بين عضوية المجلس التشريعي وعضوية المجلس الوطني
بقلم : معتصم حمادة
إن تعطيل انتخابات المجلس الوطني في الخارج ما هو إلا تهميش للاجئين وقضيتهم وحقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، وحصر العملية السياسية في الداخل ضمن إطار الدولة المستقلة ذات الملامح الغامضة شهدت جولة الحوار الفلسطيني في القاهرة في الأسبوع الثاني من آذار (مارس) الماضي نقاشات حول علاقة عضوية المجلس التشريعي بعضوية المجلس الوطني. برز في النقاش موقفان:
- الأول دعا إلى اعتماد عضوية «التشريعي» عضوية طبيعية في «الوطني» وقفت خلفه حركة حماس بشكل خاص.
- الثاني دعا إلى الفصل بين العضويتين، وإلى أن يتشكل كل مجلس على حدة، وفي دورة انتخابية خاصة به، وقفت خلفه معظم القوى والفصائل الأخرى.
جذر المشكلة أن حماس، التي تمتلك أغلبية في «التشريعي» الحالي أرادت أن تكرر خطوة قام بها رئيس السلطة الفلسطينية السابق (الشهيد ياسر عرفات) حين ضم أعضاء «التشريعي» الأول إلى عضوية المجلس الوطني، فأصبحت كتلة فتح في هذا المجلس طاغية بشكل كاسح، في وقت كانت م.ت.ف. تعيش فيه صراعات سياسية بين أطرافها على خلفية اتفاق أوسلو، وتكليف المجلس الوطني تعديل الميثاق الوطني وفقا لاشتراطات وردت في اتفاق أوسلو.
هذه الخطوة لم تشكل سابقة، فقد تناولتها الحوارات الفلسطينية اللاحقة، ورفضتها عمليا حين دعت (في وثيقة الوفاق الوطني على سبيل المثال (27/6/2006) إلى تشكيل المجلس الوطني بالانتخابات الشاملة، «في الداخل والخارج» ووفقا لقانون جديد يعتمد مبدأ التمثيل النسبي الكامل، وقد حملت هذه الوثيقة كما هو معروف تواقيع القوى الفلسطينية ومراكز القرار والمسؤولية في السلطة وفي م.ت.ف. كافة، ولا نعتقد أن مثل هذه الوثيقة، وهي تحمل هذا الكم الهائل من التواقيع المهمة لا تشكل إلزاما لمكونات الحالة الفلسطينية وفي المقدمة، لممثلي الفصائل التي تخوض غمار الحوار الوطني حاليا.
- المجلس التشريعي يتم انتخابه من قبل الناخبين في مناطق السلطة الفلسطينية، وتحت سقف سياسي معروف جيدا، ولوظيفة معينة ذات صلة بالسلطة وحدود مسؤولياتها، وبالتالي فإن البرنامج الانتخابي للمرشحين والسياق السياسي لترشيحهم له خصوصيته التي تختلف بالضرورة عن خصوصية المجلس الوطني الذي يفترض أن يتم انتخابه من قبل الناخبين الفلسطينيين كافة (في الداخل والخارج) وعلى قاعدة أن التجمعات الفلسطينية كلها تشكل دائرة واحدة وأن سقفه السياسي مختلف، ووظيفته مختلفة فهو البرلمان لكل الفلسطينيين، وهو الأداة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في مناطق تواجده كافة، ومثل هذه الفوارق، بطبيعة الحال، لها أبعادها القانونية والسياسية التي تعطي الحق لأي مواطن لأن يطعن في أحقية عضو المجلس التشريعي أن يكون عضواً طبيعياً في المجلس الوطني الفلسطيني.
- في السياق السياسي، قد يتخذ طرف سياسي موقفاً سلبيا من السلطة الفلسطينية ومجلسها التشريعي وحكومتها، انطلاقا من قناعته وموقفه من اتفاق أوسلو، فيرفض في هذا السياق الترشح لعضوية «التشريعي» لكنه لا يتخذ الموقف نفسه من المجلس الوطني و م.ت.ف. وبالتالي إن منح أعضاء التشريعي عضوية «الوطني» يقطع الطريق على هذا الطرف السياسي أو ذاك وعلى حقه في التمييز بين المجلسين سياسيا وترشيحا وعضوية.
- كما يلاحظ أن وتيرة اجتماعات المجلس التشريعي تختلف عن وتيرة اجتماعات المجلس الوطني كما أن الوضع المالي لعضو التشريعي يختلف عن الوضع المالي لعضو الوطني، فكيف يتساوى عضوان في هيئة تشريعية واحدة، بينهما هذا الاختلاف، يضاف إلى الاختلافات السابقة، وهي ـ كما أوضحنا ـ ذات أبعاد سياسية وقانونية وإدارية وتنظيمية شديدة التعقيد.
- إن إلغاء دورة الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني، في الضفة والقدس والقطاع، والاكتفاء بدورة «التشريعي» من شأنه أن يلغي ـ عمليا ـ انتخابات المجلس الوطني، وأن يدفع باتجاه العودة إلى التوافقات الفوقية بين القيادات الفصائلية الأمر الذي سيفرغ عملية الإصلاح وتفعيل المؤسسات من مضمونها ويكشف والحال هكذا، أن الذين يقفون الآن على عتبة م.ت.ف.
يشترطون إصلاحها ليكونوا أعضاء فيها، إنما يدفعون نحو شطب الإصلاح، لصالح لن يضمنوا لأنفسهم الحصة الأكبر في المجلس الوطني، مما يطعن بدعوتهم للإصلاح وصدقيتها، ويبين أن الإصلاح، في خطابهم السياسي ما هو إلا وسيلة من وسائل الابتزاز لتحقيق أهدافهم الفئوية الضيقة والبحث عن السبل التي تضمن لهم السيطرة على المجلس الوطني، بعد أن ضمنوا السيطرة على المجلس التشريعي (فعطلوه) والسيطرة على الحكومة (فنسفوها في خطوة 14/6/2007 العسكرية) لأن من يعطل انتخابات المجلس الوطني في الداخل، بذريعة أن أعضاء التشريعي هم أعضاء في «الوطني» إنما يدفع عمليا نحو تعطيل الانتخابات في الخارج لصالح العودة إلى الصفقات.
ولعل هذا ما يوضح لماذا ماطلت حركة حماس وعاندت في حوارات القاهرة، وهي ترفض اعتماد تاريخ 25/1/2010 سقفا زمنيا لإعادة انتخاب مجلس وطني جديد، وتنظيم انتخابات متزامنة رئاسية وتشريعية، مطالبة بتمديد ولاية المجلس التشريعي لسنتين إضافيتين.
- إن مثل هذه السياسة الخطيرة، والمتلحفة بأكثر من تمويه سياسي غشاش، إنما تشكل احتقارا سياسيا لقضايا اللاجئين وفي مقدمها حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.
فالإصرار على الانطلاق من «المجلس التشريعي » باعتباره ركيزة قيام مجلس وطني جديد، واعتبار الخطوات اللاحقة هي استكمال لعضوية المجلس وخطوات استلحافية لا أكثر، إنما يختصر الشتات بنظرة تهميشية لا تقيم لدوره وزنا في العملية السياسية، وتحصر أهمية العملية السياسية في مناطق السلطة الفلسطينية وحدها وهذا يكشف أن الحديث عن اللاجئين، وحقهم في العودة ليس إلا ذرا للرماد في العيون،
فلا يستقيم الحديث عن اللاجئين وقضاياهم وعن حقهم في العودة، دون أن يكون لهؤلاء اللاجئين دور رئيس في إعادة صياغة المؤسسة التشريعية (المجلس الوطني) والمؤسسة التنفيذية (اللجنة التنفيذية) واللجان الأخرى (لجان المجلس ودوائر اللجنة التنفيذية) والدور الرئيس لا يكون إلا بحق اللاجئين في انتخاب من يرونه مناسبا لعضوية المجلس الوطني، يحمل همومهم إليه، ويدافع عن قضاياهم، ويتصدى لسياسات التنازل عن حق العودة لصالح حلول بديلة، والدور الرئيس لا يكون إلا بتوفير القدرة لهؤلاء اللاجئين على مساءلة عضو المجلس الوطني المنتخب عن دوره في هذا المجلس، وأدائه لواجباته انطلاقا من تمثيله الحقيقي لمواقف اللاجئين وحقوقهم السياسية والاجتماعية، من هنا، قلنا، مثلا، إن تهميش م.ت.ف. وتهميش مؤسساتها هو تهميش لقضية اللاجئين وحقوقهم المشروعة وقلنا أيضا، أن مصادرة السلطة الفلسطينية لصلاحيات المنظمة إنما يهدف إلى فتح الباب للمقايضة بين الدولة وبين حق العودة وكأن ثمة تعارضا بين المسألتين وقلنا (أيضا) أن ضمان حق العودة إلى الديار والممتلكات الخاصة باللاجئين،
وضبط حركة المفاوض الفلسطيني، وإعادة الاعتبار إلى ملف اللاجئين إلى طاولة المفاوضات، وعلى قاعدة التمسك بالحقوق المشروعة، يفترض بادئ ذي بدء إحياء مؤسسات م.ت.ف، وتفعيلها، وتطوير دورها وأدائها، وإصلاحها، والإصلاح لا يكون بدخول هذا الفصيل أو ذاك، بل يكون بتقويم العلاقة بين المؤسسة والمواطن، وبناء آليات تمكن المواطن من مراقبة المؤسسة وأعضائها، ومساءلتهم على دورهم، فالشراكة السياسية الحقيقية لا تقف عند حدود الشراكة بين القوى السياسية فقط، بل إن الشراكة السياسية الحقيقية هي في تعزيز الديمقراطية بحيث يصبح المواطن العادي شريكا في القرار السياسي للمؤسسة من خلال دوره في بناء المؤسسة عبر العمليات الانتخابية الدورية ووفقا للقانون.
وأخيرا، نعتقد أن حسم أمر العلاقة بين عضوية المجلس التشريعي وعضوية المجلس الوطني، ليس حكرا على عدد من القوى، بل إن للشارع رأيا في الأمر، ومن المفيد أن يتم البحث عن مدخل يمكن الشارع من قول كلمته في هذا الشأن، هذا، إذا كنا حقا حريصين على تحويل الحوار إلى محطة إصلاح وتطوير، وليس محطة محاصصة وتقاسم مصالح ومغانم.
المصدر
- مقال:بين عضوية المجلس التشريعي وعضوية المجلس الوطنيالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات