ثقافة النفاق

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ثقافــة النفــاق


أثنــاء حديث ساخن مشحون بالتوتر مع رئيس محكمة النقض السابق المستشار/فتحي خليفة. في مكتبه بالمحكمة دخل علينا شخصية كبيرة في مجلس الشعب وبدأ حديثه مع رئيس المحكمة يكيل المديح له بصورة لم أشهدها من قبل رغم سني الذي جاوز وقتها الستين لدرجة أني أصبت بنوع من الإشمئزاز من هذا التصرف الفج خاصة وأن رئيس المحكمة كان ينظر إلي أثناء الحديث من طرف خفي كأنما يقول لي أنظر إلى رأي هذا الرجل الكبير في وقارنه برأيك الذي كنت تقوله منذ قليل وإزاء هذا الموقف لم أجد بدا من الإنصراف حتى لا اسمع المزيد من النفاق الرخيص الذي يعلم قائله أن كل ما قاله ليس له أساس من الصحة وأن الهدف منه ليس أكثر من قضاء المصلحة التي جاء من أجلها رغم أن مركزه كان يؤهله لأن يقضي مصلحته عن طريق الهاتف ولكنها طبيعة النفاق الذي يبدو أنه أصبح ثقافة يتعلمها البعض ويجدها ويرحب بها المسئولون حتى يشبعوا رغبتهم في التحكم والتعالي على الناس ومحو ما يوجه إليهم من نقد من المخلصين، ذكرت هذه الواقعة للأستاذ الدكتور/فتحي سرور. أثناء لقائي به وأخفيت عليه إسم هذا المســئول الكبير وكانت المفاجأة أنه عرفه دون أن أذكر إسمه لشيوع هذا الســلوك عنه.

شاعت في مصر وكثرت ثقافة النفاق وأبناء جيلي يتذكرون ما كان يسبغ على الرئيس الراحل/جمال عبد الناصر. من صفات جعلت منه عبقرية أسطورية لم يجد التاريخ بمثلها رغم الهزائم والمصائب التي إنهالت على مصر في عهده بسبب سياسته الفردية في إدارة الحكم وإنفراده بإتخاذ القرار هذا الإنفراد الذي جر على مصر من الويلات والمصائب ما كان يجب أن يعاقب عليه بالمحاكمة لا أن يرقى إلى مرتبة الزعماء الخالدين.

كثر النفاق في عهد الرئيس/عبد الناصر. لدرجة أنه كافأ ورقى من فضله على الأنبياء موسى وعيسى ومحمد في أحد خطيه وهو محافظ أسيوط في هذا الوقت بأن أتى به محافظا للقاهرة ثم وزيرا وأخيرا كان مصيره السجن وهذا جزاء كل من يصعد السلم بلا شرعية. ثم إنتقلت هذه الثقافة من عهد الرئيس/عبد الناصر. إلى عهد الرئيس/السادات. لدرجة أنه صدق زميلا قال له أنه أثناء زيارته لإبنه الذي يدرس في أمريكا سمع الأمريكيين يقولون أننا في حاجة إلى مثل السادات في أمريكا لكي يحل لنا مشاكلنا التي عجزنا عن حلها، صدق الرئيس السادات هذه المقولة وكافأ قائلها بوزارة العدل والتي كانت وبالا على هذا القائل حيث لم يبق بها إلا القليل غادرها بعدها إلى مصير مجهول، والذي يعيش هذه الأيام يشعر بأن ثقافة النفاق قد شاعت وتشعبت كثيرا في عهد الرئيس/حسني مبارك. نظرا لطول عهده ومدة حكمه حيث فاقت مدة رئاسة الرئيسين/عبد الناصر والسادات.، ولا شك أن طول عهد الحاكم مدعاة للغرور والكبرياء والظن أنه لا يوجد من يدانيه في ذكائه وكفاءته وعلمه ومقدرته في حين أن الحاكم قد يكون عكس ذلك تماما، ومن المعلوم أن الرئيس أي رئيس لا يفترض فيه أن يكون أذكى رجل في الدولة أو أكثرهم علما وحكمة ودراية بل قد يكون أقل من كثيرين في هذه المجالات ورغم ذلك يصل إلى الحكم لأن لديه القبول من الناس الذي يمكنه من التسلل إلى قلوبهم وعقولهم، وليس في هذا أمرا عجبا أو أمرا غير سليم لأن المفروض أن الرئيس لا يحكم بمفرده بل يحكم عن طريق مؤسسات دستورية تساعده على ذلك ويعوض خبرته وعلمه وحكمته بالآراء التي تبديها في الأمور التي تعرض عليها، وذكاء الرئيس لن ينفعه إذا لم يكن لديه القبول من الناس وكذلك علمه ومعرفته وحكمته، ولذلك فإني أعجب من قول الرئيس أنه لم يجد طوال مدة سبعة وعشرين عاما هي مدة حكمه من يقنعه بأن يتولى منصب نائب الرئيس رغم أن منصب نائب الرئيس لا يحتاج إلى مواصفات كثيرة ولكنه في مصر منصب خطير لأنه عادة ما يكون هو الرئيس المقبل للبلد في حالة خلو منصب الرئيس وهو ما حدث مع الرئيس/السادات. وكذلك الرئيس/حسني مبارك. ولذلك فإن إمتناع الرئيس عن شغل هذا المنصب لا يرجع إلى كون الرئيس لم يجد الشخص الذي يقنعه بمؤهلاته لتولي هذا المنصب ولكن لأن الرئيس له أهداف أخرى يريد تحقيقها من وراء بقاء هذا المنصب خاليا وهي أهداف لم تعد تخفى على أحد.

