حقيقة الخلافات وصراع الأجيال داخل الإخوان
بقلم : مأمون الهضيبي
أجرى الحوار: شعبان عبد الرحمن
أدلى المستشار محمد المأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين بحوار شامل إلى مجلة 'المجتمع' الكويتية تناول فيه الأحداث الخطيرة التي تمر بها الأمة، والمنعطفات المهمة التي مرت بها الجماعة، وقد حرصت 'حقائق مصرية ' على نشر الحوار على موقعها، وفيما يلي نص الحلقة الثانية.
بين الحين والآخر... ومع كل حدث تَرُوج على الساحة الإعلامية.. أقاويل وروايات عن 'خلافات داخل الجماعة'، و'سباق على مواقع القيادة' فيها، و'صراع بين الأجيال'....
وغيرها من التعبيرات والأقاويل التي حفلت بها الساحة كثيرًا بعد وفاة الأستاذ مصطفى مشهور المرشد العام السابق -يرحمه الله- ثم اختيار المستشار محمد المأمون الهضيبي مرشدًا عامًا.
القضية بكاملها ناقشناها مع الأستاذ مأمون الهضيبي... وماذا دار بالضبط؟، وكيف تم اختيار فضيلته مرشدًا عامًا؟، وحقيقة مايتم الترويج له من خلافات وصراعات بين الأجيال...
سألناه عن المسموح به من خلافات في الرأي داخل الجماعة، وأسلوبه ورؤيته في إدارة هذه الخلافات...
كما سألناه عن شهادته في قضية حزب الوسط كما عايشها وكيف تعامل الإخوان معها، بل وكيفية تعامل الإخوان مع من يخرج منهم ويكون له خيار آخر...
وإلى التفاصيل...
*ماذا عما تردد عقب مرض الأستاذ مصطفى مشهور ثم وفاته ـ يرحمه الله ـ من حدوث تنازع على موقع المرشد العام وخلافات وصراعات، وغيره مما ردّدته وسائل الإعلام كثيرًا... ما حقيقة ما جرى؟
أعتقد أن الأحداث جرت واستقرت بما أنهى هذه الأقاويل التي يتم ترديدها دائمًا بشكل واسع، فكلما واجه الإخوان ظرفًا من الظروف سارعت جهات معينة بتوجيه سهام مسمومة للجماعة!، والادعاء عليها بادعاءات لا أساس لها من الصحة!، ولكن المقصود بها إحداث بلبلة وإيغار الصدور، لكن الله سبحانه وتعالى رؤوف بعباده.
نحن في مثل هذه الظروف، الكل يجتمع ويأتلف، وإذا كان هناك من له آراء مخالفة في أمر نجده في مثل هذه الظروف يستشعر حساسية الظروف والموقف، وتجده يندمج مع صفوف الجماعة بلا أدنى تردد.
*ماذا حدث؟
عند الترشيح لموقع المرشد العام لم أشارك في اجتماع المجموعة التي كانت مخولة بهذا الأمر، ولم أحضر حتى في مكان اجتماعها نهائيًا، فقد نأيت بنفسي عن ذلك، خاصة أنني أعلم أنه من الممكن أن يكون اسمي مطروحًا كأول المرشحين، وعدم وجودي في هذه الاجتماعات كان لإعطاء الفرصة لطرح الآراء بحرية وصراحة، كما أن وجودي كان سيمثل للمعارضين أمرًا من اثنين: إما أن يؤذيني بكلمة، وإما أن يُحرج من وجودي، وما علمته بعد تلك الاجتماعات أنني رُشحت بالإجماع، وأودّ أن أشير إلى أنه كان هناك كلام عن تفعيل دور مجلس الشورى العام المؤلف من مائة وعشرين فردًا في اختيار المرشد العام، وكنت أتمنّى ذلك، فالمرشد عندما يُرشح من مجلس الشورى بأغلبية تزيد على ثلاثة أرباع الأصوات يكون ذلك أقوى وأفضل، ونحن نتمنى ذلك، لكن اجتماع مجلس الشورى كان غير ممكن بعد الضربات المتوالية على الجماعة والتي بدأت عام 1995م عقب اجتماعه في ذلك العام وانتخابه لمكتب الإرشاد، وكانت النتيجة أن 83 شخصًا من زبدة الإخوان وخيرتهم حوكموا أمام المحكمة العسكرية وكانت التهمة ـ صراحة ـ أنهم عقدوا اجتماع مجلس الشورى فهل يا ترى كنا نكرر التجربة مع ازدياد شدة الظروف الأمنية في الوقت الحاضر؟.
