حوار مع ابنة معتقل وطني
حوار مع ابنة معتقل وطني
برغم أنها لازالت طالبة بقسم الفلسفة كلية الآداب جامعة الإسكندرية، إلا أن تجربة القبض على أبيها صبحي صالح موسى -المحامي، ووكيل نقابة المحامين بالإسكندرية- وتعرضه للتحقيق، واستمرار حبسه أمام نيابة أمن الدولة العليا؛ بتهمة مساندة القضايا الوطنية، ومناصرة شعبي فلسطين والعراق- قد عركتها، فخرجت كلماتها قوية كالصواعق... ثابتة كالجبال.
هي "جهاد صبحي صالح" التي استطاعت بتلقائية أن تنتزع البكاء والتصفيق الحاد في ذات الوقت عدة مرات أثناء إلقاء كلمتها أمام اللجنة القومية للدفاع عن سجناء الرأي، وهي تشرح مأساة أبيها.
- نحب أولاً أن تعرفينا بأبيك ؟
الســــــــن :50 سنة
الوظيـــــــفة: محامي ووكيل نقابة المحامين بالإسكندرية.
المؤهـــــــل: ليسانس حقوق الإسكندرية، وحاصل على ماجستير القانون.
الحالة الاجتماعــية: متزوج، وله 3 بنات وولد.
اعتقالات سابـــقة: مرة واحدة عام 1981م.
- كيف، ولماذا حدث هذا الاعتقال والقبض على والدك؟
كان اعتقال والدي متوقعًا فى أي وقت؛ لأنه ضريبة جهاد وكفاح كل وطني يحب بلاده، ويؤمن بالقضايا الوطنية لهذه الأمة، ويشارك فيها بقلب وعقل وروح .. ألم تسمع قول الله تعالى ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العصر:3). إن الله تعالى ربط بين الحق والصبر؛ لأن دعاة الحق لزامًا أن يتعرضوا للإيذاء والظلم والإضطهاد، فكان الصبر لزامًا مع الحق.
ما الإجراءات الأمنية التي اتخذت لاعتقال والدك.. ظنّي أن هناك إجراءات قانونية مخصوصة للقبض على محامي ووكيل نقابة المحامين، والقانون يكفل له نوعًا من الحصانة؟
إن الإجراءات، والطريقة التي اقتحمت بها قوات الأمن منزلنا، لا تليق بمجرم!، فضلاً بمواطن عادي فضلاً بوكيل أعرق نقابة في مصر (نقابة المحامين)!! لقد رجع والدي من مكتبه يوم 21/4 الساعة الواحدة ليلاً، وقبل أن يتناول طعام العشاء- ونحن نجلس من حوله نناقشه في أمورنا اليومية- إذا بجيوش مجيَّشة من الأمن المركزي، والقوات الخاصة، والسيارات المدرعة، وقاذفات القنابل تحيط بالمنزل، وتنتشر في الشوارع المحيطة، وكأنهم سيقبضون على زعيم عصابة، وليس على رجلٍ يقف يوميًّا أمام القضاة في المحاكم، مترافعًا عن حقوق الناس!! أو ربما ظنُّوا أن أحد الإرهابيين اليهود قد نزل في حيفا!! أو اختلط الأمر عليهم أنهم في رفح أوغزة أو الضفة بدلاً من الإسكندرية!!
- وهل تعرض المنزل لعمليات التفتيش المعتادة؟ أم أن المحامي ووكيل نقابة المحامين له حصانة بحكم وظيفته؟
أي حصانة يا أستاذ تلك التي تتحدث عنها؟!! لقد قلبوا الشقة رأسًا على عقب، واقتحموا حتى غرفتي الشخصية أنا وأخواتي، وتجرأوا على خصوصياتنا. لقد رفض قائد الحملة أن يعطي والدي إذنَ النيابة بالتفتيش إذا كان معه إذن! أو حتى يسمح له بإجراء مكالمة لإخبار النقابة، وهذا حقه القانوني!! ثم اقتادوا والدي إلى مكتبه، وقاموا بتفتيشه وتشميعه بالشمع الأحمر!
