تهنئة المرشد العام للإخوان بعيد الأضحى
بقلم : مأمون الهضيبي
أيها الإخوة والأخوات:
تحيةً من عند الله مباركةً طيبةً، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ودعاء إلى الله ـ عز وجل ـ أن تكونوا جميعًا على خير ما يحبه الله ويرضاه، وكل عام وأنتم بخير؛ بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
أيها الإخوة يحضرنا في هذه المناسبة أن تلحظ الله سبحانه وتعالى قد شرع لنا عيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، وكل منهما يأتي بعد زمن من طاعات خاصة مضاعفة، في مدة حددها الله سبحانه وتعالى قبل أن يحلّ يوم العيد.
عيد الفطر المبارك يأتي بعد شهر رمضان المعظم الذي أنزل الله فيه القرآن هدىً للناس، وبينات من الهدى والفرقان، وشرع صوم نهاره صومًا بمعنىً واسع لا يشمل فقط الأكل والشرب وحفظ الفرج، بل التنزه عن كل المعاصي والآثام، كما شرع قيام ليله، وتلاوة القرآن العظيم فيه، وتقديم الصدقات، واحتواء المساكين والفقراء والصفوة، والتسامح والتصافي بين الناس جميعًا، وإزالة ما بين أي منهم من شحناء.
وعيد الأضحى يأتي بعد رحلة الحج.. رحلة العمر.. رحلة النسك الذي يكفر جميع الذنوب والمعاصي وهي رحلة بذل المال وبذل الجهد، والبعد عن الوطن والأهل والالتقاء مع الغير من مختلف الأجناس والأقطار.
وكل من العيدين اللذين شرعهما الله سبحانه وتعالى -ولم يشرع لنا غيرهما- يأتي بعد وقت عمل، ميزه عن غيره من الأعمال بجهد أكبر وجزاء أعظم.
يأتي هذا العيد كجائزة لمن أوفى بما فرضه الله عليه، وأحسن الأداء، واتقى الله في العمل، فحق على المرء إذا حل العيد وفرح بلباس جديد أن يسأل نفسه هل أدى من الطاعات والعبادات والحسنات ما قد يدخل على نفسه بعض الطمأنينة؟ وأنه قد أرضى ربه وشكر خالقه واجتهد أن يوفي حق عبوديته لله ـ عز وجل ـ؟.
أيها الإخوة والأخوات:
يأتي عيد الأضحى الذي يتضمن عدة معاني أوجب الله علينا أن نؤمن بها ونعمل بمقتضاها، فعيد الأضحى يمثل وحدة إيمان الأمة الإسلامية، الوحدة التاريخية. فالحج من ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ أبو الأنبياء، واستمر شريعةً مقررةً ونسكًا معمولاً به على مر الزمان، حتى جاءت رسالة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنفى عن هذه الشريعة ما كان قد أدخله بعض البشر عليها، وجلي طهارتها وإقرارها بوحدانية الله فيها، والمساواة بين الناس في كل أمر من أمورها، فرحلة الحج إذن رحلة تواصل الإيمان من بدء الخليقة. تظهر وتؤكد أن أمة المؤمنين أمة واحدة على مر الزمان (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )، ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) والحج هو شعيرة وحدة المسلمين المؤمنين في كل عصر وفي كل زمن، فجميع المسلمين على اختلاف ألوانهم وألسنهم وأوطانهم يلتقون في صعيد واحد، بقصد واحد؛ لتحقيق عبادة واحدة فرضها إله واحد لا شريك له، وهو الخالق الواحد البارئ الواجد المعز الواحد المذل الواحد المعطي والمانع سبحانه وتعالى، وهو القاهر فوق عباه لا شريك له في ملكه، ولا راد له في قضائه، الكل عبيد له ،خاضعون لأمره، عاملون بشريعته، متآخون في ظل رحمته وكرم ضيافته، فإذا انفضوا بعد أن أدوا المناسك، فهم بعوث إلى أوطانهم يحملون ذات الرسالة في التآخي والتضامن والوحدة بين جميع المسلمين والإخلاص لله وحده.
الحج رحلة تحمل المشاق مع ضبط النفس إزاء ما يتخلل الجموع المتدافعة والمتدفقة رغم ضيق المكان، واشتداد الزحام، مع اختلاف الألسنة واللغات والتقاليد والعبارات ما قد يتخلل ذلك من شدة ومع ذلك فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، بل ضبط للنفس والبدن، وإخضاعهما لأمر الله تبارك وتعالى وحده، وهذا هو المفروض الذي لا يصح، ولا يستكمل الحج إلا به.
أيها الإخوة والأخوات:
تلك بعض مبادئ وأسس نلحظها فيما شرع الله لنا من حج بيته، هل وفينا بها؟ هل نحن أمة واحدة؟ حسبما ينطبق عليها وصف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله: 'مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى'.
هل نحن أمة واحدة كالجسد الواحد في معنى قوله تبارك وتعالى (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ).
هل يمد كل منا يد العون والأخوة والبذل والعطاء لإخوانه في شتى أنحاء الأرض، في وطنه أو شتى أوطان المسلمين؟.
أيها الإخوة والأخوات:
إن ما يقع الآن في فلسطين الحبيبة، وما وقع وما هو على وشك الوقوع في العراق الحبيب، وشعبه المسلم الشقيق، وما سبق ووقع في أفغانستان، وما تتكبر به بعض الدول حتى لأنها تعلن أنها حرب صليبية ضد المسلمين، وغير ذلك مما هو واقع بالمسلمين وشعوبهم، مما يطرح سؤالاً يحتاج إلى جواب صادق.
وأنه آن الأوان أن نفيق من غفلتنا ونتنبه من غفوتنا ونهب هبة المؤمن المعتمد على الله حق الاعتماد، والأخذ بكل الأسباب بيقين أن الله قد جعل لكل شيء سببًا متبعًا قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ 'اعقلها وتوكل'.
آن الأوان أيها الإخوة والأخوات أن نعمل عملاً جادًا قبل أن يدركنا الاستئصال الكامل والزوال من هذه الدنيا، أو قبل أن يعيش منا من يعيش فيها عبدًا متسولاً لا كرامة له، آن الأوان أن يفيء حكامنا إلى أمر مالك الملك، وأن يستقيم حالهم مع شعوبهم على أساس من العدل والإنصاف اللذين شرعها الله سبحانه وجعلهما حقًا أصيلاً لجميع عباده.
آن الأوان أن يكون للشعوب حقها في الحرية واحترام حقوق الإنسان، والمشاركة الفعالة في تقرير حال الأمة وحاضرها ومستقبلها، وفي الدفاع عن أنفسهم وعن أوطانهم وكرامتهم ومصادر رزقهم.
آن الأوان أن يطلق سراح الأبرار دعاة الحق من سجون الظلم والعدوان، وأن يغادر المعتقلون بغير حكم قضائي صادر من جهة قضائية حقيقية معتقلات الخزي والهوان.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يهبنا الإخلاص في القول والعمل، والإخلاص في العبودية له وحده وأن نفقه قوله سبحانه وتعالى(وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) صدق الله العظيم.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل خالص دعائنا وأعمالنا، فهو نعم المولى ونعم النصير، والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المصدر
- مقال:تهنئة المرشد العام للإخوان بعيد الأضحىموقع:الشبكة الدعوية