شاعت وتشعبت ثقافة النفاق في عهد الرئيس/حسني مبارك. نظرا لطول فترة حكمه وشملت ضمن ما شملت كل مسئول كبير في عهده ووصلت إلى فئات كان النفاق أبعد ما يكون عنها فعلماء دين كبار ينافقون وأساتذة جامعة يطبلون وعلماء كبار يزمرون بعد أن تيقنوا بأنه لا وسيلة للوصول إلى الحكم والمناصب سوى بهذه الطريقة الفجة وأن من يقول كلمة الحق مصيره إلى غياهب السجون أو على الأقل الحرمان من تولي المناصب والإنزواء في زوايا النسيان لأنه لا يوجد نظام يعترف بالكفاءات والمواهب التي في مقدورها الخروج بالشعب من نفق المشاكل التي يعاني منها وأصبحنا نفاجأ في الصباح بتشكيل وزارة لم تكن له مقدمات ونسمع عن إسم رئيس وزراء لا نعرف عنه شيئا ويسأل الناس أنفسهم من هذا الرجل الذي أصبح فجأة الرجل الثاني في البلد والمسئول الأول عن حل كل مشاكلها ثم تعرف بعد ذلك أنه كان رئيسا لأحد المؤسسات المغمورة أو الهيئات غير المعروفة، وتسأل الناس عن مؤهلاته التي أهلته لشغل هذا المكان فلا تجد إلا إجابة واحدة هي أن الرئيس إختاره لمشاهدته له في إحدى زياراته لهذه المؤسسة وإعجابه به ولا تعرف مصدر هذا الإعجاب وبعد أن يتولى المنصب تزداد المشاكل تعقيدا والأمور سوءا وتعلو الأصوات مطالبة بإستقالة الوزارة ولا يتم هذا بالطبع لأنه ليس من طبع الرئيس الإستجابة لمطالب الشعب حتى يحدث ما يعكر صفو الرئيس من هذه الوزارة فيقيلها في يوم وليلة ويأتي بأخرى لا تقل سوءا عن السابقة وهكذا الأمور تسير في مصر من سيئ إلى أسوأ لأنه لا يوجد في مصر نظام ديمقراطي يحتم على رئيس الجمهورية إسناد الوزارة إلى من يحوز ثقة الشعب.

ثقافة النفاق شاعت في مصر وكثرت ووصلت إلى فئات من الشعب لم يكن يمكن تصور وصول النفاق إليها وأعني بها السلطة القضائية، فهذه السلطة بحكم أن رجالها محصنون ضد التعسف في الترقية والنقل والندب والإعارة إلا أن القائمين على وزارة العدل لا يعدمون الحيل للنيل من هذه الحصانة برفض وضع قواعد قانونية صارمة لنقل قضاة المحاكم الإبتدائية والنيابة العامة وقصر هذه القواعد على قضاة محاكم الإستئناف فقط حتى يمكنهم التحكم في الغالبية الكبيرة من رجال القضاء.، كما أن الحكومة ترفض وفي إصرار إلغاء الندب الغير الوظائف القضائية حتى تجعل القضاة يلهثون وراء مصدر هذا الندب سواء من القضاة أو غير القضاة وهذا سبب كبير لشيوع ثقافة النفاق بين القضاة وليتخيل الناس منظر القاضي وهو يعمل جاهدا للحصول على ندب في وزارة أو مؤسسة وكيف يتعامل مع القائمين على هذه الجهات من أجل الحصول على الندب أو تجديده وكيف يتعامل مع من يملك الموافقة على هذا الندب ولذلك رأيت منا نحن القضاة من يتعامل مع القائمين على أمر القضاة سواء في وزارة العدل أو في مجلس القضاة الأعلى معاملة لا تليق بالقضاة وقد هال شباب القضاة ما يشاهدونه من مظاهر النفاق التي حطمت أنفسهم وجعلتهم يفقدون الثقة في أن يتمكن من يقوم بهذا النفاق من إعطاء ذوي الحقوق حقوقهم في حالة ما إذا كان من سيصدر الحكم عليه أحد هؤلاء الكبار سواء في وزارة العدل أم خارجها.

من الصعب على أي إنسان أن تقنعه بأن من ينافق ويخشى بطش إنسان مثله لا يملك له نفعا ولا ضرا إيمانه ضعيف لأن هذا يتطلب من الإنسان الذي تقنعه إحساس ديني على درجة كبيرة من الإيمان وهذا غير متوافر كثيرا والشيئ الوحيد الذي يمكن أن يقنع الناس بالإقلاع عن النفاق هو إقناعه بأن هناك قواعد قانونية صارمة لا يمكن تخطيها هي التي يتم إعمالها لإعطاء كل ذي حق حقه.

ثقافة النفاق شاعت هذه الأيام وكثرت في وزارة العدل ويمكن القول بأن يد بعض القضاة قد إرتعشت خوفا وهلعا حرصا على مصالح لهم يخشون ضياعها نتيجة موقف لا يرضى عنه القائمين على الوزارة وهذا إذا إستمر طويلا فقل على مصر كلها العفاء لأن اليد المرتعشة لا تبني مجدا والقلب الخائف لا يقود معركة والقاضي العادل القوي في معارك مستمرة على الظلم والطغيان.