العالم، كما كانت في السابق، تسوسه وفق أحكام الإسلام.
ج-كما يهدف إلى هداية البشرية، وإلى قيادة الأمة للصراع مع الكفر وأنظمته وأفكاره، حتى يعم الإسلام الأرض.
و يلاحظ أن الحزب يربط كل شئ بقيام الدولة الإسلامية التي هي دولة الخلافة و لا يرى أن هناك مجال للعمل الإسلامي الشامل إلا من خلالها فعلى سبيل المثال يقول الحزب في 1976 م: "ولهذا فإن الجمعيات الخيرية /٣/ نشرة "جواب سؤال" التي صدرت بتاريخ ١٣ كلها، سواء أكانت لبناء المساجد، أو لتعليم الناس، أو لإطعام الفقراء، أو ما شابه ذلك، فهو حرام، ولا يجوز، لأن الشارع قد حصر رعاية الشؤون في الدولة،...، ويجب أن يفرق بين فعل الخيرات التي أمر الإسلام بها، وبين رعاية الشؤون في فعل الخيرات، ففعل الخيرات جائز ويثاب عليه، أما رعاية الشؤون فلا يحل لمسلم أن يقوم بها، وتعاقب الدولة كل من يقوم به ا، لأنه اعتدى على صلاحياتها، فضلا عن أنه فعل فعلا حراما".
ومنهج التغيير في رؤية حزب التحرير يتلخص في أن المسلمين اليوم، يعيشون في دار كفر، لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، ومن ثم فإن دارهم تشبه مكة حين بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك يجب أن النمط المكي في حمل الدعوة هو أسلوب العمل لأن من تتبع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة حتى أقام الدولة في المدينة تبين انه

مر في مراحل بارزة المعالم، كان يقوم فيها بأعمال معينة بارزة.. فأخذ الحزب من ذلك طريقته.

  • وبناء على ذلك حدد الحزب طريقة سيرة بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة التثقيف لإيجاد أشخاص مؤمنين بفكرة الحزب وطريقته لتكوين الكتلة الحزبية.
المرحلة الثانية: مرحلة التفاعل مع الأمة، لتحميلها الإسلام، حتى تتخذه قضية لها، كي تعمل على إيجاده في واقع الحياة.
وتمثل هاتان المرحلتان العهد المكي من تاريخ الدعوة الإسلامية.
الثالثة: مرحلة استلام الحكم، وتطبيق الإسلام تطبيقًا عامًا شام ً لا، وحمله رسالة إلى العالم.

و تتم المرحلة الأخيرة و هي إستلام الحكم عبر ما يسميه الحزب بطلب النصرة حيث يطلب الحزب النصرة من أحد القوى التي تمسك بزمام الحكم أو التي تملك قوة تمكنها من حيازة الحكم، و باستجابة هذه القوة و تسليمها الحكم للحزب يكون الحزب قد وصل لغايته من إقامة دولة الخلافة.

و حزب التحرير "لا يقبل التعاون مع (الحكام) لإيجاد إصلاح اقتصادي أو تعليمي أو اجتماعي أو خلقي لأنه يرى في ذلك إعانة للظالمين وتثبيت لهم وإطالة لعمر أنظمتهم الفاسدة والكافرة (حسب رأي الحزب) بل يعمل الحزب على قلعهم وقلع أنظمة الكفر التي يطبقونها على المسلمين،لأن الحزب يرى أنه من الواجب "تطبيق جميع ما أنزل الله، وأخذ جميع ما جاء به الرسول، ولا يجوز تطبيق بعضها وترك البعض الآخر، كما لا يجوز تطبيقها بالتدرج لأننا ملزمون بجميعها، ويجب أن يكون تطبيقها كاملا ودفعة واحدة".

ويعتبر حزب التحرير أن من أهم الصعوبات التي تواجهه في التفاعل مع الأمة وتحقيق أهدافه "وجود الواقعيين في الأمة، وهي تلك الفئة التي تدعو إلى الواقع والرضا بالواقع والتسليم به كأمر حتمي لأنها تتخذ الواقع مصدر تفكيرها وتأخذ منه حلول مشاكلها".

و مع ذلك لا يرى الحزب حمل السلاح ضد الحكام الذين لا يحكمون بالشريعة لأنه يرى أن وجوب إشهار السلاح على الحاكم ومقاتلته إذا أظهر الكفر البواح إنما يكون إذا كانت الدار دار إسلام، وكانت أحكام الإسلام هي المطبقة ثم ظهر من الحاكم الحكم بالكفر البواح.

أما إذا كانت الدار دار كفر وكانت أحكام الإسلام غير موضوعة موضع التطبيق (كما هو الحال الآن حسب رأي الحزب) فان إزالة الحاكم الذي يحكم المسلمين بها تكون عن طريق طلب النصرة إتباعا للرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته لإقامة دولة الإسلام وتطبيق أحكامه.

ومن الواضح حسب آراء بعض منتقدي الحزب أن الحزب حدد مهمته فقط في نشر الأفكار دون تطبيقها، فتطبيق الأفكار موكول إلى الدولة التي يزمع الحزب إقامتها...من هنا لا يرى الحزب القيام بأي عمل من أعمال الدعوة إلى الصلاة والصيام و الاستقامة الخلقية لأن ذلك من مهام الدولة الإسلامية التي لم تقم.

فالحزب يقفز من مرحلة التكوين إلى الخلافة بينما يفتقد مرحلة التربية والعبادة وهو الهدف الذي تفرغ له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشر سنة في بناءه للمجتمع الجديد.

و لقد أطلنا في شرح أفكار الحزب لأن أفكاره غير مشهورة في مصر بسبب قلة أعضائه و ضعف نشاطهم بعكس دول أخرى كالأردن و فلسطين و أوروبا التي للحزب فيها نشاط ملحوظ إلى حد كبير.

و كانت وسائل الاعلام في مصر نسبت حركة الفنية العسكرية خطأ لحزب التحرير. و لم يظهر أي وجود للحزب في مصر إلا عندما أعلنت أجهزة الأمن في 2009 1984 عن تقديم ٣٢ شخصا من المنتمين إلى الحزب إلى التحقيق بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، و لكن سرعان ما حفظت هذه التحقيقات و أفرج عن جميع المتهمين، و كان مسؤول الحزب وقتها هو المهندس علاء الزناتي.

2002 ألقت الأجهزة الأمنية المصرية القبض على ٥٤ عضوا من الحزب - /٥/ وفي ٨ بينهم أربعة بريطانيين – و تم تقديمهم للمحاكمة العسكرية بسبب ما زعم عن نشاطهم في إطار الحزب، و صدرت ضدهم أحكام متباينة بالسجن، و كان مسئول الحزب في مصر في ذلك الوقت هو الأستاذ أحمد جدامي.

و من خلال لقاءاتنا بمسؤول الحزب في مصر و عدد من أعضائه يمكننا القول بأن نشاط الحزب في مصر محدود و عدد أعضائه يقدرون بالعشرات على أقصى تقدير.

١١ - تيار التوقف و التبين

وأهم مجموعاته "الناجون من النار"

ربما ترجع أول نشأة لفكرة التوقف في الحكم على المسلمين بكفر أو اسلام الى نشأة جماعة القطبيين عام 1965 م، حيث ظل القطبيون يتبنون هذه الفكرة منذ نشأتهم و حتى 1981 م عندما قرروا التخلي عنها كما أشرنا لذلك سابقا، و الفكرة كانت تقوم لدى القطبيين على التوقف عن الحكم للمسلمين المعاصرين بكفر أو اسلام الى أن يتبينوا حقيقة معتقداتهم.

و كان القطبيون لا يشترطون في المسلم أن ينضم لجماعتهم ليحكموا له بالإسلام انما كانوا فقط يشترطون أن يدين بنفس معتقداتهم التي هي في أغلبها معتقدات الإسلام الصحيحة عدا بعض الجزئيات التي تخالف أصول الإسلام أو اختلف فيها العلماء كعدم العذر بالجهل في العقائد و التشدد في مسألة التحاكم للقوانين الوضعية التي تخالف الإسلام أو لا تخالفه دون مراعاة العوارض و الأعذار التي قد تكره المسلم على شئ من ذلك، لكن في منتصف السبعينات ظهرت مجموعات كثيرة مختلفة تتبنى فكرة التوقف لكن أدخلوا عليها تعديلات جوهرية أهمها أن الحد الأدنى للاسلام لم يعد هو عقيدة الإسلام حسب فهمهم كما عند القطبيين لكنه صار هو ذلك بالاضافة للانضمام لجماعتهم و السمع و الطاعة لأميرها في كل صغيرة و كبيرة كما تبنت بعض هذه الجماعات فكرة الانقلاب المسلح لاقامة دولة الإسلام و سعوا للتسلح و التدرب على السلاح، و لكن حتى منتصف الثمانينيات لم يقوموا بأي عمل مسلح ضد الحكومة أو المجتمع.

و لكن في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين تخلى الطبيب الشاب مجدي الصفتي عن انتمائه لفكر تنظيم الجهاد و تبنى فكر التوقف و التبين، و سرعان ما كون جماعة خاصة به مزج فيها بين فكر الجهاد في العمل المسلح و بين عقيدة جماعات التوقف و التبين المنتشرة، وقرر أن الطريق الأقصر لنشر فكر التوقف و التبين بين الحركات الإسلامية هو اثبات أن معتنقي هذا الفكر هم أهل جهاد و عمل و ليس أهل كلام فقط كما كان يرميهم خصومهم خاصة من تنظيم الجهاد المصري الذي كان يصم جماعات التوقف بأنها لا هم لها سوى تكفير الناس دون القيام بأي عمل اسلامي فعلي، و هذا الاثبات الذي عزم مجدي الصفتي على القيام به دفعه لتأسيس منظمة جديدة أطلق عليها اسم "الناجون من النار" وضم اليها مجموعة من الأشخاص من معتنقي فكر التوقف و التبين الذين وافقوا على فكرته في وجوب القيام بتحرك مسلح لاثبات أن فكرهم ليس كلام فقط و انما هو كلام و عمل و جهاد أيضا.

و كان من بين بعض من انضموا له في منظمته الجديدة متعاطفون سابقون مع تنظيم الجهاد، و ساعد ذلك كله علي مضي مجدي الصفتي في طريقه الذي رسمه لنفسه و الذي تأثر فيه بانتمائه السابق لتنظيم الجهاد و بحمله بين جنبيه ثأرا سابقا خاص بمرارات التعذيب الذي تعرض له العديد من قادة و أعضاء تنظيم الجهاد عندما كان يقود وزارة الداخلية كل من اللواء النبوي اسماعيل كوزير و اللواء حسن أبوباشا كمدير لجهاز مباحث أمن الدولة ثم كوزير للداخلية، و لذلك قام تنظيم "الناجون من النار" بثلاث عمليات مسلحة حاولوا في أولاهما اغتيال حسن أبو باشا لكنه نجا بأعجوبة فلم يمت و أصيب بجراح خطيرة، وكانت المحاولة الثانية محاولة اغتيال نبوي اسماعيل أما محاولتهم الأخيرة فقد كانت من نصيب الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد المقرب من الحكومة، و قد نجا مكرم و النبوي اسماعيل دون جراح من هاتين المحاولتين، و كانت كل هذه المحاولات في صيف 1987 م.

و بسجن قادة المنظمة و أغلب قادتها تفككت و انتهى أمرها و لم يعد لها وجود رغم استمرار هروب مجدي الصفتي لست سنوات متصلة قبل أن يلقى القبض عليه عام 1993 م و يسجن مع رفاقه الذين تحول أغلبهم عن فكر التوقف إلى فكر "السلفية الحركية".

و لكن على كل حال فتيار التوقف و التبين مازال موجودا في واقع الحركات الإسلامية المعاصرة في مصر لكنه لا يتبنى العمل المسلح كما كان حاله قبل ظهور "جماعة الناجون من النار"، بل إن هذا الفكر ظل موجودا وقت ظهور "جماعة الناجون من النار" لأنه لم ينضم لها من حاملي هذا الفكر سوى العشرات فقط، بينما ظل الباقون على حالتهم من تبني الفكر العقيدي المتشدد دون أن يقرنوه بحمل السلاح.

و المتبنون لفكر التوقف و التبين في مصر يتراوح عددهم ما بين ألف و ألفين شخص على أقصى تقدير.

١٢ - الشوقيون

شوقي الشيخ شخصية عرفتها وسائل الاعلام فيما عرف بأحداث قرية كحك بمركز أبشواي في محافظة الفيوم عام 1990 م، ولم يكن شوقي مجرد مهندس مدني تتلمذ على الشيخ يوسف البدري في السبعينات أيام كان يدرس الهندسة في جامعة حلوان فقد كان لشوقي ميول أخرى اختلفت عن شيخه البدري، فشوقي الذي تحدر من أسرة كبيرة و معروفة في أبشواي قد تعرف على طارق الزمر في منطقة الهرم و انضم عن طريقه لتنظيم الجهاد، وظل شوقي على ولائه لتنظيم الجهاد حتى بعدما دخل السجن في سبتمبر 1981 و خرج من بعد اغتيال السادات بشهور عديدة.

تردد شوقي في منتصف الثمانينات على منطقة الهرم لعله يظفر بخيط يوصله مجددا لتنظيم الجهاد لكنه لم ينجح فانضم لتنظيم جهادي آخر عرف في عام 1986 م بأنه محاولة لاعادة تأسيس تنظيم الجهاد، لكن التنظيم انكشف للأمن و دخل أقطابه السجن و أصبح شوقي الشيخ نزيلا في سجن استقبال طرة، و في السجن تعرف على بعض دعاة و أقطاب مجموعات التوقف و التبين و دار بينه و بينهم نقاش متكرر نتج عنه أن تخلى شوقي الشيخ عن عقيدة تنظيم الجهاد و تبنى عقيدة جديدة اشتقها هو بنفسه من عقائد مجموعات التوقف و التبين، و هي عبارة عن عقيدتهم كاملة لكنه أدخل عليها تعديلا مفاده أنه مادام أمر التوقف هذا بدعة فانه عليه الا يتوقف بل يبادر بالحكم بكفر من خالف عقيدته دون توقف و بعدها لو اعتنق عقيدته فانه يدخل الإسلام من جديد.

صحيح أنه لم يصلنا عبر كتب العقيدة و لا كتب تاريخ و عقائد الفرق الإسلامية فكرة التوقف و التبين كأحد عناصر العقيدة الإسلامية لكنه ليس صحيحا أن عدم التوقف يعني التكفير حتى نتبين، فالعقيدة الإسلامية الصحيحة ليس فيها التوقف و ليس فيها تكفير المخالف لمجرد المخالفة بل لابد من توفر شروط الكفر و امتناع الموانع التي تمنع تنزيل حكم الكفر على شخص ما وفق لقواعد العقيدة و أصول الفقه التي يعرفها و يجيدها علماء الدين المتخصصون.

لكن شوقي الشيخ (رحمه الله) لم يكن مستوعبا لهذه المفاهيم الصحيحة فكان تربة خصبة للشطط الفكري.

و لم تكمن خطورة شوقي الشيخ (رحمه الله) في شططه الفكري فقط بل ان خطورته الأكبر تمثلت في قدرته على التأثير خاصة في مجال الحيز الجغرافي الذي كان يعيش وينشط فيه و هو مركز أبشواي و القرى المحيطة به، لقد كان شوقي الشيخ زعيما حركياويتمتع بكاريزما حتى أنه نجح في تجنيد مايزيد على الألف شاب للفكر الجديد الذي كان شوقي الشيخ نفسه أنجح مروج له.

و لقد مزج شوقي بين فكرة حمل السلاح ضد الحكومة التي تعلمها أيام عضويته لتنظيم الجهاد، و بين فكرة تكفير من ليس معه، و أدى ذلك لتسلحه هو و العديد من أتباعه و قيامهم بالعديد من الأعمال المسلحة التي سرعان ما أفضت لمواجهة واسعة بينهم و بين الشرطة اثر قتل شوقي الشيخ لخفير نظامي و استيلائه على سلاحه الحكومي.

لقد قتل شوقي الشيخ في هذه المواجهات في قرية كحك بأبشواي في الفيوم عام 1990 م، و كأن شوقي كان هو الصمام لعنف الشوقيين اذ اندلع بعد موته عنف الشوقيين بأشد ما يكون و زاد من عنفهم ان بعض قادة الجهاد مثل نزيه نصحي راشد قد رأوا أن تسليح الشوقيين بالقنا بل اليدوية أمر مفيد لاستنزاف قوة الحكومة و بالتالي فقد أمدوا الشوقيين بكل القنا بل التي استعملوها في صراعهم المسلح ضد الشرطة طوال الفترة الممتدة من عام 1990 م و حتى 1994 م عندما التأم شمل أغلب قادة الشوقيين و أعضائهم داخل السجون ليخرجوا منها عام 2006 م اثر فوز الإخوان المسلمين ب ٢٠ % من مقاعد مجلس الشعب المصري فيما فسره البعض بأنه محاولة حكومية للتقليل من المد الشعبي\للاخوان باطلاق دعوات التكفير التي تدعو لاعتزال المجتمع و مقاطعة الانتخابات على جميع مستواياتها.

و قد إرتكب الشوقيون العديد من الأعمال المسلحة ضد الشرطة و المتعاونين معها و لكن أكثر أعمالهم كانت السطو المسلح على محلات ذهب مملوكة لمسيحيين، و كانوا يبيعون الذهب المسروق غالبا لتجار مسيحيين أيضا ، ممن يتعاملون في الذهب المسروق بأقل من ثمنه ثم يشترون به سلاح كما ينفقون منه على معيشتهم حيث كانوا هاربين من الأجهزة الأمنية و يعيشون متخفيين.

و كانت معظم اشتبكاتهم مع الشرطة تحدث عندما تحاصر الشرطة مجموعة منهم و تحاول القبض عليهم، و اتسمت هذه الإشتباكات بشراسة منقطعة النظير مستخدمين الأسلحة الألية و القنا بل اليدوية.

و بإستثناء عمليات مهاجمة محلات الذهب لم ي2009 الشوقيون عملا مسلحا مقصودا ومنظما إلا مرتين:

الأولى- كانت إغتيالهم للمقدم أحمد علاء رئيس قسم مكافحة النشاط الديني بمباحث أمن الدولة فرع الفيوم ( 1991 م) عندما نصبوا له كمينا أمام مكتبه بالفيوم و أطلق عليه اثنان النار من سلاح آلي فأردوه مدرجا في دمائه داخل سيارته و لاذ المسلحان بالفرار على دراجة نارية، و كان المقدم احمد علاء قد اتهمه عديدون بأنه جرد زوجة أحد قادة الشوقيين من ملابسها و أجبرها على السير شبه عارية عبر شوارع قريتها لأكثر من ساعة بسبب رفضها الإدلاء بمعلومات عن مكان هروب زوجها الهارب.

الحادث الثاني- عندما نصبت مجموعة مسلحة من الشوقيين كمينا في عام 1992 على أحد الطرق بالقاهرة لسيارة مأمور سجن إستقبال طرة المقدم محمد عوض الذي كان متهما من الإسلاميين بتعذيب معتقلي تنظيم الجهاد، و قد نجا محمد عوض من الكمين بأعجوبة بينما تهشم زجاج سيارته من سيل الرصاص الذي انهمر عليه و لاذت مجموعة الشوقيين المسلحة بالفرار بسيارتهم البيجو.

و هناك رافد آخر من روافد تيار الشوقيين و هو رافد هام جدا أسسه رائد الشرطة السابق حلمي هاشم، و لم يلتق حلمي هاشم بشوقي الشيخ رغم أن حلمي كان عضوا في تنظيم الجهاد قبل اغتيال السادات مثله في ذلك مثل شوقي الشيخ لكن نظرا لأن حلمي كان ضابط شرطة برتبة رائد قبيل القبض عليه عام 1982 م فانه تم تجنيده عبر ضابط جيش كان عضوا في تنظيم الجهاد اسمه (ع – ش) و بالتالي لم يكن شوقي و حلمي يعرفان بعضهما البعض.

ظل حلمي هاشم قريبا من فكر الجهاد في معظم عقد الثمنينات عندما اعتقل في أواخر الثمانينات و التقى في السجن بمجموعة من سوهاج تعتنق نفس فكر شوقي الشيخ دون أن تكون على صلة مباشرة به و أقنعت هذه المجموعة حلمي بهذا الفكر، و عندما خرج حلمي من السجن أنشأ مكتبة لبيع الكتب الإسلامية و ألف أكثر من عشرة كتيبات صغيرة تشرح أفكاره الجديدة التي ظهر أنها لا تختلف في شئ مع أفكار شوقي الشيخ و انتشرت هذه الكتيبات في أوائل التسعينات بشكل كبير و قد وضع عليها اسما حركيا للمؤلف هو "شاكر نعمة الله".

الأول- انتشار هذا الفكر نسبيا عبر استخدام حلمي لهذه الكتب للدعوة لهذا الفكر من خلال مكتبته الإسلامية التي أسسها لهذا الغرض و أطلق عليه كنية زوجته فصار اسم المكتبة "مكتبة أم البنين".
الثاني- أصبح للشوقيين منهجا فكريا مكتوبا و منشورا بعدما كان فكرهم مجرد دروس شفهية ألقاها شوقي الشيخ و سجلها اتباعه على شرائط كاسيت و كتبوا بعضها بخط اليد، و ذلك النشر اعطاهم دفعة معنوية و عملية في مجال نشر فكرهم و الدعوة اليه في كل مكان.
الثالث- كان لخبرة حلمي هاشم السابقة في تنظيم الجهاد تأثيرها في قدرة كتبه على اقنا ع مئات من أعضاء تنظيم الجهاد بفكر الشوقيين و تحولهم من تنظيم الجهاد إلى تنظيمات جديدة تتبنى فكر الشوقيين بصياغة حلمي هاشم و تتبنى المسلك المسلح كأحد الرواسب التي ورثوها من انتمائهم السابق لتنظيم الجهاد.

و على كل حال فلم نحصر دور حلمي هاشم في صياغة و نشر فكر شوقي الشيخ الذي مات دون أن يراه حلمي و لو مرة واحدة، و لكن كان لحلمي بصمة هامة في هذا التيار و هو تكوينه مجموعات عديدة تابعة له شخصيا نبذت لفترة طويلة مسلك حمل السلاح و أقنع حلمي الأجهزة الأمنية بأن منظمته لا تنوي حمل السلاح بعكس منظمة الشوقيين و بالتالي أفسحت الأجهزة الأمنية له مجال الدعوة و امتنعت عن اعتقال أتباعه بل كلما تم اعتقال احد اتباعه على سبيل الخطأ سرعان ما يتم الافراج عنه بمجرد ثبوت تبعيته لحلمي هاشم، و قد استغل حلمي عنف الشوقيين البالغ الحدة ليوصل للأجهزة الأمنية رسالة مفادها أنه من المهم وجود التيار الذي يمثله كي يحتوى الشباب و يمنعهم من الانضمام للشوقيين و كي يستقطب ما يمكنه من المجموعات التابعة لهم، و لكن سرعان ما انتهى شهر العسل بين حلمي و أجهزة الأمن في نهايات عام 1998 م اثر اكتشافها أن عددا من أتباعه لديهم كمية من الأسلحة المتطورة، و حينئذ جرى اعتقال حلمي و العديد من اتباعه دون ارتكاب أي أعمال عنف من قبلهم، و مازال حلمي بالسجن حتى الآن.

و في الواقع فإن تيار الشوقيين يوجد له ما يناظره فكريا أو على الأقل يشبهه في بعض الدول خاصة في دول المغرب العربي و افريقيا، بينما يندر وجود هذا التيار في دول الجزيرة العربية (دول مجلس التعاون الخليجي و اليمن) .

١٣ - الدعاة المستقلون

ظهر في الفترة الأخيرة العديد من الدعاة المؤثرين ذوى الشعبية الواسعة، و ساعد على CD لمعان هؤلاء الدعاة وجود وسائل الاتصال الجديدة كالفضائيات و الانترنت و ال بالاضافة للوسيلة القديمة التي مازالت فعالة في مصر و هي شرائط الكاسيت، و اعتبر البعض أن ظهور هؤلاء الدعاة هو ظاهرة جديدة على واقع الحركة الإسلامية الحديثة، حتى ظن البعض أن ظهور هؤلاء الدعاة مؤذن بزوال الجماعات الإسلامية المختلفة و أن هؤلاء الدعاة الجدد سيسحبون البساط من تحت أقدام الحركة الإسلامية بمختلف فصائلها.

لكن حقائق التاريخ القريب تشير إلى ضحالة هذا الرأي الذي يرى أن الدعاة المستقلين عن الجماعات الإسلامية هم ظاهرة جديدة على الحركة الإسلامية المعاصرة في مصر، ذلك لأنه في الماضي القريب كان الدعاة المستقلون موجودون بشكل بارز و معتاد في الساحة المصرية بل إن أشهر خطيب في العالم الإسلامي في العصر الحديث هو الشيخ عبدالحميد كشك و قد كان داعية مستقلا و لم يكن عضوا في أي جماعة اسلامية، فوجود دعاة مشهورين مستقلين عن كل الجماعات الإسلامية أمر معروف و هو من ثوابت تاريخ الحركة الإسلامية المصرية في العصر الحديث لكن الذين يحبون أن يوصفوا بخبراء الحركة الإسلامية دون أن يبذلوا مجهودا كافيا في دراسة و فهم تاريخ و أفكار الحركة الإسلامية يشيعون أراءا غريبة ليس لها أي مستند علمي ليس من أجل شئ سوى أن لا يعلنوا الحقيقة الساطعة و هي أنهم لا يعلمون شيئا ذا بال عن الحركة الإسلامية و إنما يبنون أراءهم على مجرد تخيلات بعيدة كل البعد عن الواقع أو الموضوعية العلمية.

لقد شهدت الحركة الإسلامية في كل مراحلها ظاهرة الدعاة المستقلين عن الجماعات الإسلامية، و كان كثير منهم عمالقة لا يمكن أن يطاولهم أكثر الدعاة المستقلين الموجودين الآن، فمن الآن في مثل حجم الشيخ أحمد المحلاوي الذي ناصب السادات العداء في السبعينات حتى هاجمه السادات في خطبه الأخيرة و اعتقله؟

و قد خرج أكثر من مليون متظاهر في الإسكندرية محتجين ضد اعتقال الشيخ أحمد المحلاوي في سبتمبر 1981 م.

و من الآن من الدعاة المستقلين في حجم الشيخ العلامة محمد الغزالي؟

و قد كان أيضا مستقلا عن الجماعات رغم قربه الفكري من الإخوان المسلمين.

و من كالشيخ محمد الشعراوي؟

و من كالشيخ الدكتور عبدالرشيد صقر؟

و حتى على مستوى العالم العربي من الآن كالشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الذي رغم أنه نظر تنظيرات عديدة تبناها السلفيون إلا أنه لم يكن ينتمي لأي جماعة، و مثله الكثيرون.

و الشاهد من هذا الكلام كله أن ظاهرة ما يسمى بالدعاة الجدد ما هي إلا ما نسميه نحنب "الدعاة المستقلين" و هم دعاة يظهرون في كل زمان و مكان لا ينتمون للجماعات الإسلامية الموجودة تنظيميا و إن بدا أن بعضهم قريب من هذه الجماعة أو تلك على المستوى الفكري فقط و ليس التنظيمي، و لكن الذي أدى إلى زيادة لمعان نجم دعاة هذه الأيام المستقلين هو كما قلنا سابقا انتشار و زيادة دور القنوات الفضائية و افسحها الطريق بجانب ، CDs أمام هؤلاء الدعاة للظهور و الانتشار، بالاضافة لشبكة الانترنت و الشرائط الكاسيت.

فمن ثوابت واقع العمل الإسلامي وجود الجماعات الإسلامية بمختلف تياراتها بجانب العديد من الدعاة المستقلين ذوي الشعبية الكبيرة.

و من ثوابت واقع هؤلاء الدعاة المستقلين هو قرب كل منهم فكريا فقط و ليس تنظيميا بدرجات متفاوتة من هذه الجماعة أو تلك من الجماعات القائمة على الساحة.

و في الواقع فإن هؤلاء الدعاة المستقلون عددهم أكبر بكثير مما يظن الكثيرون فهم ليسوا فقط المشهورين في وسائل الاعلام بل يوجد العشرات من الأقل شهرة ممن يشتهرون عبر المساجد و شرائط الكاسيت و الانترنت كما يوجد المئات من المغمورين، و لكل منهم أتباعه و مريديه كل بقدره.

عبود الزمر وطارق الزمر

بعد التغيرات الفكرية الأخيرة التي طرأت على أفكار كل من الشيخ عبود الزمر وابن عمه د. طارق الزمر فإنهما يمثلان حالة لابد من إفرادها بالدراسة ولذلك خصصنا لهما هذه الصفحات

عبود الزمر

رجل وصفته أجهزة الإعلام في أول اهتمام به بأنه الرجل الغامض أو الرجل اللغز أو رجل الأسرار, حيكت حوله الكثير من الحكايات بعضها حقيقي وأكثرها كان من قبيل الأساطير, لكن رغم أنها جميعها لم تكن تعكس الحقيقة في أكثر الحالات إلا إنها عكست شيئا آخر هو تلك الأهمية وذلك الاهتمام الذي لم ينفك عن شخصية ذلك الرجل لأكثر من عقد من الزمان؛

وليست هذه هي الصفة الوحيدة التي لصقت بمقدم المخابرات الحربية السابق عبود الزمر لفترة من الزمن لكنه تم وصفه أيضا بأنه أب روحي ورمز لتيار من تيارات الإسلام السياسي هو التيار الجهادي ذلك التيار الذي لم يكن في يوم من الأيام أقوى التيارات الإسلامية وإن ظل في كثير من الأوقات هو الأعلى صوتا بين هذه التيارات بسبب طبيعته الفكرية والتنظيمية.

عبود عبد اللطيف حسن الزمر من مواليد قرية ناهيا بمحافظة الجيزة في 19 أغسطس عام 1947 م التحق بالكلية الحربي عام 1965م وتخرج منها في الدفعة 51 عام 1967م عقب النكسة مباشرة وانخرط في شعبة الاستطلاع بجهاز المخابرات الحربية وهو برتبة ملازم أول وشارك في عمليات خلف خطوط العدو في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973م

وقد حصل على ترقية استثنائية في ميدان القتال في أثناء حرب أكتوبر 1973 م فترقي إلى رتبة نقيب بسبب جهوده في العمليات حصل على العديد من الدورات المتخصصة منها فرقة الصاعقة وفرقة المظلات وفرقة رؤساء استطلاع اللواءات وفرقة استطلاع الفرق؛

كما شارك في العديد من عمليات التخطيط والتدريب لجهاز المخابرات الحربية على مستوى القوات المسلحة كلها وفي عام 1978م حصل عبود الزمر على درع القوات المسلحة والمركز الأول في تدريبات الجيش المصري وشهادة تقدير من إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع وكان وقتها برتبة رائد.

عبود الزمر كان هو ضابط الجيش الأرفع رتبة في مجموعة الـ 24 شخصا الذين تمت محاكمتهم بتهمة اغتيال الرئيس السابق أنور السادات في خريف 1981م.

ولكن ما هي قصته مع اغتيال السادات ومع تنظيم الجهاد الذي اغتال السادات؟ اتجه عبود الزمر إلى التدين والعمل في صفوف الحركة الإسلامية عام 1979 م بتأثير من ابن خالته طارق عبد الموجود الزمر (وهو ابن عمه في نفس الوقت وشقيق زوجة عبود)

وبدأ رحلته مع الدعوة الإسلامية من خلال خطب الشيخ إبراهيم عزت زعيم جماعة التبليغ والدعوة في مصر آنذاك وكان مسلك الشيخ إبراهيم عزت أقرب إلى التصوف الصافي من حيث الاهتمام بتهذيب النفس وتقويم السلوك ليصبح الإنسان مستقيما على تعاليم الإسلام بعيدا عن الاهتمام بشؤون السياسة والمجتمع ومشاغلهما ولكن الطبيعة السياسية والعسكرية لعبود الزمر حالت بين عبود والانخراط في هذا المسلك بالكلية

فهو إنما أخذ من طريقة إبراهيم عزت ما يجعل به سلوكه بالكلية فهو إنما أخذ من طريقة إبراهيم عزت ما يجعل به سلوكه هو وأسرته متسقا مع تعاليم الإسلام ليرسخ بذلك مسلكه الجديد بينما توجه بفكره السياسي إلى البحث عن حل إسلامي للمشكلات العامة التي تمر بها البلاد؛

فبدأ يقرأ في تفسير القرآن لابن كثير ومجموع الفتاوى لابن تيمية ثم عرج على كتب إسلامية فكرية كان من أهمها بالنسبة إليه كتاب " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟" لأبي الحسن لندوي " وماذا يعني انتمائي إلى الإسلام لفتحي يكن "ومعالم في الطريق" لسيد قطب ,رسالة الإيمان " لصالح سرية " وجند الله ثقافة وأخلاقا " لسعيد حوى؛

وفي الوقت الذي اختمرت لديه فكرة القيام بانقلاب عسكري ضد نظام الرئيس السادات فوجئ بطارق الزمر يعرض عليه التعرف على داعية إسلامي كثيرا ما مدحه طارق أمام عبود هذا الداعية كان مهندس محمد عبد السلام فرج أحد أبرز مؤسسي تنظيم الجهاد حينئذ .

وتم اللقاء فعلا في عام 1980 بين عبود ومحمد عبد السلام وأصبح عبود الزمر منذئذ أحد قادة تنظيم الجهاد الذي كان محمد عبد السلام بصدد تأسيسه في ذلك الوقت متفرعا في ذلك عن تنظيم الجهاد الأصلي الأكثر عددا والذي كان قد تم حله عام 1979م.

ظل عبود الزمر منذ انضمامه إلى تنظيم الجهاد رجل الموائمات والحلول الوسط إزاء زملائه حتى لو كان ذلك على حساب رأيه الشخصي فقد توائم مع تسرع محمد عبد السلام في القيام بانقلاب مسلح وإن طالبه بتوفير قدر محدد من الوسائل العسكرية والرجال لكن مع ذلك راعي عبود أن يكون ما طلبه هو أقل ما يمكن طلبه في هذه الحالة؛

وإثر قرارات السادات باعتقال قادة المعارضة والحركة الإسلامية في سبتمبر 1981م قرر محمد عبد السلام أن يشن هجمات مسلحة ضد النظام الحاكم فرفض عبود في البداية لأن قوة تنظيم الجهاد لم تكن اكتملت بعد ثم عاد عبود الزمر فوافق على عمليات محدودة؛

ومع ذلك رفض عملية اغتيال السادات على أيدي خالد الإسلامبولي ورفاقه, ثم عاد عبود ووافق تحت ضغط إصرار محمد عبد السلام على تنفيذ العملية وبعد فشل أغلب العمليات المسلحة التي خطط لها عبود بالمواكبة مع عملية اغتيال السادات طلب أيمن الظواهري وسيد إمام من عبود الزمر إيقاف كل العمليات المسلحة والهروب خارج مصر بينما ضغط مساعدو عبود في اتجاه السعي إلى القيام بالانقلاب على النظام الحاكم , فاختار عبود حلا آخر أعتبره حلا وسطا هو شن حرب عصابات محدودة ضد النظام لإسقاطه فقبض عليه بعدها بأيام .

وفي السجن قام عبود الزمر بقدر كبير من الموائمات وتقديم الحلول الوسط في علاقاته مع زملائه كان أولها تأسيسه جبهة ضمت تنظيم دكتور أيمن الظواهري وتنظيم سالم رحال وتنظيم عبود نفسه وبذا ضمت هذه الجبهة كل المجموعات الجهادية في السجن؛

ولكن هذه الجبهة تصدعت أكثر من مرة وكان عبود يرممها في كل مرة إلى أن انهارت تماما في نهايات عام 1983م وحينها عمل عبود من خلال جبهة جهادية أضيق لم تضم الجماعة الإسلامية ولا تنظيم الظواهري ولكنها سرعان ما تصدعت هي الأخرى عام 1985م وعاد عبود يوائم ويوجه أتباعه إلى التوحد مع منظمة الظواهري التي كان مقرها الرئيسي في بيشاور في ذلك الوقت وفعلا اندمج تنظيم الجهاد التابع لعبود بنظيره التابع لأيمن الظواهري في عام 1989م.

وعاد عبود الزمر ليطالب تنظيم الجهاد الجديد بالتوحد مع تنظيم الجماعة الإسلامية عام 1990م ولكن المحاولات فشلت.وبجانب الموائمات والميل إلى الحلول الوسط مع الزملاء هناك ملمح هام وبارز أيضا في شخصية عبود الزمر هو إصراره على أن يظل التنظيم الذي يقوده لاعبا سياسيا هاما في الساحة السياسية بكل الوسائل .

وفي هذا الصدد نلاحظ اهتمام تنظيم الجهاد منذ أن قاده عبود الزمر بالإعلام بعكس تنظيمات الجهاد السابقة كما نلاحظ دور عبود الزمر نفسه في هذا المجال ولكن اهتمام عبود الزمر بذلك أدى إلى تصدع علاقة عبود الزمر برفاقه خارج السجن وخارج مصر في تنظيم الجهاد؛

الأمر الذي أدى في النهاية إلى انضمام عبود الزمر وطارق الزمر وعدد من مساعدى عبود في السجن إلى تنظيم الجماعة الإسلامية عام 1991م ذلك بالمخالفة لخط تنظيم الجهاد ومنذئذ صار عبود الزمر عضوا في مجلس شورى الجماعة الإسلامية كما صار طارق الزمر عضوا في لجنتها السياسية فضلا عن عضويته بمجلس شورى الجماعة الإسلامية ولقد جاء ذلك على خلفية مطالبة عبود الزمر لتنظيم الجهاد بالقيام بالمزيد من الأنشطة السياسية والإعلامية والعمليات المسلحة داخل مصر

وبينما رفض تنظيم الجهاد ذلك فقد وافقت الجماعة الإسلامية عليه خاصة ما يتعلق بالعمليات المسلحة لا سيما أن الجماعة الإسلامية كانت منغمسة فعلا في مثل هذه العمليات المسلحة منذ 1989م وقد ظن عبود الزمر وقتها أن العمليات المسلحة هي حصان طروادة بالنسبة إلى الحركة الإسلامية إزاء النظام الحاكم في مصر .

وانتقد قادة الجهاد عبود بسبب انضمامه إلى الجماعة الإسلامية لأنها (حسب رأيهم) جاءت في الوقت الذي أصبح لتنظيم الجهاد في أفغانستان ما يشبه جيش صغير تم تدريبه على الأسلحة المتوسطة والثقيلة بما في ذلك استخدام المدفعية والمدرعات والدفاع الجوى والصواريخ قصيرة المدى, بينما كانت الجماعة الإسلامية ما زالت تسير في مسالكها القديمة في مجالات الدعوة والعمل السياسي والإعلامي والعمليات المسلحة دون تطوير سوى قليل من التطورات التي اعتبرها قادة الجهاد شكلية .

ظل عبود الزمر يحافظ على صلات طيبة مع قادة الجهاد في السجن بعدما انقطعت علاقاته بتنظيم الجهاد خارج السجن وخارج مصر بينما أصبح هو رجل من قادة الجماعة الإسلامية وعضو مجلس الشورى بها

وفي عام 1997 م اتخذ عبود الزمر أحد أكبر قرارات الموائمة بمبادرة وقف العنف , لقد كان كرم زهدي هو صانع هذه المبادرة وحده فهو الذي أقدم عليها دون اتفاق مسبق مع مجلس شورى الجماعة الإسلامية وانقسم المجلس إزاءها ما بين رافض تماما لدرجة رفض مجرد الكلام حولها ومتردد وما بين مؤيد بشدة وكان الرافضون والمترددون هم الأكثر عددا والأقوى مكانة لكن عبود أقنع المترددين والرافضين بطرح مفاده أنه في حالة التمسك بالرفض فإن كرم سيقوم بالمبادرة بمفرده؛

وأن كرم بمفرده سيكون أضعف في مواجهة أجهزة الأمن ومن ثم فإن توحد مجلس الشورى إزاء قبول المبادرة سيعطي قوة وقدرة للمجلس لتخرج مبادرة وقف العنف بقدر أقل من التنازلات السياسية وفعلا توحد مجلس الشورى الجماعة الإسلامية إزاء هذه المبادرة ودخلوا في شد وجذب مع كرم زهدي تارة ومع الأجهزة الأمنية تارة أخرى إلى أن انتهت مبادرة الجمعة الإسلامية إلى ما انتهت إليه .

يرى الكثيرون من التيار الجهادي أن عبود الزمر يتميز بقدرة متميزة على التحليل والتفكير السياسي والاستراتيجي بشكل عام لا سيما إذا تعلق الأمر بالشؤون العامة أو الشئون الدولية لكن الكثيرين أيضا منهم يرون أنه فشل في إدارة الصراعات والخلافات السياسية والتنظيمية داخل التيار الجهادي عامة وفي علاقته بالجماعة الإسلامية بشكل خاص وربما قمة الدراما في هذا المحال تظهر فيما آلت إليه حال عبود الزمر الآن حيث أنه هو وابن عمه طارق الزمر الوحيدين الذين ظلا في السجن حتى الآن من المجموعة الجهادية التي تم الحكم عليها بالسجن إثر اغتيال السادات في عام 1981 م وضمت هذه المجموعة قادة الجهاد والجماعة الإسلامية على حد سواء .

يمكن للبعض اعتبار أن هذه الدراما بدأت عندما ألقي عبود بنفسه في أتون صراع الجماعة الإسلامية مع النظام الحاكم بانضمامه إلى مجلس شورى الجماعة الإسلامية عام 1991 بينما كان يمكنه أن يجلس في مقاعد المتفرجين حينها فإن نجحت الجماعة الإسلامية كان سيسهل عليه أن يتواصل معها بحكم علاقاته الشخصية الحسنة بقادتها وإن انهزمت (كما حدث فعلا) كان يمكنه مقارعة الأجهزة الأمنية بحجة قوية هي أنه لم يشارك في أى عمل مسلح منذ اغتيال السادات؛

ويرى آخرون أن هذه الدراما بدأت عندما قرر أن يوحد مجلس شورى الجماعة الإسلامية خلف كرم زهدي في قراره بإطلاق مبادرة وقف العنف , بينما رأى فريق ثالث أن هذه الدراما خلقتها محاولة عبود الزمر تعديل شروط مبادرة وقف العنف ليجعلها وكأنها اتفاقية بين أنداد .... الجماعة الإسلامية من طرف والنظام الحاكم على الطرف الآخر ...

محاولا أن يحصل للتيار الجهادي برمته (وليس الجماعة الإسلامية فقط) على حرية العمل السياسي الرسمي المعارض لنظام الرئيس مبارك ولقد خاض عبود الزمر معارك وصراعات مع الجهاز الأمني وقادته وأيضا داخل مجلس شورى الجماعة الإسلامية؛

وفي الحقيقية لم يكن عبود يملك أوراقا للضغط بها على الجهاز الأمني سوى الجدل والمناقشة لكن ورقته الأقوي كانت داخل مجلس شورى الجماعة الإسلامية حيث كون جبهة قوية تناصر موثقه ولكن تكوين مثل هذه الجبهة لم يكن نهاية المطاف إذ قبل مجلس الشورى بما فيه هذه الجبهة بأن تنقل الأجهزة الأمنية عبود الزمر وطارق الزمر ومجموعة من قادة الجهاد السابقين الذين انضموا إلى الجماعة الإسلامية بصحبة عبود الزمر إلى العزل في سجن ليمان أبي زعبل في أكتوبر 1999 ذلك السجن الذي كان ولا يزال من أسوا السجون المصرية في معاملة السياسيين وجاء هذا النقل قبل ساعات من الانتخابات الدورية لمجلس شورى الجماعة والإسلامية والتي كان من المقرر أن يفوز فيها عبود برئاسة المجلس؛

وهذا النقل وإن كان محطة هامة في القصة الدرامية لعبود الزمر لكنها أيضا علامة هامة على فشل عبود في إدارة الصراعات والخلافات داخل الحركة الجهادية وداخل مجلس شورى الجماعة الإسلامية لا سيما أنه منذ هذه الواقعة والجهاز الأمني وبموافقة قادة الجماعة الإسلامية مستمر في إبعاد عبود الزمر عن أى سجن به أعضاء للجماعة الإسلامية وهذا هو سبب استمرار وجود عبود الزمر وطارق الزمر حتى الآن في سجن دمنهور علي بعد مئات الكيلو مترات عن أسرتهما التي تقيم بالجيزة لئلا يختلطا بمسجوني الجماعة الإسلامية في منطقة سجون طره خاصة سجن العقرب ..

ولكن لماذا يظل عبود الزمر في السجن رغم الإفراج عن جميع رفاقه منذ سنوات؟ الحجة الجاهزة لدى الأجهزة الأمنية هي أنه لم يكمل سنوات السجن المحكوم عليه بها ولا شك أن هناك سببا آخر إذ لو كان الأمر هكذا لكان طارق خارج السجن من سنوات لأن طارق الزمر أتم في السجن 28 عاما بينما لم يحكم عليه سوى بـ 23 عاما !

البعض يطرح فكرة العداء الشخصي بين عبود الزمر وبعض القادة الأمنيين على خلفية الدور الذي لعبه عبود الزمر بشأن مبادرة الجماعة الإسلامية والبعض يطرح فكرة الخشية من سيطرة عبود الزمر على بقايا الجماعة الإسلامية بعدما اضمحلت مكانة جميع أعضاء مجلس الشورى لدي قواعد الجماعة بعكس عبود الذي تعززت مكانته لدى هذه القواعد بسبب الاضطهاد الذي يتعرض له هو وطارق الزمر على أيدي الأجهزة الأمنية منذ أكتوبر 1999م وحتى الآن إذ أنه رغم أنه يتمتع بمعاملة حسنة في سجن دمنهور إلا أنه ما زال مسجونا رغم الإفراج عن جميع أعضاء مجلس الشورى كما أنه مودع في سجن بعيد جدا عن بيت أسرته بينما يقبع كل أعضاء الجماعة الإسلامية الذين يقضون عقوبة السجن في سجن العقرب بالقاهرة .

وبسبب مكانة عبود الزمر لدى قواعد الجماعة الإسلامية فإن اسمه يتصدر قائمة مجلس إدارة موقع الجماعة الإسلامية على الانترنت وتحت اسمه نجد ايميل خاصا به رغم أن سجن دمنهور غير مسموح فيه باستخدام النت أو حتى الراديو الترانزستور ذي الموجة الواحدة كما نجد اسم د. طارق الزمر ابن عم عبود وزميله في محنته بسجن دمنهور يتذيل نفس قائمة مجلس إدارة الموقع وأيضا يوجد أسفله إيميل منسوب إليه !!!! لكن هل هناك تخوف من تأثير عبود الزمر على التيار الجهادي من الأجيال الجديدة ؟

في الواقع إن هذا مستبعد جدا فالأجيال الجديدة من الجهاديين لا تعرف عبود الزمر كما أن أيمن الظواهري تمسك منذ سنوات بصمت تام تجاه عبود وطارق الزمر بينما يذكر أسماء عدد من المعتقلين والمسجونين من الجهاديين المصريين في بياناته المتعددة عن مصر وبعض هؤلاء الذين يذكرهم كانوا ما زالوا أطفالا عندما كان عبود يخطط لاغتيال السادات

وربما يحدث ذلك بسبب أن عبود خسرا قدرا من رصيده لدي الظواهوي ومن معه من الجهاديين عندما انضم إلى مجلس شورى الجماعة الإسلامية ثم خسر باقي رصيده لدى جميع الجهاديين عندما شارك في إطلاق مبادرة الجماعة الإسلامية لوقف العنف؛

وأيضا ربما يكون قد كسب بعض التعاطف لاستمرار سجنه واضطهاده لكنه على كل حال ورغم كل شئ فهو ما زال شخصية لها احترامها لديهم , فعندما أطلق عدة مبادرات تجاه العمليات المسلحة التي جرت في سيناء أو حتى في العراق لم تتعمد القاعدة أو أى تنظيم جهادي له صلة بالأمر أن ينتقده بل لاذوا بالصمت كما يفعل دكتور أيمن الظواهري فكأنهم يقولون لن نستجيب لك فأنت لم تعد منا ولكننا نحترمك فلن نحرجك .

طارق الزمر

رغم أن الحكم الصادر ضده هو 23 عاما فقط فإنه ما زال مسجونا منذ 28 عاما ولا أمل في الإفراج عنه حتى الآن إنه طارق الزمر ابن عم مقدم المخابرات الحربية السابق والزعيم الجهادي المشهور عبود الزمر .

كان أول ظهور لطارق الزمر إعلاميا في أكتوبر 1981 م وعندما نشرت الأجهزة الأمنية صورته في مختلف وسائل الإعلام كزعيم إرهابي هارب ثم تتابع ظهوره في وسائل الإعلام بعد القبض عليه وتقديمه إلى المحاكمة في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات

طارق عبد الموجود إبراهيم الزمر من مواليد 15 مايو 1959م قرية ناهيا بمحافظة الجيزة أتم تعليمه الابتدائي في مدرسة الزهراء الابتدائية بالدقي عام 1970م وحصل على الشهادة الإعدادية من مدرسة الدقي الإعدادية عام 1973 م والتحق بعد ذلك بمدرسة الجيزة الثانوية بالعجوزة ثم كلية الزراعة بجامعة القاهرة .

كان والد طارق الزمر ناصريا ومولعا بالقومية العربية حتى أنه سمي ابنته الكبرى التي ولدت عام 1958م "وحدة " تأييدا للوحدة بين مصر وسوريا في نفس العام؛

ونشأ طارق على نفس الفكر وظل عليه حتى نهاية دراسته الثانوية وكان في المدرسة الثانوية ينافح عن سوريا وسياساته حتى أطلق عليه أحد المدرسين روح المرحوم وكان هذا المدرس ممن يكرهون عبد الناصر وكان طارق الزمر لا يحيي العلم إلا بالتحية القديمة " تحيا الجمهورية العربية المتحدة " رافضا التحية التي استحدثها نظام السادات حتى أصبح فصله كله يردد ذلك مخالفا باقي المدرسة كلها وهو ما لم يكتشفه أحد في صخب الطابور اليومي.

وفي نهاية المرحلة الثانوية تأثر طارق ببعض شباب الحركة الإسلامية في قرية ناهيا ثم تغير مسار حياته بالكلية عندما قاده أحد زملائه للاستماع إلى خطبة الجمعة لدى الشيخ إبراهيم عزت زعيم جماعة التبليغ والدعوة حينئذ لم يستطع طارق بخلفيته السياسية أن يندمج بالكلية في جماعة التبليغ التي ترفض السياسة لكن في الجامعة انخرط في العمل الطلابي عبر الجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة ومع صراع السلفيين والإخوان المسلمين على قيادة الجماعة الإسلامية بالجامعة

أخذ طارق الزمر يبحث هو ومجموعة من شباب قرية "ناهيا" عن طريق بديل لطريق الإخوان الذي بدا لهم طريقا مسالما أكثر من اللازم وفي أثناء هذا البحث تعرف طارق الزمر ومجموعته على مهندس محمد عبد السلام أبرز قادة تنظيم الجهاد (الذي لعب بعد ذلك بسنتين الدور الأبرز في اغتيال السادات) وانضموا جميعا إلى تنظيم الجهاد.

لعبت الخلفية الفكرية والاجتماعية دورا كبيرا في إبراز طارق الزمر داخل التنظيم الجهادي الذي انضم إليه تحت قيادة محمد عبد السلام فالبيئة السياسية التي نشأ فيها طارق الزمر ودوره كشاب ناصري دفعاه إلى الاهتمام بالفكر والسياسة حتى عندما تحول إلى الاتجاه الإسلامي وكان أكثر شئ أثر فيه كتابات سيد قطب فقرأ كتبه كلها واحتفظ بها وظل يرجع إليها من حين لآخر كما تأثر أيضا بكتابات سعيد حوى خاصة كتابه " جند الله ثقافة وأخلاقا " وإن تحفظ على بعض آراء حوى خاصة ما يتعلق منها بالتصوف أو العمل الحزبي .

كل هذا هيأ طارق الزمر ليتفوق على أقرانه في تنظيم الجهاد وليصير أحد القادة المهمين في التنظيم رغم صغر سنه .

لا شك أن طارق ازداد بروزا عندما قدم عبود الزمر لزعيم التنظيم مهندس محمد عبد السلام خاصة أن عبود أصبح أحد أضلاع المثلث الذي قاد التنظيم بجانب محمد عبد السلام ونبيل المغربي لكن استفادة طارق الأكبر من عبود كانت في مجال الفكر السياسي والإداري .

وبسبب خلفيات طارق الفكرية والسياسية والإدارية فقد صار عضوا في مجلس شورى المنظمة الجهادية التي ضمت قادة كل المنظمات الجهادية في السجن بعد اغتيال السادات (1982 -1983) وكان هذا المجلس مكون من كل من أيمن الظواهري وعبود الزمر وعصام دربالة وناجح إبراهيم بالإضافة إلى طارق الزمر وبذا كان طارق أصغر هؤلاء القادة سنا إذ لم يتجاوز عمره وقتها 25 عاما .

صاحب طارق الزمر ابن عمه عبود الزمر (وهو في نفس الوقت ابن خالته) في رحلته الطويلة من تنظيم الجهاد إلى الجماعة الإسلامية وشاركه محنته داخل السجن تلك المحنة المستمرة منذ 28 عاما وحتى الآن هذه الصحبة لم تقتصر على الصحبة البدنية فقط بل أيضا شملت التوحد بينهما في سائر المواقف السياسية والفكرية والتنظيمية؛

ففي كل المواقف الخلافية داخل التيار الجهادي وقف طارق في الخندق الذي يثق فيه عبود الزمر ولكن لا يمكن اعتبار طارق الزمر مجرد تابع لعبود الزمر إذ ترك طارق بصمة متميزة وهامة على التيار الجهادي المصري من خلال عدد من الأبحاث الهامة في هذا التيار أطلقتها كلها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي منها بحثه " الصراع مع اليهود صراع محسوم" الذي شرح فيه طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني من وجهة نظر التيار الجهادي حينئذ وبحثه " مفهوم الصراع " الذي أسس فيه لفكرة الصراع السياسي والعسكري بين التيار الجهادي ونظم الحكم التي لا تطبق الشريعة الإسلامية؛

وكذلك بحثه " حكم الاغتيال في الإسلام " الذي برر فيه عمليات الاغتيال التي يقوم بها أعضاء التيار الجهادي ومهما كانت قيمة هذه الأبحاث الثلاثة فإن بحثي " فلسفة المواجهة " و" وثيقة الجهاد ومعالم العمل الثوري " كانا أهم ما تم نشره من أبحاث جهادية لطارق الزمر وقد لعبت أبحاثه كلها دورا بارزا في نشر أفكار تنظيم الجهاد بين العديد من المجموعات الإسلامية ممن لا ينتمون إلى تنظيم الجهاد بين العديد من المجموعات الإسلامية ممن لا ينتمون إلى تنظيم الجهاد رغم أنها كلها تم تهريبها من السجن وطبعها ونشرها في إطار من السرية .

وعندما سيطر صوت السلاح والتفجيرات على ساحة الصراع بين الجماعات الإسلامية والنظام الحاكم في مصر في منتصف التسعينيات من القرن الماضي توقفت عجلة النشر السري للأبحاث الجهادية داخل مصر لكن طارق الزمر لم تتوقف مسيرته الفكرية إذ أنه كان قد أتم دراسته في كلية الحقوق فواصل دراساته العليا بها فحصل على دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية من جامعة عين شمس 1996 م وقد قدم فيه بحثا بعنوان " الإكراه في الفقه الإسلامي ".

ثم دبلوم الدراسات العليا في القانون العام 1997 م , وقد قدم فيه بحثا بعنوان " النظام السياسي الإسلامي مقاصده وأهدافه ".

وكذلك حصل على دبلوم الدراسات العليا في العلاقات الدولية 1998م وقدم فيه بحثا بعنوان " قراءة في النظام الدولي الجديد" ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون الدولي 1999م وقدم فيه بحثا بعنوان " العولمة وأثرها على العالم الإسلامي ".

وأخيرا حصل على الدكتوراه في القانون الدستوري والنظم السياسية من جامعة القاهرة في فبراير 2006م وكان موضوعها الإسلامي وقد اشترط (في بيان أصدره في أثناء مناقشته رسالته للدكتوراه) لنجاح مبادرة وقف العنف في مصر أن يتم الإفراج عن جميع السجناء والمعتقلين الإسلاميين وأن يتم فتح الباب أمام ممارسة التيار الإسلامي كل الأنشطة الدعوية والاجتماعية والسياسية .

ولم يكن الحصول على كل هذه الشهادات سهلا فقد استلزم الحصول عليها عدة منازعات مع النظام الحاكم في ساحات المحاكم استطاع فيها أن يظفر بحقه في استكمال مسيرته العلمية حتى حصوله على الدكتوراه بتقدير امتياز وقد كرمته الكلية ومنحته شهادة تقدير ودرع الكلية

بالإضافة إلى جائزة مالية وكان من المفترض أن يحضر حفل تكريم المتفوقين في جامعة القاهرة 2007م لكن دكتور فتحي سرور ودكتور مفيد شهاب حالا دون حدوث ذلك وفقا لرواية أسرة طارق الزمر التي أوضحت أنها اضطرت إلى مقاضاة جامعة القاهرة لهذا السبب ولا تزال القضية تنظرها المحاكم حتى الآن .

ولم يتوقف دور طارق الزمر في التيار الجهادي على العمل الفكري , بل ظل طارق الزمر الشريك الأمين والساعد الأيمن لعبود الزمر في كل أنشطته السياسية والإعلامية والتنظيمية وعندما ترك عبود الزمر جماعة الجهاد وانضم إلى الجماعة الإسلامية عام 1991 م انضم معه طارق وصار بعدها عضوا بمجلس شوري الجماعة وعضوا بلجنتها السياسية ورئيسا للجنة الإعلام بها

وعندما اعترض عبود الزمر على الحالة التي آلت إليها مبادرة وقف العنف التي أطلقتها الجماعة الإسلامية كان طارق الزمر شريكه في هذا الاعتراض وبالتالي فلا نجد اسم طارق الزمر أو عبود الزمر على أى من الأبحاث التي أصدرتها الجماعة الإسلامية تعبيرا عن هذه المبادرة وقف العنف وأبحاثها لكنه بادر؛

وكتب كتابا يعبر به عن وجهة نظره بشأن قضية استخدام العنف ومبادرة الجماعة الإسلامية تم نشره تحت عنوان " مراجعات لا تراجعات " في القاهرة عام 2008م وتبعه نشر مذكرات طارق وعبود الزمر بشأن مبادرة وقف العنف في جريدة الشروق مؤخرا على حلقات ليعبر فيها طارق مع عبود عن موقفهما من هذه المبادرة بما سموه بـ " الموقف الثالث بين الاستسلام والاستبداد".

كما آمن عبود الزمر بأهمية العمل السياسي ولو عبر القضاء وناضل في سبيل ذلك فقد فعل طارق الزمر الشئ ونجد أن كل الدعاوي القضائية التي أقامها عبود الزمر شاركه فيها طارق كما انفرد طارق بالعديد من الدعاوى القضائية ضد الجهاز الحكومي .

فاتهم طارق الزمر وزارة الداخلية المصرية بتعذيبه عند اعتقاله وحكم له القضاء بتعويض عن ذلك التعذيب (في يناير 2001م)

ونازع الحكومة قضائيا طوال فترة سجنه واستطاع أن يظفر بعدة أحكام قضائية منها:

إيقاف الحبس الانفرادي 1989م والسماح بصلاة الجمعة نفس العام وإلغاء قرار زكي بدر بمنع الزيارات عن المسجونين الذي استمر لمدة عام عام 1990م وإلغاء قرار عبد الحليم موسي بمنع الامتحانات الدراسية 1991 وحكم بوقف قرار الداخلية بجلد عبود الذي صدر في يناير 1989م بسبب تصديه لمدير مصلحة السجون لأنه سب دين الإسلام داخل العنبر الذي يقيم فيه وقد صدر الحكم عام 2000م وهو ما اضطر الداخلية إلى تقديم تشريع لمجلس الشعب لإلغاء عقوبة الجلد في السجون المصرية في نفس العام .

ولا يزال يدير صراعا قانونيا مفتوحا مع النظام الحاكم تشهده ساحات المحاكم حتى اليوم إذ لا يزال القضاء ينظر دعوي طارق ضد النائب العام ومحكمة الاستئناف لتحديد جلسة تنظر أمر الإفراج عنه منذ 2007م كما تنظر المحاكم دعوى أخرى ضد جامعة القاهرة لتجاهل تكريمه بين الحاصلين على أعلي التقديرات في شهادة الدكتوراه منذ 2007م بالإضافة إلى دعوى ثالثة ضد نقيب المحامين الذي رفض تسجيله في كشوف النقابة برغم موافقة غالبية أعضاء مجلس النقابة على تسجيل طارق الزمر بها , وأقام دعوى مخاصمة ضد النيابة العامة (يونيو 2009م) لعرقلتها أمر الإفراج حتى الآن .

ولم يقتصر نشاط طارق الزمر المعارض للنظام الحاكم على رفع الدعاوي القضائية بل امتد ليقوم بالعديد من المبادرات المعبرة عن موقف سياسي محدد يناوئ الديكتاتورية التي يحكم بها الحزب الوطني مصر خاصة في عام 2005م الذي يسميه البعض عام الحراك السياسي عندما نشطت قوى المعارضة إذ أعلن طارق الزمر عن اعتزامه المشاركة في انتخابات مجلس الشعب عام 2005م كأحد البدائل السلمية لخيار التغيير المسلح وتقدم بأوراق ترشيحه وأعلن برنامجا سياسيا لخوض المعركة الانتخابية ولما تم رفض أوراق ترشيحه أقام دعوى قضائية لتمكينه من الترشيح دون جدوي الأمر الذي دفعه إلى التنازل عن الترشح لصالح قوي المعارضة الإسلامية والوطنية .

كذلك أقام دعوى هو وابن عمه عبود لتمكينهما من مباشرة الحقوق السياسية في إشارة إلى أهمية مباشرة التيار الإسلامي لهذه الحقوق كبديل لموجات العنف المتلاحقة (2005م) ولا تزال الدعوي منظورة أمام المحكمة الإدارية العليا .

وفي بادرة غريبة على الحياة السياسية المصرية قامت أسرة طارق الزمر بتسليم كفنه إلى النائب العام بعد أن يئست من إمكانية الإفراج بتسليم كفنه إلى النائب العام بعد أن يئست من إمكانية الإفراج عنه في ظل حكم الحزب الوطني وأعلنت أسرته بهذه المناسبة عدم تأييد طرق لهذا الحزب حتى وإن أدي ذلك إلى وفاته داخل سجنه كما نبهت على عدم السماح بتكفينه من أموال الحكومة التي استباحت كل أموال وثروات الشعب (2005م)

وقد نقدم طارق الزمر مع عبود الزمر بطلب الإدارة السجون للسماح لهما بالتبرع بالدم لضحايا العدوان الصهيوني على غزة في يناير 2009م كما طالبا الحكومة المصرية بفتح معبر رفح دون أى قيد أو شرط.

انتهت الفترة المحكوم بها على كل من عبود الزمر وطارق الزمر في قضية اغتيال السادات وتنظيم الجهاد في أكتوبر 2001م ولم يفرح عنهما حتى الآن وذلك برغم حصولهما على عدد كبير من الأحكام القضائية التي توجب الإفراج عنهما وقد اعتبر القاضي الذي اصدر إحدى هذه الأحكام أن سجنهما حتى الآن يعد اعتداء صريحا على القانون والدستور .

وما زالت وزارة الداخلية تعرقل تنفيذ هذه الأحكام بالحيلة التي اشتهرت بها وهي الطعن بوقف التنفيذ أمام محاكم غير مختصة وذلك إلى أن استصدرت حكما من المحكمة الإدارية العليا بعدم اختصاص القاضي الذي أصدر حكم الإفراج وإحالة القضية من جديد إلى محكمة الجنايات

وهكذا أيضا تم إسقاط الجنحة المباشرة التي كان طارق يطالب فيها بعزل وحبس وزير الداخلية لعدم تنفيذه حكم الإفراج عنه وحينئذ اضطر طارق إلى اللجوء إلى القضاء الجنائي بناء على حكم المحكمة الإدارية العليا وقال للقاضي الجنائي إنك لن تستطيع أن تفصل في هذه الدعوى رغم وضوحها ففهم القاضي ما يقصد إليه طارق فغضب فقال له طارق إن حكمك الصادر في هذه القضية سيظهر مدى استقلال القضاء في مصر !!

وبالفعل كان الحكم هو رفض الدعوي لورودها إلى المحكمة بغير الطريق الذي رسمه القانون برغم أن الذي أحالها إليه هو رئيس المحكمة الإدارية العليا !!

وعندئذ علق طارق الزمر قائلا:

إن المحكمة لا تمتلك قرار الفصل في هذه القضية فالقضية قد أحالتها المحكمة الإدارية العليا إلى محكمة الجنايات التي أحالتها اليوم إلى النائب العام الذي سيحيلها بدوره إلى المخابرات الإسرائيلية ومنها إلى المخابرات الأمريكية أصحاب الاختصاص في القضية .
بعد ذلك تقدم محامي طارق بالأوراق إلى النائب العام فامتنع عن تحويلها إلى النظر لمدة عام ولما طالبته محكمة القضاء الإداري بالأسباب نفي أن يكون قد تقدم إليه أحد بأى طلب!!
وهو ما دفع محامي طارق الزمر إلى تقديم طلب جديد إلى النائب العام على يد محضر بعد أن فشلت كل الجهود في إقناع النائب العام بإصدار قرار بالإفراج عن طارق أو تحديد جلسة لنظر أمر الإفراج عنه حسب تعبير أسرة طارق الزمر وهذا الأمر اضطر هيئة الدفاع إلى مخاصمة النيابة العامة وهي الدعوى المنظورة الآن .

وفي آخر ظهور لطارق أمام الإعلام في إحدي جلسات المحكمة العام الماضي قال:

إنه برغم مرور أكثر من ربع قرن علينا في السجون المصرية إلا أننا نعلن أن السنين لم تزدنا غير استمساك بالإسلام الذي هو دين الله الحق ولم تزدنا إلا إيمانا بشريعة الإسلام التي تفوقت على كل الشرائع؛
ولم تزدنا غير يقين بنصر الله القادم والقريب وستفشل كل مخططات أمريكا لوأد إرادة الإسلام في هذه المنطقة وستشهد كل العواصم العربية والإسلامية ازدهارا واتساعا لمظاهر الصحوة الإسلامية المعاصرة وستشهد المنطقة الإسلامية حقبة جديدة من حقب العز والكرامة .
كما طالب طارق الزمر بإقالة بطرس غالي الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان واستنكر أن يكون على رأس مجلس كهذا رجل متهم بالمساعدة بالسلاح في مذابح رواندا عندما كان وزيرا للدولة للشئون الخارجية كما أنه متهم بالتستر على مذابح البوسنة والهرسك عندما كان أمينا عاما للأمم المتحدة على حد تعبير طارق الزمر .
وأعلن طارق الزمر على لسان أسرته بأنه يستعد هذه الأيام لرفع دعوي قضائية جديدة يطالب فيها بحل المجلس القومي لحقوق الإنسان لعدم قيامه بمهامه فضلا عن تستره على الجرائم التي ترتكب بشأن حقوق الإنسان في مصر وهو ما يستوجب محاسبة أعضائه ورغم تعقد قضية طارق الزمر سياسيا الأمر الذي حال دون الإفراج عنه هو وعبود الزمر حتى الآن رغم انقضاء مدة عقوبتهما منذ عام 2001م ورغم الإفراج عن جميع زملائهما دون أى استثناء إلا أنهما ما زالا يقفان موقفا صلبا متمسكين في ذلك بجميع مبادئهما حتى إن طارق الزمر رفض عرضا بالإفراج عنه شريطة أن يوافق على إجراء حوار صحافي مع الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد.

د. عمر عبد الرحمن

"مفتي تنظيم الجهاد" .... هذا هو اللقب الذي اشتهر به دكتور عمر عبد الرحمن منذ اتهامه في أكتوبر 1981 بالإفتاء بكفر الرئيس السادات وأيضا أطلق عليه قادة التيار الجهادي في مختلف أرجاء العالم بالشيخ المجاهد ونظرا لدوره البارز وتقديرا منا لظروف محنته الحالية في السجون الأمريكية خصصنا له الصفحات التالية .

د. عمر أحمد عبد الرحمن ولد بقرية بالجمالية في محافظة الدقهلية بمصر سنة 1938, وفقد البصر بعد عشرة أشهر من ولادته وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره كان قد أتم حفظ القرآن الكريم كاملا , ثم التحق بالمعهد الديني بدمياط ودرس به أربع سنوات حصل بعدها على الشهادة الابتدائية الأزهرية ثم التحق بمعهد المنصورة الديني ودرس فيه حتى حصل على الثانوية الأزهرية عام 1960, ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة [[الأزهر الشريف]] بالقاهرة ودرس فيها حتى تخرج منها في 1965 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف .

بعدها تم تعيينه في وزارة الأوقاف إماما لمسجد في إحدي قري الفيوم ثم حصل على شهادة الماجستير وعمل معيدا بالكلية مع استمراره بالخطابة متطوعا حتى قامت الإدارة بإيقافه عن العمل في الكلية عام 1969م بسبب آرائه السياسية وفي أواخر تلك السنة رفعت عنه عقوبة الإيقاف لكن تم نقله من وظيفة معيد بالجامعة إلى إدارة الأزهر بدون عمل .

واستمرت المضايقات الأمنية له دون انقطاع حتى تم اعتقاله في 13 أكتوبر 1970 بعد وفاة الرئيس السادات بسبب إفتائه في خطبة الجمعة بعدم جواز صلاة الجنازة على عبد الناصر باعتباره كافرا, فتم اعتقاله بسجن القلعة لثمانية أشهر حتى أفرج عنه في 10 يونيو 1971 .

وبعد الإفراج عنه ورغم كل المضايقات الأمنية التي تعرض لها بعد خروجه من السجن إلا أنه واصل دراساته العليا فتمكن من الحصول على الدكتوراه, وكان موضوعها " موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة " وحصل على رسالة العالمية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف إلا أنه تم منعه من التعيين كمدرس بجامعة الأزهر .

واستمر المنع حتى صيف 1973عندما استدعته جامعة الأزهر وأخبرته بوجود وظائف شاغرة بكلية البنات وأصول الدين وتم تعيينه في فرع جامعة الأزهر بأسيوط وفي عام 1974 أرادت زوجة الرئيس الزوجات ويمنع الطلاق إلا على يد القاضي ووقف العديدون ضد هذا القانون,

وكان د. عمر عبد الرحمن واحدا من هؤلاء المعارضين وكان حينئذ مدرسا بكلية أصول الدين بأسيوط فقاد مسيرة من طلاب فرع جامعة الأزهر بأسيوط التقت مع مسيرة أخرى لطلاب جامعة أسيوط عند مبني المحافظة وسلم د. عمر إلى محافظة أسيوط وثيقة احتجاجية باسم الجامعتين تعترض على هذا القانون لأنه مخالف للشريعة الإسلامية وطالب بمنع إقراره.

وقد ظل دكتور عمر مدرسا بكلية أصول الدين بأسيوط حتى عام 1977 حيث أعير للتدريس بكلية البنات بالرياض حتى سنة 1980 حيث عاد إلى مصر عندما شعر أنه مضيق عليه أمنيا بالمملكة السعودية.

وفور عودته أصبح أحد أبرز المحاضرين في الندوات الدينية التي كان يقيمها شباب الجماعات الإسلامية في جامعات بني سويف (كانت وقتها تسمى جامعة القاهرة فرع بني سويف) والمنيا وأسيوط وصار وجها معروفا بمعارضته الشديدة لنظام الرئيس السابق أنور السادات ومن هنا رشحه كرم زهدي لقيادة تنظيم الجهاد الذي كان اندمج لتوه بقيادة محمد عبد السلام فرج مع مجموعة الصعيد ورغم أنه كانت هناك ترشيحات أخرى إذ كان عبود الزمر يرجح رفاعي سرور

وكان آخرون يرجحون حافظ سلامة لكن كل منهما رفض فاستقر الأمر على اختيار دكتور عمر ليصير زعيما ومفتيا للتنظيم الجديد ورغم أن الخلافات ما لبثت أن دبت بين تنظيم الجهاد ومجموعة الصعيد بقيادة كرم زهدي الأمر الذي أدي إلى انقسامهما إلى تنظيمين مختلفين مرة أخرى إلا أن دكتور عمر ظل شخصية محترمة من كل الأطراف بسبب علمه ومواقفه الصلبة في مواجهة النظام الحاكم رغم ظروفه الصحية .

وفي سبتمبر 1981 صدر ضد دكتور عمر عبد الرحمن قرارا بالاعتقال ضمن قرارات التحفظ المشهورة فتمكن من الهرب حتى تم القبض عليه في أكتوبر 1981وتمت محاكمته في قضية اغتيال السادات أمام المحكمة العسكرية بتهمة التحريض على اغتيال الرئيس السادات فبرأته المحكمة لكنه ظل محبوسا حيث تم تقديمه مرة أخرى لمحكمة أمن الدولة العليا بتهمة قيادة تنظيم الجهاد وتولى مهمة الإفتاء بالتنظيم, وحصل على البراءة أيضا في هذه القضية وفي أثناء فترة سجنه التي استمرت ثلاث سنوات؛

ودأب د. عمر عبد الرحمن على الاجتهاد في كل أنواع الطاعات من الصيام وقيام الليل ونحو ذلك , وقد كان يداوم على قيام الليل بجزء كامل من القرآن كل ليلة حتى إن بعض إخوانه كانوا يتعبون من متابعتهم له بل كان البعض يتهرب من الصلاة خلفه هذا وهو يومها كهل مصاب بعدة أمراض , وهم شباب في العشرينات من أعمارهم .

وفي السجن قاد عبود الزمر جبهة واسعة من كل المجموعات الجهادية وكان من أهدافها استغلال الزخم الإعلامي المصاحب لعملية محاكمة تنظيم الجهاد من أجل إعلان فكر الجهاديين والترويج له وأيد د. عمر الفكرة لكنه فوض الأمر لعبود الزمر ومعه بقية القادة لكنه بعد ذلك تردد في قبول فكرة الترافع في المحكمة إعلانا للفكر الجهادي حسب تخطيط عبود

وعندئذ استعان عبود بقادة الجماعة الإسلامية (مجموعة الصعيد) كي يقنعوه بالفكرة فاقتنع ونفذها بجراءة منقطعة النظير وأعلن بوضوح في هذه المرافعات موقفه من أنظمة الحكم التي لا تطبق الشريعة الإسلامية وفقدانها للشرعية بسبب امتناعها عن تطبيق شرع الله حسب رأيه حتى كان محاموه يشفقون عليه من أن تتخذ أقواله تلك دليل إدانة ضده فكانوا يتدخلون ليقولوا للمحكمة إنه لا يقول هذا الكلام بصفته متهما في القضية وإنما بصفته واحدا من علماء المسلمين

وقد تم طباعة هذه المرافعات فيما بعد بدار الاعتصام بالقاهرة بعنوان " كلمة حق " وهذا هو تأبه ما زالت تروجه المواقع الجهادية على الإنترنت حتى الآن بجانب رسالته للدكتوراه.

ورغم أنه لم ينغمس كثيرا في الخلاف الذي دار بين مجموعة الصعيد من جهة وسائر المجموعات الجهادية من جهة أخرى بشأن ما سمي وقتها بولاية الضرير إلا أنه انحاز فيه إلى جانب مجموعة الصعيد وصار منذئذ أمير التنظيم الذي أنشأته حينئذ مجموعة الصعيد واشتهر فيما بعد باسم " الجماعة الإسلامية " ورغم انحيازه هذا ظل حتى الآن محترما من جميع الأطراف بسبب موافقه التي كانت وما زالت تلهب حماس الجهاديين بجميع أطيافهم رغم اعتراضهم على توليه الإمارة بسبب ظروفه الصحية .

وخرج د. عمر من السجن في 2 أكتوبر 1984,وعاد مرة أخرى لممارسة دوره في الدعوة والعمل الإسلامي في إطار الجماعة الإسلامية وحاولت الأجهزة الحكومية الحد من حركته الدؤوبة فعرضوا عليه أن يولوه الخطابة في مسجد كبير بمدينة الفيوم التي كان يقيم فيها وكان هدفهم من ذلك تحجيمه في نطاق الفيوم فقط بطريقة غير مباشرة كما فعلوا مع غيره من الدعاة المشهورين حينذاك وقد فهم الشيخ عمر عبد الرحمن ذلك فرفض ذلك العرض مفضلا أن يكون داعية حرا يجوب البلاد.

وفي عام 1986 قام أحد مخبري مباحث أمن الدولة بإطلاق الرصاص على شاب اسمه شعبان راشد وهو يهم بإلصاق إعلان عن محاضرة دكتور عمر عبد الرحمن رأي أنه لا يصح التورط في أى عمل يجر الشباب إلى معركة مع الشرطة بل إنه ذكر في مؤتمر عقد بتلك المناسبة أنه علم أن الشباب ينوون الخروج عقب المؤتمر بمسيرة تجوب أرجاء المدينة وناشدهم أن لا يفعلوا ذلك وأن ينصرفوا في هدوء حتى لا يتخذ ذلك ذريعة لتدخل أمني .

وجاءه بعد المؤتمر مجموعة من رجال الأزهر مبعوثين من قبل محافظ أسيوط الذي قال بحسب روايتهم إنه يريد شكر الشيخ على منعه الشباب من القيام بتلك المسيرة حيث حمى بذلك البلد من شر كبير وقالوا له (إن المحافظ يريد أن يقابلك ليشكرك بنفسه).

لكن دكتور عمر أصر على رفض هذا العرض ولما رأوا إصراره عرض شيخ المعهد الديني بأسيوط أن يتم لقاءه بالمحافظ في بيته هو أى بيت شيخ المعهد لكن الشيخ أصر علي رفضه وحدثهم بما لا يعرفونه عن هذا المحافظ؛

وأنه كان من قبل مسئولا أمنيا كبيرا في مدينة بور سعيد وكان يقوم بنفسه بتعذيب شباب الإسلاميين هناك حتى إنه ضرب أحدهم على خصيتيه ضربا شديدا وقال الشيخ لهم إنه لا يمكنه أن يصافح يدا يعلم أنها أوقعت أذي بمسلم .

واستمر د. عمر ناشطا في الجماعة الإسلامية كأى شاب بل أنشط من الشباب أنفسهم متحملا ما يلقاه في سبيل ذلك من التضييق والاعتقال حتى فرض الأمن عليه حصارا منع بمقتضاه من الخروج من مدينة الفيوم ولكنه واصل في هذا الحيز الذي حدوده له كما كان يسجل بعض الأشرطة ويرسلها إلى المناطق الأخرى .

وكان أحيانا يتنكر ويقوم بالتسلل إلى خارج الفيوم متنقلا بين محافظات الصعيد وقام في سبيل ذلك بالعديد من المغامرات التي يتخوف من القيام بها المبصرون ومن ثم فقد فرض عليه الأمن الإقامة الجبرية فمنعوه من الخروج من منزله إلا إلى المسجد القريب للصلاة مأمونا فيه ثم انتهي الأمر أخيرا بمنعه من الخروج من منزله أصلا .

وفي تلك الفترة أرسل أكبر ولدين له للقتال في أفغانستان وقد كان في مقتبل العمر فلم يزد عمر أكبرهما حينذاك عن ستة عشر عاما هذا مع حاجته وحاجة الأسرة إليهما إذ كان بقية أولاده لا يزالون أطفالا صغارا.

وبعد ذلك سمح له الأمر بالسفر لأداء العمرة ومن هناك سافر إلى عدة دول منها بالطبع باكستان حيث التقي بقادة الجهاديين في معسكرات العرب في بيشاور وكانت محطته قبل الأخيرة في السودان حيث تمكن من الحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة من السفارة الأمريكية في الخرطوم عام 1990 ومنها غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية

حيث تم الإيقاع بدكتور عمر عبر المباحث الفيدرالية الأمريكية هناك وذلك بدفع شخص من أصل مصري للعمل على توريطه في قضية اعتبر أتباع دكتور عمر عبد الرحمن أنها من إعداد المباحث الفيدرالية الأمريكية انتهت بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة استنادا إلى قانون قديم لم يطبق منذ الحرب الأهلية الأمريكية .

ومن غرائب هذه القضية أنه كان من بين الأشرطة السمعية التي قدمتها المباحث الفيدرالية للمحكمة على أنها من أدلة الإدانة شريط تم تقديمه للمحكمة بطريق الخطأ,وهو يحوى مكالمة هاتفية بين ضابط من المباحث الفيدرالية والعميل المصري المدعو عماد سالم وفيه يشرح الضابط لذلك العميل كيف يمكنه الإيقاع بدكتور وتوريطه في القضية وأن عليه أن يحاول استدراجه للحصول منه على أقوال يمكن أن تعد جرائم يعاقب عليها القانون .

واعتبر دفاع دكتور عمر وأتباعه أن هذا الشريط وحده كان كافيا لنسف كل التهم الموجهة لدكتور عمر عبد الرحمن, على أساس أن القانون الأمريكي يمنع استدراج شخص لإيقاعه في خطأ يحاسب عليه القانون لكن القاضي لم يأخذ بهذا الدفاع .

ومن غرائب هذه القضية أيضا أن هيئة المحلفين قد برأت د. عمر من قضية محاولة تفجير " مركز التجارة العالمي " ومن كل التهم المنسوبة إليه باستثناء تهمتي التحريض على اغتيال الرئيس مبارك في أثناء زيارة كانت مقررة وقت ذاك إلى نيويورك والتحريض على قتال الجيش الأمريكي والشكوك تحيط من كل جانب باعتبار الأقوال المنسوبة إلى الدكتور تحريضا بالمعني القانوني .

لكن على كل حال فالرئيس مبارك لم يزر نيويورك في تلك الفترة كما أنه لم تحدث أية هجمات ضد الجيش الأمريكي, بل لم يتم الشروع في أى من " الجريمتين " فكانت عقوبة التحريض على جريمة لم تتم, بل لم يشرع فيها هي السجن مدى الحياة مع حرمان دكتور عمر من حق المتهم في الإفراج عنه بعد مضي نصف المدة إذا كان حسن السير والسلوك وهو الحق المقرر في القانون الأمريكي وغيره من القوانين المعاصرة ؟!

إذن لقد استقر المطاف بدكتور عمر عبد الرحمن في سجون أمريكا منذ عام 1993 وحتى الآن .

وإثر صدور الحكم على دكتور عمر عبد الرحمن بالسجن في الولايات المتحدة أصدر تنظيم الجهاد بقيادة أيمن الظواهري بيانا يهدد فيه بضربات انتقامية ضد حكومات مصر وإسرائيل والولايات المتحدة لكن شيئا من ذلك لم يحدث وإثر احتلال العراق واستطاع نشاط الجهاديين هناك نشرت العديد من المواقع الجهادية على الإنترنت مقالات تدعو الجهاديين في جميع أنحاء العالم خاصة في العراق لأسر أمريكيين وافتدائهم بدكتور عمر ولو اقتضي الأمر افتدائه بألف أمريكي حسب تعبير أحد المقالات

كما دأب رموز الجهاديين من مختلف الجنسيات مثل أيمن الظواهري وأبو محمد المقدسي وغيرهما على التذكير بما يسمونه محنة سجن دكتور عمر الذي اعتبروها جزءا من محنة الأمة الإسلامية وغذي من هذه المشاعر التقارير المتعددة التي تتواتر من حين لآخر عن أن دكتور عمر عبد الرحمن يلقي في السجن معاملة مهينة وتعذيبا معنويا بالغا ومنعا من الرعاية الصحية والإنسانية رغم أنه رجل ضرير طاعن في السن يعاني من العديد من الأمراض المزمنة؛

فضلا عن أنه عالم من علماء المسلمين وما زال دكتور عمر يتمتع باحترام وتقدير بالغ من قبل الجهاديين البارزين على مستوى العالم ليس بسبب علمه فقط ولكن بسبب موقفه المتحفظ على مبادرة وقف العنف منذ صدورها من قادة الجماعة الإسلامية رغم صعوبة الظروف التي يعانيها في السجن .

ورغم ذلك فما زال قادة الجماعة الإسلامية يعلنون احترامهم وتقديرهم له ويطالبون بالإفراج عنه ويخصصون له جانبا مهما من منتداهم على موقع الجماعة على شبكة الإنترنت وذلك ليس فقط لأنهم جميعا تتلمذوا عليه ولكن أيضا لأنه كان وما يزال يمثل لهم قيمة معنوية كبرى .

ولم تقتصر مطالبة الإفراج عن دكتور عمر على الجهاديين وعلى الجماعة الإسلامية بل طالبت أصوات عديدة من الإخوان المسلمين بالإفراج عنه عبر مواقعهم على الإنترنت أيضا ويبلغ دكتور عمر الآن 71 عاما ومع ذلك لم ترسل الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن أية إشارة تدل على قرب الإفراج عنه .

القسم الثاني: الحركة الإسلامية وآفاق المستقبل

استشراف مستقبل الحركة الإسلامية المصرية أمر صعب ليس فقط للصعوبات التي عادة ما تقترن بالدراسات المستقبلية ولكن أيضا بسبب وجوب أن يشمل ذلك العديد من الجوانب العقيدية والدعوية والتربوية والفقهية والاجتماعية والنفسية والسياسية وبقدر ما الإحاطة بكل هذه الجوانب يستلزم مزيدا من الوقت والجهد والمعلومات؛

فهو أيضا يساعد على توضيح الآفاق المستقبلية بقدر أقل من الجهد ولكن هذه الدراسة سوف تركز على الجوانب السياسية بشأن واقع الحركة الإسلامية ومستقبلها في مصر أو بعد الانتهاء من قراءة هذا القسم من الدراسة قد يري بعض القراء أننا اعتمدنا على أسس قاسية في التقييم؛

لكننا نود أن نشير إلى أننا لو كنا وقعنا في ذلك فإنه من باب حبنا للحركة الإسلامية وحرصنا على تطويرها وتحقيقها لأهدافها في اقرب وقت وبأقل خسائر كما أننا لم نهتم بتقديم الأعذار للحركة الإسلامية لأننا لسنا بصدد الدفاع عن الحركة الإسلامية ولكننا بصدد تقييمها بهدف تطويرها في إطار من استشراف مستقبلها فالكاتب ليس محاميا وإنما محللا سياسيا ولا شك أن صديقك من صدقك النصح وليس من قام بالتصديق على كل ما تقوم به وكذلك فالكاتب هو أحد أبناء الحركة الإسلامية وقد عاني وما زال يعاني همومها وليست النائحة كالثكلي .

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل .

الفصل الأول:الحاضر

سنركز في هذا القسم على عدد من الجوانب التي نظن أنها ستعطي صورة مناسبة عن واقع الحركة الإسلامية المصرية السياسي بنجاحاته وإخفاقاته على حد سواء بشكل مجمل وسوف يلاحظ القارئ أن بعض هذه الجوانب تتعلق بالواقع الفقهي أو الدعوى أو التربوي وقد يتساءل ما علاقة هذه الجوانب بموضوع الدراسة التي حددنا مجالها بالجانب السياسي فقط ولذلك نشير هنا إلى أن هذه الجوانب سوف نتناول إن شاء الله تعالي الأخرى والتي لا شك أن محل تناول سيكون في دراسات أخرى إن شاء الله تعالي .

