تجريد الجماعة من أذرعها الإعلامية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

الإعلام الإخواني بمصر.. انكسار في زمن المعارك

دون عناء يمكن القول أن جماعة الإخوان المسلمين تواجه معارك على صعد عدة دون ذراع إعلامي قوي يمكنها من الرد على حملات التشهير والتشويه التي يشنها الإعلام الحكومي يسانده في ذلك بعض الصحف الحزبية والمستقلة .

الجماعة ورغم ما تحظى به من ثقل سياسي لاسيما بعد تواجدها في البرلمان من خلال كتلة هي الأكبر في تاريخها عقب الفوز بـ 88 مقعدا في انتخابات 2005 خسرت أكثر من منبر إعلامي في السنوات الأربع الأخيرة وبالتحديد عقب انتصارها المدوي إذ سارعت على ما يبدو جهات أمنية إلى تجريد الجماعة من أذرعها الإعلامية الواحد تلو الآخر مستفيدة من ارتباك يسود الملف الإعلامي داخل الجماعة من السهل رصده من قبل المتابعين والمراقبين .

توقف تجربة آفاق عربية

في 6 مارس 2006 كانت الخسارة الفادحة للجماعة بتوقف جريدتها ولسان حالها - آفاق عربية - والتي واصلت صدورها قرابة 11 عاما منذ 1994 وحتى التاريخ المشار إليه ، ولم تدرك قيادة الجماعة حينئذ حجم هذه الخسارة ، وتداعياتها ، إذ فشلت في تطويق أزمات إدارية داخل الجريدة أودت بمنبر اعتبرته مراكز بحثية دولية أحد أذرع الإخوان الإعلامية القوية التي لعبت دورا بارزا في فوز مرشحي الجماعة في انتخابات 2005 ، ورغم أن الصحيفة كانت تتوجه في كثير من الأحيان لمخاطبة الصف الإخواني إلا أنها كانت بمثابة قناة تواصل بين قيادات الجماعة وأفرادها، ومحضنا لصناعة رموز وكوادر إعلامية داخل الجماعة، كما نجحت في الاستفادة من الفراغ الذي خلفه إغلاق جريدة الشعب ، وأصبحت في غياب وجود إصدارات ذات توجه إسلامي، المتنفس للقارئ ذو التوجه الإسلامي أيا كان انتمائه، وبوقاً للجماعة ونوابها، واقترب توزيعه بحسب مسئولين داخل الصحيفة من حاجز المائة ألف نسخة بنسبة مرتجع لا تتجاوز الـ 3 % ، وهو ما كان سببا حسب قوله في تكميم هذا الصوت عبر استغلال خلافات حزبية وإدارية داخل الجريدة أودت بها، بل وتعنت الدولة ضد حل أزمة صحفييها والتي دخلت عامها الرابع على التوالي .

و"الأسرة العربية" و"النهوض"

قبل أن تلقى – آفاق عربية – هذا المصير تمكن مدير تحرير الجريدة السابق والقيادي بالجماعة بدر محمد بدر من ترؤس تحرير جريدة حزبية أخرى تصدر عن حزب الأحرار، وفي غضون أشهر تلقف القارئ الإخواني جريدة (الأسرة العربية ) والتي كانت شبيهة بآفاق في ثوب لا يختلف كثيرا، وانتظم صدورها قبل أن تغلق آفاق أبوابها، وعانت الجريدة في بداياتها توزيعيا بعض الشيء، لكن إغلاق آفاق عربية أوجد فرصة مواتية لها للانطلاق، بل ونيل ثقة القارئ الإخواني باعتبارها بديلا للأخيرة، ومنبرا جديدا للجماعة يتلقف منها أخبارها وآراء قياداتها ونوابها، لكن سرعان ما دبت الخلافات بين نائب رئيس حزب الأحرار ورئيس مجلس إدارة الصحيفة محمود ياسر رمضان، ورئيس تحريرها بدر محمد بدر تم على أثره وقف صدور الجريدة أواخر ديسمبر 2006، وهو ما أرجعه الكثيرون حينئذ إلى ضغوط مورست من جهات أمنية ترفض أن تظهر صحيفة جديدة ناطقة بإسم الإخوان، واستندت في مبتغاها إلى مغازلة الأول بصفقة حزبية ينال على إثرها حسم رئاسة حزب الأحرار لصالحه وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن !! .

على استحياء وفي إطار جهود فردية نجح صحفيون منتمون للجماعة في إصدار جريدة تم صبغها بلمسة شبابية حملت إسم النهوض ، وفي خطأ متكرر سارعت الجريدة بحثا عن انتشار ونجاح سريعين إلى رفع لافتة الجماعة وارتداء الثوب الإخواني، الأمر الذي وصل إلى بث إعلان رئيسي للجريدة على الموقع الرسمي للجماعة كان بمثابة جرس إنذار للجهات المعنية بظهور منبر إعلامي إخواني جديد لا بد من تكميمه بشكل سريع، وهو ما تم بالفعل بعد تهديدات وجهت لصاحب الرخصة حيث تم إيقاف صدور الجريدة بحسب القائمين عليها بأوامر عليا.

تقليم إجباري

إزاء جملة من الخسائر تكبدتها الجماعة في فقدانها لأكثر من منبر إعلامي خلال فترة زمنية قصيرة، بدا للجميع أن أظافر الجماعة الإعلامية تخضع لتقليم إجباري، سانده تخبط يسيطر على الملف الإعلامي داخل الجماعة، وغياب رؤية مستقبلية لملف أقل ما يوصف أنه حساس، وحالة ضعف تبدو واضحة للعيان. بدا ذلك في أكثر من معركة سياسية خاضتها الجماعة في السنوات القلائل الأخيرة أشهرها القضية التي عرفت إعلاميا بـ " ميليشيات الأزهر "، ونجحت صحيفة "المصري اليوم" في إثارتها وتهيئة الرأي العام لإصدار قرار جمهوري بإحالة عدد من قيادات الإخوان على رأسهم النائب الثاني لمرشدها خيرت الشاطر لمحاكمة عسكرية، هذا بالإضافة إلى حرب الاتهامات المتوالية للجماعة بعد حرب غزة والتي تحاول الربط بين قيادات بارزة داخلها على رأسهم القيادي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وبين تهم من عينة غسيل الأموال وتكوين تنظيم دولي لجمع التبرعات لصالح حركة حماس وغير ذلك من اتهامات لم تجد في كثير من الأحيان من يقود حملة إعلامية منظمة للرد عليها، والتأثير في دفة تلقي الرأي العام لمدلولاتها، ومحاولة استجلاء الحقائق، ولم ينجح موقع الجماعة الأم في ملأ الفراغ الذي خلفته آفاق عربية كون طبيعته وتأثيره كموقع على الشبكة العنكبوتية لم يرق بعد - في مجتمع لا زالت الصحافة الورقية تستأثر بحصة كبيرة من اهتمامات مواطنيه - إلى مستوى تأثير صحيفة ورقية تتلقفها الأيادي وأفراد الصف الإخواني بيسر ، ناهيك عن تراجع الموقع الأم في سباق مواقع الكترونية أخرى باتت مؤثرة على الساحة، ومعاناته من مظاهر خلل مهني وتحريري، وانتهاجه في كثير من الأحيان سياسة رد الفعل دون النجاح في توظيف شبكة مراسليه في مختلف المحافظات، ما دفع أفراد الصف الإخواني ذاته للانصراف نحو متابعة مواقع وصحف؛ كثير منها لا يوافق خط الجماعة ولا يحظى برضا قادتها .

وانكسار له أسباب داخلية

تراجع وانكسار الآلة الإعلامية الإخوانية راجع إلى عدة مسببات منها ما تنطوي عليه نظرة الجماعة باعتبار أنها سلعة مطلوبة ، وبالتالي فإن مختلف وسائل الإعلام تتهافت على تغطية أخبارها وهو ما يعطيها زخما إعلاميا عبر وسائل مملوكة للغير، لكنها إزاء هذا المكسب تتناسى أو ربما لا تدرك أن هذه التغطية لا تخضع لها ولا تخدم أهداف الجماعة بل تضرها في كثير من الأحيان - خذ مثلا تغطية المصري اليوم لقضية ميلشيات الأزهر - والتي أعقبتها حملة أمنية طالت نائب المرشد وانتهت بمحاكمة عسكرية .

