ثقافة التخريب والفوضى والفلتان تتعمق في الشارع الفلسطيني
2008-08-23
بقلم : محمد خضر قرش/ القدس
قليلة تلك المرات التي تناولت فيها موضوعات محلية تتعلق بالشأن المحلي العام وضبط ايقاع الحركة اليومية القاسية للإنسان الفلسطيني . ولم يكن ذلك من باب عدم الاهتمام أو التجاهل وإنما لأن هناك زملاء عديدين لديهم القدرة على تناول هذه الموضوعات بطريقة أفضل وأسلوب أحسن. وأستطيع القول بأن عدد المرات التي كتبت فيها عن القضايا المحلية والاجتماعية البحتة على امتداد السنوات ال" 15" الماضية لم تتجاوز العشرة مقالات . واعترف لكم بأنني في كل مرة لجأت أو اضطررت للكتابة في موضوع محلي ، كنت أشاهد وأرى وبالعين المجردة سلوكا أو تصرفا أو منظرا منفرا أو شاذا، مما يستفزني ويدفعني إلى الكتابة . ومن هنا جاء على سبيل المثال مقال زعران شارع صلاح الدين في القدس والفوضى في دوار المنارة وشارع ركب في رام الله وقيام بعض الأغرار الجهلة بالاعتداء على الكنيسة الفلسطينية في رفيديا\ نابلس. ولن يخرج محتوى ومضمون هذا المقال عما ذكر انفا . ومن أجل تسهيل تناول المعالجة فإني سأناقش أربعة قضايا رئيسة:
[ أولا: الكتابة على الجدران والملصقات]
بدون الخوض في تاريخ الكتابة على الجدران وتلصيق أو تعليق صور الشهداء والأسرى والزعماء الأحياء منهم والأموات والأسرى المحررين من كافة السجون والمعتقلات، فقد شكلت الكتابة على الجدران بالفترة الممتدة من حرب عام 1967 وحتى عودة م.ت.ف إلى أرض الوطن شكلا نضاليا لمقاومة الاحتلال وتحدي سلطاته . لأن الكتابة في ذلك الوقت كانت تكلف الشخص الحجز والاعتقال والسجن وكذلك بالنسبة لتعليق أو تلصيق صور الشهداء والأسرى وحتى الزعماء وما أكثرهم في قواميس وطقوس ونواميس م.ت.ف والسلطة الوطنية والفصائل على اختلاف أفكارها ومبادئها. وبعد أن استقر الوضع بشكل مؤقت ونسبي للفلسطينيين في المدن الرئيسة بما فيها البلدات والمخيمات والقرى، لم تعد الكتابة على الجدران وسيلة للتعبير عن رفض الاحتلال، لأن الجدران جميعها باتت غير محتلة بشكل مباشر من السلطات الإسرائيلية وكذلك الشوارع وأبواب المحلات وجدران المدارس والمنازل والمصارف...الخ. فالكتابة على الجدران باتت مهنة و/أو وظيفة يتقاضى عنها الشخص أجرا ماديا ، وعليه فلا يحق له الادعاء بأنه يمارس عملا نضاليا لمقاومة الاحتلال. وقد كثرت هذه الظاهرة بحيث باتت تشوه معالم المدن الفلسطينية كلها دون استثناء بما فيها القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين ، وإن كانت بدرجة اقل من المدن الأخرى ، وهناك أشخاص متخصصون في تخريب الجدران وتشويه مناظرها الجميلة . فقد تم تنظيف الجدران وأبواب المحلات والمصارف أكثر من مرة، إلا أنه وبعد كل عملية تنظيف للجدران يعود نفس الأشخاص وبدون دافع نضالي للكتابة على الجدران وأحيانا "للخربشة" باللون الأحمر أو الأسود بدون أن يكتبوا أي كلمة. فعلى ما يبدوا لم يعودوا قادرين على رؤية شوارع مدن فلسطين (رام الله ونابلس وغيرهما) نظيفة. وقد شاهدت بأم العين شباب يخربشون باللون الأحمر على جدران مدرسة الفرندز في البيرة التي ما زالت قيد الإنشاء. كما شاهدت على جدران وسور الملعب الجديد الذي ما زال قيد الانشاء في بلدة الرام عبارات أقل ما يقال فيها بأنها صبيانية . ولا تتوقف الأمور عند تخريب كافة الجدران والأسوار وأبواب المحلات والبيوت بل تتعداه إلى تخريب ماكنات الصرف النقدي وأجهزة الهاتف المركبة في الشوارع لاستخدامها عند الطوارئ وإشارات المرور وخاصة في مدخل مدينة البيرة الجنوبي والتي كسرت أكثر من مرة. ولم تكتف ثقافة التخريب والفوضى عند هذه الحدود بل ابتكر وتفتق عقل من يقف وراءها على وسائل فوضى جديدة مؤداها لصق صور الشهداء والأسرى والمحررين- على أسود المنارة وكأنهم لا يعتبرون مناضلين وأبطالا إلا إذا لصقت صورهم على الأسود التي تنظف بين كل فترة وأخرى لكن دون جدوى . للشهداء والأسرى والمحررين كافة في قلوبنا وعقولنا وذكرياتنا وتراثنا وتاريخنا مكانة مميزة ، فيحظر على الفوضاويين تعكير صورتهم في نفوسنا وصدورنا . لا يمكن لهذه الأساليب التخريبية أن تستمر . فقد حان وقت وقفها. هذه أساليب تخريبية تحاول محو الروح الجمالية لمدننا وقرانا ومخيماتنا . الكل مسؤول عن وقف هذا التخريب والفوضى والفلتان في الحياة اليومية الفلسطينية.
[ ثانيا : سرقة السيارات أو أجزاء منها]
وهذا الموضوع بات يحتاج إلى معالجة جذرية . فحينما كانت بعض العصابات تقوم بسرقة السيارات ذات اللوحة الصفراء بالتعاون مع بعض عناصر المافيا الإسرائيلية للحصول على تعويض من شركات التأمين ، كان يفسر لنا بأن ذلك يشكل استنزافا للاحتلال ومكسبا لنا!!!. وقد استفادت جهات معادية للشعب الفلسطيني من هذه الظاهرة وبدأت توضع فيها أجهزة تصنت ومتابعة للسيارة وخاصة حينما تؤول إلى بعض المناضلين من كتائب الأقصى والقسام وغيرهما. وقد فقد الشعب الفلسطيني بعضا من خيرة مناضليه ، بفخ السيارات المسروقة. وبعد أن دفعنا ثمنا غاليا مقابل هذا العمل غير الأخلاقي وغير المبرر وغير السوي، خفت حدة سرقة السيارات ذات اللوحة الصفراء . وقد ارتد سارقوا السيارات إلى سيارات أبناء جلدتهم وجنسيتهم – فأخذوا يسرقونها ويحولونها إلى "المسلخ" لسلخها وبيعها قطع، وانتشرت هذه الظاهرة السيئة في كل مكان من شمال الضفة إلى جنوبها. ولم ينحصر هذا الفعل الشائن على سرقة السيارات بل وبدأت غريزة الفعل السيئ تدفع بأصحابها إلى الانتقال إلى سرقة أجزاء أو قطع منها مثل [ راديو السيارة، الإشارات الدالة على نوع السيارة- آلة التسجيل، معدات تصليح البناشر- انتين السيارة (اللاقط)].. وفي بعض الحالات سرقة عجلات وجنطات السيارة وللأسف الشديد فإن هذه الأعمال الشائنة وغير الأخلاقية والمتعارضة مع عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني باتت منظمة ومؤسسة ولها من يبررها ويدافع عنها.
من المعيب فعلا أن يبقى سارقوا السيارات أو أجزاء منها ينامون في مدننا ويعيشون بيننا ويأكلون من طعامنا ويعملون معنا ويحملون هويات مماثلة لنا ومحسوبون علينا ويتظاهرون ضد الاحتلال مثلنا.
[ ثالثا: سيارات الفوردات العمومي ذات اللوحات الفلسطينية والصفراء]
وهذا الموضوع قديم جديد ، كتب فيه العديد وأشار إليه الكثير ، لكن دون جدوى مما يستدعي اتخاذ إجراءات قاسية بحق السائقين المخالفين للأنظمة وللقواعد الأخلاقية وآداب وسلوك تحميل وتنزيل الركاب وأماكن التوقف. فبالنسبة إليهم كل شيء مباح ومسموح ولو أدى ذلك إلى تعطيل حركة السيارات خلفه لدقائق كثيرة . فالذي يراقب أسلوب تسابق سيارات " الفوردات" وهي تنقل الركاب وتقطع عباب الصحراء والاوتوسترادات الواسعة الممتدة بين المدن والقرى الفلسطينية وحتى داخل المدن نفسها، يشعر بأن هذه الفئة ليس فقط غير حريصة على أرواح الركاب بل وتعطيل حركة السير وخاصة حينما تقطع الإشارات المرورية غير عابئة فيما إذا كانت حمراء أو خضراء، فهي تتوقف في كل مكان بما فيها على مدخل شارع فرعي مما يحول دون خروج السيارات منه أو إجباره بالانتظار حتى يفرغ الجنرال سائق سيارة الفورد من تنزيل وتحميل الركاب ، وحينما يقال له بلغة مؤدبة .. هذا خطأ ولا يجوز فعل ذلك ..تسمع كلمات نابية وتأخير متعمد آخر، وفي بعض الحالات يتظاهر بأن السيارة معطلة ليزيد حرق أعصاب الركاب سواء الذين في سيارته يريدون الوصول أو في السيارات الأخرى التي تقف خلفه أو أعصاب ركاب السيارة التي تريد أن تخرج إلى الشارع الرئيس من الشارع الفرعي . ومن يريد أن يرى ويشاهد نماذج أقل ما يقال فيها بأنها سيئة وغير سوية وغير اخلاقية وتتعارض مع كل قواعد السير في العالم واصول السياقة عليه أن يقف لمدة نصف ساعة امام مبنى كراج مجمع سيارات البيرة المواجه لمركز الرعاية العربية . حيث لا يحلو لهم تنزيل الركاب الا في الشارع الرئيس العام علما بأن الموقف بالداخل يتسع لكل السيارات مما يسمح بانسياب حركة المرور بسهولة الى