تفزيع الأقباط لمصلحة من؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
تفزيع الأقباط لمصلحة من؟

بقلم: د. إبراهيم البيومي غانم

كل من يخوف الأقباط ويفزعهم من مرشح الثورة د. محمد مرسي، فهو يعمل لمصلحة مرشح الفلول أحمد شفيق، لا لمصلحة الأقباط، بل إنه يسعى لعزلهم عن تيار الثورة.

لدينا في مصر مجموعات وزمر من العلمانيين، وبعض الأحزاب اليسارية الورقية الذين تخصصوا في تفزيع وترويع وتهليع الأقباط واستخدامهم كورقة في مناورات وألاعيب «الدولة العميقة».

ومن أسوأ ممارسات تلك الزمرة العلمانية أنها تعتدي على الذاكرة الجماعية للمصريين، وتنتهك مسلمات العقل والمنطق، وتزور حقائق التاريخ؛ بهدف التغطية على فشلها الشعبي والفكري. هم يرددون أكاذيب من اختلاقهم، ويطمسون ما لا يروق لهم من الحقائق التي لا لبس في صدقها بشهادة الواقع وبشهادة التاريخ.

لا يذكر هؤلاء المغرضون أن الشيخ حسن البنا شكل لجنة سياسية من ستة أشخاص كان نصفها من الأقباط، ولا يذكرون أن نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الآن هو صديقنا القبطي الدكتور رفيق حبيب.

وهنا نورد واقعتين من وقائع التاريخ المصري توضحان حقيقة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والأقباط، وتدحضان الترهات والأباطيل التي يختلقها أولئك الذين يروعون الأقباط ويحثونهم على التصويت لمرشح الفلول أحمد شفيق. ورجائي أن يقرأ الإخوان والأقباط هاتين الواقعتين قبل غيرهم من الشانئين لهم وللإرادة الشعبية.

الواقعة الأولى هي أنه قد حدث في مايو سنة 1946 أن رست قرعة الاختيار الكنسي على الأنبا يوساب الثاني ليكون بطركا للأقباط الأرثوذكس خلفاً للأنبا سرجيوس، فأرسل الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان رسالة تهنئة لغبطته.

وفيها نجد أول تأصيل لفقه الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط قبل أن يترسخ هذا الفقه على يد العلامة المستشار طارق البشري، والدكتور محمد سليم العوا وغيرهما من العلماء. وفي الرسالة أيضاً نجد أول تأصيل تاريخي للوحدة الوطنية بعد أحداث ثورة 1919. وهذا هو نص الرسالة:

(أتقدم إلى غبطتكم بأجمل عواطف التهنئة بانتخابكم لهذا الكرسي الجليل، كما أهنئ كذلك أبناءكم جميعاً سائلاً الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع للخير)

يا صاحب الغبطة

تعلمون أن دين الإسلام الحنيف قد مد أسباب الألفة وبسط رواق التعاون لمخالفيه من أبناء الأديان السماوية الأخرى، وفرض على المؤمنين به أن يؤمنوا بكل كتاب نزل، وأن يعظموا كل نبي أو رسول سبق، وأن يذكروا بالثناء الجميل الصالحين والقديسين من كل أمة ماضية، وأوامر القرآن الكريم في ذلك صريحة لا لبس فيها ولا غموض،

قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم، وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) (سورة البقرة: 136)، وهكذا يا صاحب الغبطة مرت الأجيال المتعاقبة والمسلمون والقبط في هذا الوادي على أتم ما يكونون صفاءً، وتعاوناً على الخير العام، ولئن كانت تحدث فترات يحاول فيها ذوو الأغراض تعكير هذا الصفو فإن تأثير هذه المشاعر وقوة هذه الصلات كانت دائما تتغلب وتعود الأمور إلى أفضل مما كانت عليه.

وجاءت الحركة الوطنية الأخيرة (ثورة 1919)، فدعمت هذه الوحدة بين عنصري الأمة لما فيه خير الوطن على أثبت الدعائم، ولكنا فوجئنا هذه الأيام الأخيرة، وفي هذا الظرف الدقيق الذي يطالب فيه هذا الوطن بحريته، بحملة عنيفة لا معنى لها.

فاندفعت جريدة مصر تثير بقلم الأستاذ سلامة موسى أفكاراً وآراء ما كان لأحد أن يتكلم فيها، أو يثيرها في هذه الأيام، ولا في غير هذه الأيام، وأخذت تتهم الإخوان المسلمين باتهامات قاسية هم منها براء، كما سمعنا أن بعض الأساتذة من المحامين الأقباط يجهز كراسات ليجمع توقيعات الطائفة لتأييد مطالب خاصة تذكر الناس بأيام المؤتمر (المؤتمر القبطي سنة 1911)، وما كان فيها من فتن وانقسامات.

ولهذا يا صاحب الغبطة انتهزت فرصة هذه المناسبة الطيبة لأؤكد لغبطتكم ولحضرات المواطنين الكرام أبناءكم جميعاً، أن دعوة الإخوان المسلمين وهيئتهم لا تنطوي على أي شيء يشتم منه من قريب أو بعيد كراهية الأقباط، أو التعصب ضدهم، أو المساس بشؤونهم الدينية أو الدنيوية، ولكنها فكرة إسلامية لإصلاح المجتمع الإسلامي على قواعد الدين الذي اعتقده وآمن به.

كما أرجو أن تتفضلوا فتأمروا مشكورين بإيقاف هؤلاء العابثين بوحدة الأمة عند حدهم بما ترون من إجراءات، ولغبطتكم عظيم احترامي وتقديري.

حسن البنا (جريدة الإخوان المسلمين اليومية السنة الأولى العدد 8 - 11 جمادى الآخرة 1365هـ 13 مايو 1946م).


الواقعة الثانية

في أبريل سنة 1947، مرض الشيخ البنا ورقد في مستشفى الروضة بالمنيل، وكانت الصحف المصرية آنذاك تغص بالمقالات المثيرة للفتنة الطائفية، وتحركها أقلام أمثال سلامة موسى، الذي يتغنى به بعض غلاة العلمانيين الفشلة هذه الأيام. ولكن المرض لم يمنع الشيخ البنا من إرسال رسالتين واحدة لرأس الكنيسة، والثانية لوكيل المجلس الملي.

كانت رسالته الأولى لغبطة البطريرك يوساب، والثانية للدكتور إبراهيم فهمي المنياوي باشا، وكيل المجلس الملي آنذاك، ورد عليه غبطة البطريك برسالة جوابية.

رسالة الشيخ للبطريرك أكد فيها مضمون رسالته السابقة، وخاصة على ما فرضه الإسلام على المؤمنين به أن يؤمنوا بكل نبي سبق، وبكل كتاب نزل، وبكل شريعة مضت، معلناً أن بعضها يكمل بعضاً، وأنها جميعاً دين الله وشرعته، وأن من واجب المؤمنين أن يتوحدوا عليها ولا يتفرقوا فيها، كما أنه دعا المسلمين وحثهم على أن يبروا مواطنيهم، وأن يقسطوا إليهم، وأن يكون شعار العمل بين الجميع التعاون والإحسان.

واختص النبي صلى الله عليه وسلم مصر بوصيته الطيبة حين قال: «استوصوا بقبطها خيراً فإن لكم بها رحما». وذكر الشيخ أيضاً ما جاء في الإنجيل بشأن روح المحبة والسلام والتعاطف بين الناس، حتى إنه ليدعوهم إلى أن يحبوا أعداءهم، ويباركوا لاعنيهم ويصلّوا من أجل الذين يبغضونهم، وبذلك وحده تكون على الأرض المسرة، وفي الناس السلام.

هذه حقائق نؤمن بها، ونعمل على أساسها.ويدعوا الإخوان المسلمون إليها، وتفضلوا يا صاحب الغبطة بتقبل تحياتي واحترامي.

المخلص حسن البنا(القاهرة مستشفى الروضة 17 جمادي الأولى 1366هـ 19 أبريل 1947).

ومما جاء في رسالته الثانية للدكتور المنياوي باشا:

تحية طيبة وبعد

فقد قرأت بأهرام الأمس (8 أبريل 1947) وأنا بالمستشفى بيانكم القيم، ونداءكم الحكيم الذي تهيبون فيه بأبناء الأمة أن يعملوا جاهدين على صيانة وحدتهم الخالدة، وإني لأضم صوتي إلى صوتكم في هذا المقصد الكريم، لا أظن أحداً من المصريين يدور بخلده أن يكون مواطنه موضع ظلم أو اضطهاد، ولن يكون هؤلاء المواطنون الفضلاء إلا موقع تكريم واعتزاز وبر وإحسان، ولسعادتكم تحياتي.

(القاهرة مستشفى الروضة 17 جمادي الأولى 1366هـ 19 أبريل 1947).

وكان مما جاء في رد غبطة الأنبا يوساب:

حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين

نهدي فضيلتكم أزكى تحية، وبعد فقد تلقينا كتابكم، ومنه علمنا أنكم معتكفون في المستشفى لمرض ألم بكم، شفاكم الله وأسبغ عليكم ثوب العافية، ولقد قرأنا الكتاب فصادف ارتياحنا ما جاء فيه عن وحدة عنصري الأمة، ولقد صدقتم في قولكم إن هذه الوحدة فرضتها الأديان السماوية، وقدستها العاطفة الوطنية وخلدتها المصلحة القومية، وليس للأقباط بغية ألا يعيشوا مع مواطنيهم على أتم ما يكون من الصفاء والوفاء من جانبهم عملاً بوصايا إنجيلهم وأوامر كتابهم،

أما ما اقتبستموه من الآيات القرآنية والحديث الشريف فمن شأنه حقاً أن ينير الأذهان، ويبث مكارم الأخلاق إذا عممت معرفته بين جميع الأوساط، ولاسيما التي تحتاج إلى مزيد من التأدب بهذا الأدب الديني الرفيع، وإذا سار على هديه الحكام والمحكومون، وبذلك تتوثق عرى علاقات الإخاء والمودة بين المسلمين والأقباط، ولا يسعنا إلا أن نضرع إلى المولى جلت قدرته أن يرعى الكنانة بعين عنايته، ويجنبها مساوئ الخصومات، ويديم على سكان الوادي نعمة المحبة والاتحاد في ظل رعاية المصري الأول جلالة الملك فاروق، الملك العادل أطال الله عمره، وأعز به أمته، وبوأها مكاناً علياً بين الأمم في عهد ملكه المبارك، واقبلوا سلامنا وأطيب تمنياتنا.

بابا بطريرك الكرازة المرقسية يوساب الثاني (جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد 291 السنة الأولى 22 جمادى الأولى 1366هـ 14 أبريل 1947).

تلكما صورتان من صور التعاون والترابط الوطني التي حفل بها تاريخ العلاقة بين الإخوان المسلمين والأقباط؛ فلمصلحة من يجري دفع الأقباط للعزلة، والوقوع في فخ الدولة العميقة والوقوف في الجانب الخطأ من تاريخ ثورة يناير المجيدة؟

للمزيد عن الإخوان والأقباط

كتب متعلقة

مقالات وأبحاث متعلقة

أحداث في صور

أخبار متعلقة

وصلات خارجية

مقالات متعلقة

تابع مقالات خارجية

وصلات فيديو

.