حذار من امتداح سياسة الاقتتال والانقسام

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
حذار من امتداح سياسة الاقتتال والانقسام
00795.jpg


بقلم : معتصم حمادة

إذا ما استمرت الحالة على ما هي عليه من انقسام ومراوحة في المكان، كلما ازداد الوضع بؤساً واهتراء، وازدادت الأمور خطورة.. عندها تتحول كل الانتصارات (الوهمية) إلى هزائم حقيقية.. فحذار من امتداح خطاب الاقتتال وسياسة الانقسام.

لجوء حركة حماس إلى حسم الخلاف السياسي مع حركة فتح ومؤسسة الرئاسة، بقوة السلاح، وفرض السيطرة على قطاع غزة بالقوة، أدخل مجمل الحالة الفلسطينية في مرحلة سياسية جديدة، ووقف بها عند منعطف شديد الخطورة.

فإما أن تذهب نحو الانحدار، على خلفية الانقسام السياسي العميق..

وإما أن تستعيد عافيتها، عبر التراجع عن الخطوات الخاطئة والقاتلة، وإعادة بناء الحالة وفق أسس جديدة لم تعد عناوينها واتجاهاتها مجهولة.

ولكلا الاتجاهين خطابه السياسي الخاص به.

فالأول خطابه يبرر الاقتتال واللجوء إلى السلاح، كما يبرر القتل والاعدامات وتفجير المقرات ويبحث لجرائمه عن مسوغات وأعذار.

أما الثاني فما يزال عند رفضه للاقتتال الداخلي أياً كانت أسبابه ودوافعه وأهدافه، وعند رفضه اللجوء إلى القوة لحل الخلافات، ويؤكد مجدداً على حرمة الدم الفلسطيني.

قبل الحسم العسكري في قطاع غزة كان الخطاب السياسي الفلسطيني، موحداً (ولو في الظاهر) في موقفه من الاقتتال ومن حرمة الدم الفلسطيني.

كانت القوى السياسية الفلسطينية كافة تتمسك بهذا الموقف (ولو لفظاً) وتعيد التأكيد عليه بعد كل جولة اقتتال يشهدها قطاع غزة.

وكان هذا الموقف عنواناً ثابتاً في كل بيان وتصريح إعلامي، منفرد أو جماعي يصدر عن أطراف الحالة الفلسطينية.

إلى أن وقع الحسم، وسيطرت حماس على القطاع بقوة السلاح.

وانقلب الخطاب رأساً على عقب، وبدأت الماكنة الإعلامية والشعارات السياسية تبحث، كما جرى، عن أعذار ومسوغات وحجج علها تقنع الفلسطينيين به، خاصة وأن الفضائيات نجحت في نقل صور الاقتتال، والقتل، والتفجير، إلى كل بيت بحيث لم يقتصر مشهد الحدث على من كان في غزة بل توفر لملايين الفلسطينيين.

ولم يقتصر خطاب الدفاع الذرائعي على الناطقين بلسان حركة حماس بل امتد إلى من يعتبرون أنفسهم حلفاء لها، يدافعون عما قامت به، بأساليب أثارت الاستغراب لأنها وقعت للأسف في امتداح سياسة الاقتتال والقتل والغزو والثأر والإعدامات والتفجيرات واللجوء إلى القوة لحسم الخلافات أياً كانت النتائج، ومهما كانت سلبياتها قاسية وخطيرة على المصلحة الوطنية الفلسطينية.

وبات واضحاً أن مثل هذا الخطاب افتقد إلى الحد الأدنى من الحس بالمسؤولية الوطنية، وإلى الحد الأدنى من الحرص على أمن المواطن وأمانه، وعلى لقمة عيشه، ومصيره ومستقبل قضيته.

والأخطر من هذا كله أن يحاول البعض أن ينقل هذا الخطاب إلى كل بيت وكل مخيم وكل تجمع فلسطيني وأن يبشر به في كل لحظة، باعتباره تعبيراً عن نشوة النصر، وخطوة في الاتجاه الصحيح، يمكن أن تتكرر إذا ما دعت ما يسمى بـ «الضرورة الوطنية» لذلك.

ويتجاهل هؤلاء طبيعة البنيان الاجتماعي الفلسطيني القائم على العشائرية، والعائلية، وبقايا مفاهيم الثأر.

وبذلك يغيب عن بال هؤلاء أنهم بخطابهم هذا، وبثقافتهم الدموية هذه، يحاولون أن يجروا المجتمع الفلسطيني عقوداً إلى الوراء، يدمرون ما تمّ بناءه من وعي ديمقراطي، وروح الانتماء إلى الإنسانية في نظرتها التقدمية إلى الحياة، وتطلعاتها الرافضة للانقسام والتقسيم، واللجوء إلى الدم في معالجة قضايا الشعوب.

القوة تستعمل في وجه الأعداء، والسلاح يشهر في وجه الاحتلال، هذه هي المفاهيم ـ على بساطتها ـ التي قامت بها الحركة الوطنية الفلسطينية، وتحولت إلى قيم مجتمعية يقدسها أبناء المجتمع الفلسطيني على اختلاف اتجاهاتهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية.

وامتداح سياسة الاقتتال والإعدام والتفجير، ليس من شأنها فقط أن يحدث الانقسام في الصف الفلسطيني، بل من شأنه كذلك أن يحول هذا الانقسام إلى حالة سياسية لها آلياتها وتداعياتها الخطيرة على مجمل الوضع، لا في الضفة والقطاع فحسب، بل في كل مكان يتواجد فيه فلسطينيون.

