حرق كتب "فضل" في مواجهة من؟
محمد عبد العزيز
(14/04/2015)
مقدمة
مبكرا؛ حضرت المسئولة الكبيرة مسرعة إلى المدرسة، نزلت من سيارتها في منتهى الجدية.. وعلى الفور كانت إدارة المدرسة في الفناء لتنفيذ المهمة العاجلة التي تم التأكيد على ضرورة إنهائها فورا، قبل أن يستفحل الخطر، ويحدث ما لا يحمد عقباه.
فراش المدرسة بدوره أحضر الكراتين العتيقة التي تم تجميع الكتب -المغضوب عليها- من مكتبة المدرسة، للتخلص منها، ولتلتهم النيران أحد أهم أسباب الخطورة، التي اكتشف المسئولون أنها تقبع في تلك المدرسة التي أنشأها وقام على إدارتها وتخرج منها مجموعات يعتقد على نطاق واسع أنهم ضمن المتطرفين الذين تسعى وزارة التربية والتعليم، ومن خلفها الحكومة، والرئيس، للتخلص منهم "في مراحل محسوبة ودون إبطاء أو تهاون قد تتحمل الأجيال المقبلة عواقبه الوخيمة".
وبمنتهى الوطنية.. وزع مرافقو المسئولة الكبيرة أعلام مصر على المتجمعين في الدائرة التي تشرف على تلك المهمة الوطنية؛ حتى تكتمل الهيئة الوطنية للمشهد؛ حيث ترفرف أعلام مصر الصغيرة في نفس اللحظة التي تأكل النيران تلك السطور التي تحض على الإرهاب والقمع، وتدعو إلى تكفير الآخرين والانعزال عن المجتمع، وهو ما تقرر أن تحتويه هذه الكتب، حتى وإن لم تحتو على ذلك بالفعل.
الآن.. اكتملت المهمة، وأتت النيران على الكتب، لتغادر المسئولة الكبيرة المدرسة منتشية بأنها تمكنت من إجهاض بؤرة إرهابية طالما انتشر إرهابها خلال سنوات طويلة تم خلالها حشو عقول التلاميذ بتلك الأفكار والمعتقدات التي قرر المصريون الثورة عليها في نهاية شهر يونيو 2013، ولتنضم المدرسة -التي كان يسيطر عليها الإخوان- إلى "رتل" المدارس الوطنية التي تسعى إلى تعميق حب الوطن، وإعلاء مفهوم الوطن على ما عداه مهما كانت الأسماء والصفات.
الصور التي تداولها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع لحرق مسئولين لمجموعة كتب في فناء المدرسة -تشرف عليهم الدكتورة بثينة كشك مديرة التربية والتعليم بالجيزة- يوم الإثنين 6 إبريل، تحولت إلى تعبير واضح للمرحلة التي تمر بها مصر في العامين الأخيرين، والتي يعتقد على نطاق واسع أنها تهدف إلى حرق الأرض في مواجهة وجود الإخوان في كافة مناحي الحياة في مصر، أو كما يقول الإسلاميون إنه تجفيف للمنابع الدينية بشكل تعدى الإخوان ليصل إلى قواعد الدين وعقائده.
