تداعيات الحملة البوليسية ضد الإخوان
بقلم / د. عصام العريان
تصاعدت خلال الشهور القليلة الماضية الحملة البوليسية ضد الإخوان المسلمين، وانتقلت من محافظة إلى أخرى؛ لتحصد رموزًا شعبيةً وقياداتٍ إداريةً، وصاحبتها حملات إعلامية في الصحف القومية وأخرى في صحف خاصة؛ تستهدف تبرير تلك الهجمة وإقناع الرأي العام بها.
وقد اجتهد المحلِّلون في البحث عن دواعي تلك الهجمة التي لم تخرج عن نطاقين؛ الأول: محلي يستهدف إرباك الإخوان، وشلَّ حركتهم مبكرًا قبل عام الانتخابات البرلمانية؛ وذلك حتى لا يحقِّقوا نفس نتائج الدورة السابقة في 2005م، أو لإقصائهم من الساحة البرلمانية، وكذلك التمهيد لنقلٍ سلسٍ للسلطة الرئاسية، بعيدًا عن تأثير القوى السياسية الحيَّة في المجتمع.
والنطاق الآخر إقليمي يتعلق بالتسويات الجارية للقضية الفلسطينية، والتي تتصاعد أبخرة، وتتسرَّب تصريحاتٌ بأنها ستشهد خلال السنتين القادمتين تطوراتٍ مهمةً وخطيرةً، ومن هنا يكون إبعاد الإخوان عن المشهد الإقليمي ومنع تفاعلهم الحي مع تلك التطورات هدفًا آخر لا يقل أهميةً.
ولكن ما تداعيات تلك الحملة على كافة الجبهات ذات الصلة؟ وهل تحقق تلك الحملة أهدافها دون خسائر وطنية وسياسية وإسلامية؟! وهل يحقق النظام الباطش الظالم مكاسب صافية أم أنه سيتحمَّل قدرًا من الخسائر لا بد أن تلحق به؟ وهل ما يصيب الإخوان المسلمين كله في خانة الخسائر فقط؟
على جانب النظام، تُظهر هذه الحملة الباطشة الظالمة عجز النظام المصري عن إدارة التنوعات والاختلافات داخل المجتمع بطريقةٍ سلميةٍ وعبر الأدوات الديمقراطية والسياسية، وهذا الفشل الذريع ينتهي بالنظام إلى طريقٍ مسدودٍ، ويتبيَّن ضرورة البحث عن بديل قادر على تلبية المطالب الوطنية المصرية في إقامة حياة ديمقراطية سليمة، تستوعب إدماج التيار الإسلامي المعتدل في الحياة السياسية والمناخ العام.. ذلك التيار الذي يؤيده قطاع عريض من المجتمع ظهر في آخر انتخابات ما بين 30- 40%، وتمثَّل في البرلمان نسبة 20%.
وهذا الاتجاه البوليسي في علاج قضية سياسية وليست أمنيةً؛ يضخِّم دور جهاز الأمن على حساب قطاعات أخرى داخل النظام، وهذا يؤدي في النهاية إلى بروز مراكز قوى تهدِّد النظام من داخله؛ فالأمر لا يتعلق بجرائم إرهاب أو تهديد للوطن، ولا يمكن إقناع أحد بأن الإخوان خطرٌ على الوطن وهم يسهمون في بنائه، ويشاركون بفاعلية في تنميته في كل القطاعات، ويعيشون مع الشعب في القرى والنجوع والمدارس والجامعات والمصانع والنقابات.
وهذا التطور الجديد جعل النظام يهدر أركان دولة القانون من احترام أحكام القضاء ومحاكمة المواطنين أمام قاضيهم الطبيعي وإخلاء سبيل الأبرياء وعدم اللجوء إلى الاعتقال الإداري أو تكرار الاعتقال، والتصرف بطريقةٍ تحمل معنى اللصوصية في إغلاق الشركات، وتشريد العمال والاستيلاء بدون وجه حق على أموال، خاصةً للأفراد وتشويه العمل الخيري.. إلخ، وعندما تلجأ الدولة إلى هذا الأسلوب في التعامل فإنها تهدد أسس وجودها كحامٍ للأفراد ومحتكر للقوة؛ بهدف حماية أمن المجتمع واستقراره، وهذا سيؤدي في المدى المتوسط والبعيد إلى ظهور نزعات لدى الأفراد والجماعات لا تحترم القانون وتلجأ إلى العنف والقوة للحصول على حقوقها وتُهدد النظام العام، وفي هذا- لا يعلمون- خطر كبير وإثم عظيم، فالإخوان مسالمون ويعملون في إطار المتاح من القانون، ومع ذلك يتعرضون لكل هذه الانتهاكات دون ممارسة أي عنف أو إرهاب، فماذا تحمل تلك الرسالة لبقية المجتمع؟ ونستتيع القول بأن بوادر ذلك ظهرت بالفعل في تنامي حجم ظاهرة العنف بصورة غير مسبوقة في المجتمع المصري؛ مما يُنذر بتطورات خطيرة.
وهذه الحملة الباطشة تظهر النظام أمام الرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان العالمية التي تراقب أداء الحكومات وتقدم تقاريرها إلى الجهات الدولية والحكومات الأجنبية على صورته المظلمة التي لا ينفع معها مبررات ساقها النظام أثناء حملته على جماعات العنف، وهنا يكمن خطر آخر- لا يعلمون- عظيم.
فهذه التقارير يتم إعدادها بجانب تقارير أخرى كسجلٍ لإدانة أي نظامٍ يريد المجتمع الدولي أو الدول الكبرى إجباره على سلوكٍ غير وطني أو تقديم تنازلات في ملفات خطيرة إقليمية أو دولية أو إخضاعه لنفوذ القوى الكبرى إو إيجاد ذريعة للتدخل في شئونه الداخلية بحجة حماية حقوق الإنسان إو إقامة الديمقراطية أو.. أو.. إلخ، وهذا يأتي في الوقت المناسب الذي تختاره تلك الحكومات الأجنبية، ولنا في العراق والسودان وغيرها عبرة وعظة.
ما الذي يكسبه النظام من مثل هذه الحملة الظالمة؟
هل يكفي هدف تعويق نشاط الإخوان وحرمانهم من قياداتهم كفئةٍ لتعويض كل تلك الخسائر، بينما ثبت خلال عقود من الزمان عدم القدرة على استئصال الإخوان من المجتمع المصري لأنهم جزءٌ أصيلٌ ومكون طبيعي منه؟
هل تحجيم وجود الإخوان في مجلس الشعب في الدورة القادمة يكفي لكل تلك الجرائم التي يرتكبها الأمن والنظام في حق الإخوان مع وجود أساليب أخرى لدى النظام لتزوير الانتخابات وضبط النتائج؟ ومع إدراك النظام أن تغييب الإخوان تمامًا عن البرلمان ليس من المصلحة في شيء وليس ممكنًا دون خسائر كبيرة على المستوى السياسي؛ حيث أدَّى في النهاية إلى غياب شبه كامل للمعارضة كلها منذ عام 1990م وحتى الآن؟!
هل إرهاق الإخوان اقتصاديًّا ومحاربتهم في أرزاقهم سيؤدي إلى إفقار الإخوان أم سيؤدي إلى خللٍ بشع في مجال حرية السوق والتنافس الذي يروّج له أركان النظام من الليبراليين وأشباههم؟!
قد يكسب النظام على المدى القصير بتلك السياسة قصيرة النظر، ولكنه عندما يمعن النظر ويتأمل بعض عقلائه في الآثار المدمّرة لتلك السياسة الأمنية، والتي يستسهلها الأمن وبعض السياسيين فإنه سيعرف أن تلك الجولة الأمنية ستنتهي كما انتهى ما سبقها، وسيعود الإخوان أقوى كما كانوا وسيجددون دماؤهم بانتظام، ولن ينحرفوا عن منهجهم الوسطى المعتدل، ولن يستفزهم أحد للخروج عن أسلوبهم السلمى ليبطش بهم، وسيصرون على المشاركة وفق رؤية محددة تهدف إلى الإصلاح المتدرج، وسيقدمون بدائل للأشخاص وللحركة وللنشاط، وسيكتسبون مع كل صباح أرضًا جديدة وأنصارًا جددًا وقيادات قادرة على الصمود والتضحية في سبيل الله تعالى.
ويكفيهم إيمانهم بقول الحق تبارك وتعالى: ﴿فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية 17).
فراق الأحباب
شهد أسبوع العيد رحيل عدد من الأحباب والأقارب والخلان؛ مما أثار الأشجان وحرَّك المواجع وأسال المدامع وذكَّرنا جميعًا باقتراب يوم الرحيل والاستعداد للقاء الله تعالى.
ففي ليلة العيد ودعتُ مع أهلي وإخواني في قريتي "ناهيا" رجلاً صالحًا، نحسبه كذلك ولا نُزكي على الله أحدًا، والله حسيبه، هو الأخ "محمود حسين الأجلى"، ومع قدوم العيد مرض خال أولادي "د. صلاح فضل" مرضًا شديدًا، ولم يبرح إلا أن فارق الحياة سريعًا، وفي نفس الأيام رحل عنا الأخ الكبير المجاهد الأستاذ/ محمد هلال المحامي الذي شغل عضوية مكتب الإرشاد وموقع القائم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين لفترة قصيرة حتى تم اختيار الأستاذ محمد مهدي عاكف مرشد الإخوان.
ومع أننا في كل يوم نودع أحبابًا ونفارق أصحابًا يسبقوننا إلى دار الخلد إلا أنني توقفت مع رحيل هؤلاء وفراقهم، أسأل الله تعالى لهم الرحمة والمغفرة والرضوان؛ حيث تمكَّنت من المشاركة في وداع اثنين، ولم أتمكن من وداع أستاذنا المرحوم بإذن الله الأستاذمحمد هلال.
كل واحد منهم في دائرة من الدوائر التي يتحرك فيها الإنسان: دائرة الأرحام وذوي القربى، ودائرة الأهل والعشيرة، ودائرة الإخوة في الله، ولكلٍّ على الإنسان حق وذمة.
كان الحاج "محمود الأجلى" ممن يشهد له غالب أهل بلدتي بالصلاح والعبادة، وكان من القوامين الصوامين العابدين الذين لم ينقطعوا عن صلاة الفجر وحضور الجماعات، كان من أهل المساجد الذين شهد لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالإيمان، وكان يلهج لسانه بذكر الله تعالى على الدوام، وكان دائمًا يقول: إنه يحب الصالحين ويذكرهم من أهل البلدة بالاسم ويدعو لهم دائمًا بالتوفيق والسداد.
أما د. صلاح فضل فإنه كان من السابقين للدعوة إلى الله والسعي للبذل والتضحية في سبيل الله والسير مع المجاهدين، ولم لم يكن له عليَّ فضل إلا أنه يسَّر لي الزواج من شقيقته زوجتي وأم أولادي وشريكة حياتي ورفيقة طريقي لكفى بذلك عندي.
شارك في تنظيم "الفنية العسكرية" وقضى 18 شهرًا في التحقيق والمحاكمات حتى برَّأته المحكمة؛ لأنه لم يشارك في الأحداث، واكتشف قبل التنفيذ صبيانية التفكير وعقم المحاولة، وكانت لنا مع زملاء له ورفاق شاركوه الرأي محاورات ومجادلات، واكتفى منذ ذلك الوقت البعيد بتلك المحاولة ولم ينضم بعد ذلك لأية جماعات أو تنظيمات.
عانى رحمه الله تعالى من عدة أمراض حتى أثقلته، ففارق الحياة بأزمةٍ قلبيةٍ مباغتة، تاركًا عشرةً من الأولاد بارك الله فيهم.
أما أستاذنا وشيخنا الأستاذ محمد هلال فهو من قضى جُلَّ عمره في رحاب دعوة الإخوان جنديًّا وقائدًا ومعلمًا ومربيًا، صابرًا محستبًا لم تقعده السنون التسعون التي حملها على كتفيه، ولم ترهقه الأمراض.
كان مبتسمًا على الدوام، مستبشرًا بنصر الله، متفائلاً بمستقبل الأيام، راضيًا بقضاء الله تعالى.
عرفته الدقهلية مربيًا ومؤسسًا لدعوة الإخوان، وعرفته مصر كلها عضوًا في مكتب الإرشاد يشارك في صنع السياسات ويرسم الإستراتيجيات، وعرفه المحامون من الإخوان أبًا لهم ومعلمًا وقدوةً، عوَّضنا الله عنه خيرًا.
أسأل الله تعالى أن يرحم الجميع برحمته، ويسكنهم فسيح جنته، وأن يُلهم آلهم الصبر الجميل، وأن يسحن خاتمتنا، أجمعين ويلحقنا بهم في الصالحين.
المصدر : نافذة مصر