تبرّعات ومشاريع في غير مكانها غذائياً وتربوياً
بقلم: الأستاذ ياسر علي
يُدهَش المرء حين يراقب التبرعات التي تصل الى المنكوبين في بعض مناطق العالم: كتب أجنبية في مجتمع أمّي منكوب! نبيذ لمجتمع إسلامي في مناطق حارة! يكاد ينطبق هنا القول الشهير المنسوب إلى الملكة الفرنسية ماري أنطوانيت أثناء الثورة الفرنسية عن من لا يجد خبزاً (لم تثبت صحته): فليأكلوا البسكويت!!
كثيراً ما تتكرر هذه الأخطاء، وهذا ما يُدخل الريبة أحياناً إلى نفوس المراقبين والمتلقّين، خاصة إذا كان من يُقرر المعونات غيرَ ملمّ بعادات المجتمع المُستَهدَف.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، انتشرت قصص عديدة تندّر بها اللاجئون، عن مساعدات لا يعرفون كيف يستعملونها، وعن إغداقٍ يفوق طاقتهم على الاستيعاب: جاكيتات شتوية حمراء مليئة بالسحّابات (نموذج مايكل جاكسون 1983)، جاكيتات شتوية من دون أكمام من ماركة wrangler، كورن فليكس في مجتمع لم يحصل بعد على الحليب، ولا حتى على كفافِه من الخبز، وفي أحسن الأحوال يغمس الخبز بالحليب، ويقدمه طعاماً «فاخراً» أو نوعاً من الحلويات.
عدّة تخييم؟! لا أدري كيف خطر ببال المتبرع أن المخيم الفلسطيني كان نتيجة رحلة صيفية أو نشاط مدرسي للتخييم، فأرسل عتاداً مناسباً لهذه الأنشطة مثل لحاف النوم والشادر والمعلبات وغيرها..
لقد أحسن الفنان ناجي العلي في الكاريكاتير الذي أسَالَ فيه دمعة طفلة حين اكتشفت أن هدية العيد حذاءان.. وهي مقطوعة القدمين!
في حادثة تعرّضت لها شخصياً، أثارت المُضحك المبكي في نفسي، حين حللتُ ضيفاً على أحد الأثرياء إلى مائدة الإفطار في منزله الفسيح.
وسأل ابنه لماذا لم يعلّق على الحائط ما سمّاه patchwork الذي اشتراه خصيصاً من الخارج.
ولم تكن هذه اللوحة المتعددة الرسوم سوى «الجُودل»، الذي وزعه علينا المانحون لدى خروجنا من مخيم تل الزعتر منكوبِين، مع البساط «أبو حِزّ أحمر»، الذي شارك الجودل في هذه الحادثة.
من الذي يفكر بهذه الطريقة، ليهدي المنكوبين –كأنه يسخر منهم- أشياءَ لا يمكن أن يستخدموها ما لم يرتفع مستوى معيشتهم ويخرجوا من دوامة المخيم والمساعدات والحصار اليومي على حياتهم، والحرمان الذي يعانونه في حقوقهم الإنسانية، مثل منع التنقّل ومنع التملك ومنع العمل و.. و..
ليس الأمر بهذه البساطة.. ولا هذه السذاجة.. إنه الاستخفاف الذي لا يظهر بالمعونات المادية. فإذا كنا قد شعرنا بأنّ هذا الأمر غريب وصادم، فماذا نقول عن مشاريع الأمم المتحدة بين أطفالنا ونسائنا ومجتمعنا؟
ففي مدارس الأونروا وعياداتها ومؤسساتها، يجري العمل على تسويق مشاريع اجتماعية حديثة، في مجتمع ما زال يعتبر هذه القضايا من المحرّمات (لا أربط هنا الأمر بالبعد الديني).
ومن الاستخفاف أن تجري ممارسة القيم وتكريسها بطريقة الهرم المقلوب، مثل قرار منع الضرب في المدارس، وتهديد المعلمين بالطرد، وإطلاع التلاميذ على القرار قبل توعيتهم بقيمة المعلم وقدره وتعليمهم احترامه، خاصة بعد انهيار صورته عند الأهل.. فقد بدأ العمل بمقصّ حادّ الشفرتين على رقبة المعلم (إحداهما تسلط التلميذ وأهله، والثانية إنذارات الأونروا!).
هذه القرارات، يجب أن تأتي ضمن منظومة متكاملة، تبدأ من رفع مستوى التعليم، ليشعر الأهل والتلاميذ بقيمة المعلم وإنجازاته، وقيمة القرارات المتعلقة بحقوق التلميذ وغيرها. بعد ذلك تصدر قرارات يمكن استيعابها من كل الأطراف.
ومن الاستخفاف أيضاً، قرار وقف التعليم في مادة تاريخ القضية الفلسطينية وجغرافية فلسطين، بالتزامن مع إقرار مادة حقوق الإنسان وبعض المواد الأخرى.
ويشبه هذا القرار، بالاستخفاف نفسه، ما أشيع عن إدخال مادة تعليمية عن «الهولوكوست» في مدارس الأونروا بعد مجزرة العدوان على غزة في الشتاء الماضي! إذاً، على الفلسطيني أن يتفهّم لماذا احتل العدو أرضه وقتل من شعبه مئات الآلاف؟ فهو تعرض لظلمٍ ومجازر كثيرة، فلا تلوموه إذا ارتكب مجزرة فيكم!
من المؤسف أن تتحكم باللاجئين قرارات تأتي من نيويورك أو فيينا أو عمّان، حيث لا يعرفون معنى أن تعيش بدون ماء وكهرباء، وتمرّ أمام بابك المجاري المكشوفة، ويعالجك طبيب يستقبلك من ضمن مائتي مريض يومياً فتحظى بدقيقتين للحديث عن ألَمك وتشخيص مرضك ووصف الدواء لك.
آن للأونروا، أن تقرّر حاجات اللاجئين بسؤالهم هم عنها، وتضع الهرم بشكله الصحيح.
المصدر
- مقال:تبرّعات ومشاريع في غير مكانها غذائياً وتربوياًموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان