حوار مع الدكتور همام سعيد
همام سعيد: لم يسبق للجهاد في فلسطين أن تألّق وارتفعت رايته كما يحصل الآن
حثّ المراقب العام الجديد جماعة الاخوان المسلمين في الأردن، الدكتور همام سعيد، الشعب الفلسطيني على أن يتحوّل من "منكوب إلى ناكب للصهاينة"، في إشارة منه إلى أنّ طريق المقاومة الجهاد هو الحلّ الوحيد لاسترداد الحقوق المسلوبة .
وقال سعيد في حوار خاص مع "المركز الفلسطيني للإعلام"، إنّ "وثيقة الحصار على غزة كتبتها الدولة اليهودية وساعدتها الأنظمة العربية التي تسهم في عملية الحصار"، مضيفاً أنّ "كل حادثة تودي بحياة طفل أو امراة أو شيخ في غزة؛ فإنّ دماءهم في أعناق العرب".
وأشار سعيد إلى أنّ حركة حماس تقف أمام اليهود بينما بعض الأنظمة العربية تفتح الباب للمشروع اليهودي، ووقفت حماس أمام المشروع الامريكي في المنطقة وفي الوقت نفسه كان بعض العرب أدوات مساعدة لدعم هذا المشروع والمحافظة عليه"، وفق ما نبّه إليه.
وتحدّث المراقب العام الجديد عن الوضع الداخلي جماعة الإخوان في الأردن في ظل الانتخابات الداخلية التي أفرزت قيادة جديدة، في أعقاب حل المكتب التنفيذي للجماعة لنفسه بعد الانتخابات النيابية الأخيرة في الأردن، والتي قالت جهات حقوقية مستقلة ومقربة من الحكومة إنها شهدت تجاوزات كبيرة أدت إلى خسارة الاخوان لعدد من المقاعد في المجلس النيابي الحالي .
وفي ما يلي نص الحوار كاملاً الذي أجراه مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام" مع المراقب العام جماعة الاخوان المسلمين في الأردن، الدكتور همام سعيد.
محتويات
الوضع العربي في التعامل مع الحصار
ـ في البدء، كيف تقرأ الوضع العربي الإسلامي الرسمي والشعبي في التعاطي مع الحصار المفروض على قطاع غزة؟
الدكتور همام سعيد: التعاطي الشعبي جيد ومتعاطف مع هذه القضية، والشعب الأردني يعتبر القضية الفلسطينية قضيته وقضية اللاجئين قضية اساسية من قضاياه، ويقدِّر الوقوف أمام التمدد اليهودي الذي يمكن أن يخترق الحدود، والذين يقفون في وجه الزحف اليهودي في الخط الامامي والمتقدم لهم منّا كل التأييد والعون والتقدير، وهذا يظهر من خلال المسيرات والاعتصامات التي تجري .
أما الموقف الحكومي الرسمي؛ فالحكومات التي مشت في موقف التطبيع ومعاهدات ما يسمى بالسلام اعتبرت هذه المعاهدات قوانين ثابتة لا تتخلى عنها ولا تفكر بالتخلي عنها، وموقفها مخالف للموقف الشعبي، وهي التي تتخذ مواقف الحصار والاقصاء للمجاهدين على أرض فلسطين ومواقفها لا تعبِّر عن آمال الشعب وطموحاته وهمومه .
ـ في هذا الموضوع؛ ما هي خياراتكم المستقبلية؟
سعيد: سنستمر في دعوة الحكومات للتراجع عن سياساتها، وسيكون لنا دور على المستوى الجماهيري لمزيد من الدعم لإخواننا في فلسطين، لا سيما الجهاد بالمال وهو شق الجهاد بالنفس، والمزيد من الفعاليات التي تبقي هذه القضية حيّة في مشاعر الشعب الأردني .
وستكون لنا حركة مع إخواننا في التنظيمات الإسلامية والأحزاب في البلاد العربية والإسلامية لتوحيد الموقف وإيجاد أيام غضب ومواقف احتجاج على ما يجري، والعمل على الضغط على حكومات هذه الشعوب لتقف موقفاً مناصراً لفلسطين وقضيتها وفك الحصار عن غزة. وسنعمل على توجيه مذكرات ورسائل للحكومات العربية، ولا سيما ذات العلاقة بموضوع الحصار التي يمكن إن غيّرت من سياساتها ان تفكّ الحصار عن الشعب الفلسطيني .