مجلس الشورى اجتمع عام1991م ولم يحدث شيء، لكن في عام 1995م حدث ما قلته لك، وإذا كنا قررنا عقد اجتماع لمجلس الشورى بعد وفاة المرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور ـ يرحمه الله ـ، فكيف يخفى ذلك على أجهزة الأمن؟ فهل نزج بأناس إلى السجن قبل أن يقرروا أي قرار أو يكملوا اجتماعهم؟المهم أنه مع رغبتنا جميعًا في تفعيل مجلس الشورى إلا أن ذلك لم يكن ممكنًا.
*يعني ترشيح المرشد تم من مجموعة مختصة ومخولة بذلك ثم انتهى الأمر؟
لا، بعد ذلك تم عرض الترشيح على أهل الحل والعقد في العالم، فوافقوا عليه وسارت الأمور على هذا النحو وأخذت وقتًا، ولذلك تأخر إعلان اسم المرشد الجديد، وهو ما تسبب في إشاعة هذا الكلام الذي تردد.
*هل كان هناك مرشحون آخرون؟
لا، لكن لنفترض أن أكثر من مرشح تم طرح أسمائهم ما المانع؟ الجماعة غنية بالقيادات التي تصلح لهذا الموقع، وهذا أمر يشرفنا، وأحب أن أؤكد أنه لا يوجد بيننا حزازات، ثم ليس هناك في الإخوان من يرشح نفسه لأي موقع ولكن يتم الترشيح من قبل آخرين.
*هذا يجرنا إلى الحديث عما حفلت به وسائل الإعلام من كلام عن صراع الأجيال داخل الإخوان... وتنازع المواقع والحرس القديم والجديد.. ما تفسير فضيلتكم للإلحاح على هذه المقولات خاصة وسط ظروف مهمة تتعرض لها الجماعة؟
أعتقد أن هناك جهة ما تقوم بتغذية هذا الطرح وتعمل على إذاعته وتثبيته بين الإخوان.
* كيف؟
الدعاية والإعلام لهما تأثير، والناس بشر، و' تنازع المواقع' وغيرها من التعبيرات.
* 'صراع الأجيال ' راجت بشدة مع بروز أزمة حزب الوسط
نعم لكن أزمة حزب الوسط حدثت عام 1996م، وقبلها بعام عام 1995م جرت انتخابات مجلس الشورى ومكتب الإرشاد، أي قبل أزمة الوسط بعام، وقد جسدت هذه الانتخابات تلاحم الأجيال لا تصارع الأجيال، وعلى سبيل المثال فقد أفرزت هذه الانتخابات في مكتب الإرشاد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح وكان في ذلك الوقت عمره 43 أو44 سنة، والدكتور محمد على بشر نفس العمر، والدكتور محمود عزت كان عمره 50 سنة، والدكتور محمود غزلان الذي قالوا عنه عند اعتقاله ومحاكمته عسكريًا إنه قيادي كبير وأمين عام مكتب الإرشاد كان عمره 45 سنة، ثم من الذي يقوم بالعملية الانتخابية؟ إنهم جموع الإخوان
فالذين انتخبوا مصطفى مشهور والمأمون الهضيبي هم أنفسهم الذين انتخبوا هؤلاء الرجال الذين ذكرت لك أسماءهم وغيرهم، فلم يحدث تنازع ولا صراع.. إن كل الأمور كانت تطرح في مجلس الشورى، يقول فيها كلُّ رأيه ويقدم مقترحاته بكل حرية.
وهناك ملاحظة مهمة، وهي أن من يكتبون عنّا يتعاملون مع الإخوان مثلما يتعاملون مع بقية الأحزاب والمؤسسات والإدارات... وكيل الإدارة ينتظر وفاة مدير الإدارة ليحل محله ويحصل على العلاوة والدرجة أو المعلوم! هكذا تكون المفاهيم لكننا لا نفكر بهذه الطريقة إطلاقًا.
