تزوير الانتخابات

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
تزوير الانتخابات "فساد... قمع...بوظة"

العميد / قطري

مقدمة

إذا كان البرلمان مزوراً ، أى أن ممثلى الشعب نجحوا فى انتخابات مزورة، فمن البديهى انهم لن يحرصوا على مصلحة الشعب وإنما سيحرصون على مصلحة من صنعهم وجعلهم نواباً وتكون الكارثة أكبر إن الحكومه نفسها هى التى اصطنعتهم فى انتخابات لم يختارهم فيها الناخبون ،

وإنما اختارتهم الحكومة بالتزوير ، فإنه وفقاً للقاعدة القانونية القائلة بأن " من يملك البناء يملك الهدم " ، فالحكومة أيضاً يمكنها فصل النائب إذا أرادت وبنفس الأسلوب وهو التزوير.

وهذه الحالة غير منطقية إذ تكون الحكومة هى التى اختارت من يراقبها وهى التى تأمره ، فكيف يتسنى للنائب الذى يعرف أن الحكومة هى التى أتت به فى انتخابات مزورة ،

ويعرف أكثر أنها يمكنها بسهولة فى إجراءات شبه شكلية فصله ،أن يراقب أداء هذه الحكومة ويحاسبها ، هل يجرؤ على ذلك ؟! .

والشرطة بكل أجهزتها هى الأداة الأقوى والحاسمة فى التزوير ، فوزارة الداخلية هى المسئولة عن جداول الانتخابات ، فهى تتم تحت إشرافها المباشر وهى التى تراقب عمليات الاقتراع وهى التى تراقب اللجان ،

أى انها هى المسئوله عن كل التفاصيل ، وخاصة إذا عرفنا انه لا سلطه حقيقية للقضاء أو حتى للجنة محايدة على عملية الانتخابات ..

إذن فالشرطه هى كل شئ وقادتها وضباطها العاملين فيها يعتبرون أن الانتخابات هذه هى مهمة مقدسة ، فمهمتهم كما تعلمهم وكما تأمرهم القيادات هى الدفاع عن الحكومة وليس الشعب أو حتى الدولة ، ومن هنا وكما أوضحنا فى الفصول السابقة ، فحتى الضابط الذى يرفض أو يتكاسل فى عدم تنفيذ الأوامر بالتزوير يمكن ان يتعرض للعقاب المادى والمعنوى والذى قد يصل الى تلفيق التهم له ومحاكمته وسجنه ... إنها فلسفة الخوف .

فالانتخابات تدور فى مناخ من الإحباط والامبالاة يدعمه تراث شعبى يتجسد ويتجلى مثلا فى الأمثال التى صاغ فيها الاجداد الحكم والنصائح المخلصة فى مواجهة الظلم ومنها " الحيطان ليها ودان " و " يا بخت من بات مغلوب ولا باتش غالب " و " عيش جبان تموت مستور " و لو صبر القاتل على المقتول كان مات لوحده " و اصبر على الجار السو يا يرحل يا تجيله مصيبة تاخده " ويا بخت من كان النقيب خاله " و " إن فاتك الميرى إتمرغ فى ترابه " و " الضرب من الحكومة شرف" و " الباب الذى يأتيك منه الريح سده وإستريح ".

وفى جانب من الأمر فهذه الفلسفة الخانعه يستخدمها المصريين كنوع من الدفاع الإجتماعى فى حربهم من أجل البقاء ، وكأنها عقد بين الشعب والحكومة ، الأول يحصل على مجرد البقاء على قيد الحياة فى مقابل التنازل للحكومة عن كل شئ حتى رغيف الخبز .

وقد جمعتنى الصدفة فى إحدى المرات بأحد المسجلين الأشقياء وطلبت منه وأنا ابتسم أن يشترك هو وأصدقاؤه فى مظاهرة تحمل لافتة مكتوب عليها " لا للحكومة ... لا للغلاء " فما كان من هذا الشق الخطر إلا أن ضحك بشده وقال: يا باشا تعذيب المباحث الجنائية أهون بكتير من تعذيب أمن الدولة . ورفض تماماً هذه الفكرة .

إنها كما قلت فلسفة الخوف التى جعلت تزوير الانتخابات و الاستفتاءات تصرفا طبيعياً مثل التصرفات المشروعة التى لا تزعج الضمير ، مما حدا بالمواطن العادى بأن يقوم إما بالانصياع السهل لأوامر التزوير او ان يقوم هو بالتزوير من تلقاء نفسه . والحقيقة أنه ليست الحكومة وحدها هى التى تزور الانتخابات ولكن هناك تربيطات عصبية وعائلية وقبلية تمارس نفس الامر وبشكل طبيعى وهذه ظاهرة خطيرة لا يجب السكوت عليها أبداً.

كنت اشرف على بعض لجان أحد الإستفتاءات ونبهت على رؤساء اللجان وأمنائها بأن يتقوا الله ولا يقومواا بتزوير إرادة الناخبين وقلت لهم : دعوا الأمور تتخذ مجراها الطبيعى .

ولم تكن هناك اى مشاكل او احتكاكات ، فقد قررت المعارضة مقاطعة هذا الاستفتاء .

وبعد مرور ساعتين فقط من بدء عملية الاستفتاء وأثناء مرورى على اللجان أخبرت أن أحد رؤسائها يريد التقرب منى ، وبعد تعارف قصير همس فى أذنى قائلاً : كل شئ تمام .

فقلت له : مضبوط كما اتفقنا .. ولكنه فيما يبدو شعر أننى لم افهم ما يعنيه ، فاضاف : خلاص انا خلصت الصندوق وفاضل تشميعه !! أذهلتنى المفاجأة وكدت أن أضربه ولكننى لجمت غضبى ، وشتمته بغضب و وصفته بأنه " معندوش ضمير ولا مبدأ وأنه مزور " .. والغريب أنه اعتبر الأمر مجرد غضب منى بلا مبرر ، فما فعله شئ عادى ، بل ومن واجبات وظيفته كرئيس لجنة ،

وأننى رجل طيب ومش فاهم حاجه ، بل ودعانى لزيارته فى منزله وعرفت انه يريد أن أتزوج ابنته .. وبالطبع لم اذهب ولم اتزوجها .


وينطلق هذا الرجل وغيره من أن التزوير وظيفة طبيعية فعلا ، بل وله الأولوية فى واجباته الوظيفية ، بالضبط مثل ضباط الشرطه والعاملين فيها ، فهو القول الفصل فى بقائهم فى وظائفهم أو عدم بقائهم مع من يصاحب ذلك من أذى إدارى بما يمكن ان نطلق عليه الإعدام الوظيفى ، يعنى التشريد وخراب البيوت .

وضباط الشرطه وافرادها تعلمو الطاعة العمياء حتى فى الأمور الخاطئة ، والقيادات فى يدها أرواحهم ، وهم الذين يأمرونهم بالتزوير الذى هو منهج الوزارة ..

وفى الحقيقة أن تنفيذ مثل هذا الأمر لا يختلف على الإطلاق عن أى اوامر اخرى يتلقاها العاملين فى الشرطة .. فهى مثلها مثل تلفيق التهم للغلابة من أجل الحصول على الترقيات ومثل اعتقال النشطاءوالسياسيين وحتى المجرمين العاديين وتعذيبهم حتى الموت ..

أى أنه منهج وفلسفة متكاملة ، فلسفة دولة بكاملها تقوم على التزوير .

ففى الاستفتاءات ومن التقاليد التى تحافظ عليها الوزارة والحكومة عو تكليف مجموعه من الضباط يتم توزيعهم على مختلف اللجان من أجل طبخ النتيجة ، فيغلق الواحد منهم المكتب على نفسه ومعه أثنين من الأفراد التابعين له وأوراق اللجان ويقوم بتعديل نتائج الصناديق وفقا لما تريده القيادات ،

بمعنى أنه إذا كانت القيادات تريد ان تكون النتيجة 99,9 % فعليه ضبط نتائج الصناديق لكى تنتج هذه النتيجة ولا تحدث أخطاء حسابية ثم يذهب بها الى مدير الأمن لكى يراجعها معه قبل عرضها للاعتماد ..... ثم إخطار الوزارة بها .

أما فى الإنتخابات فكانت التعليمات تأتى صريحة وذلك بمنع الناخبين من الدخول الى اللجان أصلاً ، حيث كان يتم تعيين البعض من أعضاء الحزب الحاكم والمحليات وغيرهم للموافقه على دخول الناخبين ، فيقولون هذا يدخل وذلك لا يدخل لكى يتم ضمان أن من سيدخل سيصوت لم تريده الحكومة .

كنت مشرفا على الانتخابات فى أحد المراكز ولأن المأمور يشعر أنه فى حالة حرب وليست انتخابات ولأنه يريد ان يرضى القيادات التى تريد نتائج محددة فكان يقوم بكل الأعمال ولهذا فلم يكن لى عمل محدد سوى ملاحظة ما يحدث ، وكان هذا يصيبنى بالملل ولكن فى نهاية اليوم فوجئت بأوامر المرور على اللجان الانتخابية مع ضباط المباحث وخرجنا فى طابور سيارات طويل .

وكان هذا الأمر غريبا لأنه من الناحية الأمنية لم تكن هناك بلاغات او معلومات تفيد حدوث ما يعكر صفو الأمن كمبرر للاستعانة بكل هذه القوات بما فيه من ضباط وأفراد ومعدات وسيارات ... إلخ .

ولكننى أكتشفت انه كانت هناك مهمه اخرى ، حيث كان هناك اتفاق مع بعض الافراد المدنيين على تزوير اللجان وتقفيلها وذلكك تحت حماية الشرطة وسط الصخب الذى تحدثه قوة المرور فى هذه اللجان ، فعندما وصلنا الى اول لجنه فى خط السير هرعت القوات المصاحبة لنا الى اللجنة فى شكل هجوم وكل واحد من قوة المرور نزل وسط الناخبين ليسأل احدهم عن سبب تواجده ويتلكك له ويطرده من مقر اللجنة ، وآخرين تضربهم الشرطة بحجة تزاحمهم وتدافعهم حتى يذهبوا بعيدا وأخرجوا الناخبين الى ما بعد باب اللجنة الخارجى الذى وقف عليه الضباط ومنعوا الناخبين من الدخول باستثناء أشخاص متفق عليهم من قبل الذين دخلوا الى اللجنة وخلصوا الموضوع ،

يعنى قاموا بالتزوير وهو نفس ما حدث فى باقى اللجان وبنفس الطريقة وشعرت بيأس وإحباط وأمرت السائق أن يعود بى الى ديوان المركز ولم أكمل المرور البربرى معهم مخالفا التعليمات والأوامر الفاسدة حتى لا يصيبنى الغثيان .

وإذا كان ما حدث يعد تدخلا مباشرا من الشرطه فى الانتخابات ، فإن التدخل غير مباشر كان أكثر سوءا وأكثر تأثيرا ، ففى مركز آخر كان يتنافس فيه أحد أبناء وزير سابق معروف عنه الدهاء الشديد وسعة الإتصالات والنفوذ القوى ،

سرت إشاعة ان هذا الوزير استمال قيادات أمنية كبيرة وأنه سيكسب الانتخابات لأنه قدم حقيبة مليئة بالنقود ، ولم أصدق هذه الإشاعة ، ولكننى فوجئت فى يوم الانتخابات بلعبة حقيرة دبرها هذا الوزير مع القيادات الأمنية .

فى صباح يوم الانتخابات توجه الوزير الى منطقة نفوذ الخصم المنافس لابنه وليس معه غير سائقه وتعمد ان يراه الناخبون فراح يستثيرهم حتى قام بعضهم بسبه وراح بعضهم يقذفه بثمار الطماطم والبيض الفاسد ، فقام على إثر ذلك بالتصال من تليفون سيارته بشرطة النجدة وأبلغهم أنه موجود فى منطقة كذا وانه محاصر وأن الناخبين يعتدون عليه وأن حياته فى خطر ،

وطلب منهم استدعاء بعذ القوات لإنقاذه وإخراجه من هذه المنطقة وبعد ان تلقت النجدة بلاغه لا سلكيا أبلغته لغرفة العمليات ، وأعد مدير الأمن جيشا من القوات حيث تم استدعاء قوات الاحتياط وقوات الامن المركزى حيث صورت لهم القيادات أنهم ذاهبون إلى حرب مقدسة وأن هذه المنطقة المحاصر بها الوزير مغلقة تماما ويجب على القوات فتحها ،

ودخلت القوات معبأة نفسيا ومعنويا الى المنطقة المنكوبة وراحوا يطلقون قنابل الدخان والغازات المسيلة للدموع المصحوبة بالطلقات الحية فى الهواء ، فهرب الناخبون على إثر الهجوم التترى وما أن نجحوا فى الإحتماء بمساكنهم حتى أغلقوها عليهم ولم يخرجوا منها إلا بعد إنسحاب القوات بعد مرور ثلاث أيام ،

وقال قائل منهم فى مقارنة بين مرشحهم وابن الوزير " هى المية تطلع فى العالى " وفعلا لم تصعد المياه الى العالى وكسب ابن الوزير الانتخابات وكان قد وزع عدة ملايين على أهالى الدائرة حتى قيل ان الصوت الواحد كلفه اكثر من خمسين جنيهاً ،

وبعد ذلك عرف الناخبون اللعبة وأن الذى قام بالتعدى بالسب وإلقاء الطماطم والبيض الفاسد على سيارة الوزير كان بعض اتباعه وأنهم كانو يمثلون مع الوزير مسرحية هزلية لايجاد المبرر امام الرأى العام لهذا الغزو الشرطى والمتفق عليه مسبقاً، ودائما ما تسقط الاقنعة ولكن بعد فوات الآوان ، ونجح التخطيط الآثم وزورت الشرطة الانتخابات ولكن بطريقة غير مباشرة .

وقد حاولت مقاومة الظلم فى انتخابات ابن الوزير وكان قد حاول استمالتى مستعينا ببعض الضباط من اتباعه ولكنه لم ينجح معى ،

فلقد كنت اكره الرشوة والتودد للكبار وقررت أن اقف فى جانب الحق ، والحق عندى ليس الانحياز للمرشح المنافس لابن الوزير ولكن منع التزوير من جانب اى طرف ، وانطلقت للمرور على اعضاء اللجان الانتخابيه والقيت عليهم محاضره عن الحق والعدل ، وبدأت اكثف مجهودى ومرورى وأشد من عضد أعضاء اللجان حتى جاء وقت العصر تقريبا ،

وكان الوزير قد أجهز بمساعدة الشرطة على خصمه فى عقر داره حين أخبره أتباعه تليفونياً أننى أحول بينهم وبين تقفيل اللجان لصالح نجله وأن الضباط الذين استمالهم لجانبه خافوا منى حياء او رغبة فى عدم التورط .. المهم أننى أصبحت العقبة الوحيده أمام الوزير وابنه .

والحقيقة ان الرجل كان ذكيا ولديه خبرة تزوير هائلة فلم يطلب من أنصاره الاعتداء على ولو فعلوا ما كنت أستطيع أن افعل شيئا فلقد كنت أقف وحدى وليس معى ضابط أوى عسكرى واحد يساند موقفى ،

فقد اشتراهم الوزير ومن لم يشتره أخافه وأسكته ، وفوجئت بالمأمور يستدعينى لاسلكيا ويطلب منى العودة لديوان المركز وألح فى ذلك . وفطنت للضغوط التى مارسها الوزير على المأمور لإعادتى للمركز، ولجات إلى إحدى المدارس وتحدثت تليفونيا إلى رئيس مباحث أمن الدولة وأوضحت له أنه يتم سحبى لتزوير الانتخابات لصالح ابن الوزير ،

ولم يتحرك طبعا ولكنه على التليفون جاملنى واعدا إياى بأنه سيتصرف ولم يتصرف ، وكان قد استدعانى سرا قبل الانتخابات لمناقشتى فى كيفية العمل على اسقاط مرشح التيار الاسلامى وإسقاط ابن الوزير المتحالف معه ،

ولكن فيما يبدو أن ابن الوزير كان يخدع مرشح التيار الاسلامى ليستفيد من مؤيديه ثم ضحك عليه ونقض هذا الاتفاق السرى فرفعت عنه الأيدى ولم أكن أعرف ذلك .

طلب الوزير من مؤيديه ألا يتعرض لى احد بسوء حتى لا ينسب اليه او لأعوانه التعدى على ضابط شرطه الامر ، الذى قد يمكن أنصاره من تزوير الانتخابات فى هدوء ، فهذا قد يجلب له المشاكل التى توفر أوجه للطعن ضد ابنه .

ولكن ما أن اجهز على خصم ابنه عاد مره اخرى وادار معى لعبة الاطفال " العسكر والحرامية " وكنت بمفردى احاول المحافظة على نزاهة الانتخابات ،

فأمر انصاره بالهجوم على إحدى اللجان وقاموا بتقفيلها رغما عن رئيس اللجنة وأمينها بالقوة والبلطجة ، وبعد أن انتهى ارسل لى من يخبرنى انه تم الاعتداء على هذه اللجنة ، فكان طبيعيا ان اهرع سريعا الى المكان حيث وجدت كل شئ قد انتهى وشكا لى رئيس اللجنه من أنه لم يتمكن من عمل أى شئ لأن البعض تعدوا عليه بالضرب وخطفوا منه الأوراق والكشوف بعد أن اصابوه فى كلتا يديه بخدوش ،

وكان لى اصدقاء شرفاء منهم أحد أطباء المستشفى ، واستغثت به فحضر وحرر تقريرا طبيا لرئيس اللجنه بإصابته وسلمه له ، وراح الوزير يأمر أنصاره بالإغارة على اللجنة البعيده عن مكان تواجدى ثم يرسل لى من يبلغنى بالأمر لأنتقل وأجد أن كل شئ قد انتهى ويشتكى لى أعضاء اللجان ، وفشلت كل محاولتى مع غرفة العمليات بالمركز وعلمت فيما بعد من الضباط ان القيادات كانت تسخر منى عند استغاثتى لإرسال قوات لإقاف هذا التزوير ،

وأثناء ذلك دخلت إحدى اللجان وشاهدت التزوير بعينى رأسى رغما عن انف رئيس اللجنه وأمينها وهرب المزورون عندما شاهدونى وعرفت ان المركز باعنى للوزير وعلمت فيما بعد من المأمور أن الوزير وعده بعدم إيذائى !!

واشتعلت الامور وتم تزوير جميع اللجان بلا استثناء ، واتصلت بشرطة النجدة واستغثت بالحكمدار وهو نائب مدير الأمن نفسه وشرحت له الوضع وأن اللجان يجرى تزويرها عيانا بيانا وأننى أتحدث إليه بالقرب من لجنة تم تزويرها بعد أن قام أنصار الوزير بضرب أعضائها وطردهم خارج اللجنة ، وأخبرته ان الاعضاء المضروبين جالسين على مقهى بجوار اللجنة ،

وكان منطقيا أن ينفعل الحكمدار لهذا البلاغ منى وكان لزاما عليه دون أدنى تفكير أن يرسل قوات من مكان قريب لضبط هذه الفوضى وكان عليه ابلاغ ذلك للمشرف العام على الانتخابات لفتح تحقيق واستبعاد الصناديق المشكوك فى امرها ولكن الحكمدار لم يفعل شيئا من ذلك ، بل طلب منى أن أعيد اعضاء اللجنه الى مكانهم حتى تسير الامور بشكل طبيعى ! وتنفيذا للامر ذهبت بنفسى لأعضاء اللجنة وقمت باسترضائهم حتى عادوا الى اللجنة ، ولكنى اكتشفت ساعتها انى مجنون وايقنت اننى نغمه نشاز فى سيمفونية التزوير البغيضة ، وأننى اضرب رأسى فى الحائط ، وأيقنت عندئذ أننا ذاهبون إلى الجحيم ،

ولم يكن زملائى يدركون ذلك فالوسط الشرطى ضحل الثقافة يتميز بالخوف الشديد من القيادات ، والضباط والأفراد يفعلون ما يؤمرون دون أدنى تفكير ودون أدنى إعمال للعقل أو المنطق ، فغير مسموح لهم بمجرد التفكير فى شرعية الأمر الصادر لهم ، ولكن المسموح به فقط هو التفكير فى كيفية تنفيذ هذا الامر لإرضاء القيادات بأية طريقة بهدف الحفاظ على المركز الوظيفى.

ونجح ابن الوزير رغما عنى ، فلقد اتصل بى رئيس المباحث لاسلكيا وعلى الملأ ، وكان قد ألقى بنفسه فى حضن الوزير، وقال لى ببجاحة :"

مهما عملت سيتم تزوير الانتخابات لصالح ابن الوزير وسينجح رغما عنك فلا تتعب نفسك " فقلت له : "

فليكن ذلك ولكن رغما عنى وليس بإرادتى أبدا وسأقاومه قدر استطاعتى وقدر ما أعاننى الله ، وأنا رضيت ربى وضميرى ".

فى اليوم السابق على الانتخابات دائما تعقد الاتفاقات وتعد الصفقات الانتخابية ، ففى بعض المراكز كانت الشرطه لا تجد مكانا لمبيت رؤساء وأمناء اللجان الانتخابية ، فهذا المبيت يعتمد كما سبق واسلفنا على مدى تعاون المحليات والادارات الأخرى خاصة الإدارتين التعليمية والصحية ، فالأولى تضغط بسلطتها الرئاسية على الأخيرتين لتدبير أماكن وأسرة لهذا المبيت .

وعند عدم توفر مثل هذه الأماكن بسبب تقاعس هذه الجهات عن التعاون مع الشرطة سواء كان ذلك عن عمد أو عن عدم اهتمام ، فقد يعمد بعض المرشحين ذوى النفوذ الى إجبار هذه الجهات لكى تتقاعس عمدا عن التعاون فى مبيت أعضاء اللجان الانتخابية حتى يتمكنوا من الانفراد بهم والاجتماع معهم .

وفى إحدى الدوائر الانتخابية تحججت جهات الادارة المحلية والإدارتين التعليمية والصحية بعدم وجود أماكن او أسرة لمبيت الأعضاء ، وفى ذات الوقت وبعد الحيرة الشديدة عرض مرشح الحكومة واسع النفوذ أن يستضيف جميع أعضاء اللجان الانتخابية وتكفل بمبيتهم وإعاشتهم !!

شئ مضحك أليس كذلك ؟! إذ كيف يتحقق العدل والقاضى الذى جاء من السفر ليحكم بين المتخاصمين يبيت لدى أحدهم وعلى نفقته ، فأكرم وفادتهم وأعد لهم الولائم الفاخرة والمشروبات اللذيذة والسجائر والشيشة وكل ما يطلبونه .

وفى المساء وبعد ان تناولوا وليمة العشاء ، عقد هذا المرشح لقاءا وديا معهم مبررا التزوير ، بقيام مرافقيه بسرد إنجازاته وخدماته للمواطنين ، وكم مسجدا بناه او شارك فى بنائه ، وعدد المضايف التى ساعد اهالى القرى فى إنشائها أو تأثيثها ، هذا بخلاف الإعانات لبعض المواطنين الذين يعولهم المسئول الكبير ، وأنه لا يحتاج لعضوية البرلمان إلا من الناحية الادبية لأنه يعتبر الكبير فى هذه المنطقة ، منطقة الدائرة الانتخابية .

وعلاوة على أن الضيوف اعضاء اللجان الانتخابية كانوا يعيشون يوما من حياتهم فى ترف حتى أن من يتعاطى منهم الحشيش يتم توفيره له فورا بمعرفة مستخدمى هذا المسئول الكبير ، إلا أنه فى نهاية زيارة المرشح المهم لهم تم توزيع مبلغ عشرين جنيها على كل واحد منهم تحت مسمى المصروف الشخصى من ضمن كرم الضيافة ، وأعضاء اللجان كانوا من عامة الموظفين والذين ما زالوا يهللون لعلاوة قيمتها 2 جنيه !!.

والملاحظ ان اغلبهم لم يفكر فى أن هذا الطعام والشراب ليس سوى رشوة محرمة شرعا ويعاقب عليها القانون ، وما كان أحد منهم يعرف أنه يبيع إرادة الناخبين وحريتهم بل وحريته هو أيضا بثمن بخس !! ربما تكون هى عقلية القطيع الذى يتعامل مع التزوير باعتباره شيئا عاديا تماما .

ولكن خمسة من بين هذا الحشد الضخم من اعضاء اللجان الانتخابية رفضوا هذه الرشوة الفاجرة ، ورفضوا تناول هذه الأطعمة واشتروا سندوتشات رخيصة الثمن ،

ولكن زملائهم كانوا يسخرون منهم وينتقدونهم بعنف . فواحد منهم قال: " هذا الأمر ضيافة ولا شأن لكرم الضيافة بالانتخابات !! ....

كلوا واشربوا وفى الصباح شددوا اللجان ، فردوا عليه بأن هذا نفاق لا يرضى عنه الله وأنه لا يجب أن نكون بوجهين ، وقال لهم الآخرون الذين حولوا الامر الى سخرية ومزاح :

يعنى أنتم الشرفاء ونحن اللصوص !! وهل يستطيع أحد منكم أن يفتح فمه مع هذا المرشح الذى يضع الحكومة كلها فى جيبه ؟! وقالوا لهم : يا إخواننا أن هذا المرشح سينج بإرادتكم أو بغير إرادتكم ورغما عن أنف الجميع ، وما دام الامر كذلك ما الداعى للتشدد وإدخال الحلال والحرام فى الموضوع .

وقال لهم الساخرون " كلوا لحمة تلاقيكوا مدوقتهاش من سنة ..

إنتم الخسرانين وذنبكم على جنبكم ". فى الصباح الباكر ليوم الانتخابات قام هذا المرشح بنقل اعضاء اللجان الانتخابيه من مقر إقامتهم الفاخر لديه إلى مركز الشرطة فى أتوبيسات كان قد أستأجرها لحملته الانتخابية ، وبعد استلامهم للمظروف والصناديق كانت تحملهم أتوبيسات الوحدة المحلية غير اللائقة إلى مقار لجانهم .


وأثناء إنعقاد الانتخابات قام أنصار المرشح المهم بطرد وكلاء المرشحين الآخرين من اللجان وذلك بإفتعال بعض المشادات معهم من ناحية ، ومن ناحية أخرى بالإيعاز الى رئيس اللجنة الذى أكل وشرب جيدا للإكتفاء ببعض المندوبين دون البعض الآخر بحجة منع الزحام داخل اللجان .

وعند حدوث مثل هذه المشادات التى تتطور عن عمد الى تبادل السباب والتعدى بالضرب لابد عندها من تدخل افراد الشرطة والقبض على المتشاجرين ووضعهم فى صندوق أى سيارة وإرسالهم بصحبة الحرس اللازم الى مقر مركز الشرطة لعمل المحاضر واستخراج التقارير الطبية وما إلى ذلك .

أما وقد خلا الجو ، فيتقدم مندوب آخر عن مرشح الحكومة إلى رئيس اللجنة الذى يقبل به طبعا ويبقى المرشح الأخر المشاكس بدون مندوب فى اللجنة ، ولا يفوت أنصار هذا المرشح أن يمنعوا قبلا دخول مواطنين غرباء او مندوبين إلى قريتهم من الأصل بالتعدى على من يحاول منهم ذلك ومطاردته حتى يخرج من القرية كلها .

وهكذا تخلوا اللجان أمام أنصار هذا المرشح بالقوة والتواطؤ مع الشرطة !! أعتقد أنه وبدون تعليق يمكن تصور الذى حدث بسهولة وهو تسديد البطاقات الانتخابية لصالح مرشح الحكومة دون مضايقة من أحد .

وقد يستفيد من هذا التزوير بعض المرشحين الآخرين الذين لا يقفون فى موقف التنافس مع هذا المرشح حيث انه فى مثل هذه الظروف كثيرا ما تعقد صفقات سريعة فيما بين مندوب المرشح المهم وأحد المندوبين الآخرين يتم بمقتضاة تزوير البطاقات الانتخابية لصالح المرشح المهم ولصالح المرشح الآخر .

ونظير ذلك يستمر الكرم الطاغى من أنصار المرشح بالإغداق على أعضاء اللجان والمندوبين وبما يقتضيه ذلك من الاهتمام بإعداد وجبة غداء فاخرة لكل لجنة وتقديم المشروبات وعلب السجائر على مدار اليوم .

لكن بعض رؤساء وأمناء اللجان الذين رفضوا الرشوة شددوا على اللجان الانتخابية والبعض الاخر المنافق ، وقد قبل الرشوة الرشوة ،

فلقد حاول التشديد على اللجان أيضا . وهؤلاء المتشددون تعرضوا للضرب والسباب من أنصار مرشح الحكومة مما جعل بعضهم يخاف ويستسلم للتهديد ويترك اللجنة والصندوق لهؤلاء الأنصار يفعلون بعا ما يشاءون .

إلا ان قلة من رؤساء وأعضاء اللجان استمروارغم الإهانة وبالعتماد على بعض الضباط الشرفاء فى هذا التشديد ولم يسمحوا لأحد بالتلاعب فى الصندوق أو فى البطاقات الانتخابية رغم الإغراءات التى تعرضوا لها ، ولكن حتى هؤلاء لم يكن سعيهم مشكورا ،

فبعد تحملهم للإهانة ومقاومتهم وتشددهم ومحافظتهم على الصناديق والبطاقات الانتخابية لم يكن أيا منهم يدرى أن هناك خطة محكمة تهدر كل هذا ويتم عن طريقها التزوير رغم انف الجميع ، وهى بمثابة الكارت الأخير فى آليات التزوير .

وكانت الخطة المحكمة هى وقف السيارات التى تحمل الصناديق ، وافتعال مشادة مع من فيها ، وتطور سريعا إلى التشابك بالأيدى ، وأثناء ذلك يتم تبديل الصناديق بأخرى سبق إعدادها وتجهيزها ووضعها على أهبة الاستعداد للتبديل فى منزل أحد المؤيدين فى الطريق من اللجان الى مقر مركز الشرطة تمهيدا لتسليمه للجنة الفرز .

وتقدم بعض اعضاء اللجان بشكوى لبعض المسئولين وقال أحدهم يجب حل هذه المشاكل على وجه السرعه ومن يصر من الاعضاء على التمسك بشكواه ، فعليه أن يبيت لليوم التالى انتظارا لسؤاله فى تحقيق بمعرفة النيابة .

وكان الوضع ظاهرا امام هؤلاء المتشددين ، فالصناديق الاخرى تم تزويرها بهدوء لصالح ذلك المرشح بحيث نتيجة فرز صناديقهم التى تم استبدالها لن تؤثر فى أمر نجاح هذا المرشح ،

فيضطرون للخضوع ويقومون بفرز الصناديق المستبدلة ويضطرون أيضا لتعديل الكشوف الإنتخابية وفقا للواقع المزور فى البطاقات الانتخابية التى تم دسها فى الصناديق فقد تم إجبار الشرفاء على التزوير ولم يستمع لهم أحد فأثروا السلامة ، وكان الواحد منهم يقول:

أنا عملت اللى على ّ ، يعنى هعمل أيه اكتر من كده . والحقيقة ان بعضهم كان يتوقع أن يتم قتله من جانب المزورين إذا لم يخضع لأوامرهم .

وكان أعضاء اللجان يشتكون للضباط الذين اتهموهم بالدلع ، وقال أحد الضباط فى مشادة كلامية " إنتم مش أخدتم حقكم أكل وشرب وسجائر، بلاش بقى كلام عن الشرف والضمير ملهوش لازمة ".

وما كاد أعضاء اللجان ينتهون من الفرز بعد هذا اليوم العصيب حتى تسابقوا للحصول على الخطابات التى تثبت اشتراكهم فى الانتخابات لتقديمها لجهة عملهم وكذلك استلام المكافأة البسيطة المقررة لهم ، ويقسم كثير منهم بأنهم لن يشاركوا فى أية انتخابات بعد ذلك ،

وبعضهم قرر الحصول على إجازة فى أيام الانتخابات وبعضهم قرر الإبلاغ بالمرض لو أقتضى الأمر حتى لا يشارك ابداً فى اى انتخابات قادمة ،

وكانوا على حق فلو أننى مكانهم وشاركت فى مثل هذه المهزلة فلن أكررها أبدا بعد ذلك ، وانصرفوا عائدين إلى بلدهم وكان الليل قد جاء ولم يجدوا وسيلة مواصلات ،

فقد انفض عنهم أعوان المرشح الحكومى والضباط والأفراد فلم يسأل عنهم أحد " قضيت حاجتى من جارتى " وتهرب منهم الذين خطبوا ودهم طوال يوم الانتخاب، بل كان البعض يسخر منهم قائلا :

ياريت فيه منكم شوية ذمتهم حلوة كده فى امتحانات عيالنا فى الثانوية العامة ، دا الواحد كان يضمن له كلية الطب على طول " ، فرد زميل له : " لأ دا انت كنت تضمن له البكالريوس فى الثانوية العامة ".

إن الانتخابات والاستفتاءات بهذه الطريقة وتلك الاليات لا يمكن الوثوق فى نزاهتها ، فبدون الاشراف القضائى الكامل الشامل لا فائدة ، فهذا الاشراف يجب ان يبدأ مع إعداد الجدوال الانتخابية وتعديلها حتى إعلان النتيجة ،

بحيث تصبح الانتخابات منافسة شريفة بين المرشحين مع كل التيارات السياسية وأن تكون هناك رقابة على الحكومة بصفتها السلطة التنفيذية وبين مراقبيها من ممثلى الشعب بصفتهم السلطة التشريعية ويجب أن تحكم بينهم جهة ثالثة محايدة وهى السلطة القضائية ،

وإلا اختل ميزان العدل ، ولهذا يجب أن يكون الاشراف القضائى كاملا شاملا غير منقوص إن أردنا انتخابات نزيهة وجدية ، فالإشراف المنقوص لا يحول دون تزويرها ولا ينوب القضاة إلا بتلويث السمعة رغم أنهم جد مخلصون .

وقد تعرضت لحادثة غريبة بعد أن تركت الشرطة ، فقد أحالونى للمعاش ، وسعدت بخروجى من السجن وقيدت نفسى فى الجدوال الانتخابية ذهبت للإدلاء بصوتى لأول مرة فى حياتى وقد كانت انتخابات جزئية مطبوخة ضد تيار الإسلام السياسى ،

ووجدت بعض الضباط يمنعونى من الدخول الى مقر اللجنة فأفصحت لهم عن شخصيتى ولكنهم أصروا على موقفهم متعللين بأنها أوامر تلقوها بعدم دخول كائن ما غلى اللجنة وأننى سأعرضهم إلى ما لا يطيقونه .

وقال أحدهم : " وإيه فايدة صوتك كل شئ محسوم ومعروف وهذه التمثيلية لإنجاح أحد المرشحين وإسقاط اخر " فانصرفت وفى اليوم التالى تقابلت مع نائب مدير أمن فى مكتبة ، وحكيت له ما حدث فلم ينف نائب المدير ما فعله الضباط أو يستنكره فى خبث كما توقعت وفوجئت به يقول فى بجاحة :" تصور أنه رغم كل هذه الإحتياطات مرشح التيار الاسلامى ابن ......

حصل على 900 صوت طب إزاى ؟! ". نائب المدير مندهش من كيفية حصول المرشح الذى تحاربه الشرطة ومنعت الناخبين من دخول اللجان لعدم انتخابه على 900 صوت ،

وهذه لهجة غريبة تعبر عن الاستهانة بالتزوير وتعبر عن أنه أصبح أمرا طبيعيا وعاديا وغير مؤثم ولا يخزى صاحبه ولا يؤلم ضميره ،

إذن لقد تعدى الأمر مرحلة الفساد إلى مرحلة التلف والعفن الذى بات شيئا عاديا ولم يعد يزكم الأنوف من شدة تعودها عليه .

والنعرة القبلية تسيطر على انتخابات المجالس الشعبية والمحلية ، فبعض العائلات تعمد على سيطرة ابنائها على الوظائف الهامة والحيوية فى الدائرة الانتخابية وخاصة وظائف وزارة الداخلية ، ويمتد نفوذ العائلة فى كل المصالح الحكومية وترأس عدد لا بأس به منها بعض أفرادها ويقومون بدور كبير بالتاثير فى الانتخابات لصالح افراد العائلة والإضرار بالمنافسين الآخرين .

لقد قام أحد المحامين المعروفين فى إحدى الدوائر بترشيح نفسه لعضوية البرلمان وحسب الحسبة على الأساس القبلى من حيث عدد أفراد عائلته وعائلات اصهاره وأقربائه بالنسب وغيرهم ، فوجد أنه يمكنه أن يتوقع الحصول على أكثر من ثمانية الاف صوت ،

ولكنه علاوة على تعرضه للمضاسقات العادية من مناصرى خصومه والشرطة المحلية بمنع مسيراته ومؤتمراته الانتخابية فوجئ يوم الانتخابات بأن نسخة الكشوف التى استخرجها من مديرية الأمن مختلفة تماما عم النسخة المعمول بها داخل لجان الانتخابات وتبين عدم وجود أسماء افراد عائلته والعائلات الاخرى المؤيدة له وكان هذا بالطبع لصالح خصومه ،

وربما يكون هذا معناه أن النعرة العائلية والقبلية لا بد لها من دعم حكومى كما أن الحكومة نفسها تبحث عن اصحاب النفوذ العائلى والقبلى ، اى أنه فى النهاية هناك مساحات مشتركة بين الفريقين وان التناقض قى الغالب يكون نادرا.

ومن المواقف الطريفة أن شقيقة هذا المرشح وكانت تدعى " زينات " وجدا ان اسمها مثبت فى جداول اللجنة الانتخابية ولكن إحدى نقطتى التاء غير واضحة رغم ذلك لا يمكن ان تقرأ إلا " زينــات " ولكن التعنت يمكن قراءتها "زينان" بالنون وليس بالتاء وباقى الاسم صحيح ،

أى اسم الأب واسم الجد والرقم المثبت فى بطاقة الانتخابات متطابق مع الرقم فى الجدول ورغم هذا رفض رئيس اللجنة وكان قاضيا السماح لـ " زينات " بالانتخاب ! هذه ليست نكتة ولكنها حدثت ولا يمكننا فى هذا الحال أن نتهم رئيس للجنة بشئ فال يجب أن تلقى الاتهامات جزافا دون دليل فالروتين يبرّؤه .

لاحظت أن تزوير الانتخابات إذا ساندته الشرطة فغنه يحسب عليها من باب البلطجة الحكومية ، ولهذا فإن الشرطة عندما نقوم بتزوير الانتخابات سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالاتفاق مع المرشحين ، فإنها تجعل معيار قوة البلطجة هو الفيصل فى العملية الانتخابية ،

وما دامت قوة البلطجة هى التى تحسم الأمور فى الانتخابات فلا بأس من لجوء بعض المرشحين إليها لحسابه الشخصى دون أن تكون لصالح الحكومة ، ثم يمكن بعد ذلك تصحيح الأوضاح مثل غسيل الأموال والسمعة ، فينضم المرشح الذى ينجح بقوة البلطجة إلى حزب الحكومة حتى يتم التغافل عن الجرائم التى ارتكبها .

لقد لجأ بعض المرشحين إلى هذه الوسيلة حيث قام أحدهم بإحضار عدد كبير عن البلطجية ونقلهم بأسلحتهم فى سيارات نقل إلى دائرته الانتخابية حيث انهالوا على خصومه وأوسعوهم ضربا وطردوهم من أمام اللجان لصالح المرشح الذى أستأجرهم ،

والعجيب أنه بعد أن ثبتت صحة هذه الأفعال وتلك التصرفات بعد تحقيق شكاوى المرشحين الخصوم لم يحدث شيئا وإنما تمتع هذا المرشح الذى كسب الانتخابات بالبلطجة بعضوية البرلمان وكأنه حصل على عفو ضمنى وذلك بانضمامه إلى حزب الحكومة .

والشرطة إذا عزمت الأمر على تزوير الانتخابات فى لجنة ما فلن يقف امامها شئ ، فهى إن ارادات التزوير فمهما التزم الناخبون والجميع الهدوء والقانون ،

فإن الشرطة تفتعل الخلافات للإجهاز على هذه اللجنة ، فقد حدث فى إحدى الدوائر الإنتخابية التى كانت أد المعاقل لمرشح تيار الإسلام السياسى أن ألتزم الناخبون الهدوء والنظام الشديدين حتى يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم ، فقد أخبر مدير المباحث مدير الأمن ان الانتخابات لو تمت بحرية ونزاهة فان هذا المرشح سيفوز ،

وعلى الفور اصدر الرجل التعليمات الصارمة بالاستعانة برئيس مباحث المركز الذى احضر له اثنين من البلطجية وأرسلهما ليقفا فى وسط طابور الناخبين ثم قاما بافتعال مشادة مع الناخبين وأوسعوهم ضربا ،

وصرخت النساء وتصايح الجميع وكان هذا مبررا قويا لكى تتدخل الشرطة ولكن التدخل الطبيعى والمنطقى هو الإمساك بأطراف المشاجرة واقتيادهم للمركز ولعمل محضر بالواقعة ولكن تدخل الشرطة فى هذه الحالة له قصد آخر ،

ولهذا قام ضابط المباحث بطلب قوات للتدخل فورا لعجزه عن فض المشاجرة وطلب من أفراد الشرطة المتواجدين عدم التدخل وعلى وجه السرعة حضرت ستة لوارى بها تشكيلان وقوام التشكيل الواحد مائة عسكرى ومدرعة وسيارات شرطة صغيرة اخرى وما أن اقتربوا من اللجنة حتى فوجئنا بإطلاق قنابل الدخان والغازات المسيلة للدموع وقام الجنود بمطاردة الناخبين الفارين ،

وتحولت ساحة المدرسة التى كانت تجرى بها الانتخابات إلى ساحة حرب ودمار فكانت آثارها كأنما هى آثار لكارثة طبيعية ألمت بهذه الساحة كزلزال أو بركان ، وانصرف الناخبون وكان المحظوظ منهم هو من لم يتعرض للإصابة وخسر المرشح الذى أرادته الداخلية أن يخسر .

وللأسف يتم إعداد جداول الانتخابات على المصاطب بالقرى وعلى المقاهى فى المدن ، حيث تقسم دائرة القسم أو المركز إلى حصص وتتشكل لجان تعديل الجداول الانتخابية وفقا لهذا التقسيم ،

وتنص التعليمات على أن تؤلف لجنة المركز أو القسم برئاسة المأمور أو نائبه وعضوية موظف منتدب من المحافظة وثلاثة أعضاء ممن يجيدون القراءة والكتابة من الناخبين ،

أما فى القرى فتشكل اللجنة من العمدة وئيسا وشيخ الحصة والمأذون واثنين من الناخبين من الملمين بالقراءة والكتابة وليس المجيدين لهما ، هذا تنص عليه التعليمات .

أما من الناحية العملية فهناك اختلاف ، فلجنة القسم أو المركز لا يمثل فيها الناخبون وإنما يستعاض عنهم بأربعة أو خمسة موظفين يتم انتدابهم من المحافظة أو مجلس المدينة أو الحى ، على أن يكونوا معروفين بعدم الانتظام ،

فتتخلص منهم جهات عملهم وتستريح منهم بصفة مؤقتة ، وذلك لإحجام الناخبين العاديين عن الاشتراك فى مثل هذه اللجان حتى لا تتعطل مصالحهم .

ويتم تخصيص أحقر مكان فى المركز أو القسم ليكون مقرا لهذه اللجنة والذى غالبا ما يكون عنبر الجنود فهو المكان الوحيد المتاح ، حيث يتم احضار منضدة كبيرة أو اثنتين وبعض المقاعد ( كراسى أو دكك ) بعدد الأعضاء المنتدبين من المحليات حيث يجلسون إلى المنضدة التى توضع عليها دفاتر الجداول الانتخابية . ويتم اثبات حضور الموظفين المنتدبين بدفتر الأحوال وهذا هو الأهم لدى الجميع .

وقبل أن تبدأ هذه اللجنة عملها يستقبل المأمور أعضاءها فى مكتبه ويعطيهم التعليمات المملة وأهم ما فيها هو التزامهم بالحضور فى المواعيد وعدم الانصراف إلا فى المواعيد الرسمية .

ويجلس الموظفون أعضاء اللجنة وسط "تشخير" الجنود النائمين فى الفترة الصباحية العائدين من الخدمة الليلية ، ويقوم أحدهم بالعمل لإنهاء الأعمال والباقين لا تكون لهم صلة بالأمر سوى إثبات الحضور بدفتر الأحوال يوميا .

والعمل الذى تقوم به اللجنة لا يخرج عن مخاطبة الأحوال المدنية وكاتب الصحة لاستحضار كشوف من بلغوا سن أهلية الانتخاب والتعامل مع بعض المواطنين الذين يرغبون فى القيد أو نقل قيدهم .

و ينظر المأمور والضباط وكذلك الموظفون أعضاء اللجنة ، لمن يأت من المواطنين لقيد اسمه فى جداول الانتخاب أو نقل موطنه الانتخابى على أنه غير طبيعى أى مجنون أو معقد نفسيا وأنه ليس لديه ما يشغله .

ومنذ لحظة استقبال المأمور للموظفين المنتدبين أعضاء اللجنة التى يترأسها تتقطع صلته بهم إلأا على الورق فهو يعتمد أعمال هذه اللجنة ضمن أعماله الكثيرة والمزدحمة والتى يضج ويضجر بها دائما ،

فهو مشغول بصفة مستمرة فى الأعمال العادية الكثيرة جدا فى القسم أو المركز ولا يكون لديه اى متسع من الوقت لرئاسة لجنة تعديل الجداول الانتخابية رئاسة فعلية علاوة على ذلك فهو ينظر لعمل هذه اللجنة ضمن سيكولوجية شبه جماعية من ضباط الشرطة على أنها شئ تافه وهامشى ولا داع للاهتمام به .

ربما كانت هذه النظرة ناتجة عن اجتماع عدة عناصر وهى أن الضباط مصابون بالغرور ولذلك فهم يتعالون على المدنيين وينظرون إليهم من عل ،

بالإضافة إلى إنشغال المأمور والضباط عموما بأعمال كثيرة ينوء عن حملها الكثيرين ، فلا يوجد متسع لديهم لاضافة اعمال أخرى لا قيمة لها مثل هذه اللجنة .

وربما استفر فى نفس الضباط أنهم ينتمون ، بغرورهم السابق الإشارة إليه ، إلأى الطبقة الحاكمة صاحبة الوجاهة الاجتماعية ، وذلك أمام الرعاع من المواطنين المدنيين أفراد الشعب كما كان يحدث فى المجتمعات الأرستقراطية ، ولهذا فإن هذه السيكولوجية تجعل الضباط يستهترون بمثل هذه اللجنة ومن منطلق ماذا يريد هذا المواطن الصعلوك من اللجنة وماذا سيفعل ببطاقته الانتخابية ؟!

أضف إلى ذلك أنه لو حدث واهتم أحد الضباط فغنه سيعرض نفسه للسخرية علنية ومخفاة من زملائه الضباط ، والتعليمات تشدد على أهمية المرور على مثل هذه اللجان وسط جو من عدم الاقتناع العام من أعضاء اللجنة ومن رؤسائها ومن القائمين بالتفتيش عليها .

ولا يتذكر المأمور هذه اللجنة وسط انشغالاته الكثيرة إلا قليلا ، فإذا تصادف تواجده خارج المكتب ربما مر على مقر اللجنة ليطمئن على حضور أفرادها وعدم انصرافهم وليس لأى سبب آخر ، وكذلك تحول التفتيش المكثف إلى صورة أخرى فى منتهى الغرابة ... !!

فمرور المأمور على اللجنة أو سؤاله عنها وكذلك مرور وتفتيش المفتشين لا يخرج أبدا عن مجرد ملاحقة أعضاء هذه اللجان بالمذكرات والجزاءات لضمان التواجد الدائم فى مقر اللجنة ، فكل القائمين على هذا الأمر لا يهمهم منه سوى حضور اعضاء فى المدارس ، ولا يسأل أحد عما يجرى وعما تقوم به هذه اللجان فيما عدا المختصين وهم موظفو قسم الانتخابات بالمديرية ومساعد مدير الأمن للشئون الادارية والمالية .

وكثيرا ما تجد نفسك لا تستطيع أن تكتم الضحك عندما تجد أن بعض أعضاء هذه اللجنة لا يعرف القراءة ولا الكتابة تماما ، ففى القرى جرت العادة على قيام عامل التليفون ، وهو خفير من الملمين بالقراءة والكتابة ، بالقيام بكل اعمال هذه اللجنة ، فكان أعضاء اللجنة الأميين من باب إثبات الذات و " الفلحسة "

يحاولون أن يثبتوا للمفتش الذى يحضر إليهم فجأة أنهم يعملون بجد فى اللجنة فيقول أحدهم لزميله " هو فالن ابن فلان اللى أمه فلانة اسمه ايه " فيرد عليه بأن اسمه كذا ، فيستطرد " أصل جايبين اسمه غلط فى الكشف " ثم يأتى خفير من الخارج متلهفا خائفا من المرور فهو لا يعرف إن كان حضور هذا المفتش للمرور على اللجان أم على الخدمات ، فيسأله عامل التليفون فيما اختلف فيه أعضاء اللجنة فيقول : فلان ابن فلان ليس اسمه هذا ولا ذاك .

وأمام هذه المهزلة التى لا يعرف ولا يعى خطورتها أحد ارسلت عامل التليفون إلى منزل هذا المواطن لكى يقف على صحة اسمه من واقع بطاقته ، ولكنه خلال مناقشته مع أعضاء اللجنة تبين أنهم أميون حيث لم يتمكن أحدا منهم بخلاف عامل التليفون من قراءة الاسم المشتبه فى صحته ،

اذ طلب المفتش من العضو " الفلحوس " أن يريه الاسم المختلف فيه فضحك ودفع بالدفتر الى عامل التليفون قائلا " انا مبعرفش اقرأ " ، فاختطفت الدفتر من عامل التليفون ودفعته بالتوالى الى اعضاء اللجنة الذين اعترفوا مثل زميلهم بعدم معرفتهم القراءة والكتابة ! .

وتؤدى هذه اللجان عملها على أنه عمل وظيفى بحت وممل ، فلا يكلف أعضاؤها أنفسهم مراجعة الكشوف لتى ترد من بعض الجهات حتى لو أوقعتهم الصدفة على وجود أخطاء بها ، حتى لا يفتحون على أنفسهم " فواتيحا " ، وهم على يقين بأن المواطنين لا يهتمون بذلك .

وقد حدث قى إحدى هذه اللجان أن تم اكتشاف بعض الأخطاء فى الكشوف الواردة من أحد مكاتب السجل المدنى وتم مخاطبته فتقاعس عن الرد وبعد الإلحاح عليه بعدة إلا ارسلوا نسخة من نفس الكشوف وبها نفس الأخطاء ! وتحدث خلافات كثيرة بين أعضاء اللجنة عمن مات وعمن لم يمت ، ولهذا فالمتوفى الذى لا يخطر على بال أعضاء اللجنة لا يتم شطب اسمه من الجداول الانتخابية وهذه عشوائية يجب تنظيمها بقانون وآليات مناسبة .

وأرى أنه يجب سم تعليمات توجب انتداب أحد أعضاء اللجنة ليذهب إلى منزل المواطن الذى يوجد شك بياناته ويتأكد من صحة اسمه وبياناته على الطبيعة ومن واقع أوراقه الرسمية ، فلا بأس من توصيل الخدمة الانتخابية للمواطن حتى باب المنزل وذلك لأهمية الحقوق التى تمثلها هذه الجداول والتى تأتى خلفها باقى الحقوق الأخرى ، فتتحقق الديموقراطية ويكون الحكم للشعب ومن ضمنه هذا المواطن الذى أرغب فى توصيل الخدمة الانتخابية إلى منزله .

وغالبا لا يقبل المرشحين أن يتدخلوا فى عمل هذه اللجان وكذلك المواطنون العاديين ويكاد المرشح يضرب رأسه فى الحائط لكى يستمع إليه أحد فى تنقية الجداول الانتخابية .

ورغم أنه يتم الإخطار بجميع التعديلات يوميا ضمن إخطار دورى روتينى للمديرية إلا أنه تحدث اختلافات فى نسخ الجداول للدئرة الانتخابية الواحدة .

فبسبب فساد الإدارة وتقاعس أعضاء أعضاء اللجان وتقاعس موظفو الجهات الحكومية الأخرى وقلة الحيلة الإدارية لعدم استخدام الأساليب العلمية فى علوم الإدارة وعدم بها فإنه لا يتم حبك الأمر إداريا ، وهذا هو السبب فى حدوث اختلافات كثيرة فيما بين نسخ الجداول الانتخابية المحفوظة بالأقسام والمراكز وتلك المحفوظة بالمديرية والثالثة المسلمة للمرشح والرابعة المعمول بها فى لجنة الانتخابات .

وهذا الاختلاف لا يمكن أن يتكون متعمدا ً وإن ظهر انه فى مصلحة مرشح دون الآخر ، وإنما تأتى هذه الإختلافات بسبب سوء الادارة التى تدنت لدرجة أنها تخطئ فى نسخ هذه الجداول وهذا موضوع بحثى طويل ليس هذا مجاله عن عدم استخدام العلوم الحديثة فى الادارة وعدم كفاءة الموظفين وانعدام الحماس اللازم فى أداء العمل وكذلك عدم مناسبة القائمين بأعمال هذه اللجان والتعامل معها بعدم اهتمام إلا من الناحية الشكلية وهى حضور أعضائها واستمرار تواجدهم باللجنى فقط لا غير .

ويوجد خلل كبير فى التعليمات والتشريعات الانتخابية ، إذ أن كشوف من بلغت سنعم لأهلية الانتخابات ترسل من الأحوال المدنية أو من مكاتب الصحة وهى جهات حكومية إلى هذه اللجان وهى جهات حكومية ايضا ، أى أن الأمر حكومة فى حكومة دون أن يشعر المواطن بما يحدث ،

فلا يتم إعلانه باللجنة الإنتخابية المقيّد بما اسمه وقد يظل أحد المواطنين طوال عمره لا يعلم شيئا عن قيد اسمه فى جداول الانتخابات ولا عن لجنته الإنتخابية .

ولهذا يجب أن تكون هناك آلية قانوينة توجب إيصال هذه المعلومات للمواطن وترسل إليه بطاقته الإنتخابية فى بيته بمعرفة رجال الإدارة وهذا واجب أمنى سياسى لوزارة الداخلية من ضمن اجراءات الأمن السياسى التى يجب أن تتحملها وهل هناك واجب أمنى أكثر من هذا فى الدول المتحضرة ؟!

واذا كان يتم الاهتمام ببطاقات التجنيد واجراءاته وهو أحد أهم الواجبات القومية ، فلابد من توجيه الاهتمام بنفس الدرجة الى بطاقات الانتخاب وإجراءاته كأحد أهم الحقوق القومية أيضا ، فالواجبات تقابلها حقوق فلا تطلب منى أن أؤدى واجبى ولا آخذ حقى !!

والجهة الادارية التى لا تتمكن من ضبط جداول الانتخابات ، فإنها معبرة بلا أدنى شك عن التخلف الشديد فى الأخذ بأساليب الإدارة الحديثة .

وليس مجرد استخدام الكمبيوتر هو استخدام لمثل هذه الاساليب الحديثة ولكنه أحدها فقط وليس أهمها ، وإنما الأسلوب الإدارى فى تعيين أعضاء اللجنة من موظفين كارهين للعمل الذى يقضون عليه ساعات طوال فى هذه اللجان لا يفعلون خلاله أى شئ وكذلك مأذون الناحية التى ترغب التعليمات فى تعطيله عن قضاء مصالحه .

وتسهل القواعد القانونية تسجيل اسماء من يتقدم لقيد اسمه فى الجداول الإنتخابية أو نقل هذا القيد ، ولكنه من الناحية العملية وبسبب نظرة الازدراء وقلة الأهمية للجان تعديل الجداول الإنتخابية ، فإن الأوراق الخاصة بنقل قيد مواطن من مكان إلى الآخر قد تصطدم ببعض الروتينيات ، وتجد فى النهاية أن أوراق المكاتبات المتبادلة قد بلغت حجما كبيرا دون قرار بنقل القيد أو عدم نقله .

ولا بد من تغيير القائمين على أعمال هذه اللجان تغييرا جذريا ، ويجب أن تشكل من أعضاء آخرين ، وأرى أنه يجب أن يسند الأمر إلى المتحمسين له وفقا لقواعد المصلحة ولذلك يجب أن يكون هناك تمثيل للأحزاب وللمواطنين المستقلين إن رغبوا الاشتراك فى عضوية هذه اللجان على أن تكون رئاستها لقاض يعرف أنه يفصل فى كشوف مهمة بين خصوم ألداء يجلسون فى مواجهة بعضهم مما يضمن الجدية وضرورة الوقوف على الحقائق .

وإذا كان القانون يفرض على الأنثى ضرورة التقدم إلى لجان إعداد الجداول الانتخابية لكى تتمكن من قيد اسمها فيها وأن تكتب أسماء الإناث بعد أسماء الذكور فغنه يجد تعديل هذا القانون وتساوى الأنثى بالذكر فيتم قيد اسمها أتوماتيكيا مثل الذكر وتحظى مثله بالعلم بهذا القيد وبمكان لجنتها الانتخابية .

ويجب أن تثبت أسماء الإناث أولا من باب الذوق والبروتوكول ، ودعكم من القول أنه لا يجوز أن تحكمنا الإناث ، إناث أو ذكور .... المهم أن يحكم الأذكى والأكثر إخلاصا والأقوى والأكثر نزاهة والذى يهمه أمر هذه الأمة وهؤلاء الفقراء .

تبدأ إرهاصات الدعاية الإنتخابية قبل فتح باب الترشيح وتشتعل وتتوهج حتى يوم الانتخابات , والدعاية الانتخابية ينظمها القانون والتعليمات ولكن الشئ الغريب أن تعليمات الشرطة توجب على المرشح أن يخطر مسبقا عن أسماء الأفراد الذين يتولون تنفيذ دعايته الإنتخابية وهذا قيد لا داع له !!

كما أنه لا يتم تطبيق الالتزام بتعليمات الدعاية الانتخابية بعدالة ، إذ أنه غالبا ما يترك الأمر مباحا لمرشحى حزب الحكومة ، ولا تطبق التعليمات إلا على المرشحين المعارضين أو المنافسين حتى ولو كانوا من المستقلين .

وأثناء هذه الدعاية تهاجم الشرطة المسيرات والمؤتمرات الشعبية لغير مرشحى حزب الحكومة ، بل كثيرا ما تقبض على المرشح نفسه وبعض مؤيديه ويسوقونهم إلى ديوان القسم أو المركز لعمل المحضر اللازم وقد يستغرق ذلك بضع ساعات قبل الإفراج عن المرشح الذى يحتمل أنه سيمثل الشعب فى حالة نجاحه .

ويقوم ضباط المباحث فى جميع المراكز والاقسام بعمل حصر لمحلات الفراشة فى مناطقهم ،

ويستدعون أصحابها ويحصلون منهم على اقرارات بعدم التعامل او التأجير للمرشحين إلا بعد إخطار ضابط المباحث وموافقته على ذلك ، وأحيانا يطلب من أصحاب محلات الفراشة عدم التعامل أو تأجير مفروشاتهم لبعض المرشحين على أن هذه التعليمات دائما ما تكون شفيهة من رئيس وحدة مباحث المركز أو القسم فى مكتبه بعد استدعائهم ولا يجرؤ احد منهم على مخالفة أوامره وتعليماته وغلا تعرض للغضب والإيذاء . ورغم تحديد حد أقصى للدعاية الإنتخابية إلا أنه لا يلتزم أحد بذلك ،

وبعض الأثرياء من المرشحين يقدمون إعانات مالية بشيكات للناخبين فى دوائرهم الإنتخابية وذلك لبناء المساجد والمستوصفات الطبية ومساعدة الفقراء فى بناء مساكنهم علانية وكذلك علاج المرضى غير القادرين وفى أحوال قليلة ومستترة تدقع الرشاوى للمؤثرين على قطاعات الناخبين ، ولا تتدخل الشرطة ولا تتدخل السلطات لإيقاف هذه المخالفات ابدا .

وأعتقد أن السلطات بما فيها الشرطة تتحرج فى مثل هذه الحالات من تنفيذ القانون ، فالمواطنون الفقراء يسعدهم مثل هذه الاعانات وهى تعينهم بالفعل ، فتقف الرحمة أمام تنفيذ مثل هذه التعليمات .

ورغم أن مثل هذه التصرفات تعتبر تزييفا لإرادة الناخبين ولكن لا يستوعب ذلك أحد , ويقول المواطنون أنه لا فرق بين أن ينجح هذا أو يخسر ذاك ، فلا هذا ولا ذاك يمكنه فعل أى شئ ؟!

إذن فلتكن الاستفادة وقت الحملة الانتخابية ، فمن يدفع ينتخبه المواطنون دون أى تفكير مهما كان مستواه الثقافى أو الفكرى ، فهم لا يتوقعون من أى مرشح أن يغير أحوالهم السيئة ، فيضمنون الغعانة أثناء الدعاية الانتخابية على سبيل أنها عصفور فى اليد أفضل من خمسمائة ( وعد ) عصفور على الشجرة .

وبعد ذلك يجاهد أغلب المرشحين خاصة المستقلين منهم بعد فوزهم للانضمام إلى حزب الحكومة والانصياع الشديد لآرائها ورغباتها حفاظا على تسهيل أموره الإدارية فى الجهات الحكومية ولكى يتمكن من الحصول على تأشيرات الوزراء .

فتجد حال هذا المرشح مثل حال موظف الحكومة فهو يخشى الاصطدام بأحد فى الأجهزة الحكومية حتى لا تتعطل مصالحه ومصالح من يلجأ إليه من ناخبيه . ونواب المعارضة والمستقلون لا يتمكنون من الحصول على مثل هذه التأشيرات التى تتلون مثل الحرباء فمنها ما هو أصلى ومنها ما هو صورى أو ( مضروب) ويتعرضون للحرج امام ناخبيهم .

والمواطنون لا تتضح لهم بجلاء وظيفة ومهمة البرلمان ، إذ أنهم ينتخبون المرشح ليس لكفاءته ، أو لحماية مصالحهم فى المجال التشريعى والرقابى ،

ولكن ليتمكن من تفعيل الوساطة لحل مشكلاتهم مع الأجهزة الحكومية ، إما بالحصول على تأشيرات بذلك من الوزراء المختصين أو باستخدام النفوذ المستمد من حزب الحكومة بالرجاء والوساطة أيضا للتأثير على الجهات الحكومية لتحقيق بعض المصالح لهم .

ولا يشعر أحد أو يتخيل أن مثل هذا المرشح يمكنه إسقاط الحكومة بكاملها ، فقوته تكمن فى اقترابه منها ، وإنما يشعر المواطن بقوة الحكومة وبأن مثل هذا العضو لا يساوى شيئا أمام الحكومة التى يمكنها أن تفصله من البرلمان ، هكذا يظن المواطنون .

ويستخدم المرشحون ; خاصة فى المناطق الريفية ; المساجد ودور العبادة للدعاية الانتخابية وكذلك الأفراح ويركزون على المآتم للتودد إلى المواطنين والتقرب غليهم ، ولكن ....

تحت مراقبة الشرطة .

يتم تكليف ضباط المباحث بمراقبة تحركات المرشحين ومراقبة كل الأمور المتعلقة بالدعاية الانتخابية ويقومون بكاتبة تقارير سرية يومية عن الحالة العامة اثناء فترة الدعاية الانتخابية متضمنة تحركات وتصرفات المرشحين ، ويجب أن يتمكن الضباط من معرفة كل التفصيلات الدقيقة عن التحركات والتصرفات والمقابلات والأحاديث التى تجرى بينهم وبين الناخبين فى العلانية أو حتى فى الخفاء .

وعلى الضباط أن يبيتوا تقاريرهم التحالفات التى تتم بين المرشحين حتى ولو كانت فى الخفاء ، ويعتبر من أحد العيوب الكبيرة والتى تؤثر تأثيرا مباشرا على مركز الضابط الوظيفى عدم معرفته بمثل هذه الوقائع .

وتكفى واقعة واحدة لا يعلم بها الضابط لكى تقوم القيادات بمعاقبته بالنقل الفورى ، وقد تؤجل ذلك إلى ما بعد انتهاء الانتخابات ،

لكن بشرط تعيين مفتش مباحث بصفة دائمة مع ضابط المباحث كنوع من الوصاية عليه فى العمل وغالبا ما يقوم المفتش بتكثيف الاعباء على أفراد وضباط المباحث بالقسم وينسب لنفسه كل المجهود فى النهاية أمام القيادات للحصل على مكاسب وظيفية شخصية .

ولهذا فإن ضباط المباحث يخافون مثل هذا التصرف والذى يعنى بلا شك سوء مركز ضابط المباحث الوظيفى وأنه يجب عليه إن حدث معه ذلك انتظار الضربة القاسمة التى تقسم ظهره بعد انتهاء الانتخابات .

ولذلك فضباط المباحث يحرصون كل الحرص على ألا تفوتهم أصغر وأتفه التصرفات للمرشحين ، وعليهم تكثيف التحريات وتجنيد المرشدين وتكليف المخبرين لكى تتوفر لديهم كل المعلومات اللازمة عن المرشحين .

وقبيل الانتخابات تقوم المباحث الجنائية باعتقال الاشقياء والمسجلين بحجة خشية تدخلهم وتكديرهم للأمن اثناء الانتخابات ،

إلا أن بعض ذوى النفوذ من المرشحين يتدخل للحيلولة دون اعتقال البلطجية من أنصارهم ومؤيديهم وهذا يفسر ممارسة البلطجة ببعض لجان الانتخابات رغم قيام الشرطة باعتقال البلطجية قبل موعد الانتخابات .

كذلك تقوم مباحث امن الدولة باعتقال الأنصار السياسيين لبعض المرشحين المعارضين لتقص ريشهم ولإخافة مؤيديهم ومناصريهم .

وأصبحت مثل هذه الاعتقالات أمر شائع ومعروف ومتوقع ، بحيث أن المعتقلين بسبب الانتخابات يعلمون أنه سيتم إخلاء سبيلهم بعد انتهاء الانتخابات بقليل .

وتتدخل الأجهزة الحكومية فى الدعاية الانتخابية بطريقة مباشرة وغير مباشرة ، فقد حدث فى إحدى الدوائر الانتخابية أن أشاع أحد المرشحين المحسوبين على الحكومة أنه سيتم التسامح مع المواطنين المخالفين لقانون الرى وأن هذا المرشح قد تمكن بنفوذه من جعل الحكومة تتغاضى عن هذه المخالفات . وأوّعز هذا المرشح لمهندس الرى أن يروّج ذلك بين المواطنين ،

وبالتواطؤ معه أرسل مهندس الرى جميع المخالفات والتى كان يصل عددها الى عدة مئات إلى مركز موهما الناخبين أنه يعيدها للمركز لحفظها ،

ولكن المهندس لم يرسل المخالفات للمركز لحفظها ولم يطلب هو ذلك بالطبع وإنما طلب استيفاء بعض البيانات الناقصه واتفق مع المأمور عن طريق المرشح صاحب النفوذ على أن يبقى المأمور هذه المخالفات بالمركز لحين الانتهاء من الانتخابات .

وبعد الحصول على اصوات الناخبين وبعد فوزهذا المرشح تم إعادة المخالفات لهندسة الرى لتأخذ خط سيرها الطبيعى ، وعاد أنصار هذا المرشح يخدعون الناخبين ويوحون إليهم بأن المنافسين الذين خسروا الانتخابات قاموا بالشكوى مما أحرج جهة الرى فعدلت عن قرار الحفظ .

أما عن التدخل المباشر فصورة معروفه ومنها ان يجتمع الرئيس الادارى بموظفيه أو يقوم بالمرور عليهم ويأمرهم بمساندة هذا المرشح أو ذاك ويهدد ويتوعد من يخالف أوامره .

ويتفنن ضباط المباحث فى استخدام الحيل المختلفة والأساليب الملتوية لإعاقة الدعاية الانتخابية للمرشحين المعارضين ، فهم يتغاضون عن البلطجية التابعين لمرشحة حزب الحكومة الذين يقومون بفض المسيرات والمؤتمرات الانتخابية على طريقة " كرسى فى الكلوب " ويتعمدون التقاعس عن إبلاغهم بمثل هذه الوقائع حتى يتمكن هؤلاء البلطجية من إنهاء الأمر وفض المؤتمر الانتخابى , فهم يهدئون المرشح الشاكى أو مندوبه ويطلبون له الشاى وانتظار إنهاء بعض الاعمال أو انتظار حضور بعض الضباط أو الأفراد وحجج أخرى كثيرة ثم بعد مرور الوقت الكافى يصطحبون الشاكى إلى مكان الواقعه حيث يكون الاجتماع قد انفض قهرا وانصرف المجرمون .

ويحصل بعض الضباط المنحرفين على ميزات مادية وعينية وغيرها من بعض المرشحين الاثرياء ، فلا بأس عندما يقوم المرشح بصرف عدة ملايين على دعايته الانتخابية من أن يحصل بعض الضباط على نصيب من الهبات !! فبعض المرشحين يمنحون بعض الضباط عدة آلاف من الجنيهات على سبيل الهدية ،

بالإضافة إلى الهدايا العينية الأخرى ، وغالبا ما يكون حظ مثل هذا الضابط المنحرف جيدا ، حيث أن اغلب المرشحين الأثرياء يتمكنون بسرعة من الحصول على رضاء الحكومة فيقوم الضابط بتضييق الخناق على المرشحين المنافسين ويترك الساحة امام مثل هذا المرشح ولا سيما أنه مدعوم برضا حزب الحكومة .

ومن الطريف أن أحد هؤلاء المرشحين أرسل لضابط مباحث عشرة آلاف جنيه إلا أن الوسيط استولى أثناء توصيلة لهم على خمسة آلاف منهم ولم ينقذه من ضابط المباحث فيما بعد إلا أنه مات ولم يعد هناك إمكانية للانتقام منه .

قبيل الانتخابات تقوم كل مديرية بتعيين سيارة لورى برئاسة ضابط ومعه شرطيين وحوالى عشرين مجندا " طلبة " - وطلبة مصطلح عسكرى يطلق على جنود الميس – ومهمتهم فى هذه المأمورية هى حمل هذه الأطنان من التذاكر والأوراق الانتخابية من المطابع المختصة إلى السيارة اللورى، ثم تفريغ هذه الحمولة فى مخزن المديريات أمام هذه المطابع وكل ينتظر دوره وكل حسب شطارته فى التودد إلى المسئولين فى هذه المطابع لإنهاء المهمة بسرعة . وحتى لا يحدث عجز فإن هذه المطابع تجزل العطاء ،

فهى دائما ما تعمل حساب ذلك وتمنح الجهات أوراقا زائدة ، ويجرى عد التذاكر الانتخابية بالرزمة وليس بالتذكرة فالعد عملية شاقة ومرّهقة .

ولا يوجد أى تأمين للأوراق الانتخابية ، حيث أن الجنود الطلبة يركبون اللورى مع الأوراق ويمكن لأى منهم بسهولة إن رغب أن يحتفظ ببعض هذه الأوراق أو يلقيها فى الطريق أثناء سفر المأمورية ، وكذلك هذا متاح للسائق والأفراد المرافقين للضابط أيضا .

ولهذا فإنه يستحسن طبع هذه التذاكر والأوراق محليا تحقيقا لأمن هذه الأوراق الهامة مثلما يحدث فى المطابع السرية لمديريات التربية والتعليم .

وبعد أن يتم تسليم هذه الأوراق للمديرية يتم تكليف نواب المأمورين بكل أقسام ومراكز المديرية بالحضور إلى مكان مناسب غالبا ما يكون قوات الأمن ومع كل منهم الموظفين المدنيين العاملين بالقسم أو المركز .

ويخصص لكل نائب مأمور هو وموظفيه منضدة أو اثنتين من المناضد المخصصة للطعام فى ميس الجنود بعد تنظيفها ، ويقوم الموظفون بعد البطاقات الإنتخابية على حسب عدد كل لجنة ،

وغالبا ما يحرص الموظفون المتمرسون فى مثل هذه الاجراءات على أن يُزيدوا العدد فى بطاقات كل لجنة تلافيا لحدوث عجز، وبعضهم يحتفظ بعدد لا بأس به من هذه البطاقات يخفيها فى طيات ملابسه بعلم نائب المأمور الذى يضطر إلى الموافقة على مثل هذا التصرف تلافيا لما قد يحدث من عجز فى بعض اللجان والذى يجب سده على وجه السرعة دون أن تعلم القيادات التى يغضبها ذلك ، وبعد أن يتم تشميع كل لجنة على حدا يجرى تسليمها إلى مندوب المديرية لحفظها إلأى ما قبل يوم الانتخابات ، حيث يعاد تسليمها لنواب المأمورين .

فى اليوم السابق على الانتخابات يجتمع الموظفون وقد سبق التنبيه عليهم من قبل جهاتهم الحكومية فى مكان متسع غالبا ما يكون ملعبا للكرة ; انتظارا لحضور الاتوبيسات التى تنقلهم إلى المحافظة التى تم تعيينهم فيها لإجراء الانتخابات ، وعند وصولهم يتم نقلهم إلى مكان آخر متسع ولكنه فى هذه المرة غالبا ما يكون مقر إدارة قوات الأمن .

ويتم تقسيم ملعب قوات الأمن الكبير إلأى اقسام عن طريق استخدام الفراشة وتستخدم مكبرات الصوت للنداء على أعضاء اللجان وتوزيعهم ، ويرأس هذا التوزيع مساعد مدير الأمن للشئون المالية والإدارية وتكون المهمة صعب إذا لم يكن هذا المساعد به خبرة بمثل هذه الأعمال أو يكون محدود الذكاء .

كان هناك مساعد المدير الأمن برتبة لواء ولم يكن هناك له أدنى دراية بأعمال الأمن العام ولا بأعمال الانتخابات حيث قضى كل خدمتى فى مصلحة الجوازات ،

وفى اجتماع توزيع رؤساء واعضاء اللجان الانتخابية المنعقد بإدارة قوات الأمن أراد هذا اللواء أن ينادى فى الميكروفون فى الأسماء الواردة له فى كشوف الموظفين من المحافظة المجاورة , وكان كل موظف يتمنى ألا يشترك فى الانتخابات لعدم وجود مكافأة مجزية ولعدم وجود أماكن لائقة للنوم خلال الليلة السابق للانتخابات ،

وتفاديا لما قد يحدث من إخلال بالأمن وتصارع المتنافسين على تزوير الانتخابات الأمر الذى قد يعرضه للخطر , كان الموظف يسمع اللواء ينادى اسمه ولا يرد عسى أن يُترك فى النهاية فيكون زيادة على العدد حيث يتم الإستغناء عنه ويعود إلى بلده ومنزله معززا مُكرّماً .

وطال الوقت وبدأ الموظفون يتملّملون وحدثت بعض المشادات الكلامية بين بعضهم وبين هذا اللواء كانت تهدر الوقت فيما لا طائل من ورائه ،

والعمل الأصلى

– وهو إتمام توزيع الموظفين على اللجان

– متعطل

، فتقدمت إلى اللواء واقترحت عليه ألا ينادى الأسماء ويقوم بتوزيع الموظفين بالعدد لأنهم جميعا غرباء ولا يهم الواحد منهم أن يعين فى هذه اللجنة أ, تلك اختصارا للوقت ،

ورغم منطقية هذا الاقتراح فلقد رفضه اللواء تماما فى انفعال شديد مستنكفاً أن يتلقى النصيحة من أحد مرءوسيه واعترته دون داع ثورة عارمة وراح فى مشادة كلامية معى ،

وتجمدت الأمور وراح الوقت يمر والموظفون يبحثون بأنفسهم عن أسمائهم فعمّت المكان الفوضى والشجار الكلامى فيما بين الموظفين من ناحية واللواء والضباط من ناحية أخرى ، وأنقذ الموقف اتصال قائد قوات الأمن بالمديرية للإخطار عن هذا العبث ، فحضر مساعد مدير آخر على وجه السرعة وكانت لديه الخبرة المطلوبة وأخبرته بما حدث ،

فتوجه إلى اللواء الغاضب من المنطق العقلى وأقنعه بصحة ما أشرت به ولكن بينه وبينه ، وأن مدير الأمن أرسله للمساعدة فى إنهاء الموقف فانفرجت الأمور وراح كل نائب مأمور يقيد أسماء مجموعة من الموظفين ليكونوا أعضاء للجان الانتخابية فى دائرة مركزة وانتهى الموقف المحتقن .

طالما أن هذا اللواء لا خبرة له فلماذا تم إسناد هذه المهمة إليه وهو المفروض أن يكون المرجع للضباط ولغيرهم فى العملية الانتخابية .

يعود بعد ذلك نائب المأمور ومعه الموظفون أعضاء اللجان ليركبوا سيارات الوحدة المحلية ، ويقوم عند وصوله للمركز بالتتميم عليهم وتسليمهم المظروفات المغلقة والمشمّعة بالشمع الأحمر ويحصل على توقيعهم بالاستلام فى كشف ، ثم يصحبهم إلى حيث مكان النوم ويطلب منهم عدم الانصراف .

والأماكن التى تُخصص لنوم رؤساء وأعضاء اللجان الانتخابية ليست لائقة أبدا ، إذ تتبع وزارة الداخلية المبدأ القائل " أهى ليلة وتعدى "

ولكنها تكون ليلة ليلاء على أعضاء اللجان ، فتدبير أماكن للنوم غالبا ما يكون فى مدرسة أو مستشفى ريفى مثلا أو ما شابه ذلك من الأماكن عير المخصصة أصلا للنوم ويتم إستعارة الأسرة من المستشفيات الريفية أوى أى جهة أخرى .

وتظهر نواحى القصور ، ففى الشتاء القارص تجد أن البطاطين والأغطية غير كافية ، حيث يصرف لكل موظف بطانية واحدة , ناهيك عن أسراب البعوض التى تمص دم أعضاء اللجان مصاً فى تلك الليلة ،

علاوة على عدم كفاية دورات المياه فى مكان المبيت غالباً نظرا لتكديس عدد كبير من الموظفين فى مكان ضيق ، وإذا تكلمت يقولون لك هذه هى الإمكانيات المتاحة وإذا أبديت تحفظاتك على مكان المبيت فإن القيادات يتسم ردها دائما بالإستهتار بأعضاء اللجان فيقولون " ما عليك إلا أن ترشدهم لمكان المبيت واللى يحصل يحصل ومتسألش فيهم .....

أهى ليلة وتعدى " وفى الصباح الباكر ليوم الانتخابات يشتكى أعضاء اللجان مر الشكوى من الليلة الماضية ولكن ما باليد حيلة !! ويتم نقل أعضاء اللجان بعدة سيارات تكون إدارة المرور قد استولت عليها قهرا من الطرق العامة وتقوم بسحب تراخيصها من سائقيها والتنبيه عليهم بالتواجد بإدارة المرور حيث يتم توزيعهم على المراكز ، وترسل الرخص إلى مأمورى هذه المراكز وعليهم ألا يسلمونّها للسائقين إلا بعد إنتهاء العملية الانتخابية أو فى اليوم التالى لها لضمان عدم انصرافهم أثناء الانتخابات . نعم يحصل هؤلاء السائقون على بدل نقدى عن استخدامهم واستخدام سياراتهم فى العملية الانتخابية ولكنهم يتم استخدامهم بطريق الإكراه الشرطى ،

حيث لا يسمح ضباط المرور لهؤلاء السائقين بحرية الاختيار بين الاشتراك فى الانتخابات بسيارتهم من عدمه ، ولكنهم يجبرونهم على هذه المشاركة وإن كانت نظير أجر , وفى الليلة السابقة للانتخابات يتوسل بعض من هؤلاء السائقين للمأمورين للمأمورين لكى يتركوهم يذهبون بسياراتهم على أن يحضروا فى الصباح الباكر ولكن لا يسمح لهم بذلك أبدا إذ أ، تعليمات القيادات هى ضرورة مبيت هذه السيارات بدواوين المراكز حتى لا تحدث أخطاء نتيجة تأخر حضور هذه السيارات صباح يوم الإنتخابات .