دوار المنارة. ونفس الشيء يمكن قوله على منطقة جامع عبد الناصر باتجاه نفس الشارع ولمن يريد أن يشاهد قواعد السياقة غير الأخلاقية اكثر عليه أن يقف دقائق معدودة في شارع الإرسال حيث الحركة من والى جامعة بير زيت وغيرها وكذلك بالنسبة الى شارع القدس/ رام الله وطريق رام الله بيتونيا. حقيقة وبدون مغالاة فإن سلوك السائقين ومعظمهم من الشباب تعكس حالة اللاتربية والاستهتار ومخالفة لكل الأصول سواء على حياة الركاب أو نظام قواعد السير. اعتقد بأن الوقت قد حان قبل سنوات بضرورة وقف هذه الزعرنة في السياقة وهذا الاسلوب الفوضوي في الحصول على ما يطلقون عليه " الرزق" ما هكذا يكون اصطياد الرزق. فهذا قتل منتظم وتدريجي للقيم والسلوكيات الجميلة التي ورثناها من الاجداد والاباء. شرطة المرور والاجهزة الامنية المختصة الاخرى مطالبة بحماية الامن الاجتماعي الداخلي وتطهيره من العوالق والشوائب التي تلتصق بالجسم الفلسطيني يوميا، فلم يعد مقبولا السكوت على هذه الفئة . اولادنا وبناتنا يركبون في نعوش طائرة وهم يسلكون طريقهم الى الجامعات أو إلى أعمالهم .. واجبنا أن نؤمن لهم الراحة والامان اثناء تنقلهم. فهل ستستجيب الاجهزة الامنية المعنية لهذا النداء أو بالادق لهذه الاستغاثة .. أملنا دائما في الاستجابة.
[ رابعا: فوضى حركة المشاة في الشوارع]
وهذا الموضوع يحتاج الى وقفة وتأمل وتفكير. قد نفهم بعض الشيء بأن الفوضى السائدة في الشارع الفلسطيني لها أسبابها الاجتماعية والثقافية والسياسية بالإضافة الى حالات الإحباط واليأس والضغط اليومي من الاحتلال و الأوضاع الداخلية الفلسطينية . فهذا أمره مفهوم. لكن حركة عبور المشاة في كافة الشوارع الرئيسة والفرعية تجاوزت كل القواعد والأصول. ومن الواجب والامانة الاشارة الى الجهود التي يبذلها رجال شرطة المرور في تنظيم حركة عبور المشاة، لكن ذلك غير كافِ ولا يؤدي الى حل معضلة عبور المشاة وتسكعهم على الارصفة مما يعيق حركة المشاة والسيارات ويزيد أعباء الشرطة في نفس الوقت. ولا تتوقف الأمور عند هذه الحدود، بل تتجاوزها الى التدافع والتشاجر واستخدام كلمات وعبارات جارحة ونابية بحق الصبايا والفتيات تحديدا اللاتي يرغبن بالتسوق أو يتجهن إلى موقف فوردات جامعة بير زيت . لا يمكن تصور هذه السلوكيات غير المؤدبة وغير الأخلاقية والمتعارضة مع كل القيم والمبادئ التي نهلنا منها. فكافة الجهات مطالبة بحل أزمة عبور المشاة من خلال إما جسور أو أنفاق وهذه ليست بدعة فهي قائمة بكل الدول نصف المتمدنة أو أشباه الدول. ولكن المشكلة هي في كيفية حل الأزمة الأخلاقية التي بلغت من السوء ما يستدعي اتخاذ اجراءات صارمة بحق المخالفين وغير المؤدبين . وهذا يحتاج الى تضافر جهود جهات عديدة بدءا من المنزل والمدرسة وأماكن العمل ووسائل الإعلام . المجتمع الفلسطيني للذي لا يعلم بدأ ينهار من الداخل والجرائم بأنواعها بازدياد مستمر وبنظري فإن ضبط حركة وأخلاق وآداب الشارع الفلسطيني أهم من مواجهة الاحتلال .
فالاحتلال زائل لا محالة ، لكن المشكلة ستبقى في تدني أخلاقيات المجتمع وفساده. فماذا سوف نجني اذا انتهى الاحتلال وبقيت هذه المظاهر السلبية والتي تزداد وتتسع يوما بعد يوم. يجب " أن لا تتحول مدن فلسطين الى حارة كل من إيده له" والقوي يأكل الضعيف والزعران يسيطرون على حركة الشارع. ذلك هو ما يجب أن نواجهه بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة. فهذا هو واجبنا وقدرنا ومسؤوليتنا لا نملك الهروب منها أو الانكفاء بعيدا عنها بحجة دع الخلق للخالق . ذلك هو المحظور بعينه.