ولكن المثير أن الكتب كلها تحمل عناوين عادية لا ترتبط بالإخوان من قريب أو بعيد، وتتحدث عن قيم جمالية وأخلاق عامة، ومبادئ إسلامية، ولمؤلفين تمتلئ أرفف المكتبات بأعمالهم مثل: د.زغلول النجار، عبد العال الحمامصي، محمد فريد أبو حديد، أنور الجندي، الشيخ محمد حسان، الفقيه القانوني عبد الرزاق السنهوري، محمد عناني، أبو بكر جابر الجزائري؛ ليثور التساؤل حول الهدف من الحرق، ولماذا يتم في هذه المدرسة بالتحديد؟
من الكتب المحترقة
ومن الكتب التي تم حرقها:
- "الإعجاز العلمي في القرآن" للدكتور زغلول النجار
- من معالم الإسلام للكاتب الراحل محمد فريد وجدي
- العودة إلى الهوية الإسلامية للكاتب والأديب أنور الجندي
- مكانة القدس في الإسلام للشيخ عبد الحميد السايح
- مكانة المرأة في الإسلام لمحمد عطية الإبراشي
- أصول الحكم في الإسلام للعلامة عبد الرزاق السنهوري
- خلق المسلم لمحمدأسامة عساكر
- أحداث النهاية للشيخ محمد حسان
- جمال الدين الأفغاني لعثمان أمين
- علم الإنسان في القرآن للكاتب علي القاضي
- عالم الجن والشياطين لمحمد سليمان الأشقر
- منهاج المسلم لأبي بكر جابر الجزائري
- كلمات عابرة للمرأة المسلمة لمحمد أمين حرزا عالم
- توجيهات إسلامية للشيخ محمد بن جميل زينو
- واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله للدكتور محمد مختار الشنقيطي
- المختار من إغاثة الأمة في كشف الغمة لتقي الدين أحمد بن علي
- أقلام في موكب النور للكاتب عبد العال الحمامصي
- الفتح الحسن للشيخ أحمد فريد المزيدي
- اللحية لماذا لمحمد بن أحمد بن إسماعيل
- زواج هز مصر لرشاد كامل
- عيد ميلاد جديد لمحمد عناني.. وغيرها
المدرسة من جانبها أصدرت بيانا تعتذر فيه عن واقعة حرق الكتب خلال الفسحة، مما أثار الرعب لدى التلميذات، ودفع بعضهن إلى الغياب عن المدرسة منذ ذلك الحين، وحملت المسئولية للمسئولين في مديرية التعليم بالجيزة، ورئيس اللجنة المشرفة على المدرسة من قبل التربية والتعليم عبد الله عراقي، لافتة إلى أن المدرسة غير مسئولة عن حرق الكتب التي تم الادعاء بأنها تحرض على العنف والتطرف.
وجددت التأكيد على التزامها بالقوانين واللوائح التي تنظم عمل المدارس، وأنها لا تتبع أي تنظيم أو جماعة، مؤكدة أنها حصلت على حكم قضائي برفع التحفظ عليها في 27 مارس 2015، وقامت بالحصول على مسودة الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري لتنفيذ قرار إلغاء التحفظ عليها، كما أشارت إلى أن المدرسة منذ 30 فبراير 2014 والمدير التنفيذي هو المسئول عن العملية التعليمية والمكتبات، وأنه تم خلال تلك الفترة التفتيش على المكتبة أكثر من مرة.
وأشارت المدرسة إلى أن حرق الكتب بهذه الطريقة تم لأغراض إعلامية بهدف الهجوم على المدرسة وتشويه سمعتها. وبدورها دافعت بثينة كشك -وكيل وزارة التربية والتعليم بالجيزة- عن واقعة حرق الكتب بالمدرسة، مؤكدة أنه تم "حرق كل الكتب التي تخرب عقول الطلاب والممنوع تداولها في مصر، حيث تم "حرق أكثر من 80 نوعًا من الكتب لمؤلفين ممنوع تداول كتبهم في مصر، تحض علي العنف والإرهاب " والكتب تستحق الحرق، واحتفلنا خلال تنفيذ ذلك". وأوضحت أن ما تم كان من خلال لجنة "إعدام الكتب في المدارس"، وهي لجنة تسعى إلى "تريبة للأطفال سليمة وصحيحة".
شاهد تصريحات وكيلة الوزارة:
ويشير متابعون إلى أن وكيلة الوزارة تكذب لتبرير ما حدث، حيث تضم الكتب عددًا كبيرا من العناوين والأسماء لمؤلفين تتداول كتبهم في مصر على نطاق واسع، إضافة إلى أن أيا منها لا يحتوي على تكفير أو عنف.
لماذا مدارس فضل؟
وتأتي شهرة مدارس فضل بأنها ملك محمد فضل، صهر الدكتور عصام العريان القيادي الإخواني المعروف، ولذلك تم التحفظ عليها، واعتبارها تابعة للإخوان، رغم نفي أصحاب المدارس تبعيتها لأي جماعة أو هيئة. وتم التحفظ على المدارس ضمن 89 مدرسة خاصة ولغات، وتضمن قرار التحفظ تشكيل مجالس إدارات جديدة، وعزل مجالس إدارتها، وإخضاعها لما سمي "مجموعة مدارس 30 يونيو" بديوان عام الوزارة، إلا أن المدرسة حصلت على حكم قضائي في 17 مارس 2015 ببطلان قرار التحفظ على المدرسة، ولم يتم تنفيذ الحكم حتى الآن.
كما أوقفت محكمة القضاء الإداري، في 24 يونيو 2014، قرار التحفظ على أموال 20 مدرسة مماثلة، وقضت ببطلان القرار، وعدم الاعتداد بالحكم الصادر من محكمة الأمور المستعجلة في ذات الشأن أواخر العام الماضي. وتتمتع المدرسة بسمعة جيدة في أوساط الطلاب وأولياء الأمور على مستوى المحافظة.
شاهد برومو وأغنية المدرسة
التتار والصليبيون .. وآخرون
ووفقا لتقرير نشرته جريدة الأهرام، فإن حرق الكتب جريمة ليست جديدة، وكان أحدثها الأخبار التي تم تداولها حول قيام تنظيم الدولة الإسلامية بحرق المكتبة المركزية شمال شرق بعقوبة، إضافة إلى حرقها مكتبة أخرى تضم 1500 كتاب متفوقة لذلك على ما خلفته الحرب العالمية الثانية من دمار.وسبقها بقرون المكتبة البولندية، التي أنشئت عام 1928 وفتحت أبوابها عام 1930 وتم تدميرها بالكامل في الحرب العالمية الثانية عن طريق قصفها بالطائرات ليحترق فيها أكثر من 14 مليون كتاب ومخطوط.
إضافة إلى مكتبة البوسنة والهرسك؛ التي أنشئت عام 1945 وتم تدميرها عام 1992 على يد القوات الصربية، ومكتبة الإسكندرية الملَكية، أول وأعظم مكتبة عرفت في التاريخ وظلت أكبر مكتبات عصرها، والتي تم حرقها في عام 48 ق.م، حين قام يوليوس قيصر بحرق 101 سفينة كانت موجودة على شاطئ البحر المتوسط أمام المكتبة، وامتدت نيران حرق السفن إليها، ويعتقد بعض المؤرخين أنها دمرت.
ومن المكتبات التي تم حرقها "مكتبة جافنا" بسريلانكا، والتي تعتبر من أغنى مكتبات جنوب آسيا، قبل أن يتم إحراقها سنة 1981، إثر أعمال شغب، إضافة إلى "مخطوطات المايا" التي احترقت عام 1562" و"مكتبة سراييفو" أو "المكتبة الوطنية" التي احترقت بالكامل فى 25 أغسطس 1992. وكانت تضم أعظم الكنوز المعرفية فى غرب البلقان عبر التاريخ، وكان من بينها آلاف الروايات، والكتب التاريخية، والرسائل الجامعية، وأمهات المصادر المعرفية، وفي دقائق تحول مليوني كتاب، و300 مخطوط من أنفس المخطوطات العالمية التى لا تقدر بثمن، إلى ركام.
هذا غير ما حدث في "المكتبة الألمانية"، و"مكتبة القسطنطينية"، و"مكتبة ناصر خسرو"، و700 ألف مخطوط كانت في "مكتبة تمبكتو في مالي" كانت معظمها باللغة العربية. وتكرر ذلك في مكتبة آشور بانيبال الملكية التي تأسست في القرن السابع قبل الميلاد، واحتوت على آلاف ألواح الطين وبقايا نصوص نسبة كبيرة منها باللغة الأكدية، وتم حرقها بالكامل.
أما مكتبة "بني عمار" في طرابلس، التي كانت كتبها مجلدة تجليدًا فاخرا، ومزخرفة بالذهب والفضة، وبلغت محتوياتها 3 ملايين كتاب، وكان لها أكثر من مائة وثمانين ناسخًا يتناوبون العمل بالمكتبة ليلاً ونهارًا.. فقد حرقها الصليبيون لظنهم أنها تضم نسخ القرآن الكريم. وشهدت مكتبة سابور التي أسست في عام 381هـ في مدينة بغداد مصيرًا مأساويًّا، حيث بلغ عدد الكتب فيها نحو 10400 كتاب.
ومن أشهر المكتبات التي تم حرقها "مكتبة بيت الحكمة" في بغداد التي ظلت ردحًا من الزمن تمثل الإشعاع الفكري العربي الإسلامي منذ أن أسسها هارون الرشيد، ورعاها ابنه المأمون، وكانت تضم مرصدًا فلكيًّا، وأوقف عليها 200 ألف دينار من بيت مال المسلمين، وتم تدميرها على أيدي المغول عند اجتياحهم بغداد، وألقوا بجميع محتوياتها في نهر دجلة وتحول ماء دجلة إلى اللون الأسود، وهو لون المداد المستخدم آنذاك.. كما دمر المغول بالإضافة إلى مكتبة بيت الحكمة، وكان بمثابة مكتبة عامة.
المصدر
- تقرير: حرق كتب "فضل" في مواجهة من؟ موقع بوابة الحرية والعدالة