* لا درجات ولا علاوات؟
لا، هناك درجات.. ولكن إلى الأعلى.. عند الله سبحانه وتعالى، وكلما ارتقى الشخص من الإخوان وتدرج اقترب من خطر المشنقة..
لماذا شنقوا عبدالقادر عودة والشيخ محمد فرغلي وغيرهما؟ إن كل أعضاء مكتب الإرشاد في عهد عبد الناصر لاقوا العنت.. لماذا سجن الأستاذ عمر التلمساني الرجل الرقيق خمسة عشر عامًا؟! وبعد أن انتهت فترة السجن مكث في المعتقل ثلاث سنوات أخرى، ولم ير زوجته لمدة 18 سنة؟!
ولماذا مكث الأستاذ محمد حامد أبو النصر عشرين سنة مع أنه لم يفعل شيئًا إلا أنه رفض أن يوالي جمال عبد الناصر؟!
لماذا كل هذا؟ لأن هؤلاء درجة عليا في قيادة الجماعة.
هذه هي الدرجات التي يحصل عليها الذين يتبوءون موقع القيادة في الإخوان، حتى في القانون يقضى بجزاء أكبر للقيادات التي يكون لها دور في تشكيل التنظيم غير المصرح به قانونًا، إذًا لو أن الناس فهمت هذه الحقائق جيدًا ما انساقت وراء الأقاويل الباطلة والادعاءات الكاذبة التي لا حقيقة لها.
*لكن في ظل حملة التشكيك والأقاويل التي أثيرت حول الجماعة كيف تمت إجراءات اختيار المرشد؟ وهل كان لهذه الأقاويل الإعلامية صدىً على آلية الإجراءات حتى وصلت إلى نهايتها؟
لا، المسألة تمت في هدوء ووفقًا للأصول وطبقًا للوائح والقواعد الإسلامية التي اخترناها لأنفسنا، وبصورة لا تثريب عليها من أحد، ولو أن هناك من تقدم بترشيح أكثر من شخص لكان شيئًا طيبًا ويُفتخر به، والأمر كله تم حسمه وفق طريق الشورى التي لا غبار عليها، ثم إن هناك أناسًا محترمين على مستوى العالم أبدوا رأيهم في عملية الاختيار واستقروا على اسم المرشح لموقع المرشد، ولم يكن هناك ما يمنعهم من ترشيح آخرين... والحمد لله فكل شيء تم بصورة طيبة.
*في ظل العمل والمناقشات تحدث خلافات في الرؤى.. ما مساحة الحرية في الخلاف لديكم وكيف تدير فضيلتكم هذه الخلافات؟
الخلاف أمر طبيعي ولا يمكن أن يدعي أحد أن القرارات عند الإخوان تصدر بالإجماع..
إن الإجماع هوأحد مصادر التشريع في الإسلام، فإذا حدث أن أجمع المسلمون على رأي -وهذا لم يوجد إلا مع الصحابة- فإن ذلك لا يكون رأيًا لهم، وإنما باعتباره توقيفًا من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تعلم منه الصحابة الإسلام حتى لو فقد الاستناد إلى قول الرسول أو فعله صلى الله عليه وسلم.
ولا يمكن أن يجتمع الناس جميعهم على شيء واحد، الناس لم تجتمع على دين ولا على انتخابات أو غيرها، وإن ما تجده في بلادنا من نتائج الانتخابات شبه الإجماعية يعد في ذاته دليلاً على التزوير، ولا يمكن لأحد أن يقول إن أي قرار يصدر عندنا يكون بالإجماع إلا إذا كانت المسألة محصورة في مجموعة صغيرة كلفت بمهمة محددة لحسم أمر، ومن الممكن في هذه المجموعة أن يكون بها صاحب رأي مخالف، لكنه يعود بعد دراسة الأمر ويوافق على ما ذهبت إليه المجموعة.
إنما عند مناقشة الأمور التي هي محل اجتهاد وتقدير موقف لابد أن تختلف الآراء، وإلا لماذا كان هناك مكتب إرشاد؟ ولماذا هناك مجالس إدارات للصحف مثلاً ـ أو المؤسسات أو حتى النوادي؟ لماذا يكون هناك عدد من الأعضاء يشكلون المجلس؟ هل ليخرجوا برأي واحد في النقاش؟ لو كان الأمر كذلك لما كانت هناك حاجة لمثل هذه المجالس، فالخلاف في الرأي أمر طبيعي، وهذا من فضل الله وليس بعد المعصوم صلى الله عليه وسلم معصوم، ولا يوجد إنسان أحاط بكل شيء علمًا، وعندما يكون لدى من يتشاورون اتجاه للتكامل يكون الحوار أقرب إلى الصواب، أما إذا تعصب كلٌّ لرأيه فحسب، يكون ذلك نوعًا من التنازع، وهناك فرق بين الشورى والتنازع المنهيّ عنه، ونحن ندير أمورنا بروح الشورى بحثًا عن المصلحة وفق حكم الله سبحانه، وهناك مسائل حياتية متروكة للاجتهاد المجرد مثل:
خوض الانتخابات ـ مثلاً ـ فالأمر فيها يختلف بين شخص وآخر، لكن ما تستقر عليه الأغلبية يكون هو القرار، وعلى الجميع الالتزام به، ثم إن الباب مفتوح تمامًا لكل صاحب رأي يأتي ويقول كل ما لديه بحرية.
*بعض الناس يخرجون من الجماعة نتيجة لخلافات في الرأي، كيف يكون التعامل معهم...بالحوار، مثلما يفعل الإخوان مع الآخرين أم القطيعة؟
هذه سنة الله في الخلق، وأمر طبيعي بعد مرور أكثر من سبعين سنة من عمر الجماعة أن يحدث مثل ذلك... أن يخرج أناس ويدخل آخرون، وأحب في هذا الصدد أن أؤكد أننا لا نفرط في أحد، لكن من يقرر تركنا ففي أمان الله، وليس بيننا وبينه إلا المودة والمحبة والكلمة الطيبة والأخوة في الله، أما إذا اتخذ موقفًا غير أخلاقي معنا، أو اتخذ موقفًا يحاربنا به، ويعمل على تقويض الجماعة فلابد أن يكون لنا موقف آخر.
*ما هو؟
أولاً نحن لا نرد سباب أحد، ولا نسب أحدًا، فهذا غير موجود عندنا، ولكن ما أعنيه هو في العلاقة الإنسانية والتعاون والمعزّة.. الذي يخرج من الجماعة هو الذي يحدد ذلك.
*ولماذا لا يكون هناك حوار في كل الأحوال؟
قلت لك.. الحوار موجود، لكن موقف الشخص هو الذي يحدد ما إذا كان فيه حوار أم لا، وقلت لك إننا لا نسب أحدًا ولا نرد سباب أحد، ولكن ماذا تريد مني أن أفعل مع من يتخذ موقفًا ضدنًا؟ لا شأن لنا به.
وأذكر لك أمثلة..
الدكتور حسن الترابي ترك الجماعة منذ السبعينيات، هل أصدر أحد منا بيانًا ضده ..؟ رجل له اختيارات فقهية، وهو رأى أنها خير مما عندنا، وشكّل جماعة جديدة، وعندما شكّل المؤتمر الإسلامي كان يدعونا إلى جلساته السنوية، وكنا نستجيب، وقد شارك الأستاذ مصطفى مشهور -يرحمه الله- ولم يقاطع.
الأستاذ فريد عبدالخالق.. - نسأل الله له الصحة والعافية- اختلف في الثمانينيات حول كيفية إدارة الجماعة، وتركها، لم يقل عنه أحد كلمة، والجميع يحملون له كل احترام وتبجيل، وفي كل مناسبة ندعوه ونقدمه للحديث كأستاذ كبير وداعية إسلامي.. فالرجل لم يترك الدعوة وإن ترك التنظيم، وخلافه معنا لم يضرنا في شيء ولم يهز العلاقات بيننا.
لكن عندما يخرج منا شخص ثم يسبنا أو يتهمنا.. ماذا أفعل معه؟ عندما أراه أقول له السلام عليكم وينتهي الأمر.. إنما كيف أزوره ويزورني؟، عندما يخرج شخص بأسلوب غير كريم ودون وجود خلاف حقيقي، ثم يتقوّل أقاويل غير سليمة، حتى في المسائل التي كان يمارسها ويشارك فيها يقلب أوضاعها ويوجه اتهامات.
- هل تسمح لي فضيلتكم بأن نتناول قضية حزب الوسط؟، نريد سماع شهادتك حول هذا الموضوع خاصة أنك طرف رئيس فيه.
