حرب 5 يونيو 1967م - الحلقة الثالثة
بقلم : مصطفى الطحان
الجبهة الأردنية
والقوات الإسرائيلية وإن توجهت في اليوم الأول لحسم معركتها على الجبهة المصرية.. إلا أن أنظارها كانت ترنو إلى أرض المقدسات (القدس) وجميع أجزاء الضفة الغربية.
(كانت القوات الأردنية تتألف من لواء المشاة السابع والعشرين وكتيبة من لواء المصفحات الستين الذي يتألف من 80 دبابة من طراز باتون). كانت هذه القوات تشكل خطراً على جبل المكبر وبيت الحكومة الإسرائيلية.
في 24 مايو وصلت إلى الأردن فرقة مشاة عراقية بكاملها معززة بـ(150) دبابة. علم أيضاً أن كتيبة من الكوماندوس وصلت إلى عمان يوم 3 حزيران (يونيو) 1967م.
بعد أن قامت إسرائيل بعدوانها على مصر، ابتدأ الأردن يقصف القدس الجديدة التي تحتلها إسرائيل. كانت القذائف تطلق من جميع الحدود الأردنية، وتساقطت قذائف المدفعية الأخرى في أقصى الشمال تقصف قاعدة الطيران الرئيسة رامات داود)(1).
معركة القدس
والقدس المدينة المقدسة لدى المسلمين.. والتي حموها بصدورهم في كل عهود تاريخهم، ويوم احتلها الصليبيون، لم يستطيعوا دخولها إلا عندما بلغت دماء المسلمين إلى ركب خيولهم، سقط حول أسوارها 70 ألف شهيد. أما اليوم فقد سقطت القدس بعد مقاومة بسيطة.. استمرت بضع ساعات فقط. ولم تسقط القدس وحدها بل سقطت جميع الضفة الغربية ومدنها الغالية.
احتلوا جميع أجزاء الضفة الغربية بعد يوم أو يومين من القتال.
صحيح ان سلاح الجو الإسرائيلي لعب دوراً حاسماً في المعارك. لكن الصحيح أيضاً أن ابن الضفة الغربية كان أعزلاً مجرداً من السلاح الذي يدافع فيه عن أرضه وعرضه.
دخل ديان القدس في صحبة رابين وناركيس وتوجهوا نحو حائط المبكى.. ولأنه فاتَهُمْ أن يستولوا على القدس عام 1948م.. فقد سيطروا عليها اليوم. تحققت أحلام اليهود.. وارتفعت أعلامهم تدنس الأرض المقدسة التي بارك الله فيها وحولها، بينما الزعامات المحيطة بفلسطين تشعر بالغبطة الشديدة.. فهم وإن خسروا الأرض والمقدسات إلا أن الأنظمة والرؤساء ما زالوا قائمين..!
سقوط الجولان
كثر الحديث عن الجبهة السورية في الحرب، فهي لم تشترك إلا في اليوم التالي.. بالرغم من أن القيادة السورية كانت أكثر المتحمسين لهذه الحرب.. بل إن عبد الناصر فعل ما فعل تحت تأثير الدعاية السورية التي تقول إن القوات الإسرائيلية محتشدة على الحدود مع سوريا.
(سقوط الجولان)، (ومن ملفات الجولان). وكتب كثيرة أخرى كتبها محللون سياسيون وعسكريون.. تحدثت عن (خط ماجينو السوري) الذي لا يمكن احتلاله إلا بصعوبات بالغة وإمكانات هائلة.. تساءلوا: كيف سقط بهذه السهولة؟
يوم هروب قيادات الجيش من الجولان نحو دمشق حاملين معهم بعض المتاع.. سرت في أوساط الناس نكتة تقول: (ولماذا يحملون هذا المتاع فقد باعوها مفروشة)!
هكذا عبر الناس عن حزنهم بالضحك.. وشر البلية ما يضحك!
اجتمع مجلس الأمن للمطالبة بوقف إطلاق النار.. وذكر المندوب السوري أن إسرائيل احتلت الجولان ومدينة القنيطرة.. ونفى المندوب الإسرائيلي ذلك(2).. فهم لم يحتلوها بعد.. وأنى للسوريين أن يعرفوا ما يجري.. وهم منسحبون انسحاباً كيفياً قبل ذلك..؟!
وهكذا ضاعت الجولان الحصينة والقنيطرة.. وقال بن غوريون.. أن إسرائيل لا تستطيع أن تتخلى عن الجولان والقدس.. القدس لأنها عاصمة إسرائيل والجولان(3).. لأنها أخطر جبهة كانت تخفيف إسرائيل..!
ولم يعتبر النظام خسارة الجولان كارثة كبرى، فقد صرح وزير خارجية النظام السوري يومذاك إبراهيم ماخوس(4): لا تنسوا أن الهدف الأول من الهجوم الإسرائيلي هو إسقاط النظام التقدمي في سورية، وإذا كان النظام باقياً فإن إسرائيل لم تحقق ما كانت تريد!!
نتائج نكسة حزيران 1967م
دامت الحرب مدة ستة أيام.. بين إسرائيل والعرب. احتلت إسرائيل خلالها كامل سيناء وقطاع غزة ووقفت بقواتها المسلحة على ضفاف قناة السويس، كما احتلت كامل الضفة الغربية بما فيها القدس ووقفت بقواتها أمام نهر الأردن الذي اعتبرته ولو إلى حين حدوداً معقولة، كما احتلت القنيطرة والمرتفعات السورية التي كانت تهيمن على إسرائيل فأصبحت بيد العدو يهدد من على قممها دمشق.
وبذلك أصبحت إسرائيل ولأول مرة في تاريخها دولة عظمى في الشرق الأوسط. تملك أعظم قدرات عسكرية في المنطقة.. وأصبحت بالتالي الدول الأخرى مثل مصر وسوريا والأردن.. دولاً محتلة مقهورة.. وستبقى هذه المعادلة تتحكم زمناً طويلاً في مجريات الأمور في المنطقة.. لخصها وزير خارجية إسرائيل أبا ابيان حين مرّ بلندن في طريقه إلى تل أبيب في 7 يوليو 1967م.. قال:
(غدا يطلب المنتصرون السلام، بينما يطالب المهزومون بالاستسلام بلا قيد أو شرط!! بدأت القصة بعنتريات حكام العرب للحيلولة دون تحويل مجرى نهر الأردن.. وانتهت بان أصبحت المنطقة بكاملها بما فيها المجرى الحزين لنهر الأردن من مستعمرات إسرائيل.
يوم 27 حزيران (يونيو) 1967م أصدرت إسرائيل قانوناً يضم القدس القديمة ويوحدها مع القدس الجديدة ويجعلها العاصمة الأبدية لإسرائيل.. وأعلنت إسرائيل كذلك إذا كانت بقية المناطق المحتلة قابلة للتفاوض مع الدول العربية.. فإن القدس والجولان ليستا قابلتين للتفاوض على الإطلاق.
ولقد أعلن بن غوريون، وهو من أهم الشخصيات الإسرائيلية إنه ليس مضائق تيران فقط يجب أن تمر بها الملاحة الإسرائيلية بحرية فحسب، بل أيضاً قناة السويس حسب القانون الدولي، ويجب أن تبقى القدس مدينة يهودية موحدة. وأن الخليل يجب أن تضم لإسرائيل لأنها أكثر يهودية من القدس نفسها. وأصرّ بن غوريون على تحقيق شرطين مسبقين لتخلي إسرائيل عن أي من الأراضي التي استولت عليها وهي:
أن يعترف العرب بدولة إسرائيل،
وأن يوقعوا معاهدة صلح معها.
وما زالت إسرائيل تنتظر حكام العرب، أن يقدموا إليها فرادى أو مجتمعين للاعتراف بالدولة اليهودية وأن يوقعوا معاهدات صلح معها.
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242
بعد أشهر من الأخذ والعطاء والتعنت والشروط التعسفية من قبل إسرائيل، توصل مجلس الأمن في الثاني والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 1967 إلى القرار رقم 242 الذي هو مجموعة من العموميات اختلفوا سلفاً في تفسيرها قبل أن يختلفوا حول طريقة تنفيذها. واضع القرار هو اللورد كارادون مندوب بريطانيا في المنظمة الدولية.
أما نص القرار فهو:
إن مجلس الأمن:
- 1- يعبّر عن قلقه المستمر للموقف الخطير في الشرق الأوسط.
- 2- ويؤكد عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب. والحاجة إلى سلام عادل ودائم تستطيع أن تعيش فيه كل دول المنطقة.
- 3- ويؤكد أيضاً أن جميع الدول الأعضاء عندما قبلت ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالتصرف وفقاً للمادة الثانية من الميثاق:
أولاً- يعلن أن تطبيق الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وهذا يقتضي تطبيق المبدأين التاليين:
انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير.
أن تنهي كل دولة حالة الحرب، وأن تحترم وتقر الاستقلال والسيادة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وحقها أن تعيش في سلام في نطاق (حدود آمنة) ومعترف بها، متحررة من أعمال القوة والتهديد بها.
ثانياً- يؤكد المجلس الحاجة إلى:
- 1- ضمان حرية الملاحة في الممرات الدولية في المنطقة.
- 2- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
- 3- ضمان حدود كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي عن طريق إجراءات دولية، ومن بينها إنشاء منطقة منزوعة السلاح.
ثالثاً- يطلب من السكرتير العام أن يعين ممثلاً خاصاً إلى الشرق الأوسط لإقامة اتصالات مع الدول المعنية، بهدف المساعدة في الجهود، للوصول إلى تسوية سلمية ومقبولة في هذا القرار.
رابعاً- يطلب من السكرتير العام للأمم المتحدة أن يبلغ المجلس بمدى تقدم جهود المبعوث الخاص في أقرب وقت ممكن.
(1) حرب الأيام الستة- ونستون تشرشل، ص- 81.
(2) المصدر السابق، ص- 106، تحدث عن البلاغ السوري رقم 66 الذي أعلن سقوط القنيطرة قبل احتلالها.
(3) سقوط الجولان- خليل مصطفى (ضابط استخبارات الجولان قبل الحرب).
(4)المرجع السبق، ص- 262.
المصدر
- مقال:حرب 5 يونيو 1967م - الحلقة الثالثةموقع:الشبكة الدعوية