فى وقت مبكر من صباح يوم الانتخابات يتم نقل أعضاء اللجان من مكان المبيت الى اماكن اللجان الانتخابية بهذه السيارات التى تكون غالبا ميكروبصات ، وذلك فى خطوط سير يتم إعدادها مسبقا , ويصاحب كل لجنة اثنين من أفراد الشرطة سواء من الأمناء أو المساعدين أو الصف أو الخفراء على حسب الأحوال وهما اللذان يحملان الصندوق بعد تسليمه إلى رئيس اللجنة ويركبون مع أعضاء اللجان فى سيارات خط السير .

وعند الوصول إلى اللجنة يقوم أفراد الشرطة المعينين لحراستها بإحضار ملاية أو بطانية بأية وسيلة لإستخدامها ستارة يوضع خلفها الصندوق وكذلك يتم تدبير مكتب وبعض الكراسى لأعضاء اللجنة .

ولا تستقر العملية الانتخابية إلا بعد مرور أكثر من ساعتين على الموعد المحدد ،

ففى الساعة الأولى والثانية غالبا ما تشكو بعض اللجان من وجود من وجود عجز فى البطاقات الانتخابية يتم تسديده فورا بمعرفة الضباط من البطاقات الزيادة التى يحتفظ بها سرا موظفو المركز عند اشتراكهم فى لجنة عدّ هذه البطاقات ، ويا ويله نائب المأمور الذى يطلبون منه تسديد مثل هذا العجز من المديرية .

فهذا معناه أنه لم يكن هو وموظفوه من الجدية فى لجنة العدّ مما تسبب عنه ظهور هذا العجز فى البطاقات الانتخابية .

وأحيانا لا تكفى الكراسى لجلوس أعضاء اللجنة أو تكون غير صالحة للاستخدام وما إلى ذلك رغم الاتفاق المسبق مع الجهة صاحبة المكان ، ويقوم كل مأمور بالإخطار عن بدء العملية الانتخابية فى الموعد القانونى رغم أنها فى بعض اللجان لا تكون قد بدأت بالفعل خشية الدخول فى مسئولية إدارية . وتجرى العملية الانتخابية ويحدث فيها ما يحدث ،

إلا أنه أحيانا ما يتم تشميع الصندوق والأوراق قبل الموعد المحدد حتى لا يتأخر أعضاء اللجان وحتى يسرعوا بعملية الفرز ليتمكنوا من العودة إلى منازلهم بعد هذه الليلة واليوم العصيبين ، ويحدث هذا دائما فى الاستفتاءات وأحيانا فى الانتخابات خاصة عند تزويرها .

ويتم إعادة أعضاء اللجان والصناديق بنفس الطريقة وبنفس السيارات بخطوط السير السابقة ، ولا يرتاح الضباط إلا بعد عودة جميع الصناديق التى قد يتأخر بعضها إلى منتصف الليل خاصة عندما تشتعل المنافسة فى الانتخابات .

وعمليات الفرز تتم فى أماكن مختلفة فهى إما تتم فى عنبر الجنود بديوان المركز أو فى خيمة " صوان " يقام خصيصا لأجل ذلك ، إلا أنه غالبا ما تكون أماكن الفرز هذه ضيقة وشديدة الحرارة .

ويقوم بعملية الفرز الفعلية كل من أعضاء اللجان الرئيس والأمين ، ويقومون بتحرير النموذج الخاص بالفرز ويسلمونه لرئيس اللجنة الرئيسية ، ثم يتوجهون إلى نائب المأمور للحصول على خطاب يفيد حضورهم الانتخابات لتقديمه لجهات عملهم مع استلام المكافأة أيضاً والتوقيع على استمارة الصرف بمعرفة نائب المأمور . وعندما تولى القضاة الانتخابات لم تتغير هذه الأمور إلا بالنسبة للقاضى , فنفس تجمع الموظفين ونفس التوزيعه لأمناء اللجان ، وكذلك إحضار السيارات قهرا بمعرفة إدارات المرور ، ولكن فى هذه المرة تزيد أعداد السيارات لتخصيص سيارة لكل قاضى من رؤساء اللجان ،

أما الأمنا فهم ما زالوا من الموظفين الغلابة الذين يتم نقلهم بسيارات خط السير صبيحة الانتخابات ، أما فى العودة فهم يعودون مع القضاة فى السيارات المخصصة لهم حاملين الصناديق معهم .

أما فى الاستفتاءات فلا حاجة لكثير من هذه الأمور أو أنها يتم تنفيذها بسياسة النفس الهادئ فلا يلزم أن يكون أعضاء اللجان من خارج المحافظة ، وإذا تأخرت اللجان فى بداية العملية الاستفتاء فلا بأس ، ولا تتأخر الصناديق بل إن كثيرا منها يتم إحضاره فى نهاية يوم الاستفتاء قبل الموعد المحدد لنهاية الاستفتاء ، ولا يتم مؤاخذة أحد على ذلك ، وإنما تؤخذ الأمور بروح الدعابة من منطلق أن الجميع يعرفون أن تسعين فى المائة من البطاقات الانتخابية ملأها أعضاء اللجان بأنفسهم .

وفى الاستفتاءات لا يهتم رؤساء اللجنة العامة ، ويتفنن الضباط فى شغلهم بأية وسيلة فى أى مكتب ويستأذنوهم فى عمل الحساب النهائى الذى يقوم به غالبا أحد الضباط لتظبيط الحسبة .

وفى الاستفتاءات لا يخشى أحد من المسئولية حيث أنه لا مجال لتقديم شكاوى من أحد أو قضايا وإنما تسير الأمور ولا يبحث أحد وراءها .

أعلنت الشرطة فى أحيان قليلة أنها فتحت باب الترشيح لنادى الضباط ونوادى الأقاليم وتقدم المرشحون وأرهقوا أنفسهم بالدعاية الانتخابية وابتكر مرشحو النادى العام إستيكرات للتعريف بأنفسهم ، ثم فوجئنا عند الانتخابات أن قيادات الشرطة العليا تطلب من القيادات التى تليها علانية جمع الاصوات بالإكراه لبعض المرشحين وإجبار الضباط على تقديم بطاقة الانتخابات إلى قيادتهم وملئها أمامهم لمصلحة المرشحين الذين تريدهم القيادات بصرف النظر عما يريده الضباط ، وفاز فى هذه الانتخابات بالطبع من أرادت القيادات تعيينهم فى مجالس إدارات الأندية .

وفى عام 1995 قامت بعض منظمات المجتمع المدنى وبعض الشخصيات العامة المستقلة بتشكيل لجنة أو هيئة أهلية غير حكومية لمتابعة الانتخابات ومراقبتها والتزمت هذه اللجنة الحياد والجدية فى عملها واستبعدت المعلومات المشكوك فيها وانتهت إلى بعض الإيجابيات ،

وهى أنه يوجد إهتمام متزايد من قبل المواطنين والأحزاب السياسية بالإنتخابات ، وأن الدولة بذلت جهودا كبيرة لحث المواطنين على التوجه إلى صناديق الاقتراع ، ومحاولة التليفزيون وصحيفة يومية واحدة التزام الحياد الكلى أو الجزئى ، واعتراف وزارة الداخلية بأحداث العنف التى وقعت وإحالة بعض رجال الأمن إلى التحقيق ومحاكمتهم ، واعتراف أجهزة الأمن بتجاوزات من بعض مرشحى الحكومة والقبض على أنصارهم ، وآخر هذه الايجابيات هى مشاركة مرشحين الأقباط ومرشحات من السيدات فى الانتخابات بنسبة غير مسبوقة .

أما السلبيات فقد أوردت اللجنة تفصيلاتها وملخصها كالتالى

أولاً : تراجع الآليات السلمية فى إدارة الصراع السياسى وبروز آليات متخلفة , فى مقدمتها تدنى لغة الخطاب واللجوء إلى العنف والمال والطائفية والعصبيات القبلية والعائلية .

ثانياً : تصاعد حدة العنف بشكل مسبوق منذ بداية الحياة النيابية المصرية فى عام 1866 وقد شاركت كل أطراف العملية الانتخابية فى هذا العنف ( الحكومة ، المرشحون ، الناخبون ) بلا استثناء ،

ولكن كان فى المقدمة عناصر من الحزب الوطنى الحاكم فى ظل حياد سلبى من أجهزة الأمن أو تواطؤ أو عجز منها ، وقد أخذ هذا العنف صوراً شتى بدءاً من تمزيق لافتات الدعاية الانتخابية للخصوم مرورا بالتضييق على نشاط المرشحين أو الاعتداء عليهم وعلى أنصارهم وطرد مندوبيهم وتقفيل اللجان وانتهاء باستخدام الأسلحة النارية والإرهاب وقتل الخصوم ،

وقد بلغ عدد القتلى طبقا لما صرح به وزير الداخلية المصرية ( جريدة الأهرام – الجمعه 22-12- 1995 ) 36 قتيلا ، 411 جريحا وتدمير أربعة مبان للشرطة , مكتب للبريد ، أحد البنوك ، مجمع استهلاكى ، 21 سيارة خاصة ، 20 أتوبيسا ومحطة سكة حديد ، بينما أشار رصد مندوبى اللجنة المصرية المستقلة لمتابعة الانتخابات أن عدد القتلى كان 51 قتيلا ،

وعشرة أمثال العدد من الجرحى بينما تشير مصادر معارضة ( الوفد – 25-12- 1995) إلى أن عدد القتلى وصل إلى 64 قتيلا و600 جريحا ورغم أن هذا الاختلاف فى تقدير حجم العنف قد يرجع إلى المدى الزمنى الذى غطاه كل مصدر من المصادر الثلاثة ، فحتى لو أخذنا بأكثرها محافظة وهو وزارة الداخلية فإن عدد المصابين فى انتخابات 1995 يصلى إلى اربعة امثال المصابين فى الانتخابات البرلمانية لعام 1990 وأضعاف أضعاف أية انتخابات برلمانية سابقة فى التاريخ المصرى الحديث .

ثالثاً : تصاعد دور المال فى ظل غياب أية رقابة قانونية تحد من دوره فى الدعاية الانتخابية المشروعة والاغراءات والتلويحات الاجتماعية والسياسية غير المشروعية وهو الأمر الذى أدى إلى تدمير أبسط مبادئ تكافؤ الفرص وأيضا بشكل غير مسبوق فى الحياة السياسية المصرية بما فى ذلك عصر ما قبل ثورة يوليو 1952 .

رابعاً : الانحياز الصارخ لوسائل الإعلام الحكومية وفى مقدمتها التليفزيون وأغلب الصحف المملوكة للدولة لمرشحى الحزب الوطنى الحاكم واستخدام وسائل النقل العام وسيارات القطاع العام فى دعاية لمرشحى الحزب الوطنى .

خامسا : عدم انضباط ونقاء وتحديث الجداول الانتخابية رغم أن القانون يوجب الحكومة بذك وقد أدى هذا الخلل الجسيم إلى حالة من الهرج والمرج فى العديد من مراكز الاقتراع وانصراف آلاف المواطنين دون الإدلاء بأصواتهم وشيوع حالة من الشك والتذمر والإحباط بينهم .

سادساً: الإخلال بأمان عملية الاقتراع فى المئات من اللجان الانتخابية إما بتحيز من رجال الأمن والإدارة لصالح مرشحين بعينهم أو عدم حفظ النظام فى حالات قام بها مرشحون آخرون أو أنصار لهم أو بلطجية يعملون لحسابهم باقتحام المراكز والعبث بانضباط عمليات الاقتراع .

سابعاً : الاستخدام الانتقائى للدين ودور العبادة فى المعركة الانتخابية بواسطة مرشحى الحزب الوطنى الحاكم بما فى ذلك إثارة الطائفية والعصبية ضد المرشحين الأقباط وهو أمر غير مسبوق فى الحياة السياسية المصرية المعاصرة وخاصة من أطراف محسوبة على الحزب الوطنى الحاكم ، كما فعل نفس الشئ وإن كان على نطاق أضيق مرشحو التيار الإسلامى وأحد المرشحين الأقباط .

وطالبت اللجنة بالتالى :

- ضرورة تغيير تشكيل لجان تعديل الجداول الانتخابية وتدعيم هذه اللجان بأعضاء من كافة الأحزاب والجهات المهتمة والشخصيات العامة التى يهمها الأمر بصورة مباشرة حيث يتوفر لديهم الحماس الشديد فى ضرورة تنقية هذه الجداول بكل جدية وإخلاص ، على أن يكون ذلك تحت الاشراف القضائى الكامل .

والاستعانة بالتجربة الهندية فى إنشاء جهاز خاص للانتخابات له الاستقلالية والحياد الملازمين .

- سن قانون لمعاقبة من يقوم بتزوير الانتخابات أو الاشتراك فى ذلك سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بالأشغال الشاقة على ألا تسقط هذه الجريمة بالتقادم .

- سن قانون يكفل حماية الضباط والموظفين التابعين للحكومة عند التصريح بتزوير الانتخابات وعدم الانتقام منهم إدارياً . وتغيير تعليمات الدعاية الانتخابية ورفع القيود عنها طالما التزمت السلمية فى تصرفاتها ورفع الحظر المشروط بموافقة الجهات الأمنية على بعض صور هذه الدعاية ، ومنع التجسس على المرشحين .

- إعادة مراجعة المصروفات التى تتكفلها العملية الانتخابية حيث تتكلف أموالاً باهظة ، وإعادة النظر فى توزيع مكافآت الانتخابات .

- وطالبت الجهات العلمية المحلية والدولية العاملة والباحثة فى مجال الاتصالات والكمبيوتر بالبحث عن ابتكار جديد بحيث يجعل العملية الانتخابية تتم عن طريق الكمبيوتر وشبكة الانترنت وذلك بأن يقوم المواطن بالدخول إلى لجنة الانتخابات ويتم إدخال بطاقة الرقم القومى به ; فى إسكنر فيظهر أمامه على الشاشة أسماء المرشحين فيضع يده على المرشح الذى يريد انتخابه وفى ذات الوقت تكون هناك كاميرا لتصوير بصمة هذا المواطن .

وبإجراء عملية حسابية فى الكمبيوتر يمكن الوقوف على أن صاحب هذه البصمة لم يدل بصوته من قبل فغذا تكررت البصمة أو الاسم يستبعد الكمبيوتر صوت هذا المواطن على أساس أنه صوت باطل .

- أما عن كيفية تجهيز العدد اللازم من أجهزة الكمبيوتر المخصصة للعملية الانتخابية ، وعن كيفية الادلاء بالصوت أمام لجان خاصة أو حتى باستخدام الإنترنت فى المنازل فى حالة تقليل ثمن هذه الأجهزة ( الإسكنر وكاميرا تصوير البصمة ) أو تدعيمها من المال العام ، أو عمل هذه الأجهزة فى أماكن محددة بشرط إطالة فترة الانتخابات لعدة أيام .

بهذه الطريقة يمكن سحب البساط من تحت اقدام من تسول له نفسه تزوير الانتخابات ، وبهذه الطريقة يمكن لكل الجهات بما فيها الدولية كالأمم المتحة وغيرها مراقبة الانتخابات مراقبة فعلية .

النائب الذى ضحك على الشرطة

رفع مرشحو تيار الإسلام السياسى شعار " الإسلام هو الحل " ولاقى هذا الشعار قبولا لدى المواطنين ، وأرى أن من صاغ هذا الشعار يتمتع بذكاء شديد وأرى أن هذا القبول من الناحية النفسية كان بسبب كلمة " الحل " فالمواطنون يبحثون فى أحلامهم عن الحل فما بالك لو كان هذا الحل مستمد من الله القوى الكريم الرزّاق , فهو كان معبرا عن حلم الفقراء الكادحين وما أكثرهم فى بلدنا .

وكان أحد المرشحي التيار يتمتع بسمعة ومركز اجتماعى طيب ، فاكتملت بذلك الصورة النموذجية لمشروع نائب ندوذجى ، واستحوذ المرشح على جزء كبير من صورة المشهد الانتخابى فى دائرته الانتخابية ، وتوقع له الجميع المنافسة على الفوز .

وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول فى قرآنه الكريم – بسم الله الرحمن الرحيم :

" وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" ، فلقد حاربت الشرطة هذا المرشح بما يكره ولكن أتت هذه الحرب بالهدف العكسى ، حيث ازدادت شعبيته أكثر ،

وكانت كلما اشتعلت الحرب ضده أكثر كلما كسب مزيدا من الأرض ، فلكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومخالف له فى الاتجاه " ، حتى أننى أعتقد أن السبب فى نجاح هذا المرشح هو تلك الحرب والعداوة التى مارستها الشرطة ضده .

لقد دأبت الشرطة على الهجوم والتعدى بالضرب على أعوانه ومناصريه فى مسيراته الانتخابية وكان المواطنون يتناقلون باسنكار وشغف تلك الاعتداءات المستمرة ويضيفون اليها الشائعات لصالح ذلك المرشح ، وكان الناخبون وجدوا فيه رمزهم فى معادة الشرطة والحلم فى قهرها وقهر ممارستها العدوانية ضدهم .

وكان المواطنون يعلمون علما يقينا أن هذا المرشح لن الأمور ولم يقلب الدنيا فى يوم وليلة لصالحهم فهو لن يتمكن من إصلاح الكون ، ولكنهم وجدوه دائما مظلوما ، فكل أجهزة الشرطة تحاربه فتعاطفوا معه وكأنهم كانوا متربصين للتعاطف ضد الظلم والقهر .

وكان هذا المرشح ذكيا فتعامل مع قوات الشرطة من منطلق انه مظلوم ، ويتحدث معهم بكلام مقنع ، بل ويطل من أنصاره ومؤيديه أن ينصرفوا ، فلم يحاول قط المقاومة ، إلا أن ضباط الشرطة كان تتحرش بأنصاره ضربات عصى الأمن المركزي وبعض صفعات من المخبرين على القفا ، والقوة البدنية لا تحسم دائماً كل المعارك ، فهذا المرشح انتصر لأنه ضعيف فى البلطجة ولأنه لم يكن فى قوة جنود الشرطة .

ومع ذلك كان المواطنون يسيرون فى مسيراته ويحضرون مؤتمراته نكاية فى الأمن ، إنها لعبة القط والفأر ، إنها تسلية , فكانت المسيرات تستغرق وقتا يسيرا قبل أن تعلم قوات الشرطة لكى تسرع بالانتقال لفضها ، وكان الناخبون يخرجون كل كبتهم فى ترديد الشعارات بصوت عال قبيل مجئ القوات ، فإذا أتت يتسابق الجميع فى الفرار ويضحكون وهو سعداء ،

ويتندرون بتلك الأحداث والوقائع فيما بينهم والتى يتناقلها المواطنون بما يضاف إليها من شائعات تحكى عن بطولة البعض وتحكى مشاهد مضحكة وكوميدية فى كيفية الخداع والسخرية من ضباط وجنود الشرطة ، فكانوا يتسامرون بقصة بطولية لأحد أنصار هذا المرشح وكيف أن ضابط المباحث عندما ضربه بالقلم على وجهه رد له الصاع صاعين وصفعه مرتين ونشبت معركة بالأيدى بين قوات الأمن وبعض المناصرين ، وكيف أن أحد هؤلاء المواطنين اختطف العصا من جندى الأمن المركزى وفر بها ، وكانوا يضحكون من أن هذه العصا شوف تنتقص من عهدته ،

فيقول أحدهم أنا عندى عرق شجرة يمكن أن تسد هذا العجز فى العهدة ، وأصبح الشباب يتبارون فى كيفية إغاظة قوات الشرطة والإفلات منهم وعمل فصول كوميدية معهم .

فى المقابل كان الضباط يتفننون فى كيفية الاجهاز على دعاية هذا المرشح الانتخابية ، فلقد حكى احدهم أنه قام بتكليف بعض الجنود بارتداء الزى المدنى والتسلل إلى خلف السرادق الذى كان المرشح قد أقامه لحفل انتخابى وخلخلة أحد العروق التى تحمل السرادق فيميل مع تلك الخلخلة جانب من سقف الخيمة مما يسبب الذعر والهلع ،

وفى نفس الوقت يهجم الجنود على المواطنين بالصيحة المعروفة بقوات الصاعقة وكذلك بضرب الأرض بالعصا فى مشهد تهديدى مخيف أكثر ما يكون اعتداء مباشرا ، صحيح أن ذلك كان يؤدى إلى تفرقة المجتمعين إلا أنه كان يزيد تعاطفهم مع هذا المرشح .

وكانت حكايات السمر فى المساء تجرى على المقاهى والكازينوهات وفى لقاءات الأصدقاء ليس لها من موضوع سوى هذه الموضوعات الانتخابية الساخنة . وكانوا يشيدون بأدب وذوق هذا المرشح وكلماته القليلة المؤثرة ،

فأثناء فض أحد هذه الاجتماعات الانتخابية تصايح الجنود المكلفين بهدم السرادق فكان أحدهم يقول لزميله الذى يقف فى نهاية الخيمة بصوت عال " حل الحبل ....حل الحبل " وردد ذلك عدة مرات لكى يسمعه زميله الذى يقف بعيدا عنه ، فما كان من المرشح إلا أن صاح فى الحاضرين قائلا :

ليس الحل هو الحبل ولكن الإسلام هو الحل ، وتناقل المواطنون بإعجاب هذه العبارة وهذا التعليق اللاذع مثلما كانوا يتناولون تعليقات حكيمة مقتضبة من هذا النوع لذلك المرشح .

وانتظر المواطنون بشغف ممزوج بالخوف يوم الانتخابات ، وتناصح بعضهم البعض بضرورة الالتزام بالهدوء أمام اللجان الانتخابية حتى يتمكنوا من التصويت لصالح هذا المرشح ولأنه كان من المحسوبين على تيار الإسلام السياسى فقد احتشد الكثيرون من أصحاب اللحى الطليقة والكثيرات من المنقبات والمحجبات للتصويت لصالحه لإنجاحه وإغاظة الحكومة والشرطة ،

واضطرت القيادات الشرطة الى ممارسة إحدى ألاعيبها القديمة ، وهى افتعال الخلافات والمشادات والمشاجرات أمام اللجان الانتخابية لتكون مبرّراًَ لتدخل الشرطة وفض المولد بالقوة .

وبالفعل لجأ بعض الضباط إلى الاستعانة ببعض الجنود مرتدين الزى المدنى بعمل تمثيلية للمشاجرة مع بعضهم وسط صفوف المحتشدين مع الصياح وتبادل الشتائم والإمساك بخناق بعضهم البعض الأمر الذى يستدعى تدخّل القوات بحجة فرض الأمن وإنهاء هذه المشاجرات وتحقيق هدفها الأصلى وهو فض هذه التجمعات حتى لا يصوّتوا لصالح هذا المرشح ،

والبعض الأخر اختصر المسألة وأظهر الأمر على حقيقته دون مواربة فانقضوا بقواتهم على اللجان الانتخابية بحجة تنظيم الزجام الشديد وقام الجنود بعمل الفبركة التهديدية لإخافة الناخبين وهى الهجوم عليهم بصرخات الصاعقة التى يتلقونها فى التدريبات والتى تهدف فى الأصل إلى إخافة الخصم مصحوبة بأصوات فرقعة الهراوات على الصدادات التى يحملها الجنود وأيضا على الأرض ،

ومع كثرة الجنود وأصواتهم المرتفعة وفرقعة عصيانهم كل هذا يحدث حركة تلقى الرعب فى نفوس الحاضرين الذين اضطروا إلى الهرب والفرار دون الإدلاء بأصواتهم .

وبالفعل انصرف أصحاب اللحى الطويلة والمنقبات والمحجبات دون أن يدلوابأصواتهم ،

ولكنهم ذهبوا وحلقوا ذقونهم ووخلعت المنقبات والمحجبات حجابهن واكتفت كل منهن بارتداء الإيشارب بل أن بعضهن تبرجن ووضعن الأحمر على شفاههن وعدن إلى اللجان الانتخابية ، حتى أنه ثيل أن بعضهن تصنّعن الميوعة وهن يمضغن ويلكن قطع اللبان فى أفواههن .

وحسبهم الضباط والجنود من خصوم مرشح التيار الإسلامى ورحبوا بهؤلاء المتنكرين والمتنكرات وسمحوا لهم بكل سهولة بالدخول للجان الانتخابية والإدلاء باصواتهم أملاً منهم فى إسقاط المرشح حتى يحظوا برضا القيادات السامى ،

فلا يتعرضون لأذاهم من ناحية ولكى يطمع المجيدون فى التزوير لإسقاط هذا المرشح فى تحسين مراكزهم الوظيفية من ناحية أخرى . وعلى حين لم يعرف الضباط والجنود هؤلاء المتنكرين والمتنكرات فقد تعرف عليهم الناخبون فزادت الحبكة الدرامية ،

وكأن المواطنون استشعروا من كل هذا الجهد أهمية الأمر ، وسرت فى نفوسهم روح الثأر لإنصاف الحق فتكتموا الأمر فيما بينهم وازداد احتشادهم على أبواب اللجان الإنتخابية ، حتى أنهم كانوا فى الحارات والأزقة يحثون بعضهم البعض على ضرورة التوجه إلى اللجان للتصويت لصالح هذا المرشح .

وحرص الجميع على فرض روح الدعابة والمرح فى صفوف المتزاحمين على لجان الانتخابات حتى أن الضباط والجنود كانوا يتبادلون معهم القفشات والنكات خاصة تلك التى تتهكم على هذا المرشح الإسلامى وذلك لحبك الأمر . وهدأت نفوس الضباط والجنود كثيرا من روح المرح التى افتعلتها الناخبات المتنكرات وكان نتيجة ذلك أن دخلت كل هذه الحشود وسط مباركة الضباط والجنود واسترضائهم للناخبين متكتمين الأمر فيما بينهم وهو يضغطون ضحكاتهم ويسخرون ويتغامزون.

ووصلت الخدعة إلى درجة أن الضباط والجنود كانوا يساعدون الناخبين والناخبات ويساعُدون أمناء اللجان فى سرعة الاستدلال على أسمائهم فى الكشوف الانتخابية ،

بل وكانو يرشدون مع الوصف التفصيلى إلى أماكن وعناوين اللجان المقيّدة بها أسمائهم مع إظهار غاية الودّ فى التعامل .

والحقيقة أن الناخبين فى بداية مرحلة الدعاية الانتخابية كانوا يشفقون على هذا المرشح ويتعجبون منه بسبب أنه ما كان عليه كل هذه البهدلة وهو على يقين بأن الحكومة ستقف منه موقف العداء وأنه لن يغيرها ولم يغير الكون ،

ولكنه بدأ بقول لهم عبارات مقتضبة وكأنها منتقاة مثل " وما النصر إلا من عند الله " و " أن الله سيحق الحق " وما إلى ذلك مما جعل المواطنون يتناقلون هذه العبارات ويزيدون عليها حيث لاقت استحساناً فى وجدناهم أمام إصرار هذا المرشح الضعيف للوقوف بقوة أمام الحكومة والشرطة وكيف أنه لا يخاف منهم مستدعيا حماية الله سبحانه وتعالى ومعتمداً عليه فى مواجهة هذا الشر المحدق به .

ويروى البعض نكاتاً عن هذه المعركة الانتخابية التى جرت تحت الإرهاب الشرطى ، فلقد ذهبت إحدى الناخبات للإدلاء بصوتها وكانت الأمور ما زالت مشتعلة فقال لها أحد الضباط : عودى لبيتك واعملى أكل لزوجك أفضل من وقفتك فى هذه الانتخابات ، فقالت له : أنا طبخت الأكل قبل حضورى , فعاد يقول لها : إذن اغسلى الملابس ، فردت عليه :

والغسيل غسلته كمان ، فضاق بها وسمح لها بدخول اللجنة على مضض وهو يتهكم عليها وينعتها بأنها مصدر نحس وفأل سئ ،

ولكنها نجحت فى الدخول إلى اللجنة والتصويت لصالح هذا المرشح الإسلامى ، وعندما خرجت من اللجنة تقابلت مع هذا الضابط مرة ثانية ، فقال لها : هل النتخبت ، فقالت له نعم وأستأذنك لأنى لازم الحق الأكل اللى على البوتجاز قبل ما جوزى يرجع من الشغل .


وأحد الناخبين العاديين كبرت فى رأسه الفكرة وكان غير حليق الذقن فاعتقد الضباط أنه من مناصرى مرشح التيار الإسلامى ، فأخذوا منه بطاقته وامتنعوا عن ردها إليه ولكنه انصرف وحلق دقنه واستحضر جواز سفره وتمكن من دخول اللجنة والتصويت لصالح المرشح الذى يريده .

وناخب آخر منعه الضباط والجنود من دخول اللجنة فراح ينادى بأعلى صوته فى سيادة القاضى الذى هرع إليه بعد إثارته كل هذا الضجيج واشتكى له من منعه من دخول اللجنة فطلب القاضى من الجنود أن يدعوه يدخل وأدلى بصوته ، ولكنه طلب من القاضى أن يبقى فى حمايته حيث أن الضباط والجنود يتربصون به ، بل واصحبه القاضى فى سيارته بعد انتهاء الانتخابات بالفعل ولم يتمكن منه رجال الشرطة .

ورغم الشعبية الواسعه التى كان يتمتع بها هذا المرشح ، لم يكن بوسعه تحقيقكل هذا الاكتساح بدون تجاوزات وانتهاكات الشرطة ، وهذا معناه أن الفساد الأمنى وصل إلى حد العجز عن تحقيق تلك الاهداف الملّوثة ، الأمر الذى يُلقى بظلاله الكثيفة حول قدرتها على حماية النظام نفسه وتنفيذ أهداف الحكومة .

ومن ثمّ حول قدرة الجهاز مع هذا المستوى من الضعف الذى أوصله إليه الفساد فى الاستمرار بالقيام بواجباته الدستورية من حيث تحقيق الأمن العام والسكينة للجميع .

وعلى المستوى السياسى فإن تجاوزات الشرطة مع المواطنين فى الانتخابات وغير الانتخابات ، وعلاقة الرهبة والكراهية القائمة فيما بين الشعب والشرطة زادت فى أسهم التيارات الدينية بطريقة مبالغ فيها وإن كان هذا المرشح من المعتدلين – ولكنه من النظرة الإجمالية لقد أسهم الغباء الشرطى فى دعم الجماعات الدينية ،

أضف غلى ذلك أنه لا توجد قوى أخرى على السطح يمكن للناخبين أن يختارون بينهم وبين التيارات الدينية ، ولا أقصد من ذلك الاعتراض على شعبيّة الجماعات الدينية ولكن التحليل العلمى يقتضى دراسة الأمور بحياد مهما كان موقفى الشخصى ،

فهذا المناخ الذى تصنعه الشرطة يسهم من الناحية الظاهرية فى تضخيم إمكانيات وشعبيّة بعض التيارات عند تقييم الوضع السياسى فى المجتمع على غير الحقيقة .

وتبدو فى هذا الخصوص حساسيّة دقيقة ن وهى أ، الجماعة الرئيسية من الجماعات الدينية تحظى باحترام شديد فى مختلف الأوساط والطبقات خاصة الطبقات الشعبية الأكثر عددا ،

وأن باقى الجماعات لا تحظى إلا بشعبية مؤيديها وأعدادهم أقل بكثير ، ولكن النتيجة السابقة التى يمكن أن تستمد من الرواية السابقة تختلف مع التقدير الحقيقى للقوة السياسية لهذه الجماعات ، خاصة أن الأغلب الأعم من القوى الأخرى التى تتواجد التى بضعف أو يمكن أن تتواجد فيما بعد هم من المسلمين أيضا ، كما أن هذه الجماعات من المسلمين و لا فرق بين هؤلاء وهؤلاء من ناحية الاقتناع الانتخابى العام .

وهكذا لا يأتى التزوير إلا بتزوير حتى أنه يجعلنا نخطئ فى قراءة المسرح السياسى الحقيقى .

ويمكن أن نستنتج أيضا أن القهر الأمنى يدفع البعض إلى الوغلّ فى الفكر الدينى والتمسك به بشدة كطوق نجاة يعتمد على الاقتناع الأيدلوجى بأن مساعدة الصانع الأعظم

– الذى يقول للشئ كن فيكون

– فى مواجهة المشاكل الاجتماعية المتفاقمة بسبب سوء الأحوال خاصة الاقتصادية والمعيشية منها ، فيما يمكن تلخيصه فى أن التجاوزات الشرطية التى تظهر بمظهر القوة الشديدة الباطشة قد تعبت نتائجها بالأفكار والنفوس فتؤدى لرد فعل معاكس بالهرولة إلى من يدعى أنه يتحدث باسم الله القوى الأعظم القادر الجبار ، ولا تكون النتيجة دائما مأمونة ،

فقد ندخل فى دائرة أخرى من حيث التشدد الدينى ، ولهذا يجب عدم وأد وإضعاف القوى السياسية المختلفة حتى لا يختل التوازن السياسى كما هو حادث لصالح بعض القوى على حساب القوى الأخرى .

( شخرم ) بائع البوظة

ولأن الحكومة حولت الانتخابات إلى مهرجان للفساد والتزوير ومناسبة دائما للسخرية من الشعب ، فقد قرر بعض المثقفين ترشيح أحد البسطاء لعضوية البرلمان حتى يسخروا هم أيضاً من الحكومة ومن الحياة النيابية فى البلاد.

وكان المرشح الذى وقع عليه الاختيار من أبسط المواطنين حالاً يعمل بائعاً للبوظة ، ويدعى ( شخرم) ، وعلقت على الحدث إحدى الإذاعات الأجنبية بقولها : ترشح لعضوية البرلمان أحد بائعى الخمور الرديئة ، فهم لا يعرفون البوظة !!!

وبالطبع لم يكن لدى ( شخرم) أى دراية بالسياسة أو بالانتخابات ، ولكن الساخرين تمكنوا من الضحك عليه وإقناعة بهذا الترشيح لأنه سيصبح مشهوراً ومرهوب الجانب من الموظفين ورؤساء المصالح الحكومية كما هو شائع عن أعضاء البرلمان ،

وأن ضابط المباحث عدوه اللدود بسبب بيعه للبوظة والذى يخشاه دائماً والذى كثيراً ما قبض عليه بدون وجه حق ، هذا الضابط نفسه سوف يخشاه ويعمل له ألف حساب إذا نجح فى الانتخابات وأصبح نائبا فى البرلمان ، وعلاوة على كذل ذلك فهو سيتقاضى مكافأة شهرية كبيرة بالإضافة للمزايا العينية الأخرى التى يحصل عليها النواب .

انبهر شخرم البسيط وأخذه خياله إلى ما بعد الانتخابات وشاهد نفسه معلماً ثرياً يرتدى الجلاليب الصوف والعباءات الجوخ التى يهاب المواطنون من يرتديها ومنى نفسى بأكل أنواع اللحوم بدلا من اللحم المستورد " اللى زى قطع الكاوتش العدمانة " ،

ووافق شخرم على خوض الانتخابات خاصة وأن هؤلاء الساخرون سيدفعون إليه مبالغ كبيرة وأنهم سيتكفلون بكل مصروفات حملته الانتخابية .

وحصل المرشح الغلبان على المبلغ المخصص لحملته الانتخابية من هؤلاء الساخرين ، ولكنه بمجرد أن أستلمها ، قام بصرفها على الفور وراح يأكل هو وأولاده اللحوم يومياً بعد طول حرمان واشترى الملابس الجديدة وأنفق المال المخصص لحملته الانتخابية على نفسه وعلى أولاده .

فقرر الساخرون ألا ينقدوه النقود فى يده وإنما تكفّلوا هم بالصرف على حملته الانتخابية الساخرة ، فأحضروا له " توبين " من القماش الأبيض " العبك" وسلموهما لأحد الخطاطين لكتابة الدعاية الانتخابية ، وعندما يدأ الخطاط فى الاستعداد للكتابة غمزة شخرم وانتحى به جانبا وهمس إاليه فى اذنه أنه يكفى " توب" واحد للإعلانات وأن عليه الاحتفاظ ب " التوب"

الثانى وتسليمه إليه بعد انصراف الحاضرين وفى نفس الوقت فإن الخطاط سيحصل على أحره كاملا ، يعنى أجر كتابة قطعتين وليس قطعة واحده .

ولكن الخطاط فوجئ بأن الحاضرين أخذوا يحسبون معه عدد الأمتار فى ال " التوبين " وحساب عدد اللافتات التى سيتسلمونها منه كما لاحظ أنهم فى حالة مزاح مع بائع البوظة ، فاضطر إلى أن يقول ل ( شخرم ) أنه لن يتمكن من تنفيذ ما طلبه منه ، مما دعا الحاضرين أن يستفسروا من الخطاط عما طلبه ( شخرم) ،

فقال لهم أنه طلب منه أنه يكتفى بنصف الكمية للافتات ويسلمه باقى القماش سراً ! فضحكوا وسألوه لماذا يا ( شخرم ) طلبت هذا ؟! فأجابهم :

يا بهوات حرام كل القماش ده يروح هدر ، أنا آخده وأعمله سراويل للعيال أحسن !! فانفجر الحاضرون فى الضحك حتى أ، بعضهم كاد يختل توازنه من كثرة الضحك .

ولم يوافقوا على إعطاء ( شخرم ) نصف القماش لكى يعمل منه سراويل لأولاده حذروا الخطاط من الانسياق وراءه .

أراد ( شخرم ) أن يختلس نصف قماش اللافتات لكى يتمكن من كسوة أولاده العرايا بعمل سراويل لهم ، وهذا معناه أن الفقر والحاجة يضيّعان الحرية ويضيّعان الكرامة هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن هذا المرشح البسيط مثله مثل غيره من آلاف وملايين البسطاء ليس لديه الثقة فى أن الحكومة ستدعه ينجح ، وإن نجح فماذا يفعل ؟! فالحكومة هى الحكومة ولن يجرؤ أحد على الوقوف أمامها ،

وشخرم ليس معتوها فهو مفتّح ويعرف أن هؤلاء الباشوات يسخرون منه ويسخرون من الانتخابات ، وهو يوافق على ذلك طالما أنه سيحصل على بعض الأموال ليحضر طعاما وملابس لأولاده لم يروّها طيلة حياتهم ، إن من يحتاج إلى الطعام والشراب ولا يجده فإن الأسهل له أن يضحى بحريته نظير بعض اللقيمات .

انطلق ( شخرم ) بائع البوظة فى حملته الانتخابية ، وكان أول ما فعله هو عمل مشروب السوبيا والبوظة وقام بتوزيعها مجانا على الناخبين من أهل الحى .

ثم أخذت مظاهر وعناصر حملته الانتخابية تتبلور حتى أصبحت ظاهرة معروفة ولذيذة وشيّقة لكل المواطنين ، فكان يسير وسط البسطاء فى مواكب انتخابية كبيرة العدد تشتمل على معارفه ومواطنين عاديين ، بل وشارك فيها بعض المثقفين الذين كانوا يعتبرون هذه المسيرات مسرحيات هزلية كوميدية تجعل من يراها يموت من الضحك .

وكان ( نادر) ضابط المباحث يتعرض لمسيرات شخرم الانتخابية اكثر من غيره ، وكان هو نفس الضابط الذى يعكنن على شخرم حياته بسبب بيع البوظة ، ثم أن الذين يحضرون مسيرات ( شخرم ) ومؤتمراته الانتخابية غلابة ن مفيش حد فيهم عنده حيثية أو له ضهر ،

ولذلك كان ( نادر) والمخبرين يهاجمونهم بالعصى والشوم ويضربون أنصاره ويقبضون على بعذهم ويحتجزونهم فى قسم الشرطة عدة أيام وهذا جعل شخرم وأنصاره حانقين على الضباط والجنود وخاصة ضابط مباح القسم .

ورغم هذا التضييق فإن أنصار شخرم زاد عددهم ومنحه هذا شجاعة جعلته يخطب فيهم بأعلى صوته : "عارفين بعد ما أنجح أو حاجه هعملها أيه ؟؟" فترد عليه الجموع المتزاحمة وهم يضحكون ويقولون " ايه !" فيقول " حنشيل (نادر) ... حنشيل( نادر) ".

فينفجر السائرين فى الضحك ، وكانت هذه الأخبار تصل إلى باقى الضباط من زملاء الضابط نادر فيتندرون بها وبه ويحذرونه من أى خطأ معهم وإلا سيبلغون شخرم الذى سيعاقبه بعد نجاحه ودخوله البرلمان .

وكان ( نادر) " يعمل عقله بعق شخرم " ويتعمد مطاردته هو وأنصاره ، ويتعمّد أن يعتدى عليه بالضرب وأقذع الألفاظ وسط جموع المواطنين السائرين فى مواكبه الانتخابية ، بل إنه كان أحيانا يستدعيه إليه فى مكتبه ويتسلى عليه بالضرب والسب .

وعندما كان يواجهه ( شخرم) ينسى أنه مرشح للبرلمان ويخافه وترتعد فرائصه فيقول له يا سعادة الباشا أنا خدام الحكومة وأنا خدامك والذى تأمر به سأنفذه فورا.

وهذا الوضع حرم شخرم مثل غيره من المرشحين الذهاب ببقسم للتوسط فى الإفراج عمن يعتقل من أنصاره ومؤيديه ،

بل كان بمنتهى البساطة يكتفى بمنع الشر عن نفسه فقط ، فكان ضابط المباحث نادر عندما يقول له " شوية الصيع اللى إنت ماشى معاهم أنا حعتقلهم " فيقول له " وماله يا باشا .. إحنا خدامين الحكومة والسجن للجدعان برضه ".

وكان شخرم أمياً ونجح فى إمتحان محو الأمية بالعافية حتى يتمكن من تقديم أوراق ترشيحه للبرلمان ، ولم يكن الأمر يهمه ، ولم يكن له أن يستوعب ما يفعله ، فهو لا يعرف شيئا عن السياسة أو الاقتصاد أو القانون ولم يكن أن يتصور أن يعرف أو حتى أن يسعى لهذه المعرفة .

وفى هذه الآونة كان هناك حديث دائر فى مختلف الأوساط عن بعض القوانين المثيرة للجدل والتى صدرت بشأن إصلاح الرسوب الوظيفى ، ولكنه ترتّب على اصدارها الإضرار ببعض فئات الموظفين مما دعا القانونيين والمهتمين بالسياسة والعمل العام أن ينادوا بإصلاح بعض الآثار الجانبية لهذه القوانين لمصلحة بعض الئات التى أضيرت .

ولهذا كان بعض المثقفين العابثيين ، الذين انضموا لمؤيدى شخرم من أجل الفكاهة والضحك والتسلية بمشاهدة الكوميديا الواقعية ، يتعمّدون إثارته ، فسأله أحدهم عن رأيه فى إصلاح عيوب القانون رقم 83 ، وهو لا يعرف قانون 83 ولا غيره ،

فما كان من شخرم وهو جالس على المنصة فى السرادق الذى أقيم خصيصاً له من أجل دعايته الانتخابية ، وأمام حشود كثيرة من المواطنين ، فرد عليه :

" متشغلش بالك ، أنا هصلح 83 ، 84، 85 عشان خاطر المواطنين " . ولم يكن هناك فى ذلك الوقت لا قانون 84 ولا 85 ولا غيرهما ، فانفجرت جموع الحاضرين فى ضحك شديد على المرشح الذى لا يعرف شيئا .

وفى اللقاءات المصغرة فيما بين شخرم وبعض المثقفين كانو يعيدون عليه السؤال بشأن موضوع قانون 83 ، فقال لأحد سائليه " الموضوع مش موضوع قانون 83 يا بيه أنا غلبان ومليش دعوة بالحاجات دى هو أنا حاقدر على الحكومة إللى بيقولوا لى كده بيستعبطوا !!

فقال له مثقف آخر إذن لماذا ترشحت للبرلمان ؟ فرد عليه يا سعادة البيه أنا غلبان ولما أدخل البرلمان حاخد لكّه كل شهر " يقصد كبيرة " لكن أنا مليش دعوى بغيرى أنا عايز أعيش وأأكل أولادى ". إذن ( شخرم) لم يكن يهمه فى الأمر سوى المكافأة الشهرية من البرلمان وكأن الانتخابات ليس لها هدف سوى صالح المرشحين الشخصى .

وفى يوم الانتخابات لم يعمل أحد لشخرم حسابا ، وإنما راحت الشرطة تقاوم مرشحى المعارضة وتعتدى على مؤيديهم ونسوا شخرم لأن الجميع كانوا يعلمون يقيناً أنه لن يحصل على أية أصوات فكل من يمشى معه بفعل ذلك لكى يتمكن من الضحك عليه .

وكانت المفاجأة الثانية عندما أعلنت النتيجة الرسمية ، حيث لم يكن ( شخرم ) . من الناجحين وقيل أن النتيجة تغيرت بناء على تعليمات من جهات عليا !!!.

ولم يعرف أحد من كام المسئول الذى طلب تغيير النتيجة داخل لجنة الفرز ، ولكن الذى حدث هو أن البعض تأكد من نجاح شخرم فقد انتخبه الناخبون رغم السخرية منه ورغم سعيه لهدف شخصى وهو الحصول ععلى المكافأة الشهرية المقررة لأعضاء البرلمان ،

وكأنهم يئسوا من الإصلاح فهذا المرشح مثل ذاك ، ولكون أنه لا هذا المرشح ولا ذاك سوف يفعل شيئاً أو يُغيّر الأمور ،

إذن فلتكن نتيجة الانتخابات لصالح شخرم فلن يضير هذا الأمر أحداً وليتحقق الهدف الشخصى لأحد المواطنين أفضل من عدم تحقيق شئ ، وهكذا نجح شخرم وحقق المفاجأة وأحرج المسئولين .

لقد ذهل الحاضرون – كما عرفت – فى الغرف المغلقة أثناء فرز الأصوات ، وبعد أن افاق البعض من الدهشة وقعت المجادلة وجاءت التعليمات سريعة بضرورة تعديل النتيجة إسقاط ( شخرم ) ، فطلب أحد قيادات الشرطة إعادة فرز الصناديق بدقة أكثر كحجة لإتاحة الفرصة لإسقاط ( شخرم ) . وكان بعض ضباط المباحث قد أوكل إليهم سرعة تنفيذ خطة تم الإتفاق عليها سريعا مستغلين هذه الفرصة الذهبية لإعادة فرز الصناديق ،

حيث منعوا المرشحين ووكلاءهم من الدخول ، وأعادوا التعليم على البطاقات الانتخابية لإبطالها ، ولم يتمكن أى من رؤساء أو أمناء اللجان من فتح فمه ،

وكانت عملية شاقة لأنها كادت تسقط مرشح الحكومة ، إذ كان لهذا التزوير أثره عليه ولكن تمت إعادة تظبيط النتيجة لصالح مرشح الحكومة وإسقاط شخرم الذى لم يقدم طعنا فى النتيجة ،

فهى بالنسبة له كانت وظيفة وفشل فى الحصول عليها فسلم أمره لله ولم يشأ معاداة الحكومة .

وهكذا فالباطل لا يترتب عليه إلا الباطل ، فلقد نجح ( شخرم ) بسبب معارك التزوير بين المرشحين الآخرين فى غفلة من محترفى التزوير .

وكان يمكن أن يكون ( شخرم ) هو نائب الدائرة وتكون فترة نيابية كلها بوظة فى بوظة ، وهل كان الأمر سيختلف إذا نجح ( شخرم ) أو غيره ؟ !.

ومن الصعب أن ننهى هذا الملف

– الذى نتمنى أن يظل مفتوحا

– دون أن ندعو القارئ الكريم إلى تأمل هذا المشهد المروع ، مرشح حزب الحكومة يضرب مواطن غلبان على الملأ ، وظل يضربه فى وجهه ورأسه " بالجزمة" حتى مات ..

فقد كان يتصور أنه جاء ليمنع الباشا من التزوير ، هذه الهمجية حدثت فى مصر ، وبعلم الحكومة وسكتت أجهزة الشرطة والسبب أن المواطن " غلبان ملوش ضهر" ..

ورفع أهل القتيل قضايا ولكن تفرق دم المواطن ، وتاهت الأدلة ، فقد شارك فى المذبحة أنصار الباشا المرشح وهم بالمئات .. وفى النهاية أضطر أهل القتيل لقبول فدان ارض ومائتى ألف جنيه ثمن دم الضحية .

فمن يحاسب هؤلاء المجرمين ومتى تتوقف هذه الفظاعات؟