حرب الفرقان – أولى الحروب الفلسطينية الإسرائيلية
بقلم / محمد أبو راشد
بعد 14 يوما من بداية حرب الفرقان لم ينجز الجيش الإسرائيلي ب 5 ألوية من ألوية النخبة أي هدف سياسي أو عسكري، اللهم إيقاع أكبر عدد ممكن من المدنيين نصفهم من الأطفال و النساء. ومازالت الصواريخ تنهمر.
الجيش الإسرائيلي دخل المناطق الخالية و أطراف المدن .حاول عدة مرات أولها يوم الإثنين الماضي وصدم بضراوة المقاومة واستعدادها وقد انعكست آثار هذه المعركة وغيرها على المستوى العسكري والسياسي. سيظل الجيش الإسرائيلي يراوح مكانه ويستهدف المدنيين و لن يخرجه من مأزقه هذه المرة إلا التزامه رغما عنه بتبعات التهدئة ألا وهي فتح المعابر وعلى رأسها معبر رفح.
حرب الفرقان هي أولى الحروب الفلسطينية – الإسرائيلية بلا منازع لتميزها بالتالي:-
· هى أول حرب لها طرفان أحدهما يهاجم (الطرف الإسرائيلي) والآخر يدافع (قوات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس) . أما كل الاشتباكات السابقة فهي إما عمليات فدائية هجومية أو استبسال دفاعي محلي لكنها في النهاية لم تكن حربا فقد كانت بين الجيش الإسرائيلى ومجموعات صغيرة. وهذا الكلام أيضا ينطبق على الفصائل المجاهدة و من ضمنها حماس حتى قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.
· لأول مرة تحاول إسرائيل اقتحام أرض فلسطينية وتفشل فكل الاعتداءات السابقة منذ 48 وما قبلها كان اليهود يهاجمون ويستولون على المناطق ثم تفريغها من الفلسطينيين بالقتل ونزوح من بقي على قيد الحياة . حتى عندما كانت الجيوش النظامية مسؤولة عن حماية المناطق الفلسطينية فمثلا الجيش المصري لم يصمد لا في 56 ولا في 67.
· في هذه الحرب يعتمد الفلسطيني على الله أولا ثم على نفسه ثانيا . فعلى المستوى العسكري فقد أذهلتنا فصائل المقاومة بالتصنيع العسكرى المحلى من حيث تنوع الصواريخ ومداها وتطورها والأدهى أنها تحت الأرض وبدون الاستعانة بخبراء ألمان أو غيرهم ومن غير الاستيلاء على ميزانيات التعليم والصحة، ولم نسمع يوما من أحد "لاصوت يعلو فوق صوت المعركة" . إنه إنجاز ومصدر فخر لكل فلسطيني وعربي ومسلم.
· لقد طالت الصواريخ مناطق لم تشعر يوما بحرب أو أزمة مثل عسقلان و أشدود وبئر السبع فهذه المدن لم تذق أبدا طعم مرارة الحرب فى أي عصر من العصور فدخل 700-800 ألف لأول مرة الخنادق و تعطلت الدراسة والأعمال .الأهم من ذلك دخول قواعد عسكرية تحت مرمى النار لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مثل القاعدة الجوية " حتسـاريم " و " تل نوف " القاعدة الجوية الأكبر في إسرائيل لم يحلم يوما أي جيش عربي بالوصول إلى هذه القواعد في أي حرب من الحروب.
· الصمود الشعبي الفلسطيني غير المسبوق. نعم الناس تتألم وتبكي لفقد الأحبة ولكن البكاء لا يعني الجزع والاعتراض والندم . لم أسمع فلسطينياً واحد يقول لماذا لم نجدد التهدئة و لم يلم أحد فصائل المقاومة، فليخرس المتطفلين على القضية الذين صدعونا بأنهم حذروا حماس بالتبعات . حماس هي الشعب الفلسطيني وقد سمع التحذيرات و الإرهاب بالعبرية قبل أن يسمعها بالعربية من "الأشقاء". · لأول مرة في الصراع العربي الإسرائيلي لم يتلقف الشعب الفلسطيني قرار مجلس الأمن .نحن نعلم أن أول ما يتعلمه الفلسطيني والعربي هي القرارات الدولية 242 و 194 وغيرها الكثير. ولكن الموضوع مختلف هذه المرة فالمقاومة وعلى رأسها حماس استقبلت القرار ببرود وقالت إنه لا يعكس تطلعات الشعب الفلسطيني وإنه لم يأخذ رأي القوى المسيطرة على الأرض و إنه سيتم بحثه. أما من لا يحكم؛ الرئيس السابق عباس (انتهت ولايته يوم 9/1/2009)و بطانته فقد هللوا للقرار لأنهم لايملكون ولايحكمون فماذا يفعلون غير إبداء الموافقة.