أولا الفكر الفقهي:

ونقصد به الفقه بمفهومه الاصطلاحي المعروف والذي يعنينا منه هنا هو تأثيره السياسي.وقد أنجزت الحركة الإسلامية عبر جماعاتها المختلفة في هذا المجال عددا من الإنجازات غير المكتملة فهي رسخت فكرة تنوع المذاهب الفقهية وتكاد تكون آفة التعصب لمذهب فقهي ما باعتباره الوحيد الواجب الإتباع (كما كان عليه الحال في عصور التقليد والجمود الفقهي) قد زالت كما أن الدعوة لتقديم مقتضي الدليل على آراء المذاهب المخالفة للدليل قد انتشرت .
وهذه كلها أمور مفيدة لتحقيق المرونة الفقهية المنضبطة لما لذلك من آثار سياسية في مجالات تعزيز وحدة المسلمين وتوسيع هوامش الخيارات السياسية الممكنة والمتاحة .
لكن هذه الإنجازات لم تكتمل بعد بسبب أن التعصب للفكر الحركي والدعوي والكيان التنظيمي (وهو مفترض أن يكون محكوما بالأحكام والقواعد الفقهية أيضا) قد حل محل التعصب للمذاهب الفقهية القديمة كما أن دعاة إتباع الدليل وعدم التقيد بمذهب فقهي ما من المذاهب الأربعة قد تعصبوا لدليلهم وصار تعصبهم بديلا للتعصب للمذاهب الفقهية القديمة علما أن كوننا نتبع الدليل لم يعد علامة على التوحد إذ عادة ما يجد كل شيخ أو باحث أدلة تؤيد رأيه الفقهي المختلف عن رأي غيره المؤيد بدليل آخرا
وهذا التعدد هو من ثوابت الإسلام حتى رأى بعض الأصوليين كأبي حامد الغزالي وغيره أن الحق في الأحكام الفقهية متعدد بتعدد اجتهادات المجتهدين ولكن دعاة إتباع الدليل في عصرنا تبنوا رأي أصولي آخر (وهو موجود لدى بعض الأصولويين أيضا وهو طبعا رأي مهم ومحترم) هو أن الحق واحد في مسائل الفروع الفقهية وليس الضرر في هذا كله إنما الضرر في التعصب للرأي الفقهي والذي أنتج قدرا من الفرقة بين المسلمين بما له من آثار سياسية مدمرة على الحركة الإسلامية وانجازاتها .
وزاد من سلبيات هذه العملية أن أدب الاختلاف الفقهي بين أبناء الحركات الإسلامية لم يترسخ بعد ورغم كثرة الكلام فيه والكتابة حوله فما زال التعصب والإعجاب بالرأي سيد الموقف بما لذلك من آثار سياسية سلبية على وحدة المسلمين وتعاون الحركات الإسلامية واستفادتها من بعضها البعض كل في مجال خبرته وتخصصه .
الجانب الأخير السلبي في مجال التفكير الفقهي لدي الحركة الإسلامية المصرية المعاصرة هو الجمود في مجال الاجتهاد الفقهي بشأن السياسة الشرعية فالسياسة الشرعية في حقيقتها هي جزء من الفقه فأحكامها محكومة بعلمي أصول الفقه والقواعد الفقهية ورغم اهتمام الحركة الإسلامية بمجال الكتابة في السياسة الشرعية؛
إلا أن أغلب الكتابات ارتكزت على الكتابات القديمة في هذا المجال ما بين إعادة صياغة أو اختصار أو شرح أو الدوران في فلكها في محاولة غالبا ما فشلت في الاقتراب من الواقع الحالي وحتى المحاولات التي تجرأت على الاشتباك مع واقعنا الحالي فهي اقتصرت على أبواب ما يصنف الآن باسم القانون الدستوري أو القانوني الدولي بسبب وقوعها في أسر كتب السياسة الشرعية التي وضعها السلف الصالح في عصور وظروف مختلفة وهذا هو حال الأغلب الأعم ولا عبرة بالنادر .
وبالتالي لا نجد قدرا كافيا من الكتابات في السياسة الشرعية في مجالات السياسة التطبيقية أو التحليل السياسي أو الاستراتيجية أو السياسة أو الاستراتيجية أو السياسة الخارجية أو العلاقات الدولية التطبيقية أو الحكومات المقارنة وأدوات العمل في كل هذه المجالات وقواعد التحليل فيها وقد انعكس ذلك كله ليس فقط على ضعف الحركة الإسلامية في مجال الفكر السياسي الإسلامي المعاصر بل أيضا على ضعف الأداء السياسي بل والوعي السياسي العام لدى كافة جماعات الحركة الإسلامية المصرية المعاصرة وما نتج عن ذلك كله من هزائم وخسائر وإخفاقات.

ثانيا الفكر السياسي:

لقد تعرضنا في النقطة السابقة بدرجة ما لحالة الفكر السياسي لدى الحركة الإسلامية المصرية من خلال تعرضنا للفكر الفقهي ولكن لابد من إكمال الصورة هنا بشكل أكثر تركيزا لقد أدت ثورة الإنترنت لتعزيز فرص الحركة الإسلامية في الحصول على المعلومات السياسية وما يتعلق بها كما سهلت إنشاء العديد من الصحف الإلكترونية الإسلامية التي اهتمت بمتابعة الشئون السياسية والكتابة فيها؛
ورغم ذلك فما زال الكثير من الباحثين والكتاب السياسيين الإسلاميين يغلب على كتاباتهم تجميع المعلومات وتنسيقها فقط عبر مقال أو بحث وربما أضافوا لذلك رأيا عابرا لا يفيد في تشكيل أو ترشيد أو توجيه أجندة سياسية إسلامية متكاملة عمليا في أرض الواقع فقد غاب عن الأغلبية أن التفكير والبحث والكتابة السياسية الحقيقية والمفيدة هي التي ترتكز على أربعة محاور مجتمعة:
  1. وصف المشكلة وصفا دقيقا عبر تجميع المعلومات وتدقيقها وتحقيقها وتحليلها وربطها بجذورها التاريخية على مختلف المستويات وفي سائر المجالات ذات الصلة .
  2. تحديد بدائل وخيارات حل هذا المشكلة أو المشاهد المتوقعة بشأن حلها .
  3. تحديد الفرص المتاحة والمخاطر المحدقة المتوقعة بشأن حلها .
  4. تحديد الفرص المتاحة والمخاطر المحدقة المتوقعة في كل مرحلة من مراحل تطور هذه المشكلة ومستقبلها.
ونظرا لغياب هذا المستوى من التفكير السياسي فإن مستوي الوعي السياسي العام لدى أبناء الحركة الإسلامية بمختلف مستوياتهم لم يرق للمستوى المأمول كما أن الفكر السياسي الإسلامي نفسه ما زال دون المستوى اللازم لتحقيق استجابة مناسبة لحجم ونوعية التحديات المفروضة على الأمة الإسلامية بعامة وعلى مصر بشكل خاص .

ثالثا الأداء السياسي:

انعكست الأمور السابقة كلها سلبا على الأداء السياسي للحركة الإسلامية بمختلف جماعاتها إجمالا ولكن هناك ظاهرة خطيرة لابد من إفرادها هنا بالتفصيل وهي حالة الجمود والعجز السياسي المسيطر على قادة الحركة الإسلامية .
إن القائد ذا المستوى الضعيف هو الذي يستغل جزءا محدودا فقط من الفرص المتاحة له للعمل والحركة لتحقيق أهدافه ويتجنب قدرا محدودا من المخاطر المفروضة عليه فهو يفشل في اقتناص أكثر الفرص المتاحة له كما يفشل في تجنب أغلب المخاطر التي تواجهه فيقع في براثنها فتأخذ منه المفاسد والخسائر كل مأخذ أما القائد الجيد فيستغل كل الفرص المتاحة له للعمل والحركة لتحقيق أهدافه ويتجنب جميع المخاطر المفروضة عليه في هذا الصدد؛
بينما نجد أن القائد الماهر هو من يفعل ذلك ويضيف له أنه يتحايل تارة ويضغط تارة أخرى لاقتناص الفرص البعيدة وصعبة المنال واستغلالها بجانب تجنب جميع المخاطر الناتجة عن ذلك في حين نلاحظ أن القائد النابغ هو من يفعل كل الذي يفعله القائد الجيد وأيضا القائد الماهر
ويزيد عليهما أنه يمكنه عبر مزيج من الضغط والتحايل أن يصنع فرصا غير موجودة ولا متاحة أصلا ويستغلها متجنبا مخاطر ذلك كله ويؤسفنا أن نلاحظ أن كل قادة الحركة الإسلامية حتى الآن لم يستغلوا جميع الفرص المتاحة فضلا عن أن يتمكنوا من صناعة مزيد من الفرص غير المتاحة وعادة ما يتعثرون أمام أغلب المخاطر التي تعترض طريقهم .
والتأمل السياسي الدقيق لواقعنا يظهر ذلك بجلاء وبالتالي فالحركة الإسلامية المصرية لديها أزمة بالغة في القيادة .

رابعا الدعوة في أبعادها السياسية:

الدعوة لها أبعاد فقهية وتنظيمية وإعلامية واجتماعية ونفسية وسياسية ولكن الذي يخصنا في هذه الدراسة القصيرة هو أبعادها السياسية .
فالنشاط الدعوى الإسلامي الصحيح يعطي قوة للكيان كما يتيح تأثيرا سياسي إسلاميا أو المقصود بالصحة هنا هو تحقيق الأثر السياسي المرجو فالدعوة الصحيحة هي التي تحقق اختراقا حقيقيا لحالة الانحراف الاجتماعي العامة الموجودة في واقعنا فالدعوة الإسلامية التي لا تخل بالتوازن المجتمعي والسياسي الحالي ولا تحوله لصالح الإسلام هي دعوة ضعيفة وعاجزة .
لقد نجحت الديكتاتورية العلمانية القائمة في مصر منذ الاحتلال البريطاني 1882م في ترسيخ توازن قوى مجتمعي قائم على وجود نسبة محدودة من المتدينين (الذين بات يطلق علي نشطائهم اسم " الإسلاميون ") لا تملك القيام بتأثير فعال في مجريات الأمور العامة مهما كان نشاطها وارتفاع صوتها مع وجود نخبة محدودة من العلمانيين لكنهم يملكون مقاليد السلطة والقوة؛
بينما بقية المجتمع هم كتلة صامتة وسلبية إزاء الشئون العامة خاصة شئون الحكم والسياسة وكلما لاح في الأفق نذير اختلال لهذا التوازن فإن القوي العلمانية الداخلية والخارجية الساهرة عليه تقوم بإعادة التوازن إلى سابق عهده بالحيلة حينا وبالقوة والقمع في أغلب الأحيان مع ملاحظة أن هذا القمع قد يتستر بغطاء من القوانين والقرارات الرسمية .
الدعوة الإسلامية التي قامت بها الحركة الإسلامية في مصر بمختلف فصائلها طوال القرن الأخير تحركت في أغلب الأوقات في إطار لم يهدد هذا التوازن القائم فالدعوة لم تنجح في اختراق المنظومة المسيطرة على مقدرات القوة السياسية في البلاد اللهم إلا في حالات نادرة وحتى في الحالات النادرة التي نجحت في ذلك فإن المدعو عادة ما نجده قد زهد في مكانته الاجتماعية أو السياسية وتخلي عنها ظنا منه أن هذا من مقتضيات الالتزام الإسلامي فتخلي بذلك عما كان يملكه من قوة.
وكذلك فالحركة الإسلامية لم تنجح في تحقيق اختراق واسع وفعال للكتلة الصامتة من أغلبية الشعب وربما كاد هذا الاختراق أن يحدث مرة واحدة في تاريخنا المعاصر في نهاية السبعينيات من القرن الميلادي الماضي بفعل الحركة الدعوية التي قامت بها كل من " جماعة التبليغ والدعوة " ومجموعات إسلامية عديدة استخدمت التكتيكات الدعوية لـ " جماعة التبليغ والدعوة " مع إدخال بعض التعديلات الفقهية لتلافي أخطائهم في هذا المجال؛
لكن سرعان ما أدت أحداث الصدام مع النظام الحاكم بجانب عوامل عديدة إلى ترسيخ سياسات حكومية تقيد حركة الدعوة بصفة عامة وتمنع هذه التكتيكات بصفة خاصة وذلك كله في إطار إستراتيجية حكومية ضد الحركة الإسلامية مستمرة بشكل واضح منذ عام 1986 وحتى الآن وهي أشبه ما تكون بمزيج من إستراتيجيتي " الاحتواء " والردع المرن" المعروفتان في الصراع الدولي .
وقد يظن البعض أن الإنترنت والفضائيات سيتيحان فرص تحقيق اختراق دعوى لكل من الأغلبية الصامتة والنخبة العلمانية ذات القوة السياسية لكن حقيقة الأمر أن هذا مرهون بتطوير هاتين الوسيلتين لأنهما على الوضع الحالي سيوصلان الدعوة لهذه الفئات لكنهما لن يحققا عملية التحول السلوكي الحقيقي لأن هذا التحول يحتاج خطوات وتكتيكات أخرى عديدة مكملة .

خامسا الإعلام الإسلامي في أبعاده السياسية:

(الإعلام الإسلامي هو جزء من عملية الدعوة وهو أيضا جزء من عملية التربية والتعليم الإسلامية ومع ذلك فهو أحد أهم أدوات العمل السياسي أو ذلك من جانبين :
الجانب الأول: أن فاعلية الدعوة والتربية والتعليم بجانب تحقيقها لأهداف الدعوة والتربية والتعليم في جوانبها الإيمانية والسلوكية فهي تحقق الأبعاد السياسية لهذه العمليات بما يثمر قوة سياسية للحركة والعمل الإسلامي في المحصلة النهائية لمجموع هذه العمليات كلها .
الجانب الثاني : أن الإعلام هو في حد ذاته أحد أهم أدوات العمل السياسي فعبره يتم الضغط على الخصوم والدفاع عن الأنصار والمستضعفين وتحقيق العديد من الأهداف السياسية .
ورغم ذلك كله فالإعلام الإسلامي في مصر ما زال يحبو سواء في وظائفه الدعوية والتربوية أو وظائفه السياسية أو حتى إمكاناته التقنية والعملية والذي يهمنا هنا هو جانباه التقني والسياسي .
من الناحية التقنية والعملية لا يوجد في مصر مطبوعة يومية أو حتى أسبوعية تعبر عن الحركة الإسلامية لا في المجال السياسي ولا المجال الدعوي أو توجد مطبوعات قليلة شهرية تقتصر على المجال الدعوي وتوزيعها ضعيف جدا لا يتجاوز بضع آلاف في أحسن تقدير ولا يمكن التذرع بالوجود الإسلامي الواسع على الإنترنت
لأن مجمل مستخدمي الإنترنت في مصر لا يتجاوز الـ 75% من عدد السكان البالغ عددهم 80 مليون نسمة وبحسبة عشوائية بسيطة يمكننا القول أن مرتادي المواقع الإسلامية في مصر سيتراوح بين15 % و2% من مجموع السكان أما الفضائيات الإسلامية فهي على كثرتها النسبية مقتصرة على الجوانب الدعوية والتعليمية ولا تقوم بأى دور سياسي إيجابي بل بالعكس فهي في بعض الحالات تقوم بدور سلبي سياسيا إيجابي؛
بل بالعكس فهي في بعض الحالات تقوم بدور سلبي سياسيا عندما تحاول سحب الناس عن عالم الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى عالم التواكل (الضار) سياسيا بلا شك تحت دعوى الصبر والاعتماد على الطاعة (التي من قبيل العبادات) والدعاء فقط لرفع البلاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي وذلك بالمخالفة لصحيح الفقه الذي يشير إلى أنه لا تنافي بين الأخذ بالأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبين الصبر والدعاء وتحصيل الطاعات التي من قبيل العبادات
هذا فضلا عن ترديد بعض مشايخ الفضائيات من حين لآخر لأفكار ضارة سياسيا بشكل مباشر مثل إعلان بعضهم تحريم عدد من أساليب العمل السياسي تحديدا كالمظاهرات أو إعلانهم مواقف سلبية من بعض التحركات السياسية الإسلامية ومن أمثلة ذلك إعلان أحدهم موقفا رافضا لمقاومة حماس وسلوك المسلمين المناصرين لها في العالم العربي مع دفاعه عن موقف الحكام العرب أيام حرب إسرائيل على غزة في يناير 2009م
ومن هنا فالحركة الإسلامية في مصر ربما منذ 1954 م وهي تفتقر لامتلاك وسائل وأدوات إعلامية كافية من حيث الكم والنوع والفعالية السياسية كي تتكأ عليها في تحقيق أهدافها السياسية أو حتى الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الشرسة التي تنصب عليها ليل نهارا ورغم أن الكثيرين يتذرعون بالعوائق القانونية التي تضعها الحكومة العلمانية القمعية
أما التصريح بمطبوعة أو فضائية سياسية إسلامية إلا أن العائق الحقيقي في رأينا هو عدم وجود إرادة حقيقية لدى المتنفذين وأصحاب الأموال من أبناء الحركة الإسلامية في إنشاء وإدارة مطبوعات وفضائيات سياسية إسلامية وهو ما نعتبره بمثابة حياة أو موت سياسي بالنسبة للحركة الإسلامية المعاصرة في العالم بعامة وفي مصر بخاصة.

سادسا التربية الإسلامية في أبعادها السياسية:

رغم أن التربية الإسلامية لها وظائف ونتائج إيمانية وسلوكية إلا أنها لها ثمار ونتائج سياسية إسلامية أيضا إذ عندما يكون الجسد متمثلا لعقيدة وسلوك إسلامية أيضا إذ عندما يكون الجسد متمثلا لعقيدة وسلوك الإسلام فإنه يصير أكثر قوة بالمفهوم الشامل للقوة والذي يشمل فيما يشمل القوة السياسية والإستراتيجية
كما أن هذا الجسد الملتزم حقا وصدقا بهذه العقيدة وذلك السلوك يصير أكثر فاعلية وتأثيرا في كل أعماله بما في ذلك العمل السياسي أن كثيرا من الأدواء العقيدية والأخلاقية هي أيضا وبال على العمل السياسي الإسلامي فالتواكل أو الجبرية أو الكبر أو الحسد أو الإعجاب بالرأي أو الاستبداد في اتخاذ القرارات أو إسناد المسئوليات لغير أهلها أو الفساد المالي ( كالرشوة أو الغش أو أكل أموال الناس بالباطل ... الخ) أو الإهمال وعدم إتقان العمل كلها أدواء عقيدية وسلوكية لكنها أيضا أدواء سياسية ذات أثر مدمر على السياسة الإسلامية وبعضها مما ابتليت به الحركة الإسلامية المعاصرة .

الفصل الثاني:التحديات السياسية المفروضة على الحركة الإسلامية المصرية

تقصد بهذه التحديات أهم المشكلات التي تمثل عوائق ضخمة في طريق الحركة الإسلامية ولن تتمكن الحركة من القيام بأدوارها وتحقيق أهدافها ما لم تتغلب عليها وبالتالي يتحتم على الحركة التغلب عليها بإيجاد حلول لها من أجل تحقيق الأهداف الإسلامية في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد على حد سواء وتتقسم هذه التحديات إلى تحديات داخلية وأخرى خارجية وسوف نتناول كلا منها على حدة .