السبب الثاني حالة التخوف الملازمة من تبني مشروع إعلامي وإنفاق الملايين عليه ثم ينتهي حاله إلى المصادرة والإغلاق ، وهو الهاجس الذي يسيطر بشدة على توجهات الجماعة إزاء هذا الملف دون إدراك أن الفضاء الإعلامي باتساعه الذي يزداد يوما بعد الآخر يصعب على النظام الحاكم فرض السيطرة عليه ، أو حجب ما يريد في ظل تطور أنظمة الاتصال والبث ووسائل تجاوز الحجب ، ومع افتراض تمكن الأخير من ذلك فإن حدود المصادرة ستقف عند حدود الفضاء المصري دون القدرة على تعميم ذلك الإجراء في دول أخرى .

ويعد هجرة العديد من كوادر الجماعة الإعلامية والصحفية سببا آخر له وجاهته في تفسير حالة تردي الآلة الإعلامية الإخوانية – المعطلة- إذ تسبب فقدان العديد من منابر الجماعة ، واستمرار حالة توهان الملف الإعلامي بين قيادات ليست متخصصة في رحيل العشرات للعمل في فضائيات ومواقع الكترونية لها ثقلها على الساحة العربية والعالمية ، ناهيك عما يسود من اعتقاد بين الجماعة الصحفية الإخوانية يفيد بتراجع موقع أهل الكفاءة والخبرة في مواجهة أصحاب الحظوة والثقة .

النظرة للملف الإعلامي داخل جماعة الإخوان يمكن القول أنها لم تواكب حتى الآن مستوى التقدير المناسب لمكون فاعل ترتكز عليه أغلب الحركات السياسية في العالم .

وإذا نظرنا على سبيل المثال إلى حزب الله وقدرته على التأثير في الرأي العام فهي ترجع في الأغلب إلى مواقفه ضد الكيان الصهيوني ، لكن أيضا إلى آلته الإعلامية والدور الذي لعبته قناة المنار إبان حرب تموز / يوليو 2006 فهي خير دليل على فاعلية هذا المكون كجناح للحزب لا يمكن التخلي عنه أو التقليل من أهميته .

وربما تكون المقاربة مع حركة حماس كنموذج آخر تبدو أكثر واقعية نظرا لعلاقات الحركة بجماعة الإخوان واعتبارها امتدادا طبيعيا لها من جانب، ونجاحها من ناحية أخرى في امتلاك آلة إعلامية مؤثرة رغم ما تتعرض له من ضغوط تفوق ما تتعرض له الجماعة الأم ، فضلا عن كونها تواجه احتلالا وحربا استخباراتية وعسكرية من إسرائيل وأعوانها .

حماس تمتلك صحيفتين إحداهما يومية والثانية أسبوعية ، كما تمتلك قناتين فضائيتين ، وموقعا يبث بسبع لغات ، وآخر لجناحها العسكري ، ومؤخرا أعلنت عن تدشين أول إنتاج سينمائي لها في غزة عن أحد أشهر قادة جناحها العسكري الشهيد عماد عقل، مع تأكيد على رغبتها في إنتاج المزيد من الأفلام عن قادتها في محاولة جادة لامتلاك كافة أدوات الخطاب الإعلامي، والتأثير في أكبر شريحة ممكنة .

إزاء هذا المشهد تواجه جماعة الإخوان معتركا سياسيا صعبا، وتتورط بين حين وآخر في معارك على جبهات عدة دون غطاء إعلامي يؤمن لها الحد الأدنى من القدرة على الدفاع عن آرائها وسياساتها وقادتها ، ويدحض حملة الافتراءات والتهم التي يشنها أكثر من جناح إعلامي يتبع السلطة وأجهزتها الأمنية أو الموالين لها .

على المدى القريب لا تلوح في الأفق أية بادرة لتبني اتجاه جديد داخل الجماعة يحقق نقلة نوعية فيما يخص الملف الإعلامي – ربما ترحيلا للملف لحين إشعار آخر - ، وليس مستبعدا تراجع الملف تماما في قائمة أولويات الجماعة إفساحا لملفات تراها قيادات أنها أكثر إلحاحا ، أو انتظارا منها لتغير مستقبلي ما يطرأ على الساحة السياسية في البلاد يتيح لها هامشا من الحرية ما يسمح بتواجد إعلامي لها ، وهو الأمر الذي يعني أن الجماعة ستظل في الميدان وخلال السنوات القلائل المقبلة – على الأقل- دون جناح إعلامي مؤثر يمتلك أدوات العصر .


المصدر : جريدة أفاق عربية