- وما مصير القضايا ومصالح الناس؟
لا وزن عندهم لكل ذلك. لقد صادروا مبلغًا لأحد الموكِّلين كان سيدفع في المحكمة- صبيحة الاعتقال- في قضية نفقة!!
- ما مشاعركم- أقصد الوالدة والأخوات- في هذا الوقت؟
الحقيقة كنت أتمنى أن يكون الذين قبضوا واعتقلوا والدي أمريكيين أو إسرائيلين، وليسوا مصريين!! لكنَّا عرفنا كيف نواجههم؛ لأني لا أصدق أن مصريًّا يعتقل مصريين؛ بتهمة الوطنية والعروبة والإسلام .. لكني أطمْئِن الظالمين أن هذا الموقف لم- ولن- يضعفنا، أو يزعزع ثقتنا بالله، أويزعزع مبادئنا ومنهجنا الرباني، ونعرف جيدًا أن والدي لم يرتكب جُرمًا، حتى إن أختي "أبرار" ترفض مواساة مدرسيها في المدرسة، وتقول لهم: أنا فخورة بـ"بابا" لمواقفه الوطنية، وبالطبع نستشعر الظلم والاضطهاد الذي وقع على أبينا، خاصةً بعد زيارة أخي أحمد إلى مكتب الوالد، ووجد الشمع الأحمر على مكتب الرجل الذي كان يصول ويجول في عالم الحقوق ومصالح الناس.
- بعض من يرفعون شعار السلامة يحمِّلون والدك مسئولية ما حدث له؛ فهو الذي دسَّ أنفه في القضايا الوطنية وتكلم في زمن يفضل فيه الصمت.. ما رأيك؟
نحن نفخر بوالدي، ولا يمكن أن نوجِّه له اللوم، فإذا هو- المحامي النابغ الجريء، ووكيل نقابة المحامين- لم يتكلم عن أوجاع وآلام الناس،.. إذا لم يحمل هموم الوطن والأمة... إذا لم يناصر شعوبنا وأهلنا في فلسطين والعراق... فمن يتكلم إذن؟!! هل المطلوب أن نواجه الأحداث الخطيرة التي تحدث حولنا بالصمت؟!
- وما موقف المعارف والجيران وزملاء العمل أو الدراسة من القبض على والدك؟
الجميع متفهِّم لقضية والدي، بل يتعجبون كيف تترك الحكومة المجرمين و"البلطجية" يمرحون ويفسدون في المجتمع، كما شاءوا، ربما تعجَب حينما تعلم أن الناس – حولنا-ازدادت تقديرًا وتمسكًا بوالدي ومبادئه ومواقفه- من الاحتلال والاستعمار- التي طالما أعلنها في المؤتمرات والندوات، وكأن الكلمات تحتاج إلى هذه المواقف والتضحيات؛ لتقدم للناس إثباتًا أنها مبادئ وليست كلمات تستهلك في المؤتمرات.
- هل ساندتكم منظمات أو جمعيات حقوقية في موقفكم؟
نعم، لقد اتخذت نقابة المحامين بالإسكندرية برئاسة الأستاذ محمد لطيف المحامي عدة إجراءت لمناصرة والدي والدفاع عنه، وكان موقفًا مشرفًا بحضور قرابة 100 محامٍ جلسةَ نظر تجديد الحبس يوم الأحد 4/5، كما حضرت أيضًا وفودٌ من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، واللجنة القومية للدفاع عن سجناء الرأي، ولجنة الحريات بالنقابة العامة، كذلك دعا الأستاذ سامح عاشور المحامين لاجتماع طارئ؛ للنظر في الإجراءات والتدابير للعمل على الإفراج عن والدي.
- ما مطالبكم التي تريدين أن ترفعيها إلى الحكومة، خاصةً بعد تجديد حبس والدك 15 يومًا أخرى على ذمة التحقيقات؟
برغم بطلان هذه الإجراءات إلا أننا لن نطلب إلا من الله أن يخرجنا من محنتنا مأجورين غير مفتونين، ويرد والدي، وجميع إخوانه المحبوسين على خير حال، ونفوض أمرنا إلى الله؛ فهو نعم المولى ونعم النصير.
ربَّ ضائقةٍ يضيق بها الفتى - ذر عًا- وعند الله منها المخرج
المصدر : إخوان أون لاين