تقديم كتاب "في رحاب الإخوان والدعوة" للدكتور جابر قميحة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
تقديم كتاب "في رحاب الإخوان والدعوة" للدكتور جابر قميحة

المستشار عبد الله العقيل

لقد أكرمني الله بالالتحاق بهذا الركب المبارك لدعوة الحق والقوة والحرية، منذ كان عمري ست عشرة سنة، وهو قريب من السن الذي التحق به الدكتور جابر قميحة بدعوة الإخوان المسلمين، فكلانا كان ارتباطه في سن مبكرة، وهذا من نعم الله علينا، ونسأل الله عز وجل أن يثبتنا على هذا الطريق إلى أن نلقاه، ونجتمع مع إخواننا الذين سبقونا بالإيمان في جنته إخوانًا على سرر متقابلين.

والأستاذ الدكتور جابر قميحة، الداعية المجاهد، والكاتب الناقد، والأديب الشاعر، من أبرز الكتاب والأدباء الذين حملت كتاباتهم الدعوية وأعمالهم الأدبية هَمَّ الدعوة إلى الله، ودافعت عن الدعوة والدعاة، فقد أوقف قلمه لله تعالى، وسخَّر كلَّ إمكاناته ووقته لها؛ مجاهدًا بالكلمة، وخادمًا لقضايا الأمة ومدافعًا عن مقدساتها وحرماتها.

والأخ الدكتور جابر صاحب المواقف الثابتة والوفاء الصادق لرفقاء الدرب الذين عرفهم عبر مسيرة الحياة الطويلة، وكانوا نماذج للرجال الذين عز وجودهم في هذا الزمان.

ولقد عرفته عن قرب، فكان نعم الأخ الكريم في صدق لهجته، ووضوح موقفه، ومحبته لإخوانه في العقيدة حيثما كانوا، وأينما وُجدوا، فهم حاضرون في ذهنه ووجدانه مهما بعدت ديارهم، وشتَّ مزارهم.. يذكرهم بالخير، ويدعو لهم بظهر الغيب، ويترحَّم على من سبقوا إلى الدار الآخرة.

ولد الدكتور جابر قميحة بمدينة المنزلة محافظة الدقهلية بمصر سنة 1934م، وقد عرف دعوة الإخوان المسلمين منذ كان طفلاً صغيرًا.

فقد زار الإمام الشهيد حسن البنا المنزلة ـ مسقط رأس الدكتور جابر ـ وظل يخطب قرابة ثلاث ساعات، فجذب انتباه سكان المنزلة أطفالاً وشبابًا وشيبًا، فكانوا يستمعون إليه وكأن على رءوسهم الطير، ومن يومها والدكتور جابر واحد في صف دعوة الإخوان.

وفي سنة 1948م، عندما انطلق مجاهدو الإخوان يجاهدون في سبيل تخليص فلسطين من الصهاينة، كان عمره أربعة عشر عامًا، فحاول ـ في رجاء مستميت ـ أن يكون واحدًا ممن يشتركون في تحرير فلسطين، ولكن رئيس منطقة الإخوان رفض طلبه وإلحاحه، وقال له: يا جابر؛ أنت مازلت صغيرًا، كما أنك وحيد والدك.

فقال له الدكتور جابر: ولكن فضيلتكم ذكرت لنا أن الذي صرع أبا جهل ولدا عفراء الصحابية الجليلة، وكانا طفلين صغيرين. فاسمح لي أن أتطوع حتى لو قمت بتقديم الشاي للمجاهدين.

فقال له وهو يبتسم: اطمئن؛ فالمجاهدون لا يشربون الشاي.

ومن مواقف الأخ الدكتور الرائعة أنه عندما حصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية "التوجيهية"، كان من شدة حبه للإمام الشهيد حريصًا على أن يلتحق بكلية دار العلوم، وهي الكلية التى تخرج فيها الإمام حسن البنا (رحمه الله)، ولكن الإخوان أصروا على أن يلتحق بالكلية الحربية، وسلموه رسالة توصية للبكباشي أبو المكارم عبد الحي الذي حاصر أحد قصور الملك فاروق هو وعبد المنعم عبد الرءوف (رحمهما الله)، وكانا أشجع رجال الثورة المصرية، وقد حكم عليهما عبد الناصر بعد ذلك بالإعدام، ولكنهما أفلتا منه.

وكان الالتحاق بالكلية الحربية لا يتحقق إلا باجتياز عدة امتحانات، فتقدم إليها الدكتور جابر وهو يدعو الله أن يرسب فيها، أو في بعضها حتى يلتحق بدار العلوم، ولكنه نجح بتفوق في كل اختبارات التقدم، ولم يبق إلا الكشف الأخير، وهو "كشف الهيئة".