أولا:التحديات الداخلية

أزمة القيادة السياسية والإستراتيجية:

وهذا أمر أشرنا إليه في الصفحات السابقة كما أنه أمر مشاهد ويدركه كل متابع للواقع السياسي للحركة الإسلامية المصرية فالحركة الإسلامية المصرية رغم أنها عانت وما زالت تعاني من القمع والكيد والتضييق بكل صورة إلا أنها متاح لها الكثير من الموارد والإمكانات والفرص البشرية والسياسية والاقتصادية ومع ذلك فأى تقدير منصف للموقف السياسي لا يسعه إلا أن يحملها قدرا كبيرا من التقصير في الاستفادة بكل ما هو متاح لها .
وهذا التقصير يتحمله أول من يتحمله القادة السياسيون للحركة الإسلامية المصرية لأنهم هم أصحاب القرار المسئولون عن اقتناص كل متاح لتحقيق أهداف الحركة ومع ذلك فلابد أن نعي أن هؤلاء القادة هم إفراز طبيعي لقاعدة الحركة الإسلامية التي تفتقد أصلا للوعي السياسي ... فكيف لقاعدة كهذه أن تفرز قادة مسيسون بالقدر الكافي إن جاز التعبير ؟
ولما كان محور التغيير في الإسلام هو الذات كما يقول تعالي " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فإن قواعد الحركة الإسلامية غير المسيسين وغير الواعين سياسيا وكذلك قادتها المفتقدون للقدر المناسب من ملكة القيادة السياسية والإستراتيجية هم محور التحدي السياسي والاستراتيجي الأول للحركة الإسلامية المصرية على المدى القريب والبعيد على حد سواء .
مشكلة الجمود وأهمية تطوير الذات: يقول الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (جـ9 ص 52 من إصدار موقع الموسوعة الشاملة) " فمن الناس من يتقيد بلباس لا يلبس غيره أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره أو مشية لا يمشي غيرها أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها؛
وإن كانت أعلي منها أو شيخ معين لا يلتفت إلى غبره وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأولي مصدودون عنه قد قيدتهم العوائد والرسوم والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة فأضحوا عنها بمعزل ومنزلتهم منها أبعد منزل " أ. هـ
وهذا نقرأه جميعا كأنه لا يخصنا لكن في واقع الأمر فإنه يخص الحركة الإسلامية فالحركة الإسلامية ليست معصومة من الخطأ لأنه لا معصوم من الخطأ سوي الأنبياء ثم إجماع علماء الأمة الإسلامية كلهم وبالتالي فنحن معرضون كغيرنا لأن نكون أسري العادات ومن هنا يأتي أحد أبرز التحديات الاستراتيجية التي تواجه الحركة الإسلامية المعاصرة وهو التجديد وتطوير الذات والتجديد أمر مطلوب يقول النبي صلي الله عليه وسلم "إن الله تعالي يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " (رواه أبو داود وصححه الألباني) .
ومن هنا فإن الحركة الإسلامية وقادتها وعلمائها مدعوون أكثر من أى وقت مضي لتذكر أن المقدس الفعلي هو مصادر التشريع كالكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح والمصالح المرسلة وسد الذرائع ونحوها في إطار من الفهم الشامل والدقيق لمقاصد التشريع أما غير ذلك فهو عرضة للبحث والتدقيق فأقوال العلماء إن اختلفوا وعادات وتقاليد المجتمعات ليست مقدسة؛
بل هي معروضة على الكتاب والسنة وسائر مصادر التشريع لمعرفة صحتها ومدى موافقتها للظروف والأحوال وفقا لقواعد الفهم والاستنباط والاستدلال المعروفة لدى أهل السنة والجماعة أو بذا لن نقيد أنفسنا بما ليس بقيد شرعي ولن نطلق أنفسنا إلا حيث أطلقنا الشرع بعيدا عن قيود العادات والآراء التي لم يشرعها دليل ولابد أن لا نغفل عن أزمة الجمود الفكري الحركي موجودة لدى الحركات الإسلامية بما فيها الحركات ذات القدرات والموارد الكبيرة مما يجعلها تسير بطرق لم تتغير منذ عقود ولا تقبل أى تطوير ذى بال حتى الآن .

ضعف فاعلية الوسائل:

من أسباب الضعف الحالي للحركة الإسلامية هو ضعف فاعلية أدوات ووسائل عملها فمثلا الدعوة لا تؤتي الثمار المطلوبة والإعلام كذلك والعمل السياسي له نفس النتيجة الضعيفة وهكذا؛

وقد يقول قائل : إن ذلك بسبب القيود والعوائق التي يفرضها خصوم الحركة الإسلامية عليها ورغم ما لهذا الرأي من وجاهة تبدو لأول وهلة لكنه في واقع الأمر لا يمكن أن يصمد أمام التحليل السياسي الدقيق ذلك أن ألف باء سياسة واستراتيجية وإدارة هو مواجهة والتغلب على أعمال المنافسين والخصوم فليس من المنطق في شئ القول بأن جهود الخصوم أحبطت خططي وأهدافي ... لأن السؤال الذي سيطرح نفسه حينئذ هو ما فائدة السياسة إذن ؟

إذ كيف ندعي أن عملنا السياسي فشل رغم أن العمل السياسي مفترض أنه يعمل في بيئة منافسة أو حتى معادية ؟

ولشرح المسألة أكثر نقول : إنه لا يمكن لقائد حرب ناجح أن يقول لقد هزمت لأن أعدائي سعوا لذلك فهذا الكلام لن يكون مقبولا مهما تسجي بمزيد من الحجج كقطع الإمدادات مثلا أو القيام بحصار ونحو ذلك لأن هذا أمر لابد أن يتوقعه أى قائد والعدو لن يكون عدوا إلا إذا فعل ذلك فالأمر ليس لعب أو مزاح بل هو صراع .

ونفس الشئ ينطبق على السياسة التي نحن بصددها فلا ينتظرن أحد من منافسيه أو خصومه أن يربتوا على كتفه ويهدوا له شرف النصر بلا عناء .

وإذا لم يكن ثم عوائق وقيود تقف دون تحقيق النصر السياسي المأمول فماذا تكون وظيفة القائد ؟

وصدق الشاعر العربي إذ قال:

لا تحسبن المجد تمرأ أنت أآكلة

لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبرا

وقال آخر :

لولا المشقة ساد الناس كلهم

الجود يفقر والإقدام قتال

ومن هنا فعلي الحركة الإسلامية أن تواجه نفسها وتعترف بعدم فاعلية وسائلها وتسعي لتطويرها لأعلي مستوى ممكن عبر التعمق في دراسة وبحث هذه الوسائل بكل جوانبها والاستعانة في ذلك بأكبر الخبرات العالمية وتدريب عناصر الحركة الإسلامية على هذه الأمور على أعلي مستوى متاح علما أن كل شئ في هذا المجال وهذه الدراسات ولا يوجد ثم حظر جازم في هذا المجال من الخصوم وأجهزتهم مثلا .

ضعف التعبئة السياسية الإسلامية : يعتبر ضعف قدرة الحركات الإسلامية المصرية على التعبئة السياسية أحد أهم التحديات التي تواجه الحركة وقد يظن البعض أن هذا الضعف مرده فقط إلى خلل في الأساليب والذي هو فعلا موجود وأشرنا إليه في أكثر من مناسبة في الصفحات السابقة لكن الحقيقة أن هذا ليس السبب الوحيد بل هناك سبب آخر مهم للغاية وهو يمثل خللا هيكليا خطيرا على مستوى الفكر السياسي الذي يحرك الحركة الإسلامية ألا وهو نظرة الحركة لما ينبغي أن تكون ليه طبيعة أنصارها

فما زالت الحركة الإسلامية بكل أطيافها تنتظر أن يكون أنصارها متدينين بدرجة كبيرة وحتى جماعة الإخوان المسلمين التي قد ينعتها البعض بالتساهل في هذا المجال فضلا عن أنها أكثر وضوحا وتحديدا في تصورها عن طبيعة أنصارها ودرجات التزامهم بالجماعة مع كل هذا فالأخوان المسلمون يعتبرون أن أقل درجة مما نسميه نحن بأنصار الحركة هم أعضاء الحلقة المسجدية أى المواظبون ليس على الصلاة في المسجد فقط بل أيضا على حضور حلقات درس في المسجد تديرها الجماعة !

ورغم أن الحركة الإسلامية عندما خاضت أى انتخابات طلابية أو نقابية أو برلمانية فإنها نجحت في تعبئة عدد كبير من المؤيدين لكن هذا القدر من التعبئة غير كاف فالمطلوب أن تكون الحركة الإسلامية قادرة على تعبئة الملايين في اتجاه عمل صعب على النفوس ويحتاج قدر من التضحيات والالتزام مثل المظاهرات والإضرابات والاعتصامات العامة والعصيان المدني والتبرع بقدر كبير من المال لأعمال ذات طبيعة سياسية واضحة كالتبرع بمبالغ كبيرة نسبيا بأعداد كبيرة لوسيلة إعلام سياسية إعلامية أو لتمويل الحركة الإسلامية في انتخابات عامة بشكل علني دون خوف.

هذا النوع من التعبئة ما زالت الحركة الإسلامية عاجزة عنه بسبب تحديدها لطبيعة المناصر بأنه من يجوز درجة من التدين ذات سقف عال نسبيا فالمطلوب من الحركة أن تفسح المجال بل وتسعي لكسب ولاء المؤيدين وتنظيمهم على أساس الولاء للهدف العام للحركة الإسلامية ومنهجها بغض النظر عن مدى الالتزام السلوكي بذلك لا سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يا بلال قم فأذن إنه لا يدخل الجنة إلا رجل مؤمن ,والله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " رواه البخاري ومسلم وغيرهما ولابن تيمية وغيره من العلماء كلام كثير نرى أنه يؤيد هذه الفكرة؛

لكننا لن نطيل هنا بنقل هذه الأقوال لضيق المجال عن هذا وطبعا ليس معني هذا أن تتخلي الحركة الإسلامية عن منهجها أو ضوابطه السلوكية لكن معني هذا أن تستمر الحركة في عملها بالأسلوب الحالي من الاهتمام بالتربية العقيدية والسلوكية ويكون هذا أحد مستويات العمل بينما تنشئ مستوى آخر من العمل قائم على التعبئة السياسية العامة التي تعتمد الولاء للمنهج وأهدافه العليا والتضحية في سبيل ذلك حتى لو ضعف صاحبه عن الالتزام بذلك على مستوى بعض مفردات السلوك الشخصي.

ومما يزيد هذه النقطة وضوحا لا سيما في جانبها الشرعي نقول: عادة ما يحدث في الدولة الإسلامية (بما في عصر النبي صلي الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين) أن يكون بين رعيتها أشخاص منحرفين في مجال الأخلاق والسلوكيات لدرجة أن يستوجب الأمر إقامة الحد على أحدهم لسرقة أو زنا أو شرب خمرا؛

ومع ذلك فلا يكون هذا الشخص الذي أقيم عليه الحد مصدر خطر سياسي على الدولة الإسلامية بل في بعض الأحيان شارك أمثال هؤلاء مشاركة فعالة في الجهاد الإسلامي أنعم هؤلاء إن لم يتوبوا يكونون مصدر خطر أخلاقي على الدولة لكنهم لا يمثلون تهديدا سياسيا للدولة وأهدافها العليا السياسية ولا تخلوا دولة من هؤلاء فهل تلغيهم الدولة الإسلامية من حساباتها رغم أنهم من رعيتها ورهن إشارتها اللهم إلا في مجل انحرافهم الأخلاقي ؟!

وبالتالي فالحركة الإسلامية لا ينبغي أن تلغي من حساباتها السياسية من انخفض سقف التزامه السلوكي ما دام ملتزما بإستراتيجيتها السياسية .

وإذا كان النبي صلي الله عليه وسلم قد استخدم في عمله السياسي مشركين كالمطعم بن عدى ومشركي خزاعة وغيرهم أفلا نستخدم في التعبئة السياسية الإسلامية (بشكل أو بأخر) مسلمين ذوى تدين ضعيف ؟

والذي نقصده هنا ليس مجرد الاستخدام العابر بل نقصد وجود منظومة إسلامية متكاملة تستهدف تعبئة وتجنيد هذا النوع من الناس.

القمع الحكومي : يمثل القمع الحكومي بكافة أشكاله اللينة أو الصلبة تحديا خطيرا في مواجهة الحركة الإسلامية ولا يوجد تحدي أكبر منه إلا التحديات المتعلقة بتطوير الذات والتي ذكرناها في النقاط السابقة ولكن وضعنا للقمع الحكومي بكل أشكاله في مكانته الحقيقية كتحدي كبير يواجه الحركة الإسلامية لا يعني التسليم بالعجز أمامه؛

بل الواجب إيجاد حل له فلا يصح أن نحاول التعايش معه بمعني أن نقول إنه لا فكاك منه فلننصاع له ولا يصح التصادم معه بدعوى تحطيمه وإزالته ولكن ليكن عملنا وفق الحكمة القائلة " لا تكن صلبا فتنكسر ولا لينا فتنثنى"

فلابد من دراسة كافة الخيارات وبحث كافة السبل للتخلص من هذا القمع وإنهائه إلى غير رجعة أو على الأقل تخفيفه لأقصى مدى من التخفيف عبر كل الوسائل المناسبة والمشروعة شرعا ولا شك أن الخيارات المتاحة متعددة منها محاولة ترسيخ تفاهم ما مع الحكم يخفف القمع ومنها الضغط السياسي والإعلامي والقانوني المستمر على كافة الأصعدة بعد تحصيل وسائله ومنها التركيز على المساحات التي لا يطالها القمع أى المسموح بها والعمل من خلالها أو المزج بين ذلك كله أو بعضه وفق خطط محددة ومرتبطة ببرامج عملها وجداولها الزمنية .

القمع الكنسي:يمثل القمع الكنسي تحديا ثانويا للحركة الإسلامية المصرية لكنه جدير بالمتابعة والتحسب له .

أولا:أن الكنيسة القبطية متحالفة مع الديكتاتورية الحاكمة ونجحت في الضغط عليها للتنازل للكنيسة عن جزء من سلطاتها المطلقة فيما يخص مخططات الكنيسة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ثانيا:النجاحات التي حققتها الكنيسة والخنوع الذي تردى إليه النظام الحاكم أمامها جعلها تسمترئ ليس فقط قمع المجتمع القبطي بل وأيضا السعي لقمع المجتمع المصري كله إذ بدأت بالاعتراض على أفلام وروايات وكتب ثم تنطعت فشرعت تحاول التدخل في خطب المساجد بل وفي عقيدة الإسلام نفسها عبر نقد ما يسمونه بخطاب التكفير ونحو ذلك ويقصدون بذلك الآيات القرآنية التي تصرح بكفر النصارى حتى وجدنا بعض الدعاة في مصر يتم اعتقالهم ويتعرضون للتحقيق القضائي بتهمة تكفير النصارى.

ثالثا:الترابط القوي بين الكنيسة القبطية المصرية وبين الدوائر الحكومية وجماعات الضغط في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا وكلها دول لها تأثير ونفوذ على النظام الحاكم في مصر .

لكن ذلك كله له تأثير تافه على مسيرة الحركة الإسلامية في مصر ولكن سيكون تأثيره خطيرا في حالة واحدة وهي حالة ما إذا حدث السيناريو الذي يتوقعه البعض (رغم أننا نستبعد حدوثه في المدى القريب والمتوسط) وهو سيناريو تصدع السلطة وانفجار الفوضى في مصر أو ما يسمونه بثورة الجياع وحسب هذا السيناريو ستصبح البلاد فوضي وبلا سلطة وتصير السطوة فيها للأقوى من قوى البلطجية والعصابات وحاملي السلاح ونحو ذلك ولو حدث مثل هذا التخيل فيمكننا أن نتخيل نحن أيضا أن الكنيسة القبطية ستصبح حينئذ أحد أبرز القوى صاحبة النفوذ في البلاد لما لها من إمكانات وموارد في كافة المجالات .

انتشار مفاهيم الغزو الفكري والعلماني : هذا الانتشار هو جزئي لكنه خطير فأصبح من المعتاد والمنتشر أن نجد شخصا غير علماني لكنه يؤمن بقدر من المفاهيم العلمانية أو الغربية وهذا يمثل نجاحا لأهداف الغزو الفكري المعاصر لأنهم يئسوا من تغيير عقول وأفكار المسلمين بالكامل فاكتفوا بالتغيير الجزئي الذي ينجح في تغيير قدر من سلوك أو اعتقاد الشخصية المسلمة وهذا يستلزم من الحركة الإسلامية مزيدا من الجهد الإعلامي والتعليمي والتربوي بجانب تفنيد شبهات العلمانية والغرب حول العقيدة والسلوك الإسلامي .

كما أن لهذا التحدى جانب آخر متعلق بالحركة الإسلامية نفسها من حيث انكفائها أمام شدة القصف السياسي والإعلامي الغربي والعلماني حتى وجدنا بعض الحركات الإسلامية الآن لا تجاهر بمطلب تطبيق الشريعة في الحكم والمجتمع ووجدنا بعضا من قادتها يجامل هذا أو ذاك من القوى المجاهرة بعدائها للإسلام أو للدعوة الإسلامية وهذا لابد له من حل متعلق بالتوازن بين مقتضيات العمل السياسي التكتيكي (بمفهوم البعض) وبين المحافظة على الثوابت العقيدية والفقهية؛

وكذلك عدم المساهمة في تكريس مفاهيم خاطئة عن المنهج الإسلامي في السياسة والاجتماع بدعوى السياسة التكتيكية وقد يكون الحل الأمثل للقيام بذلك هو الفصل بين القيادات والرموز الدعوية وبين النشطاء والقادة السياسيين للعمل الإسلامي بحيث لا تؤخذ المفاهيم الشرعية إلا من العلماء والدعاة بينما يظل للسياسيين عالمهم وهوامش مناوراتهم في حدود معايير وقواعد السياسة الشرعية بما فيها قواعد الضرورة وترتيب الأولويات وفقا لترتيب مقاصد التشريع والمصالح المرسلة على أن يعتمد السياسيون الإسلاميون على الإبداع المرتبط بقوة الخيال في السعي للتعامل مع الواقع بعيدا عن الاستسلام لمغريات الرضوخ للتعامل مع الأمر الواقع على أنه حتميات لا فكاك منها ولا سبيل لتغييرها أو حتى تعديلها.

