ثبات المؤمنين فـي ساحة المجاهدين
الثبات مما يجب الصدع بع عندما يحمى الوطيس وتشتد المعارك، فالمطلوب إذن من المجاهدين الثبات فـي ساحة المعارك ثبات المؤمنين فـي ساحة المجاهدين كما ثبت الرّبيّون من الأنبياء وأتباعهم، وكان قولهم:(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فـي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا)آل عمران:147، (قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة:250، وقال:(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) النساء:66، وقال: (إذ يوحي إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فـي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) الأنفال:12.
وقال:(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فـي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفـي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) إبراهيم:27 وقال: (قل نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) النحل:102 وقال:(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) الأنفال:11، وقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد:7
وكما ثبتت الفئة الصابرة تحت إمرة طالوت الذين قال الله فـيهم:(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) البقرة:250، وفـي ذلك توجيه للمؤمن أن يلتجئ إلى الله طالبـًا منه التثبيت، وخوطب أبناء هذه الأمة بأمر الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا)الأنفال:45.
يقول سيد قطب فـي ظلاله:'فأمّا الثبات فهو بدأ الطريق إلى النّصر فأثبت الفريقين أغلبهما، وما يدري الذي آمنوا أنّ عدوهم يعاني أشدّ مما يعانون، وأنّه يألم كما يألمون، ولكنه لا يرجو من الله ما يرجون، فلا مدد له من رجاء فـي الله يثبّت أقدامه وقلبه! وأنهم لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذل عدوهم وينهار، وما الذي يزلزل أقدام الذين آمنوا وهم واثقون من إحدى الحسنيين: إما الشهادة وإما النصر؟ بينما عدوهم لا يريد إلاّ الحياة الدنيا، وهو حريص على هذه الحياة التي لا أمل له وراءها، ولا حياة له بعدها، ولا حياة له سواها!؟'.
واعلم أخي المسلم أنّ الكبائر فـي ديننا الفرار من الزحف، ولذلك كان من الوصايا التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل:'وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس، وإذا أصاب الناس موتان، وأنت فـيهم فاثبت'.
لأنّ الثبات يزيد المؤمنين قوة، ويوقع فـي نفوس العدو خوفاً ورهبة وتزعزع المواقف التي يخذل الصديق ويشمت العدو، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمّق هذا المعنى يوم الأحزاب، وهو ينقل التراب، وقد وارى التراب بطنه، وهو يقول:'لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزل السكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، إنّ الأعداء قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا'.
إنّّه مطلوب من صنّاع القرار مهما كان دورهم أو موقعهم فـي هذه الأمة أن يثبتوا بدأً من أعلى سلطة فـيها، سواء كانت صلاحيتها سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافـية،أو دعوية، عليهم جميعا أن يثبتوا على المبادئ التي أرساها الدين، ليقيموا على شرعة الله ومنهاج القويم- أسس حياتهم وتفاصيل، ومعاملاتهم، وحركتهم، وبناء مواقفهم ومطلوب منهم الثبات على ولاء المؤمنين، ومعاداة الأعداء الذين يكيدون الأمة الإسلام،أو يظاهروا عليها أعداءها،وهذا الأمر من أهمّ عوامل النّصر والتمكين، فلو أحسن المسلمون حكاما وقادة، وعاملين، وشعوبا وجماعات وحركات إسلامية استخدام هذا السلاح القويّ لهزموا عدوهم شرّ هزيمة.
المؤمنون هم أصبر الناس على البلاء، وأثبتهم فـي الشدائد، وأرضاهم نفساً فـي الملمات، عرفوا قصر عمر الدنيا بالنسبة لعمر الخلود فلم يطمعوا أن تكون دنياهم جنة قبل الجنة قال تعالى:(قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى)النساء:77.
و قال تعالى:(وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)آل عمران:185. وعرفوا سنة الله فـي هذا النوع من الخليقة (الإنسان) الذي ابتلي بنعمة حرية الإرادة، والاستخلاف فـي الأرض، فلم يطمعوا أن يكونوا ملائكة أولي أجنحة، قال تعالى:(إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه(الإنسان:2، (لقد خلقنا الإنسان فـي كبد). البلد:4.
وعرفوا من سنن أنبيائهم ورسلهم أنهم أشد الناس بلاء فـي الحياة الدنيا، وأقل الناس استمتاعاً بزخرفها، فلم يطمعوا أن يكونوا خيراً منهم، ولهم فـيهم أسوة حسنة:(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن فـي نصر الله قريب)البقرة214
قال ابن القيم: يا مخنث العزم...الطريق تعب فـيه آدم، وناح فـيه نوح، وألقي فـي النار إبراهيم، وتعرض للذبح إسماعيل، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور نبي الله يحيى عليه السلام.
المصدر
- مقال: ثبات المؤمنين فـي ساحة المجاهدين موقع الدكتورصالح الرقب