تقديم كتاب مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
تقديم كتاب مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري

تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني

تقديم الكتاب

للأستاذ/ عبد الله العقيل

مدير إدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف

الحمد لله، وصلَّى الله على نبيه ومجتباه سيدنا محمد، وآله وصحبه ومن والاه.

وبعد، فهذا هو الكتاب الثالث في سلسلة إحياء التراث الإسلامي، التي تقوم بإصدارها إدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف، وقد بيَّنَّا - فيما سبق نشره ضمن هذه السلسلة - أننا نمضي قُدُمًا - بعون الله - لتنويع المجموعة الأولى مما ننشره، بحيث نُسرع إلى إخراج مجموعة متكاملة يلتقِي فيها القارئ بمختارات التراث في مختلف علوم الشريعة الغرّاء، وإنّ من معالم طريقنا في تحرّي تلك المختارات ألا نعدو مؤلفات القرون العَشرة الهجرية، مع إيثار ما قرب عهده من كتب المتقدمين، الذين تعالَوْا عن التعقيد والتكلُّف، وجادُوا بالكلمة في سبيل إيفاء المعنى حقه، وإشباع الفكرة مقتضاها.

وكنا قد ودّعنا - إلى حين - زمرةَ الكتب المتصلة بالقرآن الكريم، بعد أن ضممنا إلى المكتبة القرآنية كتابين يتناولان معاني القرآن وألفاظه، هما: «الفوائد في مشكل القرآن»، للعز بن عبد السلام، و«الجمان في تشبيهات القرآن»، لابن ناقيا البغدادي. فحقّ لنا بعدئذ أن نثنّي بالسنة النبوية، التي ما هي إلا بيان للتنزيل، مفسِّرة لمعانيه، ومؤكدة لأغراضه.

ويعلم من له أدنى اطلاع على تاريخ تدوين الحديث النبوي مدى ما كِيد له من خصومه أيامَ الفِتَن والفِرَق، بالوضع والدَسّ، وما عَرَض له من أذى الجاهلين والمفرّطين، من التساهل في نفي الدخيل عنه، وعدم التحرّي لتمييز الصحيح والثابت عن الضعيف والمردود.

ويعرف المطلعون أيضًا تلك العناية الفَذّة التي حَظيتْ بها السنة؛ لغربلة المرويّات ووزنها بموازين دقيقة لم تعرف الإنسانية لها مثيلاً، بحيث اعتبر اتصالُ الأسانيد ونقد المرويّات خصيصةً من خصائص الأمة المحمدية.

لقد أتيح للسنة النبوية من الصيانة والعناية ما لا يستغرب حصوله بعد أن عاش لها الجهابذة، ونذروا لدراستها أعمارهم المباركة، ولعل أول ما عرف التخصص في علم واحد هو التخصص في السنة، والانصراف لعلومها، وقد تمثلت العناية التامة بالسنة - بعد مرحلة الجمع والتدوين التي أُريد بها إنقاذها من الضياع – في إقبال المحدثين الحفّاظ على استخلاص الصحيح من غيره؛ تيسيرًا على من يُعييه أو يؤودُه مباشرةُ الحكم على المرويات، ونقدُ رواتها. وأول من أُلهم ذلك شيخا المحدّثين: الإمامُ محمد بن إسماعيل البخاريّ، وصاحبُه وخرّيجهُ الإمامُ مسلم بن الحجاج النيسابوري، حين ألّف كلّ منهما جامعًا صحيحًا من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، واتبعا أعلى طرائق التحري والانتقاء، بحيث حصلت الثقة والطمأنينة بالنقل عنهما، والعمل بما فيهما. وعلى منهجهما مضى آخرون في إفراد الصحيح والثابت ما بين مسدِّد ومقارِب.

وقد جاءت الأحاديث في صحيح مسلم - وغيره من الكتب الحديثية الأولى - مكتَنَفَةً بأسانيدها لتظل قابلة للدرس والتمحيص، كما تكرر ذكرُ الحديث فيها؛ لكثرة طرقه وتعدد رواياته، وهذا جعل من الضروري لإفادة غير المختصين أن تختصر لهم تلك الكتب، بحذف الأسانيد وذكر الأحاديث مجردة، وطيّ الروايات المتكررة بعد اختيار أوعبها لفظًا ومعنى.

وكان من الكتب التي اختصرت على النحو المذكور «الجامع الصحيح»، للإمام مسلم، اختصره الحافظ المنذري في كتابه هذا، فجاء مشتملاً على معظم أحاديثه مجرّدة من الأسانيد والروايات، وقد أجاد (رحمه الله) في اختصاره، كما وضع لأبوابه عناوين معبِّرة عن مدلولاتها.

والمؤلف الحافظ المنتذري زكي الدين عبد العظيم، من كبار حفّاظ الحديث في القرن السابع الهجري، وصاحب الكتاب المشهور «الترغيب والترهيب»، وغيره من الكتب النافعة.

وسيُعرف - من ترجمته - أنه اعتكف طوال حياته في دار الحديث الكاملية بالقاهرة؛ لدراسة السنة وبث علومها، إلى جانب اشتغاله بالفقه ومشاركته في اللغة والتاريخ.

وقد قام بتحقيق الكتاب المحدّث البارع الأستاذ محمد ناصر الدين الألباني الذي وقف حياته على الاشتغال بالسنة، مع مهارة فائقة ونباهة زائدة في تمييز الثابت منها، والتحذير من الضعيف والموضوع، ودحر الخرافات والبِدَع، فعُني بضبط النصّ وشرح غريبه، والتعليق على المواطن المشكلة أو المهمة من معانيه. كما صنع فهرسًا كاملاً لأطراف أحاديثه مقفّاةً على الحروف؛ لتسهيل الاستخراج من الكتاب والعزو إليه.

إن نشر هذا السّفر القيّم يضع بين يدي المسلم كتابًا جامعًا لأحاديث الأحكام والآداب، مما صح سنده، واختير لفظه، قريب التناول، ميسّر الإخراج.

وهو أيضًا يملأ الفراغ الذي يشعر به المعنيّون بالسنة بعدم نشر مختصرٍ لصحيح مسلم من بين المختصرات العديدة التي وضعت له، في حين طُبع منذ أكثر من قرن المختصرُ المعروف المتداول لصحيح البخاري «التجريد الصريح»، للشهاب الزبيدي أحمد بن عبد اللطيف (المتوفي 893 هـ)، مع ما لمختصر مسلمٍ هذا من تفوّقٍ من حيث كثرةُ العناوين الكاشفة لدلالات أحاديثه، واكتسابُه الخصائص المعروفة لأصله، من سهولة الترتيب واختيار أجمع الروايات وحُسن الصناعة التأليفية.

فإليك - أيها القارئ الكريم - نقدم الكتاب الثالث في سلسلة إحياء التراث الإسلامي، آملين أن ينفع الله به وبنظائره، وأن يزيد هذه السلسلة قوةً لتؤدّي دورها الكامل في إحياء التراث الإسلامي، فتحيا به النفوس المسلمة، ويتصل ركبنا الحاضر بالعهود الزاهرة لسلفنا الصالح، ويكون المستقبل لهذا الدين {ليظهره على الدين كله}، والله الهادي إلى أقوم سبيل.

المصدر