· أما الموقف العربي الحكومي فمختلف تمام الاختلاف هذه المرة. فلا دعم ولا تمويل(لا أحد يسأل عن المليارات التي كانت تدفعها الدول العربية لفتح وغيرها على مدار السنين) فقد فشلوا حتى في إصدار الشجب الهزيل .أما أقصى ما يمكن عمله فهو الذهاب لمجلس الأمن ووعد الرئيس السابق محمود عباس أنه سيذهب إلى مجلس الأمن ولن يرجع إلا بقرار بالمناسبة رجع قبل صدور القرار. كما أن الرجوع بقرار أي قرار ليس إنجازا. وبعد أسبوع من البهدلة والمهانة حتى أن كوندليزا رايس استثنت عمرو موسى والوزير القطري من الاجتماع، وفي الحقيقة هي لم تهن الاثنين ولكن أهانت الذين نالوا قرف وليس شرف مقابلتها. هل رجع الوزراء بالقرار طيب ماذا بعد؟ هل سيذهبون لأقرب قسم شرطة لتنفيذ القرار؟
· أما موقف النظام المصري فنقول لو لم يتم عرض تفاصيل العملية لما أعلنت الحرب من مقر الرئاسة. ولو لم يغلق مبارك معبر رفح لما صدقنا أنه قال للوفد الأوربي غير مسموح لحماس بالانتصار. لقد صرح بأن من حق إسرائيل أن توافق على من يدخل غزة. أي قانون يعطي لمحتل هذا الحق. لقد منع المدنيين فى زمن الحرب من النزوح وهي مخالفة للقانون الدولي. والأغرب أن وزير خارجيته المفوه جدا قرر أن يكسر رجل أي فلسطيني يعبر الحدود ولم نسمع له صوتا والطائرات الإسرائيلية تضرب البيوت الفليسطينيي في رفح فتصدعت البيوت المصرية ونزح منها أهلها. مبارك يعلن أنه حذر حماس بما ستفعله إسرائيل كما حذر صدام من قبل وكأن حماس لا تراقب ولا تتوقع الأفعال الإسرائيلية. كان ينتظر سقوط حماس لينتشي كما فعل في حالة العراق ويقول إنه حذرهم كما لو أنه قال شيئا لم يعلمه أحد.
· أما الموقف الدولي , فبعد أن كانت تجمع التبرعات في أوروبا في 73 عم التعاطف كل أوروبا ففي النرويج خرج 150 ألفا (هل سمعنا من قبل عن النرويج على طول الصراع) وفى إنجلترا وغيرها . أما موقف تشافيز فلم يجاريه أحد. هل سمعتم كلمة مندوب أيسلندا في مجلس الأمن والمندوب الأسترالي الذي أعلن أنهم سيتبرعون ب 50 مليون دولار. أرسلت بلجيكا مستشفى ميدانيا وطاقما طبيا.لقد بدأ يزول تأثير الأساطير الإسرائيلية والميديا اليهودية على العالم
· أما المفاجأة الكبرى فالموقف التركي وخصوصا إعلانه أنه حفيد العثمانين قد لمس وترا حساسا طرب له العالم الإسلامي كله فهذه الدولة المفترى عليها حمت العالم الإسلامى لخمس قرون ولم يفرط السلطان عبدالحميد في فلسطين بالملايين التي تحفظ له ملكه. البعض يفرط بثمن زهيد هذه الأيام (رخصة محمول للولد أو بطاقة إسرائيلية للبنت أو تليفونات محمولة أو توريث الابن). لقد قال أردوجان إن تليفوناته مغلقة هذه الأيام في وجه الإسرائيلين. رفضت وزارة الخارجية التركية زيارة ليفنى إلا إذا كانت ستناقش وقف إطلاق النار. مرحبا بالدور التركي، أتوقع أن ينتقل صندوق بريد حماس من القاهرة إلى أنقرة فكما أخبر مشعل أردوجان نحن نثق في الدور التركي ونطمئن لتمثيلنا في أي محادثات.
أخيرا يمكننا أن نقول سينتصر الشعب الفلسطيني والمقاومة الإسلامية وعلى رأسها حماس. ارادوا محاصرتها و صنفوها جماعة إرهابية ولكن لم يمر يوم على مشعل إلا وقابل زعيما أو مندوبا حتى أن هناك دولا أوربية تتصل بهم وسيعلن عنها في الوقت المناسب. لا بد من الاتصال بحماس لأي مفاوضات لإيقاف النار وسيتم فتح معبر رفح للبشر والبضائع بأوامر إسرائيلية لمبارك ولن تكون هناك أي قوات دولية أو إسلامية أو حتى عربية. حتى المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية عندما سئل عن رأي إسرائيل في قرار مجلس الأمن قال لا بد أن نعرف رأي حماس أولا.
منذ أن أعلن السيد إسماعيل هنية أن حرب الفرقان ستكون علامة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني بل في المنطقة كلها و نحن نعصر أذهاننا لفهم المتغيرات وتوقع النتائج . السؤال الذي يتبادر إلى ذهني هل كان لدى هنية وحماس تحليلات تسبق الحرب تحتوي على هذه الدراسات والحقائق؟ لو كانت إجابته بنعم فأبشري أيتها الأمة بأنه هناك جماعة وقادتها على وعي ويستندون إلى دراسات جادة.
المصدر : نافذة مصر