ـ في الوقت الذي تتم فيه مهاجمة المقاومة وتوصف بالعبثية، كيف تنظرون إلى الجهد التي تقوم به لفك الحصار؟
سعيد: هل يستطيع أحد أن يغمض عينيه عن هذه الجهود التي لم يعرف لها تاريخ المسلمين منذ سنوات مثلاً من الشهداء والتضحيات؟ لا أتصوّر أنّ الجهاد في فلسطين تألّق وارتفعت رايته كما يحصل الآن، وهذا يدل على بشائر قادمة بالفتح المبين والنصر المؤزر لهؤلاء المجاهدين بما فيهم حركة "حماس" وغيرهم .
المسؤولية عن الحصار
ـ هناك من حمّل "حركة حماس" المسؤولية عن الحصار؛ خاصة بعد حسمها العسكري، ما رأيك؟
سعيد: حمّلوا "حماس" مسؤولية الحصار لأنها خرجت عن القياس المهزوم، ولأنها حركة جهاد بينما هم دول مستسلمة، وحركة "حماس" تقف أمام اليهود وهم يفتحون الباب للمشروع اليهودي، ووقفت "حماس" أمام المشروع الامريكي في المنطقة وهم أدوات لهذا المشروع. فمن الطبيعي أن ينسبوا لحركة "حماس" هذه المسؤولية عن الحصار ويحمّلوها تبعات الحصار الناشئ عن جهاد وشهداء قدمهم الشعب الفلسطيني الثابت على المبادئ والمواقف .
وثيقة الحصار على غزة كتبتها الدولة اليهودية وساعدتها الأنظمة العربية التي تسهم في عملية الحصار، واليوم ما تحتاجه غزة من وقود لا يشكّل واحد إلى مائة ألف من إنتاج دولة نفطية واحدة في اليوم، ولا يشكّل جزءاً من زكاة دولة نفطية فهي تستطيع فك الحصار. هم الآن ظالمون ومسؤولون عما يجري في غزة، وكل حادثة تودي بحياة طفل أو امراة أو شيخ فإنّ دماء هؤلاء في أعناق العرب وسيحاسبون عن هذه الدماء في الدنيا قبل الآخرة، ولن تسكت الأمة عن هؤلاء الحكام الذين ينظرون إلى شعب يتضوّر جوعاً بينما هم يجمعون الأموال .
ـ يمرّ الوضع الفلسطني بأزمة داخلية، برأيك ما السبيل للخروج من هذه الحالة، وتحديداً فيما يتعلق بالعلاقة بين "حماس" و"فتح"؟
سعيد: أوّلاً؛ الأسباب والدواعي لمثل هذا الخلاف بين "فتح" و"حماس" كانت أسباب جدلية ناشئة عن دخول منظمة التحرير أو السلطة في سياق الأوامر الأمريكية. ونعلم بأنّ ما فعله دايتون في غزة وما يفعله الآن في الضفة كان محاولة لاستئصال "حماس" وإنهاء مشروعها الجهادي. فكان لا بد من التدخل السريع لإبطال مفعول هذه المؤامرة الكبيرة .
وبعد ذلك؛ لم تتوقّف حماس للحظة واحدة عن المطالبة بالحوار أو بناء هذا الحوار على أسس صحيحة، وعلى التعادل وليس على التآمر الدولي على مصالح الشعب الفلسطيني .
السلطة الفلسطينية أخذت مجالها في التفاوض مع الاحتلال ونرى كيف تستسلم، وتؤجل موضوع القدس، وأمر عجيب أن تبدأ السلطة بصغار الملفات، ولا تبدأ بأقدس المقدسات وهي القدس. هذا دليل على أنه لا يوجد حل، بل إنهم يريدون معاملة الشعب الفلسطيني كالمرأة التي كانت تطبخ الحصى لأبنائها عسى أن تطمعهم طعاماً شهياً وليس في القدر إلاّ الحصى. هم يريدون أن يقوموا بعملية إلهاء للشعب الفلسطيني حتى يحكم اليهود قبضتهم على بقية الأراضي الفلسطينية. موقف "حماس" موقف مقدّر ليس فقط عند الإخوان المسلمين فقط؛ وإنما أتصور عند عامة الشعوب العربية والإسلامية أيضاً .
الذكرى الستون للنكبة
ـ في الذكرى الستين للنكبة؛ ما هي الكلمة التي توجِّهها للشعب الفلسطيني، سيما وأنه تم منعكم من اجراء فعاليات تضامنية من الشعب الفلسطيني في ذكرى النكبة؟
سعيد: المشروع اليهودي بدأ يتراجع وينكمش على نفسه ويتآكل من الداخل، وننظر إلى الجدار العنصري على أنه بداية التراجع، وأنّ اليهود بعد أن كانوا يفكرون بدولة تمتد من الفرات إلى النيل أصبحوا الآن يفكرون بدولة تقبع خلف الجدران هنا وهناك، وهذه بداية الانكسار .
