بين «اليمين» و«اليسار» ضاعت الحقوق المدنيّة للفلسطينيّين في لبنان

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
بين «اليمين» و«اليسار» ضاعت الحقوق المدنيّة للفلسطينيّين في لبنان

بقلم: الشيخ وليد سروجي

بين «اليمين» و«اليسار» ضاعت الحقوق المدنيّة للفلسطينيّين في لبنان

عادت مفردات «اليمين» و«اليسار» تتردَّد في آخر جلسة تشريعية للمجلس النيابي في لبنان، بعد أن هُجرَت هذه اللغة التي سادت سحابة عقود الحرب اللبنانية وما سبقها.

وإذا كانت كلمة «اليمين» تنطوي على مذهب سياسي يرمي للحفاظ على تقاليد المجتمع وهويته، بعكس نقيضها -اليسار- الرَّامي إلى العالمية وتغيير قيم المجتمع، وينادي بالحرية والمساواة؛ فإنَّ اليمين في لبنان يرمز إلى القوى المسيحية، واليسار يرمز إلى القوى المسلمة، دونما التفات إلى المعاني المتقدِّمة، فاندلعت الحرب الطائفية على هذا الأساس.

فهل معنى ذلك أن الصراع السياسي الناشب منذ خمس سنوات قد تغيَّرت ملامحه ليعود صراعَ «يمين» و«يسار»، أو صراعاً إسلامياً - مسيحياً، لا سيما أن الخلاف التشريعي في المجلس النيابي حول إعطاء الحد الأدنى من الحقوق المدنية والإنسانية للفلسطينيين فرزَ النواب إلى مسلمين «مع» ومسيحيين «ضدّ»، ولم تنفع «مَونة» رئيس الحكومة سعد الحريري على حلفائه المسيحيين بل وبعض نواب كتلته، كما لم يلتفت نواب التغيير والإصلاح إلى حليفهم حزب الله، وكان حسمٌ وجزمٌ انتهيا بإحالة اقتراحات القوانين التي تقدم بها النائب وليد جنبلاط، بصفة المعجَّل المكرَّر، إلى لجنة الإدارة والعدل، على أن تعود إلى الهيئة العامة في غضون شهر.

هذه القوانين تدعو إلى إعطاء الفلسطينيين حق التملك في لبنان، وإدخالهم إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وإعطائهم حق العمل.

إنَّ أحقيّة هذه المطالب لا تحتاج للتدليل، وإنما الخلاف حول مؤدَّاها وتفسيرها؛ «اليمين» يخشى انتهاءها بالتوطين، فيما يُسجَّل للرئيس الحريري إصراره على طابعها المدني والإنساني، بل ذهب أكثر من ذلك حين قال مستفيداً من منطق الطيّب أردوغان: «في لبنان ثمة من يخرج في رحلات بحرية لفكِّ الحصار عن الفلسطينيين في غزة، ولكن قد يأتي يوم نرى فيه العالم يتوجَّه إلى لبنان لفك الحصار عن الفلسطينيين المقيمين فيه».

واعتبر أن «عدم إعطاء الفلسطينيين حقوقهم هو استثمار في أكبر مشروع إرهابي في المستقبل».

لا يستقيم في أي حال من الأحوال أن تكون كرامة الفلسطيني نقطة خلاف، أو عنواناً لتمييز ثقافي، وإن الأصوات الناشزة التي تُزكم الأنوف بعُنصريتها، ينبغي أن تخفُت، كوصف وزير السياحة السابق نقولا فتوش للفلسطينيين «بالنفايات البشرية»، كما أننا لا نرتضي كلام النائب شمعون بأنَّ «الفلسطينيين صرفوا أموالهم لشنِّ الحرب على اللبنانيين، وبالتالي لا يحق للمسؤولين المتاجرة بهذا اللاجئ حتى يشعر الناس بالشفقة تجاهه».

إنَّ نحو أربعمائة ألف فلسطيني من حقِّهم أبسط مقومات العيش من سكن وعمل وطبابة، ولم يعد جائزاً الإبقاء على القوانين الجائرة التي تنظِّم وجودهم في لبنان؛ حيث إنها تمنع عليهم حقَّ الإقامة والتنقُّل والعمل، وإقامة المؤسسات الخاصة، وحق العمل النقابي، وحق الملكية وغيرها.

ولبنان محكومٌ بالاتفاقيات العربية والدولية التي تُقرُّ هذه الحقوق، كاتفاقية جنيف (1951) التي أعطت اللاجئين في المادة «24» منها، حقَّ الاستفادة من الامتيازات التي يستفيد منها الرعايا الوطنيون، كالضمان الاجتماعي، والأجور والتعويضات العائلية، ومدة ساعات العمل.

وحتى على الصعيد العربي, فقد نصَّ بروتوكول الدار البيضاء الذي صدر في أيلول 1965 عن مؤتمر وزراء الخارجية العرب في فقرته الأولى، على أن «يعامَل الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملةَ رعايا الدول العربية، في سفرهم وإقامتهم وتيسير فرص العمل لهم، مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية», ولبنان من الدول الموقعة على هذا البروتوكول.

وبمقارنة قريبة بين لبنان وسوريا، فإننا نجد أن القوانين السورية قد أمدَّت اللاجئ الفلسطيني بما يحفظ حقَّه بالعيش الكريم، فقد جاء القانون رقم «260» لعام 1956م ليتضمَّن نصّاً واضحاً يساوي الفلسطينيين المقيمين في الأراضي السورية بالمواطنين السوريين، بحقوق: التوظيف، والعمل، والتجارة، وخدمات التعليم، وعضوية النقابات، عدا المشاركة في السياسة العامة (كالترشيح والانتخاب)، لكنها لا تسمح للفلسطينيين بامتلاك أراض زراعية أو أكثر من مسكن واحد.

ثم إننا لا نُنكر أنَّ العلاقات اللبنانية الفلسطينية تاريخياً شابَها الكثير، وهي تحتاج فوق القوانين إلى جهد إعلامي وثقافي لتجاوز رواسب الماضي وأدرانه (لا سيما أن التوطين مرفوض من الجانبين في النصوص والنفوس) والعمل على إعادة اللحمة والدفء لأواصر الأخوَّة بين الفريقين، اللذين يعانيان من عدوٍّ صهيوني واحد لم يميِّز في أذاه وتوسُّعه بينهما.

لقد ربطَتْ بعض القيادات بين إقرار الحقوق وسحب السلاح الفلسطيني، وبعضها طلبت التريُّث للدرس، وشكَّكتْ في أسلوب تهريب القوانين المقترَحة، وإذا كان الشقُّ الآخر يمكن تفهُّمه، لكن لا يمكن تفهُّم ولا قبول ربط مسألة السلاح بإقرار الحقوق المدنية، لأنه المنطق نفسه الذي تستعمله إسرائيل في حصار غزة.

العنوان السياسي شيء والعنوان الإنساني شيء آخر، والعقاب الجماعي مرفوض في كل الشرائع والأعراف.

المصدر