غياب الغطاء السياسي : تحتاج العديد من الأعمال إلى غطاء سياسي معين تكون وظيفته تجنيب ذلك العمل العوائق التي تعترضه والعمل السياسي للحركة الإسلامية أحوج ما يكون لذلك الغطاء نظرا لكثرة العوائق التي لا تعوق فقط مسيرته لكنها أيضا تستنزفه ليل نهارا وعادة ما يختلف هذا الغطاء بحسب اختلاف طبيعة ونوع العمل فالغطاء السياسي الذي تحتاجه عملية خوض الحركة الإسلامية لانتخابات نقابة أو اتحاد طلاب مثلا غير الغطاء السياسي الذي تحتاجه عملية السعي لتعبئة الجماهير في أحد المدن أو القرى لصالح المنهج والأهداف السياسية للعمل الإسلامي؛

كما أن الغطاء في كل حالة يختلف باختلاف الزمان والمكان بحسب الخيارات السياسية المتاحة في ذلك الوقت أو ذلك المكان أو بسبب تبدل المتغيرات السياسية من وقت لآخر ومن مكان لآخر ومن مشكلات العمل الإسلامي أن كثيرا من نشطائه لا يهتمون بتوفير الغطاء السياسي للعديد من أنشطة العمل الإسلامي .

توتر العلاقة مع الآخر:يمثل توتر العلاقة مع الآخر الفكري والعقائدي إشكالية خطيرة تضعف الأداء السياسي للحركة الإسلامية وتحرمه من أنصار محتملين فكما أن للحزب الحاكم رغم فشله وتخلفه وفساده أنصار ومؤيدين من النخب العلمانية والقبطية يمكنه الاعتماد على تأييدهم؛

بل ومشاركتهم في عمله السياسي ينبغي على الحركة الإسلامية أن تحوز قاعدة عريضة جدا قدر الإمكان من العلمانيين والأقباط يتعاطفون معها ويؤيدونها ويشاركون في عملها السياسي وهذا يرجع إلى رغبتنا في تقليد الحزب الحاكم إنما يرجع لأن توتر العلاقة مع الآخر تقلل الخيارات المتاحة للحركة السياسية؛

كما تضعف من قوة هذه الحركة وكما صارعت القيادة الدينية للكنيسة القبطية المصرية من أجل أن تسيطر سياسيا على أغلبية الأقباط في مصر والعالم وتستتبعهم لتحقيق أهدافها السياسية منذ بداية السبعينات من القرن العشرين الميلادي ونجحت حتى الآن فإن الحركة الإسلامية أولى منها بهذه التعبئة السياسية للأقباط والعلمانيين على حد سواء فالحركة الإسلامية مدعوة لتوجيه خطابا سياسيا مناسبا للأقباط والعلمانيين قادر على إقناعهم بتأييد الأهداف السياسية العليا والمنهج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للحركة الإسلامية؛

وذلك بإقناعهم أن المنهج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للحركة الإسلامية فيه الخير والنفع لهم وللعالم كله أكثر من أى مناهج أخرى مطروحة على الساحة ولا شك أن هذه حقيقة وليست خداعا هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فلا شك أن النجاح في مثل هذه التعبئة يوفر منافع كثيرة ستعود على الحركة الإسلامية في العديد من المجالات ومستويات العمل .

افتقاد الحركة الإسلامية لأوراق الضغط السياسي : لا شك أن أدوات العمل السياسي تنقسم إلى قسميين رئيسيين هما:

الأول: يشمل أدوات الإقناع : كالإعلام والدبلوماسية بكل أدواتها من تفاوض ومناظرات ووساطة وتحكيم وغيره .

والثاني: يشمل أدوات الإكراه: كالقوة العسكرية والضغوط الاقتصادية وغير ذلك ومن تلك الأدوات على المستوى الداخلي " القمع الأمني "

ولا شك أن الحركة الإسلامية لا تملك خيارات كثيرة في مجال أدوات الإكراه لأنها لا تقود دولة ولكن القدرة على الإبداع وقوة التخيل السياسي وصلابة الإرادة ومهارة القيام بمخاطرات محسوبة ممكن أن تمنح الحركة الإسلامية قدرا من أدوات الضغط لتعوض بها قلة خياراتها في مجال أدوات الإكراه لا سيما أن خصوم الحركة الإسلامية يستخدمون أدوات الإكراه ضدها على نطاق واسع وبلا أدني رحمة .

وفي هذا الصدد يمكننا اقتراح بعض الأمور في هذا المجال أمنها تحريك الدعاوى القضائية المحلية والدولية لإبطال مفعول بعض الإجراءات المتخذة ضد الإسلاميين مع التعويض المادي والأدبي عن بعض الأضرار التي خلفتها مثل هذه الإجراءات أو في أسوأ الحالات تقييد هذه الإجراءات أو الحد من آثارها أو جعل الاستمرار فيها أكثر كلفة ومشقة على القائم بها ذلك لأن القوانين المحلية والدولية فيها تأييد لكثير من الحريات وحقوق الإنسان؛

وإنما يأتي القمع المحلي والدولي للحركة الإسلامية بالمخالفة لهذه القوانين ومن المفيد للحركة الإسلامية تفعيل العديد من هذه الحقوق والحريات التي تكفلها هذه القوانين والضغط القضائي الإسلامي المنتظم والمستمر بتركيز كبير وبإبداع من منطلق معرفة عميقة للخيارات القانونية الدولية والمحلية لتفعيلها سوف يسبب إرباكا للقوى المناوئة للحركة الإسلامية وسوف يجعلها تدفع ثمنا لإجراءاتها القمعية ضد الحركة الإسلامية أو أبنائها عواقب لابد من أن تأخذها في الحسبان دائما .

أيضا من أوراق الضغط الهامة جدا للحركة الإسلامية مخاطبة الغرب وكسب ولاء وتأييد قطاعاته القابلة لذلك (وسوف نتكلم عن هذه النقطة لاحقا بالتفصيل إن شاء الله) وحرى بالحركة الإسلامية أن تدير جماعة ضغط في كل دولة من دول العالم لتستخدمها لخدمة قضايا ومواقف العمل الإسلامي في كل أقطار العالم بالتبادل فمثلا في لبنان تضغط لتحقيق مكاسب للحركة الإسلامية المصرية وفي مصر تضغط لصالح الحركة الإسلامية اللبنانية (وهذا مثال موحى لأن السياسة الحكومية والحزبية لكل من مصر ولبنان تتداخل ولكل منهما مصالح مرتبطة بالآخر)

ويتأكد ذلك وتزداد أهميته وفوائده فيما يتعلق بالضغط داخل الدول الأوروبية والأمريكية لصالح الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي لذي يتلقي كله معونات من أوروبا وأمريكا إما مالية وإما سياسية وأمنية .

كذلك من أدوات الضغط القوية ممارسة المظاهرات والإضرابات والاعتصامات وصولا إلى العصيان المدني الشامل بشرط أن يجرى أى من هذه الأمور بأعداد مناسبة لطبيعتها ولزمانها ومكانها وهدفها وتكون منظمة وبعيدة عن الفوضى والعشوائية وأن تحذر من التعدي على الممتلكات العامة أو الخاصة وأن تمتد زمانا ومكانا حسب المخطط لها بشرط أن يكون قد خطط لها بشكل علمي وموضوعي دقيق .

ومن أوراق الضغط المهمة شن حملات إعلامية كبيرة ومنظمة وواسعة النطاق على شخص متخذ القرار القمعي ضد الحركة الإسلامية فتفضح كل سلبياته وانحرافاته وتعريها أمام الرأي العام كي يعرفون حقيقته المزرية ولا شك أن لكل صانعي قرارات وممارسات القمع فضائحهم وانحرافاتهم التي يتضررون من أن يتناولها الإعلام على نطاق واسع ومستمر ومنظم ومما يكمل أداة الضغط هذه تحريك الدعاوي القضائية ضده بشأن هذه الانحرافات في الداخل والخارج حتى لو كانت هذه الانحرافات ليست لها علاقة بالسياسة بأن تكون مالية أو أخلاقية مثلا لكن يتحتم أن يكون ذلك بعيدا عن أى كذب أو خداع .

إن ممارسة العمل الإسلامي بلا أوراق ضغط يضاعف من احتمالات الفشل ويغرى خصوم الحركة الإسلامية بممارسة مزيد من القمع والاضطهاد ضدها بكل الأشكال وبلا أدني تكلفة .

ضعف الرؤية الاستراتيجية في السلوك السياسي الإسلامي وهذا الضعف له مظاهر عديدة فالعقل السياسي لكثير من نشطاء العمل الإسلامي في أحول عديدة يغلب عليه قصر النظر وعدم شمول الرؤية وهذا أكبر عدو للتفكير الاستراتيجي فهذا الأخير من أهم أسسه بعد المدى الزمني للتخطيط وشموله لمجالات عديدة أما النظرة الجزئية (أى غير الشاملة) والقاصرة في مداها الزمني فهي أكبر عدو للتفكير الاستراتيجي .

وفي الواقع أننا لن يجانبنا الصواب لو قلنا : إن قواعد وأحكام الفقه الإسلامي الصافي لو تم الالتزام بها لصار تفكيرنا هو أرقي تفكير استراتيجي في العالم لكننا للأسف نغفل فقهنا الإسلامي الصافي في كثير من الأحيان عبر العديد من الدعاوي الخاطئة التي تتزيا بزي الفقه للأسف.

وهذا التحدى لن يمكننا توفيته حقه إلا إذا أفردنا له كتاب مستقلا لكن يمكننا هنا الإشارة لمثال مهم جدا في هذا المجال ألا وهو تعدد فصائل الحركة الإسلامية وموقف كل فصيل من الفصائل الأخرى فكل فصيل يعتبر الآخر مخطئ ويعتبره أن وجود الفصائل الأخرى هو سبب تأخره هو في تحقيق أهداف العمل الإسلامي؛

ولولا وجود هذه الفصائل الأخرى لنجح هو ويجهل الجميع العديد من الحقائق منها أن هذا التعدد يدخل في مجال تعدد الاجتهاد الفقهي بحسب ما يؤدي إليه اجتهاد كل مجتهد وهذا من المباح شرعا بضوابطه وشروطه المعروفة ومنها أن خصوم العمل الإسلامي لا يسمحون بوجوده إلا بسبب هذا التعدد الذي يظنون أنه كافي لإفشاله عبر تناحر الإسلاميين؛

والحل حينئذ لا يكون بأن ننفذ المخطط ونتناحر بل الحل أن يعمل كل منا بطريقته بحسب ما أداه إليه اجتهاده دون بذل أى جهد في مهاجمة الآخرين ومنها أن أهداف العمل الإسلامي أكبر من أن يستطيع فصيل واحد أن يحققها وحده فمن المحتم أن نفسح المجال لجميع الجهود لا سيما وأن العوائق التي يضعها خصوم العمل الإسلامي في طريقه تنوء بمواجهتها عزائم الجبال؛

فخليق بنا أن نطلق جميع الطاقات الإسلامية للمساهمة في القيام بهذا العبء الثقيل وفي هذه الحالة ستكون المحصلة على مستوى تحقيق أهداف العمل أشبه ما تكون بأن التعدد الإسلاميما هو إلا توزيع أدوار على القائمين بهذا العمل فهذا يحضر الناس من الشارع إلى المسجد وهذا يريبهم ويعلمهم في المسجد والثالث يأخذهم جاهزين ليخوض بهم خضم العمل السياسي في الشارع والجامعة والنقابة وغيرها .

وهذا مجرد مثال على مدى القصور في الرؤية الاستراتيجية لدى بعض الإسلاميين وإن كان هذا المثال نفسه جدير ببحث مستقل هو الآخر .

ثانيا: التحديات الخارجية:

الضغط الغربي والضغط الصهيوني : يمثل الضغط الغربي والصهيوني على الحركة الإسلامية المصرية تحديا مهما لكنه لا يستمد أهميته إلا من قمع الحكومة المصرية للحركة الإسلامية بضغط ودعم صهيوني وغربي ولو تمكنت الحركة الإسلامية من التخلص من مخاطر القمع الحكومي فإنها بذلك ستكون تخلصت من مخاطر الضغط الغربي والصهيوني لأن هذا الضغط ليس له أداة سوى لنظام الحاكم المصري .

القصور في العلاقة مع الغرب : كما أن الغرب يضغط علينا فيمكننا أن نضغط عليه ولكن لفهم ذلك لابد أولا من أن نعترف بأمرين .

  1. حاجتنا المتزايدة له للتعلم من تقدمه العلمي والتكنولوجي .
  2. أهمية أن نتعامل معه بأسلوب أو بآخر لأنه حقيقة دولية سياسية وإستراتيجية واقتصادية يستحيل تجاهلها .

ومن ناحية أخرى لابد ألا نختلف على أن الغرب ليس شيئا واحدا فالأحزاب اليمينية عندهم ليست كالأحزاب اليسارية كما أحزاب الدفاع عن البيئة وتكتلات مناهضة العولمة والدفاع عن حقوق الإنسان غير البيئة كله كما أنه توجد قوى عديدة دينية وسياسية واقتصادية لكل منها منطقة ومصالحة ولابد أن نعي ذلك كله ونتوجه لكل من هذه القوى والأحزاب باللغة التي يمكنه أن يفهمها بحيث نتمكن عبر التعامل مع بعض هذه القوى أن نضغط على حكومات هذه الدول التي هي أكبر داعم ومحرض على العمل الإسلامي في كل مكان في العالم .

الاحتلال الغربي والصهيوني لأقطار إسلامية : يأتي التحدي في هذا الاحتلال من أنه يجذب العديد من الطاقات الإسلامية المصرية الفعالة إلى الهجرة من مصر إلى ساحات المقاومة للمشاركة فيها مما يفرغ الساحة المصرية بدرجة ما من العديد من الطاقات ومن المعروف أن هذه الأمور كانت في وقت من الأوقات أحد وسائل الولايات المتحدة وحلفائها من العرب لاحتواء الحركة الإسلامية وإشغالها بعيدا عن الداخل .

الفصل الثالث: الخيارات والتوقعات

في الواقع فإن التحليل السياسي ليس فيه آمال وإنما فيه خيارات وتوقعات لأن السياسة الشرعية لا تتذرع بالأمل وإنما تتذرع بالحكمة والعزيمة والإرادة ودروس التاريخ اللهم إلا إذا كنا نعتبر الآمال هي الأهداف ومن هذا المنطلق فإن الخيارات المتاحة للحركة الإسلامية المصرية الآن ومستقبليا هي نفسها السينارهات المتوقعة وهي لا تخرج عن خيارين هما طرفان وبينهما وسط على النحو التالي (إن شاء الله):

الخيار الأول : (وهو نفسه السيناريو الأول أيضا كما سبق وقلنا)

تطوير الحركة نفسها

وذلك بأن يقتنع قادة الحركة الإسلامية بجوانب القصور التي تكتنفها ويسعون للإصلاح عبر تطوير الأداء السياسي والفكر الفقهي والفكر السياسي والدعوة في أبعادها السياسية والإعلام الإسلامي في أبعاده السياسية والتربية الإسلامية في أبعادها السياسية وهكذا (وقد ذكرنا أبرز الخطوط العامة المطلوبة لهذا الإصلاح في الصفحات السابقة ) وحينئذ ستحقق الحركة الإسلامية إنجازات غير مسبوقة وستؤثر في الواقع بقدر لا يخطر ببال أحد من أعدائها أو أصدقائها على حد سواء .

الخيار الثاني (وهو نفسه السيناريو الثاني أيضا كما سبق وقلنا)

استمرار الحال على ما هو عليه

وذلك بأن تستمر الحركة بنفس مستواها الحالي بلا أى تغيير ولن يكون هناك خطر من استئصالها إن هي ظلت على ضعفها وتدهورها السياسي الحالي (لا قدر الله) رغم آمال ومساعي القوى المناوئة لها عبر مكر الليل والنهار التي تزول منه الجبال , ذلك لأن الحركة الإسلامية المصرية أصبحت بفضل الله عصية على الاستئصال وسيدفعها لمزيد من التحسين والتطوير لأدائها السياسي كنوع من المحاولة لدفع القمع والاستجابة لتحدى الاستئصال .

وأما إن واكبت انفراجة سياسية وهي بهذا الحال فهذا سيسهل عليها تطويرا ذاتها.

الخيار الثالث (وهو نفسه السيناريو الثالث أيضا كما سبق وقلنا)

هو وسط بين الخيارين الأول والثاني

وهو قائم على فكرة أن الحركة الإسلامية قد لا تنجح في السنين العشر المقبلة في تبني كل خطط الإصلاح اللازمة لتطبيق الخيار الأول كما أنها لن تقف مكتوفة الأيدي تراوح مكانها دون تطوير كما الحال في السيناريو الثاني بل ستنجح في إجراء تطوير جزئي سيحسن من نفوذها ومكاناتها السياسية لكنه لن يمكنها من تحقيق النجاح المطلق الذي من الممكن أن يحققه الخيار الأول.

وفي النهاية لو أردنا أن نرتب هذه السيناريوهات على أساس أكثرها ترجيحا من حيث مدى إمكانية وقوعه فإن السيناريو الثالث يأتي في المقدمة يليه الأول , يليه الثاني , والله أعلم .

رابط الكتاب

خريطة الحركات الإسلامية في مصر