(وهم يتواجدون في معظم بقاع الأرض إن لم نقل كلها).

هو يتيح لمن يريد أن يحول القضية الفلسطينية إلى مجرد ورقة يلعب ويتلاعب بها في خدمة مصالحه الفئوية والإقليمية، متلطياً خلف انحيازه لهذا الطرف أو ذاك، ودعمه له، علماً أن ما من طرف يسهم في دعم حالة الانقسام، يمكن أن يكون حريصاً ـ حقاً ـ على الحالة والمصالح الفلسطينية.

وهي تبرر ـ على الصعيد الفلسطيني ـ للتخلي عن المسؤوليات الوطنية نحو الشعب باعتباره شعباً واحداً لا يجوز معاقبته وإطلاق النار على لقمة عيشه، بذريعة معاقبة الخصم السياسي.

وإلا فكيف نفسر امتناع حكومة فياض عن دفع مرتبات آلاف المواطنين المحسوبين على حماس (ولا نقصد بهم عناصر القوة التنفيذية التي هي أساساً قوة عسكرية تابعة لحماس دون غيرها ولا تنتمي إلى الأجهزة الأمنية الرسمية).

ثم كيف نفسر تهرب إسماعيل هنية من مسؤولياته نحو هؤلاء الموظفين فيطالبهم بالاحتجاج على حكومة فياض (وهو الذي كان يعتبر الاحتجاج على حكومته شكلاً من أشكال خدمة العدو) وهو الذي يقدم نفسه باعتباره حكومة تصريف أعمال أي مسؤولة عن شؤون القطاع ويرفض الاعتراف بشرعية حكومة فياض.

وهي ـ أي سياسة الانقسام ـ تقلب الأولويات الوطنية رأساً على عقب.

فبعد أن تشكلت حكومة الائتلاف البرلماني (حكومة الوحدة الوطنية) وبدأت الحالة الفلسطينية تكسر في حلقات الحصار المفروض عليها، وتحاول أن تنهض من خلف الحصار نحو استعادة تحركها السياسي على المستوى العربي والدولي، وبعد أن استمدت الحالة الفلسطينية من القمة العربية في الرياض دعماً سياسياً جديداً أعادها إلى موقعها باعتبارها قضية العرب الأولى، ومحور الصراع في الشرق الأوسط؛ وبعد أن استعاد المجتمع الدولي (أو بعض أطرافه) الحديث حول ضرورة الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية بما في ذلك الدعوة إلى مؤتمر دولي تحت راية الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة؛ وبعد أن بدأت أصوات إسرائيلية تتصاعد داعية حكومة أولمرت إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات..

بعد هذا كله، وبدلاً من تثميره سياسياُ بما يخدم القضية الوطنية عبر استكمال إجراءات الوحدة الوطنية كما وردت فقراتها في وثيقة الوفاق الوطني، عادت الحالة الفلسطينية القهقرى، على وقع الاقتتال، والحسم العسكري، والانقسام الكبير.

وتحولت الحالة الفلسطينية من موقع المتأهب لشن هجوم على الصعيد الإقليمي والدولي، إلى موقع المثخن بالجراح، المشلول، المنقسم على نفسه، يتآكل، يشرع أبوابه لعواصف ورياح التدخل والعبث وزرع الفوضى في الصفوف.

لذلك إذا ما استمرت الحالة على ما هي عليه، من انقسام، ومراوحة في المكان (وهي في الحقيقة خطوات إلى الوراء) ازداد الوضع بؤساً، واهتراء، وعندها تتحول كل الانتصارات الوهمية إلى هزائم حقيقة.

ولا تعتقدن أحد أن الوقت (خاصة في الحالة الراهنة) يسير في خدمة الحالة الفلسطينية.

كلما مرّ الوقت على حالة الانقسام كلما زادت الأمور خطورة، وزادت الأوضاع هشاشة.

ها نحن بدأنا نتلمس آثار الحصار على قطاع غزة (المحاصر أساساً منذ أكثر من سنة ونصف) ونتلمس تلاعب الجانب الإسرائيلي بقضية المعابر، وتصاعد عدوانه على غزة وعلى الضفة (ضربة هنا وضربة هناك لإدراكه أن الطرفين مستغرقان في الخلافات الداخلية والاحتراب الفلسطيني).

ولن يحل المشكلة الاحتفال بإطلاق سراح ألان جونستون باعتباره دفعاً معنوياً جديداً لقوة تهيمن على القطاع بدأت آثار الإرهاق تبدو على محياها. ولن يحل المشكلة إصدار المراسيم، واحد تلو الآخر، في حرب سياسية تصاعدية.

وحده التراجع عما جرى، والعودة إلى الشرعية والالتزام بالقانون، والجلوس إلى طاولة الحوار، والتمسك بوثيقة الوحدة الوطنية، وبمبادئ التحالفات الوطنية (التنازل لصالح البرنامج المشترك).

ووحده إصلاح النظام السياسي (بالتوافق وعبر المؤسسات نفسها وبآليات ديمقراطية).

ووحده استنهاض أوضاع م. ت. ف. بصيغة ائتلافية ديمقراطية.

هذه الخطوات، وحدها، طريقنا إلى استعادة العافية وتجديد الانطلاقة الوطنية.

مرة أخرى.. حذار من امتداح خطاب الاقتتال وسياسة الانقسام.. حذار من الانتحار.