جذور التكفير
وعندما كنا فى المعتقلات وكان عذاب زبانية عبد الناصر على أشد صورة فى قسوته ووحشيته تصور بعض المعذبين أن ما وقع عليهم لا يمكن أن يصدر من مسلم فى قلبه ذرة من إيمان . ولكنه يصدر عن أعدى أعداء المسلمين وأفحشهم ضراوة علىالاسلام . وفى غمار هذا ا لهول الشنيع نبتت فكرة التكفير عند بعض الشباب . وراحت تصرفات رجال السجون والمباحث تنمى معنى التكفير فى عقول ذلك الشباب الذى يبيت على تعذيب ويصحو على تعذيب . دونه ما وراه التاريخ لنا عن محاكم التفتيش .. ورسخت فكرة التكفير فى ذهن بعض الشباب . وآمنوا بها فى إقتناع عجيب .. واتسع نطاقها فى معتقل مزرعة ليمان طرة حتى بلغت أخبارها فضيلة الأستاذ الهضيبى رضوان الله عليه . إذ كان معتقلا هناك فاستدعى رؤساءهم وناقشهم فى الفكرة وكانت الجلسة تنتهى بما يشعر باقتناعهم بكلامه . وما إن يخرجوا من عنده حتى يعودوا لما كانوا عليه حتى يئس من إقلاعهم عن تلك الفكرة فكتب كتابه " دعاة لا قضاة " مستعينا بابنه الأستاذ مأمون الهضيبى المستشار فى محكمة الاستئناف العالى والأستاذ مصطفى مشهور . وكان الحق ما رآه فضيلته لأن تكفير المسلم ليس بالأمر الهين فى العقيدة الاسلامية مهما بلغ المسلم فى انحرافه أو قسوته ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذاالمعنى أحاديث صحيحة لا حصر لها منها : يقول معاذ بن جبل كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله ؟
قلت : الله ورسوله أعلم . قال : إن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا . قلت : يارسول الله أفلا أبشر الناس ؟؟ قال : " لا تبشرهم فيتكلوا " .
ثم حدث ما حدث مما نسب الى جماعة التكفير والهجرة وعلمه العام والخاص . وإن كنت فى شك حتى اليوم فى حقيقة مقتل الشيخ الذهبى رحمه الله .
وجاءنى فى عام 1973 فضيلة الشيخ " سيد سابق " وأخبرنى أن السيد " أحمد طعيمة " وكان وزيرا فى عهد السادات جاءه وأخبره أن السادات على استعداد للقاء بعض الإخوان المسلمين المعروفين لإزالة ما فى النفوس والتعاون على خدمة الوطن . وكان ذلك قبل استبعاد الخبراء السوفيات بقليل فرحبت بالفكرة . وذهبت الى فضيلة المرشد " حسن الهصيبى " الذى كان فى الاسكندرية وأخبرته بحديث الشيخ سيد سابق معى فقال لى فضيلته إن ا لفكرة لا بأس بها إن صحت النوايا عند أصحابها وكلفنى أن أستمر فى المفاوضات التى سارت سيرا حثيثا وصل الى الدرجة التى طلب منى فيها لاشيخ سيد سابق ـ طبقا لما طلب منه السيد أحمد طعيمة ـ أن أقوم بتكوين لجنة من الاخوان تقابل السادات فى الاسكندرية لوضع الصيغة النهائية للإتفاق . واتصلت بالسيد أحمد طعيمة تليفونيا وأعلمته بأسماء الإخوة الذين سيقابلون السادات بناء على طلبه ثم حدث توقف تام لم أدر ما أسبابه . إلى أن التقيت بالشيخ سيد سابق مصادفة عند الأزهر وسألته عن النتائج فأخبرنى أن ا لجماعة ـ يقصد السادات ـ رأوا إرجاء الأمر الى حين . وعتبت على الشيخ سيد سابق أنه لم يخبرنى بالأمر فى حينه وهل لو لم أقابله مصادفة عند الأزهر ما كان ليعلمنى بالنتيجة . وأترك تصرف الشيخ سيد سابق وتفسيره وتبريره لفضيلته . فلعل له عذرا وأنا ألوم .
وساءلت نفسى : لماذا يتخذ السادات مثل هذا الاجراء ؟ ليعلم مدى استعداد الاخوان للتعاون على ما فيه خير الوطن ؟ ربما ! . هل كان الغرض أن يعرف السادات المسؤولين فى الاخوان ؟ ربما ! وإن كنت على ثقة من معرفته لهم فى واقعة أخرى سأعرض لها . هل يريد أن يعرف إن كنا على صلة ومترابطين وأن الاحداث لم تضعف من قوة هذا الرباط لأنه فى الله ولوجه الله ؟ جائز ! . هل كان يريد الوصول الى شىء ثم عدل عنه بمحض رايه أو أشير به عليه ؟ من يدرى ؟ ! هل يريد التأكد من حيوية الإخوان ووجودهم فى الميدان العام ؟ لعل . هل كان فى حاجة الى تأييد شعبى حينذاك ولا يجده إلا عند الاخوان ؟ هل كان يريد البطش بالإخوان فقام بتلك المناورة ليأخذهم على غرة ؟ افتراض ! وكل غرض محتمل .. هل كان يريد حقا أن يتعاون مع الإخوان لعلمه بأنهم أصلح من يؤتمنون فى كل المواقف ثم رأى أو رئى له العدول عن ذلك خوفا من سيادة الرأى القائل بتطبيق شرع الله : لم لا ؟ ، هل هى فكرة طرأت له فى ساعة تجل فلما تنبه عدل ؟ ! ما المانع ؟ . وأخيرا فعلم كل ذلك عند ربى الذى يريد بعباده اليسر . المهم أن الأخوان وعلى رأسهم فضيلة المرشد كانوا فى قمة المسؤولية والتقدير عند أية بادرة من البوادر تهدف الى إصلاح هذا الوطن العزيز ,.