تفجيرات جزيرة بالي، رؤية فقهية
بقلم : يوسف القرضاوي
فادي حسين - البحرين : سمعنا وشاهدنا مؤخرا ما حدث في جزيرة بالي السباحية ؛ من قتل مجموعة كبيرة من السياح الأجانب؛ وبالطبع سيلصق هذا بالإسلام والمسلمين ؛ سؤالي هو :ـ في حالة كون الفاعلين من المسلمين ؛ ما الموقف الشرعي من هذه العملية ؟
الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ؛ وبعد :ـ فالإسلام لا يحرم الاعتداء على غير المسلمين الذين لم يعتدوا فحسب ؛ بل يحثنا على البر والإحسان والقسط إليهم وخاصة من دخل أرض الإسلام بعهد ، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، فهذا ظلم لا يرضاه الله ورسوله ؛ والإسلام بكتابه وسنة نبيه، وهدي أصحابه، وفقه أئمته، وروح حضارته، والاتجاه العام لأمته، ينكر كل الإنكار هذا العمل الذي يتسم بالقساوة والوحشية، ويفتقد الإنسانية والأخلاقية.
إن كان من فعل هذا من المسلمين فلا يجوز أن تحمل تصـرفات بعض المسلمين ـ ممن ضاق أفقهم ـ على الإسلام.. فمن المقطوع به: أن الإسلام حجة على المسلمين، وليس المسلمون حجة على الإسلام.. وكم ابتلي الإسلام بأناس ينسبون إليه، ويحسبون عليه، ولكنهم يؤذونه بسلوكهم أكثر مما يؤذيه أعداؤه الذين يكيدون له خفية، أو يقاتلونه جهرة.
وقديمًا قالوا: عدو عاقل خير من صديق .
وقال الشاعر:
لكل داء دواء يستطب به
- إلا الحماقة أعيت من يداويها .
ومن المعلوم أن الحقوق التي قررها الإسلام لمن دخل في ذمة المسلمين ليست مجرد حبر على ورق، بل هي حقوق مقدسة قررتها شريعة الله، فلا يملك أحد من الناس أن يبطلها، وهي حقوق تحوطها وتحرسها ضمانات متعددة: ضمانة العقيدة في ضمير كل فرد مسلم، يتعبد بامتثال أمر الله، واجتناب نهيه، وضمان الضمير الإسلامي العام، الذي يتمثل في المجتمع كله.
والإسلام لا يبيح الاعتداء على إنسان بريء، بحال من الأحوال، ومن أي شخص كان، سواء كان الاعتداء على النفس أو العرض أو المال، ولو كان المعتدى هو الأمير أو الخليفة المبايع؛ فإمارته لا تحل له دماء الناس ولا أموالهم ولا أبشارهم ولا حرماتهم. وقد أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع على رءوس الأشهاد أن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم حرام عليهم بعضهم على بعض، دائمة الحرمة إلى يوم القيامة.
وليس هذا التحريم مقصورًا على المسلمين، بل يشملهم ويشمل غيرهم ممن ليسوا من أهل الحرب لهم.
حتى في حال الحرب والقتال، لم يجز الإسلام قتل من لا يقاتل، من النساء والصبيان والشيوخ، حتى الرهبان المتفرغون للعبادة في صوامعهم لا يقتلون، بل يتركون وما فرغوا أنفسهم له.
وهذا ما جعل المؤرخين المنصفين من الغربيين يقولون: ما عرف التاريخ فاتحًا أعدل ولا أرحم من العرب، يعنى المسلمين.
وأكثر من ذلك أن الإسلام يحرم الاعتداء على الحيوان الأعجم، فما بالك بالإنسان المكرم؟
وفى الصحيح، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
ولو افترضنا أن الذين فعلوا هذا يحملون دوافع خيرة، وبواعث نبيلة فإن الإسلام لا يقبل الوصول إلى الغايات الطيبة بالوسائل الخبيثة.
إنه يرفض الفلسفة "الميكافيلية" التي ترى أن الغاية تبرر الوسيلة.
بل يؤكد كل التأكيد أنه لا بد من اجتماع الأمرين: الغاية الشريفة والوسيلة النظيفة، ولهذا رفض جمع المال من طرق الحرام لينفق في الخيرات وأوجه الصدقات، وقال الرسول الكريم في ذلك: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا"، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول". رواه مسلم.
والغلول ما يؤخذ من مال الغنيمة خفية وخيانة، دون سائر المستحقين، فإذا أخذه ليتصدق به فإن الله يرده عليه ولا يقبل منه.
ولهذا فسر السلف العمل الصالح المقبول بأنه ما اجتمع فيه أمران: الخلوص والصواب، فلا يقبل العمل عند الله إلا إذا كان خالصًا صوابًا. وخلوصه أن يكون لله تعالى، وصوابه أن يكون على السنة، أي على ما شرعه المنهج النبوي الذي يمثل الصراط المستقيم.
فلا يجوز لمسلم بحال من الأحوال الوصول إلى غاياته التي يزعم شرفها ونبلها ورفعتها بهذه الوسائل التي تقوم على الاستهانة بالبشر، وإرهابهم وترويعهم إلى حد سفك الدم بغير حق.
ويزيد من ضخامة الجرم إذا إدعى الذين قاموا بهذه العملية أنهم فعلوها باسم الإسلام الذي يدعون الانتساب إليه، والغيرة عليه، فكل ما تقترفه أيديهم من جرائم يلصق بالإسلام المظلوم، ويشوه بها وجهه بالباطل.
والإسلام بكتابه وسنة نبيه، وهدي أصحابه، وفقه أئمته، وروح حضارته، والاتجاه العام لأمته، ينكر كل الإنكار هذا العمل الذي يتسم بالقساوة والوحشية، ويفتقد الإنسانية والأخلاقية.
وهذا يضاعف المسئولية على أهل العلم والبصيرة أن يبذلوا المزيد من الجهد، حتى ينيروا الطريق للحائرين.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
والله أعلم .
المصدر
- مقال:تفجيرات جزيرة بالي، رؤية فقهيةموقع:الشبكة الدعوية