حسَّان حتحوت عمرُ من العطاء

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
حسَّان حتحوت عمرُ من العطاء
د.حسان حتحوت.jpg

بقلم: د. عصام العريان

غيَّب الموت بعد عمر حافل بالعطاء أستاذنا الدكتور حسان حتحوت عن عمرٍ يناهز الخامسة والثمانين قضاها بين مصر و السعودية و الكويت والولايات المتحدة الأمريكية.

وُلد د. حسان حتحوت لأسرةٍ عريقةٍ بالمنوفية، وتخرَّج في كلية طب قصر العيني منتصف الأربعينيات، والتحق وهو طالب عام 194 2م، بدعوة الإخوان المسلمين ، وكان نشاطه بقسم الطلاب الذي عرف وقتها رموزًا بارزةً في تاريخ دعوة الإخوان المباركة مثل زملائه ورفقاء الطريق، د. عوض الدحّة "ابن المنيا"، وعبد الفتاح شوقي "ابن دمياط"، ود. خطاب، رحمهم الله جميعًا، ود. محمود البوز "ابن الشرقية" أمد الله في عمره ومتَّعه بالصحة وختم له بإحسان.

كما عرفت الجامعة وقتها نجومًا في العمل الدعوي والسياسي داخل حرم الجامعة مثل مصطفى مؤمن في كلية الهندسة، وحسن دوح في كلية الحقوق، وسعيد رمضان في كلية الآداب، وكانوا جميعًا خطباء وقادة وزعماء للطلاب.

في ذلك الوقت كانت دعوة الإخوان قد ترسَّخت في أروقة وكليات جامعة فؤاد الأول " القاهرة بعد ذلك" منذ بايع ستة من الطلاب على رأسهم "محمد عبد الحميد أحمد" من كلية الآداب الإمام الشهيد حسن البنا ، وبدأت الدعوة تعرف طريقها إلى "عالم الأفندية" بعد أن بدأها ببيعة مباركة عمال الإسماعيلية الستة مع الإمام الشهيد قبل عقد من الزمان.

كما كانت البداية مع ستة من عمال الإسماعيلية كانت البداية في أواخر 1933 م، مع ستة من الطلاب حيث تكوَّنت أول رابطة لطلاب الإخوان المسلمين من محمد عبد الحميد أحمد "آداب" وإبراهيم أبو النجا "الطب"، وأحمد مصطفى "التجارة"، وجمال الفندي "العلوم"، ومحمد رشاد الهواري "الحقوق"، ومحمد صبري "الزراعة"، الذين بادروا بزيارة الشيخ طنطاوي جوهري - رئيس تحرير مجلة الإخوان الأسبوعية- الذي بادر بالاتصال بالمرشد العام حسن البنا الذي كان في زيارة دعوية بالوجه البحري، وأرسل إليه خطابًا يزف إليه بشرى انضمام هؤلاء الأفندية حيث قال: "إذًا فقد بدأ عصر جديد، ولاحت نهضة جديدة، وطلع فجر منشود"، ومن الملاحظ أن غالبية هؤلاء صاروا أساتذة بالجامعة.

وبالفعل اهتم الإمام الشهيد بهم فخصص لهم لقاء أسبوعيًّا، وأفسح لهم بابًا خاصًّا في مجلة الإخوان، وعقد لهم مؤتمرًا سنويًّا خاصًّا بالطلاب ووظفهم لنشر الدعوة في قوافل دعوية صيفية.

بعد عشر سنوات تقريبًا عام 1942 م، التحق حسان حتحوت بالقافلة المباركة، وحضر تلك اللقاءات مع حسن البنا ، وكان دومًا جريئًا قوي الشخصية يجهر برأيه، ويناقش كل الأمور مع الإمام الشهيد، ويعترض إذا عنَّ له أمر ولا يسلم للإمام دون فهم ووعي، وقد سجَّل تلك الفترة الذهبية من حياته في الكتاب الصغير حجمًا العظيم فائدة الذي أصدرته "دار الشروق 2000 " العقد الفريد: عشر سنوات مع الإمام حسن البنا 1942 - 1952 .

لقد قصَّ فيه الراحل الكريم سيرته الذاتية حتى قيام حركة الجيش، ثم عرض في فصلين مهمين رؤيته لمسألة العلاقة بين الحركة الإسلامية والحكم، والعلاقة بين الإسلام والديمقراطية من منظور إخواني تشرَّب بالدعوة المباركة وفهمها على يد مؤسسها حسن البنا ومارسها عمليًّا في تجربة ثرية جدًّا في العمل الإسلامي الحركي والفكري.

لقد كان د. حسان طبيبًا نطاسيًّا بارعًا وأستاذًا للطب في النساء والتوليد، وكان أديبًا بليغًا له أسلوبه المميز، وكان خطيبًا مفوّهًا باللغتين العربية والإنجليزية، وكان شاعرًا مفلقًا كما يقول الشيخ القرضاوي- حفظه الله- والذي استشهد بأبيات له عن القرآن الكريم يحفظها في ذاكرته منذ الأربعينيات وكان داعيةً مؤثرًا بقدوته الحسنة قبل حديثه الطلي وسلوكه الملتزم في أدائه العملي والطبي والمهني قبل خطابته وكلماته.

وقد ساهم د. حسان في الجهاد ب فلسطين عندما أعد الإمام حسن البنا بالاتفاق مع المفتي الأكبر ل فلسطين الحاج أمين الحسيني في إطار اللجنة العربية العليا لدعم جهاد فلسطين كتائب الفدائيين، وكان الإعداد للجهاد شاملاً، وليس بطريقة عشوائية فقد ساهم الدعاة والمربّون في التوعية بالقضية الفلسطينية، وحث الإخوان على التطوع للجهاد، وتم وضع ضوابط لاختيار المتطوعين، وإعداد معسكرات للتدريب، وتم جمع الأسلحة وتجهيزها بواسطة المتخصصين، وتم إعداد جهاز طبي كفء لمرافقة المجاهدين، وكان من هؤلاء د. حسان حتحوت الذي كان حديث التخرج مع زملاء له وآخرين من السابقين مثل د. أحمد الملط وعوض الدحّة.

ويحكي القرضاوي قصة ذات مغزى توضح بجلاء المعدن النفيس للدكتور حسان حتحوت ، والفهم الثاقب لدين الله تعالى حيث تم أسر عدد من المقاتلين اليهود الصهاينة وأراد قائد الوحدة العسكرية المصري أن يجهز عليهم، وكان قد استدعي د. حسان لعلاجهم من بعض الإصابات، فما كان من د. حسان حتحوت إلا أن اعترض بقوة على حكم الإعدام واستدل بالآية الكريمة: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ (محمد: من الآية 4)، و﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)﴾ (الإنسان)، وكرر آراء الفقهاء في حرمة قتل الأسرى والرسل.

عاد د. حسان مع رفاق الجهاد من ساحات الميادين إلى غياهب المعتقلات في معتقل "هايكستب" ليبدأ رحلة جديدة ومرحلة أخرى في ركب الدعوة والدعاة، من قسم الطلاب إلى ساحة العمل الطبي إلى ميدان الجهاد، وإلى غياهب المعتقلات ثم من جديد إلى فضاء الحرية.

خرج د. حسان من مصر كآخرين مع بداية عصر القهر والاستبداد، فهو طائر حر يريد التحليق، ولا يستسلم للقيود، مثله مثل يوسف ندا، والشيخمصطفى العالم والشيخ محمد عشماوي، و فتحي الخولي ، والدكتور مناع القطان ، و عصام الشربيني ، والدكتور عز الدين إبراهيم ، و سعيد رمضان ، و الدكتور سالم نجم .. إلخ.

خرج إلى السعودية لينطلق منها إلى الكويت التي عاش فيها حوالي عشرين عامًا، طبيبًا وأستاذًا للنساء والتوليد وقريبًا من الأسرة الحاكمة، وأعيان الكويت ورجالاتها ومرجعًا فقهيًّا ودعويًّا للجميع ومؤتمنًا كطبيبٍ على أسرار البيوت.

وساهم مع الدكتور عبد الرحمن العوضي "وزير الصحة الأسبق" حفظه الله في تأسيس "المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية" التي جمعت الأطباء والفقهاء والقانونيين وبدأت نشاطها في منتصف الثمانينيات لتتولى البحث والدراسة لملفات معقدة ومتشابكة ويختلط فيها الطب والقانون بالاجتماع.. إلخ.

وهنا تعرفت عليه في ندوات المنظمة ومؤتمراتها وحلقاتها النقاشية مع منظمة الصحة العالمية، وكان في كل ذلك المرجع الذي يعود إليه الجميع، وينصت إليه الكل في اهتمام لدينه وورعه، وفقهه وفهمه، وخبرته وعلمه.

قبل عشر سنوات تقريبًا قرر د. حسان حتحوت الرحيل عن العالم العربي والكويت وممارسة المهنة إلى الميدان الذي عشقه ومارسه كهاوٍ وطوال عمره بحب وشغف "الدعوة إلى الله"، ولكن هذه المرة متفرغًا وفي أمريكا الشمالية وفي الولايات المتحدة في لوس أنجلوس مع شقيقه د. ماهر حتحوت الذي أسس منذ سنوات طويلة مركزًا إسلاميًّا.

ونجح د. حسان أيما نجاح في حواراته التليفزيونية ونشاطاته الدعوية حتى أقنع البيت الأبيض بإقامة صلاة لعيد الأضحى، ونجح مع آخرين في احتواء الآثار السلبية المدمرة لأحداث 11 سبتمبر على مسلمي أمريكا، والتي توقع البعض في ندوة حضرتها في (إسلام أون لاين) أن تكون بداية النهاية للوجود الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقبض ملك الموت روح حسان حتحوت في أمريكا ودفنه أصدقاؤه ومحبوه ومريدوه في تلك الأرض الغريبة، عاش غريبًا ومات غريبًا وكان عجيبًا غريبًا بين أقرانه فطوبى للغرباء، وخالص العزاء إلى زوجته المحبة الوفية الدكتورة سالوناس، وابنته الدكتورة إباء، وإلى شقيقه الدكتور ماهر حتحوت، وقد نعاه المرشد العام الأستاذمحمد مهدي عاكف نعيًا مؤثرًا فقد تتلمذ على يديه، وكان من رفقاء الدرب في قسم الطلاب منذ تولاه الأستاذ عز الدين أبو شادي ثم فريد عبد الخالق ثم أحمد فؤاد جلال قبل أن يتولاه محمد مهدي عاكف.

وقد جاء في النعي: "لقد كان- يرحمه الله- خير نموذج للداعية صاحب الفكر الراقي والأدب الجم والخلق الرفيع والجرأة في الحق والتضحية في سبيل الله، ولا يفوتنا ذكر موقفه الرائع في تركه للعمل بدولة الكويت وذهابه للدعوة في أمريكا.

لقد عرفت الراحل الكريم منذ عرفت دعوة الإخوان ومن أحاديث رفاق الدرب عنه من الدكتور عبد الفتاح شوقي زميل الدراسة، والذي طالما صحبنا أنا وأخي عبد المنعم أبو الفتوح لزيارته في شقتي بعمارة الأصيل على كورنيش النيل بالمعادي.

وعرفته في لقاءاته بالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، وعرفته في آخر حياته، وهو يعاني المرض الشديد ولا يقوى على المشي، ولكن لم تفارقه روحه المرحة وثقافته الواسعة وفكره الثاقب وتوجيهاته الرائعة.

رحم الله أخانا الكبير حسان حتحوت الذي ارتبط بالدعوة المباركة- دعوة الإخوان- كفكرة ورسالة ولم يتقيد بنظم ولوائح ومواقع، فاحتل مكانه في القلوب- قلوب الإخوان والمسلمين والناس أجمعين- ليس بالمناصب والإداريات بل نفذ إلى لب الدعوة وجوهرها فكان أحد جواهرها القلائل.

المصدر


قالب:روابط حسان حتحوت