حديث المجالس.. الشيخ فيصل مولوي إفتقده كل لبنان
أ. ع.
سيكتب العلماء والمفكرون والمقربون من الداعية الكبير سماحة المستشار الشيخ فيصل أنور مولوي الكثير عنه وعن مواصفاته العظيمة على المستويات الفكرية والدعوية والثقافية والإجتماعية والخيرية، ليس على مستوى طرابلس ولبنان فحسب بل في العالم أجمع بكل تأكيد•
ولعل البيان الشامل للحركات والجمعيات والمؤسسات التي نعته وزادت على الخمسين هيئة لبنانية وفلسطينية ومصرية وكويتية وعربية وأوروبية تفصح بدون أدنى شك على مكانة هذا الداعية الكبير ودوره الرائد في المجالات التي خاضها ونذر لأجلها جهده ووقته وأعصابه وامكانياته المالية المتواضعة حتى ينشر الدعوة الإسلامية حيثما كان وأنّى ارتحل•
وان كل من واكب تشييع فقيه الأمة وفقيدها أدرك للتو مقدار أثر هذا الرجل، وسعة علاقاته، وثمرة عطائه والفراغ الكبير الذي تركه برحيله يرحمه الله•
عشرات الألوف من طرابلس ولبنان والمخيمات الفلسطينية التفوا حول نعشه في الوداع الأخير لمن حمل هموم بلده والأمة العربية والإسلامية، وفدوا إلى الجامع المنصوري الكبير بطرابلس من شتى المناطق والطوائف والمذاهب والانتماءات السياسية والفكرية عنوان وفاء وتقدير لهذا المسلم الحق الذي تميّز بنمطٍ هو نسيج وحده في أسلوب الدعوة إلى الله صارت معه الحركة الإسلامية أكثر حضوراً وتألقاً ومكانة، بل وفرضت مفاهيمها وتطلعاتها على الساحة السياسية والإسلامية بكل قوة ومنعة•
ويؤكد العارفون ان الصحوة الإسلامية في أوروبا شهدت على يدي الداعية الكبير نقلة نوعية متميزة في التفكير والعلاقات مع المجتمع الأوروبي انتقلت معه إلى مصاف الحركات والتنظيمات العالمية حيث رسّخ المفاهيم الحضارية للحركة الإسلامية الراشدة بعيداً عن التقوقع والتحجر والإنغلاق إلى سعة هذا الدين ويسره وثباته الواعي في العلاقة مع الآخر وتفهّم مشكلاته، مثلما أسس لمفهوم جديد - هو المفهوم الإسلامي الراشد بلا شك - في كيفية تعاطي المهاجر المسلم وأيضاً الأوروبي الذي اعتنق الإسلام مع محيطه ومجتمعه، تشهد له بذلك مؤلفاته الخاصة وندواته ومحاضراته المتميزة بالدعوة إلى الانفتاح والكلمة السواء•
أما عن انفتاح الحركة الإسلامية في نهج العلاّمة الراحل فلا تتبدى فقط بعشرات الألوف من المعزين الذين توافدوا على قاعة الوفاء في طرابلس أو مقر الجماعة الإسلامية في بيروت وسائر مراكزها في المناطق اللبنانية، وإنما أيضاً.
وقبل ذلك كله في المؤتمرات الجامعة التي أسس لها مع سائر القوى العروبية والقومية حيث فرض الإسلام - ربما لأول مرة - مشروعية التلاقي والحوار الأخوي مع سائر الأفكار التي تلتقي فيها الحركة الإسلامية مع العديد من الجوامع المشتركة لعل أهمها وأبرزها القضية الفلسطينية، كبرى القضايا العربية والإسلامية، وتأطير كل القوى والمنظمات المعادية للعدو الإسرائيلي في نطاق من التعاون والتواصل، ضمن <المؤتمر القومي والإسلامي> الذي كان له إسهامات كبرى في تبديد العديد من الطروحات السابقة التي كانت تعمل على توسيع شقة الخلافات المصطنعة فيما بينهما•
أما الهم الفلسطيني فكان أيضاً في سلم أولويات تطلعات الداعية الكبير وطروحاته التي لا تنفصل عن دعوته وبرامجه حيث كان من أبرز المؤسسين لمؤسسة القدس الدولية وفي مقدمة المحركين للرأي العام الدولي والأوروبي وتوجيهه للانصات إلى عدالة القضية الفلسطينية، ورفع الصرخة عالياً لانقاذ القدس من الذوبان في الكيان الإسرائيلي•
ويلفت الكثير من المراقبين إلى الدور الريادي للعلاّمة الراحل الشيخ فيصل مولوي في تأكيد وسطية هذا الدين وعالميته وصلاحيته بما تتضمنه الشريعة الإسلامية الغرّاء من أسس التيسير للناس في كل زمان ومكان، كما كان يؤكده في مؤلفاته الثرية والمتجددة ومحاضراته القيّمة في هذا المجال•
أما علاقاته الدولية المطّردة فقد عمل على تأطيرها في <إتحاد عالمي للعلماء المسلمين> الذي كان له دور إيجابي - ولا يزال- في اصدار المواقف الشاجبة أو المؤيدة للعديد من الأحداث والقضايا الإسلامية في العالم، وصار لهذا الاتحاد مكانته ودوره الراسخين ضمن العديد من المنظمات الدولية، ولا سيما أنه يضم كبار العلماء والدعاة والمفكرين من معظم الدول الإسلامية•
ويطول الحديث عن رجل المؤسسات الذي عمل على تأسيس جمعيات إسلامية تربوية (مدارس الإيمان) وصحية (مستشفى الشفاء) في طرابلس والعديد من الجمعيات الخيرية والإجتماعية في معظم المدن اللبنانية•
أما الجانب الإنساني الودود في شخصية الداعية الكبير فان كل من تعرّف إليه والتقى به يشهد بدماثة خلقه وطيب محتده وسيرته، وتواضعه وحيائه، وحرصه على إخوانه، وهو ما أكده كل الذين التقينا بهم وحدثونا عن أبرز شمائله رحمه الله•
لقد صدق الأمين العام إبراهيم المصري بقوله: <لقد أتعبت واثقلت على من يأتي بعدك يا شيخ فيصل> ولكن الهمّة العالية بأخوان الراحل الكبير وطلابه كفيلة بإستمرار قيادة الحركة الإسلامية إلى حيث اختطّت لها قيادتها المباركة، وهذا عهد الجميع بها وقد خبروها وتلمسوا بوصلتها الراشدة•
المصدر
- مقال:حديث المجالس.. الشيخ فيصل مولوي إفتقده كل لبنانموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان