خالد مشعل رئيساً
خالد مشعل رئيساً
بقلم / خليل العناني
لم أستغرب أن يعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عدم نيته خوض الانتخابات الرئاسية الفلسطينية المقبلة المفترض إجراؤها أواخر يناير المقبل حسب الموعد الذي حدده الرئيس عباس قبل أسبوعين. وأنا أصدق الرجل حين يقول إن قراره ليس مجرد مناورة سياسية وإنه قرار نهائي لا رجعة فيه، بيد أنني كنت أتمنى من الرئيس عباس ألا يعلن استقالته فقط وإنما أيضاً أن يعلن حلّ السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن عملية أوسلو والعودة بالقضية الفلسطينية إلى المربع الأول.
فالمشكلة لم تكن يوماً في عباس كشخص، وإنما في المؤسسة السياسية التي تم إنشاؤها قبل خمسة عشر عاماً من أجل إلهاء الفلسطينيين والعرب عن النوايا الإسرائيلية الحقيقية تجاه القضية الفلسطينية. فإنشاء السلطة لم يكن مطلقاً يستهدف مصلحة الفلسطينيين، وإنما بالأساس كان يهدف لخدمة المخطط الإسرائيلي الذي سعى -ولا يزال- إلى تفريغ القضية من محتواها ووضع الفلسطينيين رهائن تحت سلطة ضعيفة فاقدة للصلاحيات والإمكانات، ناهيك عن تشجيع التجاذب والاقتتال بين الفصائل الفلسطينية حول جدوى السلطة، وهو ما حدث بالفعل طيلة السنوات الثلاث الماضية.
وقد كانت جولة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للمنطقة بمثابة القشة التي قصمت ظهر عباس، ودفعته لإعلان استقالته. ويبدو أنه كان يحضّر لهذه الاستقالة منذ فترة، وتحديداً منذ أزمة «تقرير غولدستون» والضغط الهائل الذي تعرّض له بسبب موقفه من عرض التقرير على مجلس الأمن.
فقد بدت كلينتون في جولتها وكأنها تكافئ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على موقفه من الاستيطان، فقد قالت حرفياً «إن الموقف الإسرائيلي من مسألة المستوطنات يبدو مشجعاً على استئناف المفاوضات». وطالبت الرئيس عباس بألا يضع شرط وقف بناء المستوطنات كعقبة في وجه استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين. وهي بذلك قد حطّمت جميع الآمال العربية والفلسطينية التي عُلّقت على إدارة أوباما في إيجاد تسوية ممكنة للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لذا فقد كان منطقياً أن يعلن عباس رغبته في عدم الترشح للانتخابات المقبلة بمجرد أن وضعت كلينتون أقدامها في واشنطن عائدة من المنطقة. ويبدو عباس كما لو كان يبعث برسالة احتجاج إلى واشنطن على خذلانها له وتضحيتها بمستقبله.
فقد بدا واضحاً خلال الأسابيع الماضية أن الرئيس أوباما لم يعد قادراً على مجاراة نتنياهو أكثر من ذلك، وأن الوقت حان كي يعلن استسلامه أمامه. ولعل هذا هو المغزى الحقيقي من زيارة كلينتون للمنطقة.
بيد أن السؤال المهم هو: إذا لم يرشح الرئيس عباس نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بافتراض إجرائها، فمن يمكنه الترشح والفوز بمنصب الرئيس؟ وهو سؤال يطرح علامات استفهام كثيرة حول مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل العلاقة بين حركتي فتح وحماس. فعباس -وبرغم تحفظات الكثيرين عليه- يظل أحد زعماء فتح الذين يفهمون قواعد اللعبة جيداً، وكان بإمكانه إقامة توازنات داخل منظمة التحرير بين الصقور والحمائم، لذا فإن من شأن عدم خوض عباس انتخابات الرئاسة أن يُفتح الباب على مصراعيه أمام كثير من الصراعات والتجاذبات داخل منظمة التحرير الفلسطينية وداخل حركة فتح ذاتها. وقد نشهد انشقاقات خطيرة داخل المنظمة والحركة ما سوف يؤثر سلباً على القضية ويحولها إلى مجرد تراث يجرى التباكي عليه.
من جهة أخرى يثور التساؤل حول إمكانية أن تقوم حركة حماس بترشيح أحد قادتها لمنصب الرئيس، وذلك بافتراض أنها سوف توافق على خوض الانتخابات. وباعتقادي أن الحركة قد تعيد تقييم موقفها من الانتخابات الرئاسية في ظل عدم وجود شخصية ثقيلة داخل حركة فتح أو داخل المنظمة يمكنها الاحتفاظ بمنصب الرئيس، ولن أستغرب أيضاً إذا ما قرر خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خوض الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، وذلك بغض النظر عن موقف حماس الأيديولوجي من السلطة، وهو ما قد يمكن تبريره بحساسية الظرف التاريخي والرغبة في تحقيق المصلحة الوطنية الفلسطينية. ومن الآن فصاعداً لن يكون بمقدور أحد أن يجاري حماس في موقفها ورؤيتها لكيفية حل القضية الفلسطينية، فقد أثبتت الأيام أنها كانت على حق في تبني خيار المقاومة بديلاً عن التفاوض المُذِّل.
المصدر : نافذة مصر