ثلاثة عوامل لانقاذ عملية السلام
بقلم : صائب عريقات
مشدداً على الدبلوماسية والمشاركة، ومغلباً إياهما على الانعزالية والمواجهة، تحدث أوباما بأسلوب بليغ عن عهد جديد للقيادة الأميركية للعالم.
ومن بين الوعود التي قدمها كان الوعد الأكثر أهمية على الإطلاق للفلسطينيين، هو ذلك الخاص بإعادة تنشيط عملية السلام في الشرق الأوسط.
يرجع ذلك لحقيقة أن حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، يبقى كمسألة غاية في الأهمية بالنسبة للجهود الرامية لإرساء الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، وتحقيق المصالح الأميركية الحيوية.
عملية السلام تعيش في الوقت الضائع. ونظراً لتعرض مصداقيتها للخطر، فإن الأمر المرجح هو أنها لن تتمكن من البقاء إذا تعرضت لجولة جديدة من المفاوضات الفاشلة.
وإدارة أوباما تدرك ذلك، كما يتبين بوضوح من خلال وضعها لقضية السلام في مقدمة أولوياتها كجزء من سياستها القائمة على المزيد من الاندماج في شؤون المنطقة.
ومع أن التزام أميركا المتجدد بالتوسط من أجل تحقيق السلام العادل والدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يقدم قدراً من الأمل للفلسطينيين الذين يئنون في الوقت الراهن تحت وطأة الاحتلال، إلا أنه يأتي للأسف في وقت أصبح فيه التزام إسرائيل بالسلام موضع شك، بعد تشكيل حكومة الائتلاف "اليمينية" بها.
فالسلام ليس من الكلمات التي يستسيغها "اليمين" الإسرائيلي، الذي سيهيمن على الحكومة الجديدة، حتى بعد القرار الذي اتخذه حزب "العمل" هذا الأسبوع بالانضمام إلى ائتلافه. فهذا الائتلاف يضم بين صفوفه شخصيات ظلت طويلا تعارض السلام مع الفلسطينيين بصرف النظر عن كلفة ذلك، وظلت تستخدم غطاء الدين من أجل الترويج لآراء متطرفة تؤيد طرد الفلسطينيين من أراضيهم، وتحاول الآن استنباط نوع من اختبارات الولاء لتحقيق نفس النتيجة.
والعديد من أعضاء هذه الحكومة يجسدون بعضاً من أسوأ التقاليد في السياسات الإسرائيلية، وهي تلك التي تجد مصلحة مشتركة في توسع إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين واستقلالهم.
ومن بين المفارقات التي لم تغب عن أذهان الفلسطينيين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي القادم نفسه، يرفض بالفعل كافة الشروط المقدمة التي يطلبها المجتمع الدولي من حكومة الوحدة الفلسطينية، التى انتخبت عام 2007 خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار رفضه المصادقة رسمياً على حل الدولتين، وعدم التزامه بتنفيذ الاتفاقيات السابقة الموقعة بين إسرائيل، ومنظمة التحرير الفلسطينية.
فبدلا من إنهاء الاحتلال، يقترح نتانياهو" سلاماً اقتصادياً"يسعى من خلاله إلى تطبيع الاحتلال وإدارته بطريقة أفضل.وبدلا من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، لا تمتد رؤية نتانياهو لما هو أبعد من سلسلة من الكانتونات غير المتصلة التي تتمتع بدرجة محدودة من الحكم الذاتي.
إن الفلسطينيين لم ينخرطوا في المفاوضات لسنين طويلة كي يروها تخفق في النهاية، كما أن صبرهم لا يمكن أن يمتد إلى مالا نهاية.
لذلك، فإننا إذا كنا نريد لجهود إحياء العملية السلمية أن يكون لها نصيب من النجاح، فإن هناك ثلاثة عوامل حيوية ينبغي وضعها في الاعتبار:
الأول: هو النية.
بمعنى أن الفلسطينيين والإسرائيليين يجب أن يجددوا تعهدهم برؤية الدولتين اللتين تقومان جنباً إلى جنب وتعيشان في سلام وأمان.
فمنذ عام 1988، ومنذ أن اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية قرارها التاريخي بالقبول رسمياً بحل الدولتين، واعتباره قاعدة لتسوية متفاوض عليها مع إسرائيل، فإن هذه الرؤية باتت تحتل مكانة مركزية في نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحكم الذاتي، كما ظلت تمثل موقفهم المتسق طيلة المفاوضات التي جرت بينهم وبين الجانب الإسرائيلي.
يجب على الحكومة الإسرائيلية القادمة، لذلك، أن تؤكد بشكل لا يحتمل أي لبس دعمها لحل الدولتين، ولمسألة تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة، ومستقلة، وكاملة السيادة تقوم وفقاً لحدود 1967.
كما عليها أيضاً من ناحية أخرى، الالتزام بالاتفاقيات السابقة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ومن دون هذين الالتزامين لن يكون لدى الفلسطينيين شريك للسلام.
أما العامل الثاني، فيتعلق في جوهره بالمصداقية، فمن خلال تكرار الإخلال بتعهداتها في الاتفاقيات السابقة، قوضت إسرائيل ليس فقط مصداقيتها، وإنما أيضا مصداقية عملية السلام برمتها، لذلك يجب العمل على استرداد هذه المصداقية واعتبارها أمراً حيوياً.
يتطلب هذا من إسرائيل التجميد المباشر والكامل لنشاطها الاستيطاني بما في ذلك كافة أنواع النمو الطبيعي لتلك المستوطنات، وإيقاف بناء الجدار الإسرائيلي بما يتفق مع قواعد القانون الدولي ومع التعهدات التي التزمت بها بموجب"خريطة الطريق" لعام 2003.
ومن دون تجميد للمستوطنات، لن يتبقى شيئ - فيما يتعلق بحل الدولتين يمكن الحديث عنه بين الطرفين.
يجب على إسرائيل العمل أيضاً على رفع نظام الإغلاقات المعوق، الذي فرضته على الفلسطينيين، والعمل كذلك على استعادة نظام التحرك الطبيعي، خروجاً من المدن والبلدات الفلسطينية ودخولا إليها وعبر مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة كذلك.
فنقاط التفتيش، والجدار الإسرائيلي، ونظام الأذونات، وغيره من القيود التي تفرضها على الحركة، تحبط الفلسطينيين، وتمزق نسيج مجتمعهم، وتخنق اقتصادهم.
ويرتبط بهذا جميعه الحاجة العاجلة لفتح معابر قطاع غزة للسماح بحركة البضائع والبشر من وإلى القطاع، خصوصاً الإمدادات الإنسانية ومواد البناء المطلوبة بصورة ملحة للغاية.
أما العامل الثالث فيتعلق بالمسؤولية.
يجب على اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والمنظمة الأممية، والاتحاد الأوروبي، وروسيا العمل على وضع آلية تنفيذ موثوق بها، الغرض منها إلزام الطرفين بتحمل المسؤولية عن التعهدات التي التزما بها بموجب الاتفاقات السابقة.
وفي هذا المجال تحديداً يجب على أميركا العمل كوسيط نزيه قادر على توفير مجال حركة متساو بين الفلسطينيين والإسرائيليين أثناء المحادثات.
من حسن الحظ، أن الأساس السليم لتحريك عملية السلام للأمام موجود وقائم. وهو أساس يكمل الحملة الأميركية الساعية لتحقيق السلام الشامل في إقليم الشرق الأوسط، وكان قد تم اقتراحه للمرة الأولى فيما يعرف بـ"مبادرة السلام العربية 2002"، التي تعرض على إسرائيل تطبيعاً للعلاقات مع 57 دولة عربية وإسلامية مقابل إنهاء احتلالها للأراضي العربية، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
إن عملية السلام تعيش في الوقت الضائع. ونظراً لتعرض مصداقيتها للخطر، فإن الأمر المرجح هو أنها لن تتمكن من البقاء إذا تعرضت لجولة جديدة من المفاوضات الفاشلة، وهو ما ينطبق على حل الدولتين أيضاً.
هذا هو السياق الذي سيتم فيه الحكم على سياسات رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتانياهو، وهو أيضاً السياق الذي يجعل وعد التغيير الذي يعرضه الرئيس أوباما غاية في الأهمية.
كبير المفاوضين الفلسطينيين
المصدر
- مقال:ثلاثة عوامل لانقاذ عملية السلامالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات