تزوير انتخابات دمنهور
أحكام محكمة النقض لا تؤخذ من ظاهرها ولكن يجب إمعان النظر فيها حتى يمكن الوصول إلى حقيقة ما حسمته المحكمة من الأمور المعروضة عليه وما لم تجد ضرورة لحسمه لأنها وجدت في غيرها ما يغنيها عن ذلك ، فإذا عرفنا أن عدد الطعون التي قامت المحكمة بنظرها في هذه الدائرة خمسة وعشرين طعناً يعتمد كل طعن فيها على أسباب تختلف عن الآخر فكان لابد للمحكمة أن تلجأ إلى السبب المشترك بينها جميعاً وتستند إليه في قضائها وهو بطلان النماذج المستخدمة في عملية فرز الأصوات وتجميعها وإثبات إجراءات اللجان الفرعية لعدم التوقيع عليها ممن قام بتحريرها أو استيفاء البيانات الواجبة الإثبات فيها ، وانتهت المحكمة استناداً إلى ذلك إلى بطلان الانتخابات وكان هذا كافياً من وجهة نظرها للفصل في هذه الطعون جميعاً ، أما عملية التزوير التي شابتها فقد عرضت لها المحكمة عرضاً بسيطاً لم يصل إلى درجة الحسم فيها كما قضت ذات المحكمة في الطعون الخاصة بدائرة مركز شرطة دكرنس محافظة الدقهلية ، أو نبروه محافظة الدقهلية أو تبين محافظة كفر الشيخ أو الدائرة السادسة قسم مدينة نصر ومصر الجديدة محافظة القاهرة حيث كان السبب الرئيسي الذي استدنت عليه المحكمة في بطلان الانتخابات هو تزويرها طبقاً لما ثبت لها من التحقيق والفحص الدقيق الذي أجرته في هذا الشأن ، أما في الطعون الخمسة والعشرين الخاصة بدائرة بندر دمنهور وزاوية غزال فلم تقم المحكمة بتحقيق وقائع التزوير التي شابتها اكتفاء بالقول بأن المرشح الطاعن ( جمال حشمت ) قد تضارب في أقواله بعدد الأصوات التي يقرر أنه حصل عليها ( كما لم يبيّن أو يقدم أي دليل مقبول في أي رقم قال به بل أنه يقرر أن ما يقول به إنما بناء على أقوال سمعها من الغير دون تحديد أو تقديم المستند الذي يؤيد زعمه مما يتعين معه طرح أقواله في هذا الخصوص جانباً وعدم التعويل عليها ، والحقيقة أن الدليل الوحيد على عملية التزوير هو في يد إدارة الانتخابات وهو محاضر الفرز وبطاقات الاقتراع فكيف يمكن للطاعن تقديمه .
وعندما سئلت في الشكوى المقدمة مني إلى السيد وزير العدل رئيس اللجنة العليا للانتخابات ورئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام قلت أن الدليل الوحيد على تزوير هذه الانتخابات لا يستند إلى شهادة القضاة ولا أقوال شهود إثبات إنما إلى محاضر الفرز في اللجان الفرعية ومطابقة ما جاء بها على محضر اللجنة العامة وعدم اعتماد أي محضر غير موقع من اللجنة الفرعية فإذا ما أثبت التقرير الخاص بانتخابات بندر دمنهور أن النموذج ( 50 ش ) المخصص لعملية فرز الأصوات وهو ما يعرف ( بالحقول ) 124 محضر من 160 غير موقعة ، وأن النموذج ( 48 ) س الذي يتم فيه إثبات مجموع ما حصل عليه كل مرشح باللجنة الفرعية 93 منها غير موقع عليه تبين لنا مدى العبث الذي حصل في المستندات التي عُرضت على محكمة النقض لكي تستند إليها في الاقتناع بالتزوير ومن المعروف قانوناً أن المستند الغير موقع لا قيمة له في الإثبات وهو ذات ما استندت إليه المحكمة في تقريرها ببطلان الانتخابات .
فهل يمكن بعد ذلك القول بأن عملية التزوير قد قالت فيها المحكمة كلمتها بعد ، وإذا كانت محكمة النقض قد أنهت دورها في هذا الشأن فإن دور النيابة العامة لم ينته بعد وهو في هذا الشأن مكمل لدور محكمة النقض وغير متناقض معه سواء انتهى إلى وقوع التزوير أو عدم وقوعه لأنه في الحالة الأولى يضيف إلى التقرير سبباً جديداً لم تحققه المحكمة وفي الحالة الثانية يتفق معه في عدم الاقتناع بوقوع تزوير , وما نطالب النيابة بالقيام به هو إجراء جنائي يدخل في اختصاصها لأنه يُكُوّن جريمة جنائية لا علاقة له بالطعن الانتخابي ولا يتعارض معه خاصة في هذه الحالة التي لم تقل محكمة النقض كلمتها فيها .
انتخابات بندر دمنهور وزاوية غزال نموذج للتزوير الذي شهد به 151 قاض أشرفوا عليها لم يطلب منهم أحد الحضور للشهادة إلا الزميلة الدكتورة نهى الزيني التي لا أعتقد أنها تتأخر عن شهادة تطوعت هي بها دون طلب ولابد أن عدم حضورها يرجع إلى أسباب مقبولة يضاف إلى ذلك أن دليل إثبات التزوير الذي لا يجادل فيه أحد ليس في يد الطاعنين بل هو في يد الحكومة لا يملكون تقديمه وحتى إذا قدمناه هل يتم تحقيقه ، لقد قدمنا هذا الدليل في دائرتين بندر دمياط و العجوزين مركز كفر الشيخ ولم يتم تحقيقه حتى الآن.