منذ بداية هذه القضية كنت أتحاشى الكلام فيها، ولكن كلامًا كثيرًا قيل وتناول أشخاصًا ومواقف، ولاشك أنها في حاجة إلى إيضاح، وأود أن أؤكد هنا ـ في هذه القضية ـ أنني ولله الحمد ليس في نفسي أي شيء تجاه أي شخص، وقد أبرأت كل من اعتدى على حقوقي الشخصية، لكن حقوق الجماعة لا أملك أن أبرئ أحدًا منها، وإنما نوكل أمره إلى الله، الذي حدث هو قلب للحقائق.
*كيف ؟
عندما يأتي شخص ويقلب أوضاع أمور كان يشارك فيها بنفسه، ويوجه منها اتهامات، عندما يقول شخص: إن في قيادة الجماعة أناس أيديهم ملوثة بالدماء!! كيف يُقبل هذا من شخص قضى في الإخوان عشرين عامًا تعامل خلالها مع من يتهمهم بذلك بكل احترام وتقدير وتبجيل، ثم فجأة يطعن فيهم، عندما يقال عني ـ وهذا غير حقيقي ـ إنني قلت عندما أعلن عن حزب الوسط 'إن الناس كلها ستتكلم عن فلان طيب وأنا أبقى إيه؟'
وهذا الكلام لم يصدر عني، وهو يمثل اتهامًا للإخوان وليس لي، إذ كيف يقبل الإخوان واحدًا في قيادتهم يحب أن يتكلم عنه الناس؟، إن هذا منافٍ للإسلام، ويكون على الإخوان أن ينهوا علاقتهم بمن يكون ذلك سلوكه، عندما يقول شخص إن الحكومة ليست هي التي منعت تكوين حزب الوسط، وإنما قيادات الإخوان هي التي منعت ذلك؛ لأنها مستفيدة من عدم تشكيل حزب سياسي، لأنه إذا تشكل حزب فستكون هناك مراقبة لكل الأعمال والأمور المالية.
هل هذا الكلام يعقل أو يكون مقبولاً؟، عندما يقول شخص إن الجماعة تزور انتخاباتها ماذا يكون قد بقي لها من قيمة، إن كنا نعيب على الحكومة التزوير؟ والجميع يعلم كيف تتم انتخابات مجلس شورى الإخوان وهذا الشخص الذي يتهم هو الذي كان يباشر هذه الانتخابات مع الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور عصام العريان، وقد نشرت مجلة المصور في مصر تفصيلات هذه الانتخابات ونتائجها، فقد كانت مراقبة ونحن لا ندري، وكانت النتيجة أن أحد أقطاب الحزب الحاكم قال لقطب كبير في الدولة إن انتخابات الإخوان ديمقراطية فقد سقط فيها فلان بن فلان وتلك هي الديمقراطية من الذي يحرق المراكب؟
*لكن.. ألم تحدث في المقابل ردود من جانبكم ربما زادت من وتيرة هذه التصريحات؟
لا لم يحدث.. نحن لم نسب أحدًا ولم نتهم أحدًا ولا نرد سبابًا، بل حدث مرة أن نُقل عني كلام غير صحيح بأنني قلت إن أبوالعلا ماضي يتعاون مع المباحث، وذلك في إطار حديث عن حزب الوسط، وقد شهد من كان حاضرًا هذا الحديث بأنني لم أقل ذلك، كما أنني استأذنت يومها الأستاذ مصطفى مشهور المرشد العام ـ يرحمه الله ـ في الاتصال بأبو العلا ماضي لتوضيح الحقيقة وقد اتصلت بالفعل، وردت على السيدة الفاضلة زوجته وأخبرتني أنه غير موجود وعندما سيعود ستخبره، لكنه لم يرد على اتصالي، وبعد
فترة عاودت الاتصال مرة أخرى، وأخبرتها بأن لديّ رسالة أريد إبلاغها، لكنه لم يتصل أيضًا ماذا أفعل بعد؟ من غير المعقول أن أهل بيته لم يخبروه.
نحن مرة أخرى لا نذكر أحدًا بسوء، لا أبو العلا ولا غيره.
*يتردد أن فضيلتكم منذ البداية كنت شديدًا بعض الشيء معهم؟
أكون شديدًا مع من يحاول هدم الجماعة، ودائمًا أقول للناس إن أي جماعة أو حزب أو كيان لا يستمر إلا في وجود غلاف يحفظه.. بالنسبة للإسلام فالله سبحانه وتعالى هو الذي أنزله وهو الذي يحفظه، وأرسل المصطفى - صلى الله عليه وسلم-؛ ليبينه للناس ويطبقه عمليًا، وليس لأحد بعد ذلك أن يتدخل في هذا وصدق الله العظيم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) (المائدة:3). فالشريعة اكتملت والنعمة تمت، لكن الذين يحملون الدعوة لابد أن يكون لهم نظام ينظم تجمعهم وإلا لاصطدم كل واحد بالآخر، لقد علمنا الله سبحانه وتعالى النظام في الصلاة، نقف صفوفًا متراصة خلف إمام، من الممكن ألا يعرفه بعض المصلين لكن عليه اتباعه مع كل حركة من حركات الصلاة، ولابد أن تكون الصفوف منتظمة ومتساوية والمسؤولية في ذلك جماعية؛ لأنه لو وُجِد واحدُُ منحرفًا عن الصف يقال إن الصف أعوج، وإن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج، من هنا فلابد لكل حزب أو تجمع من الناس من قانون يبين نظامه الأساسي ويحفظه من الانحراف، وأن يكون له برنامجه وهيئته الرئاسية وكيفية اختيارها.
ونحن نشاهد الأحزاب التي لايحترم فيها النظام، ماذا حدث لها عندما يموت رؤساؤها أو مؤسسوها؟ يظهر على السطح أكثر من رئيس.
إذًا احترام اللوائح التي تنظم عمل الجماعة مثل احترام لوائح المرور إذا لم تتبع وتحترم فسيتداخل الناس مع بعضهم البعض في الشارع، أما إذا أدرك الناس أن هذا النظام المروري لحمايتهم وحماية ممتلكاتهم، وأن هذا الشرطي البسيط الموجود في الشارع يؤدي خدمة جليلة لهم، عندها سيحترمونه ويحترمون إشارته وتنتظم حركة السير.
وبالنسبة لنا ـ الإخوان ـ عندما يخالف أناس اللائحة التي أقسموا على احترامها وبايعوا الله على ذلك، ثم يحاولون إحداث شرخ في الجماعة، لو تم لقُضى عليها.
*لكن مؤسسي الوسط يقولون إن الإعداد للحزب وتجهيز أوراقه جاء بناء على موافقه من قيادة الجماعة، ثم بعد تقديم الأوراق وإعلان الحزب أمام الرأي العام ما كان لنا أن ننسحب، وإلا لكان موقفًا محرجًا أمام الشارع؟
هم نسبوا لأحد أعضاء مكتب الإرشاد أنه طلب منهم أن يعدوا أوراق حزب، وبالفعل أعدوا، وكان الرجل مسافرًا، وعندما علمنا بأنهم يعدون للحزب أرسل إليهم الأستاذ مصطفى مشهور ـ رحمه الله ـ أكثر من مرة للحضور، فلم يحضروا، وذهبوا وقدّموا أوراق الحزب دون أن يعرضوه على أحد من أعضاء مكتب الارشاد، وهنا أسأل هل يسمح نظام أي حزب لمجموعة من أعضائه غير القيادة العليا بإعداد مشروع حزب ثم تقديمه للجهات المختصة دون رأي القيادة؟
ومع ذلك فقد كان الأستاذ مصطفى مشهور ـ يرحمه الله ـ في غاية اللطف معهم، ولو كنت شديدًا كما يقال فهل تلفظت بأي كلمة ضد أي واحد منهم؟.
إن 'أبوالعلا' جاء لمقابلة الأستاذ مصطفى بعد تقديم أوراق الحزب وكنت موجودًا لكني لم أتكلم بكلمة؛ لأنني مقتنع بقاعدة وهي أن المسؤول المختص إذا مارس اختصاصه لا أتدخل إلا بطلب منه والذي طلب أبو العلا يومها لمقابلته هو الأستاذ مصطفى ولم يطلب مني التدخل خلال الحديث، ووضع له الأستاذ مصطفى حلاً مريحًا، قال له لن نطلب منكم سحب أوراق الحزب، ولكن نحن نعرف أن لجنة شؤون الأحزاب لن توافق على الحزب فهي لجنة منع الأحزاب فإذا لم توافق يكون الأمر قد انتهى عند هذا الحد، لكن بعد أن رفضت لجنة شؤون الأحزاب الأوراق، فوجئنا بالإجراءات تتواصل للطعن أمام القضاء ضد قرار اللجنة.
