حين يُداس على القانون
صدمنا اعتداء بعض ضباط الشرطة على اثنين من القضاة في الأقصر. وثالث في شبين الكوم. رغم أن هذه ليست المرة الاولى، وأغلب الظن أنها في ظل الاوضاع الراهنة، لن تكون الاخيرة، فالمسلسل مستمر منذ سنوات، ولاتزال ماثلة في الاذهان واقعة سحل القاضي محمود حمزة في قلب القاهرة، حين ذهب لكي يتابع اعتصام القضاة في ناديهم عام 2006، كما لا تُنسى واقعة اختطاف المحامي عبد الحارث مدني وتعذيبه حتى الموت في عام 1994.
وهما الواقعتان اللتان كانتا بمنزلة إعلان على الملأ يذكِّر من نسي ويبلغ من جهل، ويعلم القاصي والداني أنه لا حصانة ولا كرامة لأحد عند أجهزة الأمن.
للدقة فإن الصدمة في الدرجة وليست في النوع، فكلنا يعلم أن إهانة المواطن هي القاعدة والاصل، إذا ساقته مقاديره حتى أوقعته في أيدي الأجهزة الأمنية، وهذه الاهانة نافلة وتطوع في حالة المواطن العادي (الكليبات الشهيرة تشهد بذلك)، وهي فريضة لازمة اذا كان المواطن من الناشطين في المجال العام.
سواء كان كاتبا يتسلى بمدوَّنة، او متظاهرا انفعل وخرج الى الشارع، هذا كله نفهمه ونشعر ازاءه بالانكسار والخزي، لكن الذي لايزال صعبا علينا أن نمرره هو أن تمتد الاهانة الى رجال القانون عموما والقضاة خصوصا.
والفزع الذي ينتاب مواطنا مثلي جراء الاعتداء على هذه الشرائح ليس نابعا فقط من انهم مواطنون، لهم حق الكرامة او انهم حراس للقانون والعدل في البلد، ولكن ايضا لان الهراوة التي تُشهر في وجه القاضي او اللكمة والمسبة التي تُوجَّه اليه هي من آيات الانهيار وإرهاصاته.
لقد ذكرت قبل ايام ان وزير العدل في ماليزيا قدّم استقالته من منصبه، لان ثلاثة اشخاص اعتُقلوا في بلده دون وجه حق، لكننا لا نكاد نجد صدى يُذكر لدى الجهات الرسمية المعنية إزاء تكرار حوادث الاعتداء على رجال الهيئة القضائية، أستثني من ذلك نادي القضاة الذي يحاول في حدوده المتواضعة وفي ظل تضييق السلطة عليه ان يتحرك ويفعل شيئا للدفاع عن كرامة القضاة وحمايتهم من تغول اجهزة الأمن وبطشها.
إن ضابط الشرطة حين يجد أن الأحكام التي يصدرها القضاء بإطلاق سراح المعتقلين والذين انتهت محكومياتهم تُقابَل باستخفاف من جانب وزارة الداخلية، وتُلقى في سلة المهملات مرة واثنتين وعشر مرات، قد لا يُلام إذا ما هون من شأن القاضي واستخف به، وضابط أمن الدولة حين يجد أن يده مطلقة في التنكيل بأي مثقف مهما علا قدره يتعذَّر عليه ان يفهم ان كرامات الناس يجب ان تصان، او ان رجال القانون لهم وضعهم الخاص.
المسألة أكبر من القضاة ورجال القانون في الحقيقة، ولكنها أوثق صلة بأمرين:
اولهما استفحال دور الشرطة ومختلف الاجهزة الامنية في ظل استمرار العمل بقانون الطوارئ.
وبعد اجراء التعديلات الدستورية التي قلصت دور القضاء في حماية الحريات العامة، ووسعت من سلطات المحاكم العسكرية الاستثنائية.
اما الأمر الثاني والاخطر فهو إهدار قيمة القانون وإفقاده مرجعيته في تنظيم الحقوق والواجبات.
والاعتبار الاول اشرت اليه من قبل، وتحدَّث فيه كثيرون.
اما الثاني فبين ايدينا هذه الايام نموذجان فاضحان له.
النموذج الاول يتمثل في مذبحة مدرسة الجزيرة في الاسكندرية، التي استوفت كل الاشتراطات القانونية في أدائها رسالتها، ولكن الجهاز الامني قرر اغلاقها وهدم مبانيها والاعتداء بالضرب على المدير والمدرسين والطلاب واولياء الامور. الذين اصيب احدهم بشلل رباعي نتيجة لذلك، في «غارة» قام بها أمن الاسكندرية في الاسبوع الماضي.
اما النموذج الثاني فيخص مجلة «الزهور» التي استوفت بدورها اجراءات الصدور وحصلت على ترخيص بالصدور من المجلس الاعلى للصحافة تنفيذا لحكم مجلس الدولة. ولكن الضغوط الامنية تدخلت وعصفت بكل ذلك بمنتهى البساطة.
إن الداخلية حين تدوس على القانون بحذائها، فلا ينبغي ان نتوجه باللوم الى ضابط الشرطة، حين يصفع قاضيا على قفاه، او حين يهتك عرض مواطن ويصوره على الكليب!