والحالة الجهادية المحيطة باليهود وداخل فلسطين لم يستطع اليهود القضاء عليها بل تتوسع كل يوم، وهذا دليل على أنّ هذا الكيان آيل للسقوط بإذن الله، وأتصوّر أنّ الذي يسنده هي الإدارة الأمريكية التي أوشكت هي الأخرى على الانكسار في العراق وأفغانستان، وهذا المشروع لن يجد له بواكٍ عمّا قريب بإذن الله .
وأقول لأبناء الشعب الفلسطيني، جاء دوركم اليوم، لا يجوز أن نعيش حالة النكبة وأن نبقى منكوبين، بل يجب أن نتحوّل إلى ناكبين، نحن نريد أن ننكب عدونا وأن نتحوّل إلى قوة فاعلة في الميدان الجهادي. ولا يجوز لأي فلسطيني أينما كان في البلاد التي شُتِّت إليها أن يبقى في حالة اللجوء هذه التي تمنعه من مدّ العون، بل لا بد أن يشارك الجميع في مشروع العودة .
اما الذين يمنعوننا من الفعاليات؛ فينقصهم الكثير من العقل، لأنّ الشعوب المتحضرة والمتقدمة تحرص دائماً على أن تفتح للمواطنين حرية التعبير عن مشاعرهم لأنّ مشاعرهم حينما تُدفَن وتُحجَز تتحوّل الى حالات فوضوية وحالات غير مريحة. وكل الشعوب فتحت الآن المجال للحريات ولحقوق الإنسان والمظاهرات، والفلسطينون في فلسطين المحتلة عام 48 يحيون ذكرى النكبة بمسيرات تحت عين الشرطة الصهيونية، فهل هؤلاء الحكام أحرص عل اليهود من اليهود أنفسهم؟!.
فإلى متى يبقى هذا التفكير العجيب الذي يدلّ على أنه تفكير قاصر لا يبلغ فعلياً لمستوى تقدير حقوق شعوبهم، ألا يعلمون أنّ هذا المنع يؤدي الى تفاعل شعبي أكثر مما لو أجيزت هذه المسيرات. الرسالة وصلت ويكفي أن نعلن أمام الشعب أنا كنا نريد القيام بفعالية ومنعتها الحكومة، ما يؤدي إلى حالة شعبية ساخطة، ونقول بأنه لا بد من التراجع عن هذه السياسات ولا يجوز استخدام قانون الاجتماعات العامة عصاً غليظة على رؤوس الناس، ومنع إقامة هذه الفعاليات هي سابقة خطيرة، ولم تحدث منذ زمن بعيد .
الانتخابات الداخلية لجماعة الإخوان بالأردن
ـ داخلياً، أثير جدل واسع قبل الانتخابات الداخلية لجماعة الاخوان، وأثناءها وبعدها، وهي الانتخابات التي أفرزت قيادة جديدة، ما سرّ هذا الجدل؟
سعيد: جماعة كالإخوان المسلمين ذات امتداد تاريخي طويل أعطاها قواعد شعبية في أجيال متلاحقة، وأصبح الإخوان على درجة من الوعي والرشد والفهم السياسي والفكري، ما يجعل هذه الجماعة الكبيرة ذات العقول المتنورة والأفهام المتعددة أكثر اختلافاً في الرأي وحوارا فيما بينها وتنوّعاً في نظرة أبنائها، وهذا يؤدي إلى حراك داخلي في الجماعة. فلا يمكن أن تكون هذه الجماعة طبعة واحدة لجميع أفرادها. الإخوان مجموعة قيادية ضخمة لا يملكها أي حزب ولا أي مؤسسة، هذه الجماعة الكبيرة التي تحوي الآلاف من الأساتذة والنقابيين والمفكرين لا يُعقل أن يفرض عليها أحد رأيه وأن يفكروا بنمط واحد، والاختلاف عندنا يحسم بلحظات في مؤسساتنا الشورية، ودائماً يسبق الانتخابات مثل هذا الحراك وهذا ليس أول مرة .
ـ لنتحدث عن الجدل المقصود، فهناك من يرى أنّ هناك حملة موجّهة أثيرت في الصحف ضدكم؟
سعيد: هذا نتيجة الغيظ الذي يعتمل في قلوب البعض الذين يرون قوة هذه الجماعة وتنوّعها، ولا شك أنهم يحسدونها ويتمنون أن لا تكون الجماعة موجودة على الساحة لأنها ذات رؤية وسياسة وفهم. هذه الجماعة لها وزن، وبالتالي خصومها يتمنّون لها التشظي والتفكك، ويريدون أن يغمضوا أعينهم ويفتحوها فلا يجدوا الجماعة. فمن باب أولى أن يشغلوها وينشغلوا بها في مثل هذه الدعايات والترهات .
ـ ولكن هناك من يرى أنّ انتخاب فضيلتكم جاء كردة فعل من القواعد الاخوانية على التصعيد الحكومي ضد الجماعة؟
سعيد: لا أعتقد أنّ من جاء نتيجة محصلة هذه العلاقات المتشابكة مع الحكومة مقصود بذاته، ولكن يبدو أنّ الاخوان في حالة الفرز في القيادات برز هذا الاسم أو ذاك لديهم، ولا أعتقد أنّ هذا جاء كردة فعل معيّن على سياسة حكومية، وإن كنت أرى حقيقة أنّ ما حدث في مجلس الشورى من حلّ قبل انتهاء مدته ومطالبة القاعدة بالتغيير لا يخلو فعلاً من ردة فعل و ومواقف غضب على مجمل السياسات الحكومية التي عاملت الاخوان بنوع من الإساءة ومحاولات التحجيم ومحاولات إخفاء صوت الاخوان والتقليل من دورهم في المجتمع، وهذا لا شك أغضب الاخوان، مما جعلهم يعمدون لإحداث هذا التغيير السريع. ولذلك نجد أنّ مجلس الشورى الذي اتخذ قراره بالمشاركة في الانتخابات النيابية هو الذي عاقب نفسه وحلّ نفسه واتخذ هذا القرار، وكان بإمكانه أن يتخذ قراراً آخر يتساوق مع ما جرى في الانتخابات البلدية، فقدّر المجلس أنه يتحمل المسؤولية وبالتالي أراد أن يحل نفسه لتأتي الانتخابات بقيادة جديدة .
تصنيفات غير صحيحة
ـ ما صحة التصنيفات التي يطلقها كتاب محسوبون على الحكومة حول وجود ما يوصف بتيارات متشددة في جماعة الإخوان مقرّبة من حركة "حماس"، وأخرى معتدلة؟
سعيد: هذه التصنيفات غير صحيحة لأنها مبنية على نظرة من الخارج وليس من الداخل، والمشاهد من الخارج يرى تباينات الإخوان واختلاف الآراء بينهم فيصنِّف كلّ رأي كأنه مرتبة ويجمع عدداً من الإخوان تحت هذا التصنيف. وأنا أقولها صادقاً بأني لا أستطيع أن أميّز وأقسّم الإخوان مثل هذه التقسيمات، أنا ابن الجماعة منذ أكثر من خمسين عاماً ولم ألحظ أنّ في الإخوان مثل هذه التقسيمات. ونحن في الجماعة لا نجدها ولا نلاحظها، فنستغرب أن يأتي أحد من خارج الجماعة ويقسم الجماعة مثل هذه التقسيمات .
ـ في ضوء التصعيد الحكومي ضدكم، ما هو مستقل علاقتكم بها؟
سعيد: لم يطرأ شيء على هذه العلاقة، فعمل الإخوان عمل مؤسسي، والإخوان يباشرون دعوتهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستخدمون الوسائل السلمية في ذلك، ويبدون رأيهم في مختلف القضايا بالحكمة والموعظة الحسنة، ومنهج الاخوان ليس منهجاً انقلابياً أو ثورياً .
ـ على صعيد الوضع الداخلي، ما هي أولوياتكم للمرحلة القادمة؟
سعيد: المجتمع الأردني يعيش واقعاً صعباً حيث الغلاء وارتفاع الأسعار والفقر، وأصبحت الدخول لا تكفي للأساسيات، مما أوجد ملايين من الشعب لا يجدون قوت يومهم، وهذا أحد الأولويات بأن ننبه إلى هذه السياسات الحكومية الخاطئة، وإلى ما يجري من بيع للمؤسسات وبيع لأملاك الدولة للمستثمرين، وأن ننبه إلى أنّ هذه المؤسسات يجب أن تصبّ في مصلحة الطبقات الفقيرة والجماهير البائسة .
وكذلك لدينا ثوابت لا ننساها، وهي موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق الشريعة الإسلامية، وحثّ الحكومات على الالتزام بالأحكام الشرعية في جميع شؤون الحكم والإدارة إلى جانب الهموم الداخلية التي يعاني منها المواطنون .