ومعه توصية مكتوبة للبكباشي المسلم أبو المكارم عبد الحي، ولو سلمه التوصية لكان على قمة الناجحين. ولكنه لم يوصل التوصية خوفًا من نجاحه المؤكد.

وتقدم بأوراقه لدار العلوم حبًا في الإمام الشهيد (رحمه الله)، وفي اختبار القبول ـ المسابقة القاسية التي نجح فيها ممن تقدموا لدار العلوم 300 طالب فقط من أصل 600 طالب ـ كان على رأس الناجحين؛ إذ حصل على مجموع 96%، وقام الأستاذ عمر الدسوقي الذي اختبره في مادة الأدب والنصوص الشفوية بتقديمه لطلاب الفرقة النهائية وهو سعيد به، قائلاً عنه: "التحق بدار العلوم هذا العام طالب غير أزهري اسمه جابر قميحة يحفظ حمل بعير من الشعر، ومثله من النثر".

فكان طلاب دار العلوم يقصدون الأخ الدكتور جابر للسؤال عن أبيات من الشعر أو قطعة من النثر، وهذا من فضل الله عليه.

التحق الأخ الدكتور جابر ـ زيادة على دار العلوم ـ بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، والذي دفعه إلى ذلك أنه رأى أحد ضباط الشرطة، وهو يعتدي على مواطن بريء في بلدته المنزلة. فقال في نفسه: ماذا أفعل لو أن هذا الضابط الظالم فعل بي مثل ما فعل بهذا المواطن؟

وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وحصل بعدها على دبلوم عالية في الشريعة الإسلامية. ولكن استهواه الأدب، فحصل على درحة الماجستير في أطروحة بعنوان "الفن القصصي في شعر خليل مطران". وحصل على درجة الدكتوراة في أطروحة بعنوان "منهج العقاد في التراجم الأدبية".

قام الأخ جابر بالتدريس في كلية الألسن، وفي جامعة يل YALE بمدينة نيوهافن بالولايات المتحدة الأمريكية. والجامعة الإسلامية العالمية بمدينة إسلام آباد، وجامعة الملك فهد بالظهران.

وله سياحات في مؤتمرات متعددة، وفي كل مكان نزل به كانت العقيدة الإسلامية، والدعوة لها تسري في كل جارحة من جوارحه، وقد فصل ذلك في مذكراته في أمريكا، وغيرها من المقالات والدراسات.

وقد قالوا عنه بأنه أديب ناقد، ومعلم مربٍّ، وداعية ملتزم، وشاعر رسالي، وكاتب سياسي، وله دور كبير في تجديد الأدب الإسلامي، وأنه من أبرز المنافحين عن لغة القرآن، وأحد منظري الأدب الإسلامي على مستوى العالم.

وقد تميز أدبه بالفكاهة التي تتخلله، لم يبع كلمته يومًا ما، وسخر الكلمة لبث مستقبل مشرق لأمته العربية المسلمة، ولم تفتَّ الأيام في عزمه، بل زادته صلابة وقوة.

وكانت شمولية الإسلام واضحة في كتاباته؛ لأن الإسلام هو الدين الشامل للدنيا والآخرة وفي كل مجالات الحياة.

وإن قصائده تتمتع بالجزالة والوحدة الموضوعية، وهو يستلهم القرآن الكريم والسنة النبوية في الكثير من أشعاره.

وقد شغلته قضايا أمته في فلسطين والبوسنة والعراق والكويت وغيرها، كما عاش هموم وطنه والاستبداد الذي يعيش فيه.

وهو من شعراء المبدأ والقيم الذين يعرفون بالحق، ويحملون أرواحهم على أسنة أقلامهم، ويُسخِّرون موهبتهم التي منحهم الله إياها لإيقاظ الهمم وتصحيح الوعي الفردي والجماعي.

وقد أخذ على نفسه عهدًا أمام الله بأن يظل سيف شعره وأدبه مشهرًا في وجه الباطل والجور والزيف والتضليل؛ حيث يقف حارسًا يقظًا على ثغور لغة القرآن، يأبى امتهانها باسم الحداثة، ويرفض الجور على أصالة الشعر العربي باسم قصيدة النثر.

والدكتور قميحة أديب وناقد أكاديمي متحيز لموقف ومتعاطف مع تصور نبيل ومنتصر لمبادئ الفكرة الإسلامية فيما يصدر من إبداع.

هذا هو الأخ الحبيب الدكتور جابر قميحة الذي يذكِّرني بأديب العربية الكبير الأستاذ مصطفى صادق الرافعي، الذي انتصب ينافح عن الإسلام، وعن لغة القرآن، ويتصدى لكل دعاة التغريب وتلامذة المستشرقين، الذين يرددون كالببغاوات مقولات أسيادهم، وينالون من الإسلام كدين، ومن العربية كلغة، ومن المسلمين كأمة، ويشوهون تاريخ الإسلام ورجالاته وحضارته، فكان الرافعي وتلامذته السد المنيع أمام تيار التغريب الوافد من الغرب الصليبي والفكر الصهيوني، وكانت المعارك الشرسة بين الأصيل والدخيل، فكان فرسان الميدان الذين يصولون ويجولون هم الرافعي وتلامذته، أمثال: علي الطنطاوي ومحمود شاكر وسعيد العريان وعبد المنعم خلاف وعلي أحمد باكثير وغيرهم من جنود الحق الذائدين عن الإسلام ولغة القرآن.

بين النثر والشعر:

والنثر العربي الذي يعد الأخ الدكتور جابر أحد رواده، هو تعبير عن الأفكار والعواطف والانفعالات بلغة أدبية وكلام جميل لا يتقيد بالوزن ولا القافية.

قال عنه الجاحظ في كتابه "الحيوان": "صح أن الكتب (أي كتب النثر) أبلغ في تقييد المآثر من الشعر".

وقال أبو حيان في الإمتاع والمؤانسة: "وأحسن الكلام ما رق لفظه ولطف معناه... وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم".

وللنثر أنواع متعددة تختلف من زمن لآخر، وأشهر هذه الأنواع: المقالة والرسالة والخطابة والقصة والمسرحية، وقد برع الدكتور جابر قميحة في كل هذه الفنون.

بين يدي الكتاب:

وهذا الكتاب (في رحاب الإخوان والدعوة) الذي أشرف بالتقديم له، هو باكورة نشر الأعمال النثرية الكاملة للأخ الدكتور جابر، التي ندعو الله العلي القدير أن يوفق مركز الإعلام العربي إلى إتمامها ونشرها، شاكرين له جهده الواضح في نشر مجموعة الأعمال الشعرية والمسرحية للدكتور جابر، التي جاءت في ثلاثة مجلدات فخمة، بديعة المنظر، جيدة الطباعة، لاقت القبول لدى الجمهور.

"في رحاب الإخوان والدعوة" كلمات صادقة يهديها الدكتور جابر للمسلمين عمومًا وللدعاة خصوصًا، ويقصد من ورائها إبراز المضامين الفكرية والقيم الشعورية التي اجتمعت عليها صفوف الإخوان، حرصًا على توعية الشباب المسلم بحقيقة دعوتهم ودعاتهم.

"في رحاب الإخوان والدعوة" يضم أربعة كتب سبق نشرها، يؤرخ الأول منها، وهو "ذكرياتي مع دعوة الإخوان في المنزلة دقهلية" لتاريخ دعوة الإخوان في منطقة معينة هي منطقة المنزلة، والثاني والثالث: "الإمام الشهيد حسن البنا بين السهام السوداء وعطاء الرسائل"، و"الملامح الفنية والجمالية في أدبيات الإمام الشهيد حسن البنا" يتناولان شخصية الإمام الشهيد حسن البنا، ويفندان الافتراءات والأكاذيب التي ووجهت بها جماعة الإخوان المسلمين دعوة وقائدًا، ويعرضان رسائل الإمام الشهيد التي كان لها بالغ الأثر في تربية الشباب، والانتصار للدعوة، والتي تؤكد مكانة الإمام الشهيد في عالم الأدب، وتجعله منافسًا لفحول الأدباء والنقاد.

أما "التاريخ الأدبي للإخوان المسلمين"، وهو الكتاب الرابع في هذا المجلد، فيسد النقص في التاريخ الأدبي للجماعة التي اهتم أعضاؤها بالوقائع والأحداث، والطروحات الفكرية، ومبادئ الجماعة، وتطور المسيرة التاريخية والجهادية، ولم ينصرفوا إلى التأريخ لأدب الجماعة.

ولقد جرت العادة أن تكون فكرة نشر الأعمال الكاملة بعد رحيل أصحابها، ولكن أديبنا وشاعرنا الكبير الأستاذ الدكتور جابر قميحة – أمد الله في عمره – فرض علينا بجهاده وجهوده، وأدبه وعلمه، وعطائه المتدفق الفياض أن ينال هذا التكريم عرفانًا بدوره ومكانته في الأدب الإسلامي؛ فكان إقدامنا على إصدار هذا العمل نوعًا من التكريم المستحق لهذا الداعية الأديب، والناقد البصير، الذي يصدق فيه قول المتنبي:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي = وأسمعت كلماتي من به صمم

تمنياتنا للأخ الدكتور جابر قميحة بموفور الصحة والعافية وطول العمر وحسن الختام.

المصدر