تلعفر ...مجزرة دامية وصمت مريب

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
تلعفر ...مجزرة دامية وصمت مريب


بقلم : ياسر سعد

المآسي الدامية تتواصل في العراق الامريكي الجديد, والكوراث والفواجع الانسانية تتوالى. فبعد الفلوجة والنجف وجسر الائمة وتلعفر والقائم وغيرهم جاء دور تلعفر مرة أخرى. المجزرة والجرائم الانسانية في تلعفر تتم في إطار صمت عربي وعالمي شبه مطبق وتجاهل إعلامي كبير. في المرات السابقة تحرك الاعلام ناقلا الصور المأساوية وتظاهر الناس في المدن العراقية احتجاجا على الهجوم على إخوانهم في الفلوجة وهددت تركيا بمنع القوات الامريكية من استخدام اراضيها إذا لم تتوقف العمليات العسكرية على تلعفر, وبالفعل اوقفت القوات الامريكية هجومها في حينها. فيما العالم يشهد هذه الايام مأساة دامية وجرائم حرب مروعة في تلعفر بجمود ولامبالاة وكأنه يراقب فيلما مملا او مسرحية معادة.

وكالات الإغاثة في العراق دقت ناقوس الخطر من احتمال وقوع كارثة إنسانية في تلعفر حيث تواصل القوات الأمريكية والعراقية عملية عسكرية مكثفة ضد المقاومين في المدينة. في حين حذر الهلال الاحمر العراقي في بيان نقلته وكالة "فرانس برس" من ان الوضع الانساني في تلعفر "حرج"، واكد حصول موجة من النزوح الجماعي. واضاف ان ما بين 5 الى 7 آلاف عائلة غادرت المدينة الواقعة في شمال العراق، واعلن عن انشاء مخيم شرق تلعفر بهدف ايواء النازحين حيث تم ارسال فريق من الاطباء والمتطوعين الى الموقع. وحسب موقع بي بي سي فقد طلب الهلال الاحمر العراقي المساعدة من المنظمات الانسانية في تركيا وقطر والنرويج، مشيرا الى انه تلقى مساعدة من منظمة الامم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) -في الوقت الذي تنهال فيه ملايين الدولارات من التبرعات العربية إلى ضحايا إعصار كاترينا- وقال طبيب تفقد مخيمات مؤقتة أُقيمت خارج تلعفر، إن النازحين أخبروه بوجود دبابات وصواريخ وقنابل في أنحاء شتى من المدينة مضيفين أن كثيرين لقوا حتفهم وأن بعضهم دُفنوا تحت أنقاض منازلهم. وقال الطبيب سلام اسماعيل العبيدي من منظمة "اطباء من اجل العراق" ان العائلات التي تغادر مواقع الاشتباك يتم فصل افرادها عند الحواجز الموجودة خارج المدينة. واضاف ان النساء والاطفال يتم ارسالهم الى مخيمات اللاجئين في حين يعتقل الرجال ويتم اخذهم بعيدا.

الامر المثير للسخرية المرة, أن المسؤولين العراقيين المتحالفين مع الاحتلال يستهجنون من الحكومات العربية عدم تقديمها العزاء ولا مبالاتها في ضحايا حادث جسر الائمة أليم. لقد أدت تصرفات وتصريحات وافعال سياسيوا الاحتلال الى جعل موت العراقيين وباعداد غفيرة امرا إعتياديا لا يستحق التوقف والتأمل. فلم نسمع بتصريح ولو من النوع الدبلوماسي الخفيف يعاتب الامريكيين يوما على ممارسات القتل الجماعي او على مصرع اشهر طبيب قلب عراقي على ايديهم مؤخرا. الانكى من ذلك ان هولاء السياسيون ارتضوا لإنفسهم ان يكونوا غطاءا للجرائم الامريكية فهم يزعمون انهم من يعطي الاوامر لشن الاعتداءات والهجمات على المدن الآمنة رغم ان الجميع يعرف أنهم لا يملكون من الامر شيئا ألا ان يكون احجار على رقعة الشطرنج الامريكية, وإلا اين هي السيادة ومقومات الدولة إذا كانت شركة بريطانية خاصة للامن تستطيع إغلاق مطار بغداد الدولي؟ ثم لماذا يعهد لشركة جلوبال البريطانية مقابل مبالغ فلكية بالقيام بحراسة المطار وليس للقوات العراقية مثل آلوية الذئب والثعلب والعقرب؟ أم أن مهمة تلك القوات تنحصر في قتل العراقيين والتهئية للحرب الاهلية حماية للاحتلال وإخفاء لتجاوزات وجرائم وسرقات أتباعه؟ وعندما تم الكشف عن التجاوزات الامريكية الآثمة في ابوغريب صرح جلال الطالباني مدافعا عن التصرفات اللانسانية بأنها لا تقارن إذا ما تذكرنا تجاوزات النظام السابق.

المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي عدنان علي زعم ان الحكومة اتخذت الاجراءات الضرورية لتجنب الخسائر في الارواح في تلعفر. واضاف ان الحكومة وزعت منشورات تدعو السكان الى الرحيل. بطبيعة الحال لم يخبرنا عدنان علي عن الاجراءات الضرورية المتخذة من قبل حلفاء الاحتلال والتي يبدوا انها أنحصرت في دعوة السكان للرحيل الى المجهول. فيما بشرنا وزير الدفاع المقدام سعدون الدُليمي العراقي بإن القوات الحكومية مستعدة لضرب المسلحين في أربع مدن أخرى بشمال غرب البلاد. ونقل عنه القول في مؤتمر صحفي "إننا نقول للذين في الرمادي وسامراء وراوه والقائم إننا قادمون". لقد تحولت ما سمي بعملية إعمار العراق الى تدمير الكثير من مدنه وتسويتها بالارض.

الجعفري صرح بأنه تم القيام بتلك العملية في تلعفر لأن المسلحين يحاولون عزل المدينة عن بقية العراق والعملية السياسية. وقال بيان لرئيس الوزراء "بدأت القوات العراقية تمام الثانية صباحا (بالتوقيت المحلي) وبناء على أوامر أصدرتها، عملية لإزالة كافة العناصر الإرهابية المتبقية من مدينة تلعفر". فهل يقصد الجعفري بأن العمليات العسكرية تهدف لمنع المحافظات الغربية من الاستفتاء بحرية على الدستور الممسوخ لضمان عدم إسقاطه. فيما دافع حيدر العبادي المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي مساء السبت عن هجوم تلعفر قائلا إن الحكومة العراقية عليها مسؤولية أخلاقية وقانونية يجب أن تتحملها في الحفاظ على الامن وحماية المواطنين في المدينة.

وأشار المتحدث في مقابلة مع تلفزيون العربية، إلى أن أهالي تلعفر تعرضوا خلال الاشهر الثلاثة الماضية إلى عمليات اختطاف وقتل واغتصاب لمنازلهم وأنهم تقدموا بطلبات كثيرة لتدخل الحكومة. وأضاف العبادي أن الحديث عن وقوع مجزرة في تلعفر هو مجرد مزاعم بعيدة تماما عن الصحة والدقة. هل يصدق العبادي ان هناك من يصدقه؟ فإذا كان اهل تلعفر قد قدموا طلبات كثيرة خلال ثلاثة يستنجدون بالحكومة "الرشيدة" فإين كانت تلك الحكومة خلال الاشهر الماضية ولماذا لم تلبى نداءات واستغاثات المواطنين؟ وإذا كان المواطنون متعاونين مع حكومة الاحتلال وبإعداد غفيرة فلماذا عجزت قوات الاحتلال وعملائها عن إقتحام المدينة المبتلاة لإيام طوال على الرغم من القصف الشديد ولدرجة ان بعض التقارير الاخبارية أشارت الى استخدام قوات الاحتلال اسلحة محظورة دولية.

لقد كانت طروحات القادمين على ظهور دبابات الاحتلال والمسوقين له تتركز على خروقات النظام السابق ومجازره ومن بعد المقابر الجماعية المزعومة. الان اصحاب العمائم كما اصحاب ربطات العنق من المتعاونين مع الاحتلال يتبارزون في التبجح والتفاخر بعمليات الابادة والقتل والتدمير والتشريد لقطاعات عريضة وكريمة من الشعب العراقي كل ذلك يترافق مع تدمير لمرافق الحياة في العراق الجديد ونهب لمقدراته وثرواته. إن ما يحدث في العراق عموما وفي تلعفر على وجه الخصوص هي جريمة ضد الانسانية لا تقترفها قوات الاحتلال والقوات المتعاونة معها فحسب, بل يشارك فيها المجتمع الدولي والحكومات العربية وبعض المراجع والرموز الدينية بصمتها غير المبرر ولا المقبول. أليس من المثير للسخرية ان يعيّر سياسيوا الاحتلال بين الحين والاخر الحكومات العربية عن صمتها على تجاوزات النظام الحالي فيما يقومون هم بارتكاب جرائم افظع في ظل صمت عربي ودولي ولكنه في نظرهم محمود ومشكور هذه المرة.

المصدر