تزوير الانتخابات في مصر بين الواقع المر والأمل الصعب

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
حوار هادئ حول تزوير الانتخابات



في الحديث الذي أجرته معي قناة ( العـالــم ) في برنامج ( من القاهرة ) الذي يقدمه الأستاذ / أحمد السويفي ، وتدخل فيه عن طريق الهاتف الأستاذ الدكتور / عبد المنعم سعيد رئيس المركز الاستراتيجي بالأهرام والذي كان موضوعه ( الأزمة بين الحكومة والقضاء ) ، والذي قلت فيه أن سر الأزمة الراهنة هو قيام القضاة بكشف عورة الحكومة في تزييف إرادة الشعب وغضب الحكومة من ذلك وعقب الدكتور / عبد المنعم سعيد على ذلك بالقول بأنه لا ينكر وقوع بعض وقائع التزوير ولكن ما يعيبه على القضاة هو التعميم بالقول بأن الانتخابات كلها قد زورت في حين أن ذلك غير صحيح لأن الحزب الوطني حصل فيها على نسبة لا تزيد على 32 % ولذلك فهو يعترض على تعميم الحكم حتى لا يختلط حديث القضاة عنها بحديث المعارضة والحقيقة أنني بعد أن شاهدت البرنامج أحسست أن ردي على اعتراض الدكتور / عبد المنعم سعيد لم يكن كافياً نظراً لضيق وقت البرنامج فرأيت أن أكتب هذا المقال لكي أوضح بعض ما لم أستطيع توضيحه في البرنامج لعلمي بثقل شخصية الدكتور / عبد المنعم ووزنها وتأثيرها على الرأي العالم فيما نتناوله من أمور تهم الشعب .

بداية أحب أن أقول أني أؤمن إيماناً كاملاً بأنه لا تقدم ولا رقي لأي مجتمع إلا في ظل الديموقراطية الحقيقية وأنه لا يمكن أن تكون هناك ديموقراطية في ظل تزييف إرادة الشعب في اختيار حكامه ونوابه وأنه ما لم نقض تماماً على هذا الداء اللعين الذي أصبح يلازمنا منذ زمن بعيد فلا أمل في رقي ولا تقدم وأنه لا يليق بنا كشعب فيه من الكفاءات والعقول المفكرة والعلماء هذا العدد الضخم ممن يسهم في تقدم العالم كله ويقال أنه لم ينضج وأنه غير جدير بالديموقراطية ، إذا اتفقنا على ذلك سهل الحديث عما يحدث في الانتخابات والاستفتاءات في مصر وما جناه ذلك عليها من تأخر عن أقرانها من الدول التي بدأت مرحلة التغيير في تاريخ معاصر لها وما تشهده هذه الدول من نمو يكاد يزعج كبرى الدول الاقتصادية حالة أن مصر لا زالت تحبوا وتعيش على المساعدات التي تتلقاها من هذه الدول والتي تؤثر بلا شك على إرادتها في اتخاذ قرارها .

بالنسبة للاستفتاءات فلا اعتقد أن سيادة الدكتور / عبد المنعم سعيد يختلف معي في أنه لم يحدث منذ بداية الثورة سنة 1952 وحتى الآن أن أجرى استفتاء نزيه سواء على رئاسة الجمهورية وعلى الدستور أو أي أمر آخر استفتي فيه الشعب على أمر الأمور وحتى الاستفتاء الأخير ما حدث فيه كان مهزلة بكل المقاييس حسبما شهد بذلك العديد من رؤساء اللجان الفرعية الذين سمعناهم في نادي القضاة وسمعت أنا شخصياً العديد منهم وسمع الشعب كله ويعلم هذه الحقيقة المرة ، وهذا أمر طبيعي أن تزيف إرادة الشعب لأنه ليس معقولاً ولا مقبولاً أن يستفتى الشعب على تضييق حريته وحرمانه من أبسط حقوقه الطبيعية في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي ثم يقول نعم ، وطبعاً صديقي الدكتور / عبد المنعم لا يستطيع أن ينكر مهزلة الثلاث تسعات ( 99.9 % ) التي ابتلانا الله بها منذ أكثر من خمسين عاماً والتي لم نتخلص منها إلا قريباً بعد أن صرنا أضحوكة العالم والدكتور بحكم موقعه أعلم بذلك أكثر مني .

هذا بالنسبة للاستفتاءات أما بالنسبة للانتخابات وهي النقطة التي كانت موضع خلاف بيني وبين الدكتور عبد المنعم سعيد في البرنامج فما أحب قوله أن نجاح الحزب الوطني في الانتخابات التشريعية الماضية بنسبة 32 % فقط لا يعني أن الانتخابات لم تزور وأن ما حدث فيه كان تجاوزات لا تنال من سلامتها بصفة عامة لأن الحقيقة والواقع الذي عشناه ونعيشه ويعيشه الشعب جميعاً ولا يمكن غض الطرف عنه يقول غير ذلك وهو أن التزوير كان ظاهرة عامة فيها تنال من سلامتها وأن التزوير في مصر إرادة سياسية تأمر به وتقوم به الحكومة مدعومة من أعلى سلطة في الدولة وتصرفات من يقوم بالتزوير وعدم محاسبة المزورين والحرص على مكافأتهم تقول ذلك وإليك يا سيدي تفصيل ما أقول وهو ما لم يسمح به وقت البرنامج .

كانت المادة 76 من الدستور قبل تعديلها تجعل ترشيح رئيس الجمهورية منوط بموافقة ثلثي أعضاء المجلس قبل عرض أمره على الاستفتاء ، ومن هنا كان حرص الحزب الوطني الحاكم الذي ينتمي إليه رئيس الجمهورية على الاحتفاظ بهذه النسبة وزيادة حتى يضمن الموافقة على الترشيح وأصبح الحزب وحكومته تحرص على ذلك مهما كلفها الأمر من جهد وعناء في تزييف إرادة الشعب وظل هذا الحال إلى الآن لأن عدم توافر هذه النسبة العالية من النواب معناه معاناة الحكومة وإمكان عرقلة بعض مشروعاتها التي تريد تمريرها حتى وإن كانت في غير مصلحة الشعب وإمكان تعرض رجالها للمؤاخذة عند ارتكاب أي خطأ وهي في سبيل ذلك ترشح العديد من الأشخاص ممن يسمح لها بالحصول على هذه النسبة فإذا لم تتمكن من الحصول على هذا العدد لديها استعانت بأشخاص من الخارج إذا رأت أنهم أكثر قبولاً من رجالها وهي لا تتدخل في الدوائر التي بها مرشحيها فقط لأنها تعلم أنه لا يوجد منافس لهم ولا في الدوائر التي بها مرشحين سمحت لهم بدخول الانتخابات على وعد منهم بالانضمام أو المناصرة وهم من كانوا يسمون أنفسهم مستقلون على مبادئ الحزب الوطني وهي تسمية غريبة لا مجال للحديث عنها الآن ، تبقى بعض الدوائر التي بها معارضون لسياسة الحزب الوطني وحكومته وهي موطن الخطر والقلق فإذا كان العدد في حدود ما تسمح به المساحة الخاصة بتزيين المجلس فلا خطر ويسمح بذلك أما إذا تجاوز العدد ذلك وأصبح يمثل خطراً على نسبة الثلثين التي يحرض الحزب وحكومته على توافرها فهنا يكون التدخل السافر لمنع ذلك وهو ما كانا دائماً نشاهده في هذه الانتخابات سواء في وصورة تدخل من داخل اللجان قبل إشراف القضاة على اللجان الفرعية أو من خارج اللجان بعد هذا الإشراف على ضوء ذلك يصبح من الظلم القول بأن الانتخابات جميعاً زورت كما أنه يصبح صحيحاً أيضاً القول بأن الانتخابات زورت لأن التزوير كان مقصوداً به حرمان المعارضة من تخطي النسبة المسموح بها ولو أنه لم يتم التزوير لتخطت المعارضة هذه النسبة بلا شك ولما أمكن للحزب أن ينفرد بالمجلس كما هو حادث الآن وتخرج منه هذه الطامة الكبرى من القوانين سيئة السمعة والتي أصابت الناس بالإحباط ، هل بعد ذلك تعيب علينا يا سيادة الدكتور أن نقول أن الانتخابات قد زورت وهل يمكن أن يعم التزوير حتى يمنع المعارضة تماماً من دخول المجلس ؟ إن هذا يا أخي ليس في مصلحة الحكومة وحزبها لأن الكعكة ستفقد كثيراً من زينتها وبهجتها وتصبح أكثر عرضة للسخرية مما هي عليه الآن .

لعلي بذلك أكون قد رددت على اعتراض الدكتور / عبد المنعم سعيد على ما يقول على القضاة من أن الانتخابات جرى تزويرها وأنهم لا يتحدثون كما تتحدث المعارضة لأنهم يتحدثون من واقع يلمسوه وحقيقة يشاهدونها وهم شهود عليها ، تاب الله على مصر من هذا الداء اللعين الذي يحط من شأنها أمام العالم الحر الذي يقدس إرادة الشعوب .