هنا عندما علم المؤسسون بحقيقة الأمور، وأن الأمر يتم دون علم وموافقة القيادة انسحبوا، ولم يتبق إلا عدد بسيط، وقيل للمؤسس وللمحامين إذا كنتم تريدون الطعن فلا تطعنوا باسم أناس انسحبوا من المشروع، وطُلب منهم ألا يثبتوا حضورهم في المحكمة عن المؤسسين عمومًا، لكنه ذهب إلى المحكمة وأثبت حضوره عن المؤسسين جميعًا، فكان لابد من التصحيح.. تصحيح الوضع، وهو ألا نترك أسماء الإخوان تُستغل في شيء مرفوض من الإخوان، فذهب محامٍ آخر ومعه المؤسسون السبعون وألغوا التوكيل المُعطى من قبلهم لأبي العلا ماضي كوكيل للمؤسسين، فخرج بعد ذلك يقول بأن الإخوان ساعدوا الحكومة على رفض الحزب، ونحن هنا لم نكن نحارب أحدًا بقدر ما كنا نصحح وضعًا، القيادة لم توافق عليه، ثم إن المحكمة لم ترفض الطعن المقدم من المؤسس شكلاً، وقالت بأن من حق أي من المؤسسين الطعن، فانسحاب السبعين لم يؤثر على الطعن أمام المحكمة.
مرة أخرى أؤكد لك أن الجماعة لها سمتها المأخوذ من الخلق الإسلامي، ولا ترد على أحد سبابه، ولكني مضطر هنا للكلام في هذا الموضوع حتى أجلّي بعض الأمور التي صاحبتها دعايات يمكن أن تؤثر في الناس خاصة بالخارج والذين لا يعلمون الكثير من التفصيلات، ومن الممكن أن يتأثروا بتلك الدعايات.
المسألة أصبحت أشبه 'بالمولد'، حتى ظن البعض أنه يمكنه القضاء على الجماعة، لكن الله سبحانه وتعالى نجّى الجماعة، وهذا فضل من الله ويكفينا هذا الفضل.
وعلى العموم فنحن لدينا من المهام ما يشغلنا.
*الجماعة منذ نشأتها مرت بأحداث مشابهة، خرج أشخاص من قيادة الجماعة كما خرجت مجموعات.. كيف تنظر إلى ذلك؟
في عهد الإمام البنا ـ رحمه الله ـ خرج البعض وصدرت صحيفة صوت الأمة يومها بالمانشيت العريض قائلة˜: 'هذه الجماعة تهوي'، وشنّوا يومها حملة شعواء على الأستاذ البنا -رحمه الله- والذين أسسوا جماعة أنصار السنة كانوا مع الأستاذ البنا -رحمه الله- وعندما علم ـ بذكائه ـ أنهم يريدون الخروج اصطحبهم إلى مكتبه وفتح خزانة الجماعة، وأعطاهم كل ما فيها، وكان عشرين جنيهًا وهو مبلغ محترم في ذلك الوقت ليبدأوا به عملهم في جماعتهم الجديدة، ووقتها كان الإمام البنا ـ رحمه الله ـ يرد في الصحف على منتقدي الجماعة؛ لأن فرصة الكتابة كانت متاحة في جريدة 'الإخوان المسلمون '، والأستاذ حسن الهضيبي المرشد الثاني يرحمه الله أقال عبدالرحمن السندي رئيس التنظيم الخاص يرحمه الله، ورغم ما حدث بعد ذلك من محاولة احتلال المركز العام للإخوان إلا أن الهضيبي عندما سُئل عنه، وعمن معه (السندي) في درس الثلاثاء، قال عنهم إخوة كرماء، لكني أعيب عليهم أنهم لم يلتزموا بنظام الجماعة.
إذًا تنقطع الصلة ولكن لا نطعن في إسلام أحد.
المصدر
- مقال:حقيقة الخلافات وصراع الأجيال داخل الإخوانموقع:الشبكة الدعوية