جبال الصبر ورجال الكفاح.. سلام عليكم

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
جبال الصبر ورجال الكفاح.. سلام عليكم
د. الواعى.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

تحيةً وإكبارًا وإعزازًا للرجال الذين يصارعون العواصف السود، والزلازل والرعود، ابتغاءَ مرضاة الله، ووفاءً بعهده، واحترامًا لميثاقه الغليظ، واتباعًا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلهم المجد والإعزاز والإكبار والتحية ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (يونس: من الآية 10).

وسلام على عباده الذين اصطفى، ورجاله الذين اختار.. ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)﴾ (القصص)، وما دام الحق سبحانه وتعالى قد اختار فهو المعين والمنجي.. ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنْ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنْ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ (33)﴾ (الدخان).

وقبل آية النجاة، ومقدمة لها، كانت آية إهلاك فرعون وجنده.. ﴿وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29)﴾ (الدخان)، ثم تأتي بعدها آيات النجاة: ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30)﴾ (الدخان)، وتأتي بعدها آيات الاختيار: ﴿وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)﴾ (الدخان)، ثم تأتي بعد ذلك آية الترقُّب لترتسم اللوحة والعبرة.. ﴿فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)﴾ (الدخان)؛ ارتقب فعل الله في الظالمين.

ثم ماذا كان؟ ذهب الطغاة الذين كانوا ملء السمع والبصر في الأرض؛ ذهبوا فلم يأسَ على ذهابهم أحد، ولم يُنظروا عن أجلهم المحتوم، أو يؤجَّلوا عن ميعادهم المقدور.. ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29)﴾ (الدخان)، وهنا يهلك الطغاة والجبارون، ولم يأسف عليهم أحد في أرض ولا سماء، وذهبوا ذهاب النِّمال، وهم الجبارون الذين كانوا يطئون الناس بالنعال، ولو أحسوا بهذا المصير المؤلم لأدركوا هوانهم على الله وعلى الوجود كله، وما كان هذا إلا بدوام الصبر وتحمل مشاقه، وتجبُّر فرعون واستمرائه لأخطائه: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾ (الأعراف)، وكان مقدمات الهلاك ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)﴾ (الأعراف)، ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ﴾ (الأعراف: من الآية 133) الآيات.

وبعد هذه الآيات يأتي الانتقام.. ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)﴾ (الأعراف)، ويأتي السلام من الله تحيةً للمجاهدين بعد نصره وفرجه لهم؛ استجابةً لدعائهم وعملهم وتوكلهم على الله في جهادهم الشاقّ: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)﴾ (الصافات).

ويأتي السلام على الأنبياء والمجاهدين نبيًّا نبيًّا، ورسولاً رسولاً من الله سبحانه: ﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)﴾ (الصافات)؛ ليجزيهم الله بعد البلاء بالوفاء والذكر والسلام والتكريم.. ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)﴾ (الصافات)، وهذا جزاء الإيمان، وتلك حقيقة، ويأتي السلام على موسى وهارون مكافأة لإيمانهما وجهادهما مع فرعون ومَلَئه: ﴿سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)﴾ (الصافات).

سلام مقرون بالنجاة والنصر، والغلبة على الظالمين، ويأتي السلام على المرسلين كلهم كرمًا من الله لهم، ولمن يسير على سننهم.. ﴿وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)﴾ (الصافات).

وهذا السلام في الدنيا قبل الآخرة؛ حيث تحيِّيهم الملائكة.. ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ (الزمر: من الآية 73)، وذلك بجهادهم وصبرهم وتحمُّلهم: ﴿.. وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)﴾ (الرعد)، وأنعِم بها من دارٍ يتيه عنها الظالمون، ويُلعَن فيها الباغون، مهما كانت أموالهم وسلطانهم..

إن كنت تسمو إلى الدنيا وزينتها فانظر إلى مالك الأملاك قارون

رام الأمور فأعطته مقادتها وسخَّر الناس بالتشديد واللين

حتى إذا ظن أن لا شيء غالبه ومُكِّنت قدماه أي تمكين

راحت عليه المنايا روحة تركت ذا الملك والعز تحت الماء والطين

تحيةً لكم واحترامًا جبال الصبر؛ فإن صبر الرجال في الجهاد الدعوي ما يقرب من قرن أمرٌ له دلالته، وصبر رجال الدعوة من الإخوان ليس صبرًا لذلَّة على الأذى، ولكنه صبر على الجهاد والمكاره على مكائد الأعداء وفتن الظلمة والفساق، وفي ميدان الجهاد والجلاد، هذا الصبر على الضنك الذي ما ترك شيئًا من شدَّة، ولا لونًا من عذاب، أو عنتًا في الأجساد والأنفس والأموال والأولاد؛ كانَ الشكرَ الجزيلَ لله على قضائه وقدره، وهذا دأب الأولين من الصالحين: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)﴾ (آل عمران)، يُروَى أنه وقعت الأكلة في رجل عروة بن الزبير فقطعها من الساق ولم يمسكه أحد، ثم جاءه خبر مقتل ابنه برفس دابة، فقال متمثلاً بتلك الأبيات:

لعمرك ما أهويت كفي لريبة ولا نقلتني نحو فاحشة رجلي

ولا قادني سمعي ولا بصري لها ولا دلني رأسي عليها ولا عقلي

وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي

ثم قال: اللهم إن كنت ابتليت فقد عافيت، وإن كنت أخذت فقد أعطيت.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى