بيان المرشد العام للإخوان المسلمين فى المؤتمر الصحفى المنعقد بدار المركز العام

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
بيان للأمة


بيان المرشد العام للإخوان المسلمين فى المؤتمر الصحفى المنعقد بدار المركز العام بمناسبة مرور عشرين عامًا على تأسيس أول شعبة للإخوان فى المملكة المصرية


مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم... حضرات السادة المحترمين... تحية مباركة طيبة

أشكر لحضراتكم تلبية هذه الدعوة، وأدعو الله أن يوفقنا جميعًا لما فيه خيرنا وخير الإنسانية كلها، وأتقدم إليكم بهذا البيان الموجز وليس فيه من جديد عليكم، وإنما هى الذكرى، وحق التسجيل التاريخى فقط، وعرض الحقيقة مجردة ناصعة فى مناسبة كريمة طيبة، ولو كان فى بعض النواحى المعروضة قصور أو غموض فإنه يسعدنى أن نتساءل ونتناقش حتى نصل معًا إلى الحق السافر كاملاً فى وضوح.

أولاً: معلومات عامة عن الإخوان

ألفت أول شعبة للإخوان المسلمين فى شهر ذى القعدة سنة 1347 الموافق شهر مارس سنة 1928 بمدينة الإسماعيلية فى محافظة القنال على كواهل ستة أعضاء من العمال. وبلغ عدد الشعب إلى هذا التاريخ فى المملكة المصرية (2000) ألفى شعبة، فلا يخلو مركز ولا بندر ولا قرية كبيرة من شعبة للإخوان المسلمين، وفى كثير من القرى الصغيرة شعب كذلك، ويبلغ عدد الشعب فى السودان (50) خمسين شعبة.

وليست حركة الإخوان إقليمية، بل هى إسلامية عالمية؛ لأن الإسلام دين عالمى؛ فللإخوان شعب فى غير وادى النيل؛ ففى الأقطار العربية فى فلسطين وشرق الأردن وسوريا ولبنان والعراق والكويت، ومندوبون وأصدقاء فى اليمن وإمارات الخليج والحجاز والمغرب العربى، كما أن للحركة شعبًا ومندوبين وأصدقاء فى إندونيسيا وسيلان والباكستان وإيران والأفغان وتركيا من بلدان العالم الإسلامى، وفى أوروبا وأمريكا أصدقاء ودعاة يبشرون بالحركة، ويدعون إليها ويعطفون عليها، ويؤسسون مراكز وهيئات كلما سمحت الظروف، هذه المراكز وهؤلاء الدعاة تختلف انتظامًا وقوة حسب الظروف.

وبلغ عدد الأنصار العاملين فى وادى النيل (500.000) نصف مليون عضو تقريبًا، والأعضاء المنتسبون والأعضاء المؤازرون أضعاف هذا العدد. وفى المملكة المصرية تتألف كل شعبة من جمعية عمومية، ومجلس إدارة منتخب، ولكل مركز من المراكز الإدارية "منطقة" إشراف، وفى مقر كل مديرية مكتب إدارى، والمركز الرئيسى فى القاهرة يديره "مكتب الإرشاد العام" الذى يتجدد انتخابه بالهيئة التأسيسية كل عامين، وتفصيل ذلك مبين فى قانون النظام الأساسى للهيئة.

وبعد صدور القانون 49 لسنة 1945 أنشئت طبقًا لنصوص أقسام البر والخدمة الاجتماعية واعتمدت وسجلت طبقًا للوائح الخاصة التى أقرتها وزارة الشئون الاجتماعية.

  • الأخوات المسلمات

ولقد وجه الإخوان عنايتهم إلى نشر الدعوة بين المؤمنات أيضًا، فأنشئ قسم "الأخوات المسلمات" وفق لائحة خاصة ألحقت بقانون النظام الأساسى للإخوان، وتألفت على أساسها شعبة للأخوات بجوار كل شعبة للإخوان، وأسندت قيادة هذه الحركة بين الأخوات إلى مجموعة من الفتيات المثقفات ثقافة دينية ومدنية معًا، ومنهن تتألف "الهيئة التأسيسية للأخوات"، ولجنة الإرشاد العامة، ومن مؤسساتهن النافعة: دار التربية الإسلامية التى تكفل أربعين يتيمة تقوم بتعليمهن وإيوائهن وتربيتهن وإعدادهن للحياة الصالحة الفاضلة، ويتجه تفكيرهن الآن إلى الإكثار من هذه المؤسسات الاجتماعية النافعة.

وتهدف حركة الإخوان إلى هدفين هما:

- إحياء نظام الإسلام الاجتماعى وتطبيقه.

- والمساهمة فى الخدمة الاجتماعية الشعبية.

وعن الهدف الأول، فإن أكثر الناس لا يعرفون إلا أن الإخوان يريدون إقامة الحدود الإسلامية، وهذا فى الحقيقة تصور قاصر؛ فإن الإخوان إنما يريدون إحياء النظام الإسلامى الاجتماعى الكامل، وهو كل لا يقبل التجزئة، ووحدة متكاملة بكل مظاهره من حيث المثل العليا الاجتماعية أولاً، ثم من حيث أوضاعه العملية التى تحل كل مشاكل الحياة الاقتصادية والاجتماعية. على أن قضية الحدود الإسلامية نفسها لم يفهمها الأكثرون على وضعها الإسلامى الصحيح، ولو فهموها لعرفوا أنها أعدل وأرحم وأحكم تشريع لمكافحة الجريمة مكافحة ناجحة تتفق وتفوق أحدث النظريات القانونية والنفسية والاجتماعية فى التشريع الحديث، مما لا يدع محلاًّ لاتخاذ الحدود وأحكامها سببًا لاتهام الحركة الإسلامية التقدمية حقًّا بالرجعية. وليست حركة الإخوان حركة طائفية موجهة ضد عقيدة من العقائد، أو دين من الأديان، أو طائفة من الطوائف؛ إذ إن الشعور الذى يهيمن على نفوس القائمين بها أن القواعد الأساسية للرسالات السماوية جميعًا قد أصبحت مهددة الآن بالإلحادية والإباحية، وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا ويوجهوا جهودهم إلى إنقاذ الإنسانية من هذين الخطرين الزاحفين.

ولا يكره الإخوان المسلمون الأجانب النزلاء فى البلاد العربية والإسلامية، ولا يضمرون لهم سوءًا، ولكنهم يأخذون عليهم الأنانية والتأخر والجمود عن مسايرة التطور القومى والاقتصادى والاجتماعى فى الأوطان التى يعيشون فيها؛ فالكثير منهم إلى الآن لا يزال يفكر بعقلية أيام الامتيازات والحماية، واعتقاد أن الأجنبى أفضل من الوطنى، وأن مهمة الأجنبى استغلال الموارد والناس إلى أقصى الحدود، بدون أن يشعر بأن عليه فى ذلك أى التزام مادى أو أدبى، فله حقوق وليس عليه واجبات.

حتى اليهود المواطنون لم يكن بيننا وبينهم إلا العلائق الطيبة الحسنة حتى أظهرت الحوادث، وأثبتت الشواهد والبراهين اشتراكهم الفعلى فى مساعدة العصابات الصهيونية بفلسطين بكل صنوف المساعدة، فلم يكن بد من أن يشعروا بأن هذا المسلك المعوج الخاطئ قد أفقدهم العطف القديم، ولا مناص لهم الآن من أن يختاروا أحد الولاءين: إما الولاء لإسرائيل المزعومة، وإما الولاء لهذه الأوطان التى أطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف.

ولقد لونت الأفهام القاصرة والدعايات المغرضة دعوة الإخوان (الإسلامية النقية) بثلاثة ألوان خاطئة، وابتدأت باللون الدينى القاصر؛ إذ إن الإخوان متمسكون فى دعوتهم وتصرفاتهم بآداب الإسلام وتوجيهاته.

ثم تلا ذلك اللون السياسى الخاطئ بمناسبة اشتراك الإخوان فى الجهاد الوطنى المقدس، وبلائهم فى ذلك البلاء الحسن الذى سبقوا به الأحزاب السياسية المحترفة، والذى هو فى الحقيقة سر هذا الوعى الوطنى الجديد، والعامل الأكبر فى قوة الرأى العام المصرى مما جعل بعض الناس يظن أن الإخوان قد انصرفوا من الدين إلى السياسة، ولم يفرقوا بين العمل الوطنى والاحتراف السياسى، وما دروا أن هذا الجهاد الوطنى من صميم الإسلام.

وعقب ذلك لون ثالث هو اللون الإرهابى على أثر وقوع بعض الحوادث الفردية التى لا صلة للهيئة بها؛ كحادث الإمام يحيى -رحمه الله، ومصرع أحمد بك الخازندار، واشتراك الإخوان فى قضية فلسطين اشتراكًا عسكريًّا رائعًا بارعًا، وظهور متطوعيهم ومعسكراتهم بأفضل المظاهر وأقواها. واللون الحقيقى لدعوة الإخوان بعيد عن هذا القصور كله، فهو اللون الإسلامى النقى الصرف ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾[البقرة: 138]، وهم لذلك متدينون ووطنيون ومجاهدون؛ لأن هذا كله من لب الإسلام وصميمه.

وأما عن الهدف الثانى، وهو: المساهمة فى الخدمة الاجتماعية الشعبية، فقد ضربت مؤسسات الإخوان ومنشآتهم فيه بسهم وافر، فكل دار من دور الإخوان مدرسة ليلية، ومنتدى أدبى للثقافة والتربية، وقد أنشأ الإخوان عددًا من المدارس الأولية والابتدائية، وهم فى هذا العام سينشئون مدرسة ثانوية بالإسكندرية.

كما أن لهم أكثر من عشرين مستوصفًا خيريًّا، وفى هذا العام افتتحوا أول مستشفى لهم بالعباسية.

وتألفت بكثير من الشعب فرق رياضية بارعة، ومن أفرادها من حاز بطولات محلية ودوليًّا، والأخ حسن عبد الرحيم (بطل السباحة العالمي) الذى اجتاز المانش خلال الأسبوع الماضى عضو فى جماعة البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين بباب الشعرية.

كما أن الإخوان نظموا البر والإحسان فى القرى والريف فى كثير من المناسبات، وألفوا لجانًا للمصالحات اعترفت بها الجهات الرسمية المحلية، وأحالت إليها كثيرًا من الخصومات، وتم فيها الصلح بين المتخاصمين.

وضمت فرق الجوالة، وهى من أفضل وسائل تربية الشباب تربية رياضية صالحة. أكثر من أربعين ألف شاب فى أنحاء المملكة المصرية، ولم يكن المقصود من تكوينها فى يوم من الأيام أن تكون أداة إخلال أو عدوان، ولكن عناية الإخوان الفائقة بهذا اللون من ألوان التربية إنما جاءت بتوجيه من إسلامهم من جهة، ومما لمسوه فى التأثير العجيب لهذه النظم والتدريبات فى النفوس والأخلاق، ولقد اشتركت هذه الفرق فى كثير من الخدمات العامة، كمقاومة الكوليرا، والتطوع للرقابة فى الغارات الجوية إبان الحرب، وهى على تمام الأهبة للقيام بواجبها فى أى عمل اجتماعى نافع.

الجهد الاقتصادى والمالى

وقد طرق الإخوان مع هذين الهدفين بابًا لم تطرقه من قبل الهيئات الاجتماعية فى مصر، ذلك هو باب المشروعات الاقتصادية؛ إذ عمل الإخوان على تأليف عدة شركات كشركة المعاملات الإسلامية، وشركة المحاجر والمناجم، وشركة الإخوان للصحافة، وشركة الإخوان للطباعة، وشركة الإعلانات العربية، كما أن من مقاصدهم الأساسية العناية بالتعاون والتكافل بين أفراد الإخوان وجماعاتهم طبقًا لنظم موضوعة.

وبهذه المناسبة يتساءل الكثير من الناس -وهم يرون ضخامة هذا النشاط وما يتطلبه من نفقات: من أين للإخوان هذا المال يواجهون به كل هذه التبعات؟ وقد دفعت الدهشة كثيرًا من الذين لا يعلمون إلى اتهام الإخوان عن غفلة، أو عن سوء قصد بأنهم يستمدون من الحكومات تارة، ومن الأحزاب تارة أخرى، ومن القصر مرة ثالثة، ومن الدول والحكومات الأجنبية على اختلاف أنواعها وألوانها وصفاتها طورًا رابعًا، وهكذا لم يدع هؤلاء الناس موردًا يظن أنه من موارد المال إلا اتهموا بوروده الإخوان، وأؤكد لحضراتكم أن ذلك كله وهم لا حقيقة له، وأن الإخوان يعتمدون فى كل الظروف والعهود على أنفسهم، ويستمدون من مواردهم الخاصة.

ويعين على كثرة نفقاتهم أمور منها: كثرة عددهم، ومنها: صدق إيمانهم، وحسن استعدادهم للبذل والتضحية، وتلقيهم الدعوة على هذا الأساس، ومنها: العفة والأمانة فى التصرفات والأعمال؛ فكل من وكل إليهم عمل بذل فيه، ولا يخطر بباله أبدًا أن يستفيد منه. وبهذه العوامل استطاعوا أن يواجهوا هذه التبعات المرهقة حقًّا التى تنوء بحملها أقوى الجماعات وأغنى الأحزاب، وللإخوان فى هذا الباب من الوقائع ما يلحقهم بالسلف الصالحين، ويجعل ما نقرأ من بذلهم وإنفاقهم وتضحياتهم حقائق واقعة لا قصصًا مقروءة أو أمثلة مضروبة.

بل إنه مما يؤسف أن كل الحكومات المتعاقبة حرصت كل الحرص على أن تضيق على الإخوان أشد الضيق فى كل المعاونات المالية التى يفرض القانون والنظام صرفها للهيئات والجماعات، وأقرب مثل لذلك حجز الحكومة المصرية الحالية إعانة المركز الرئيسى لجماعات أقسام البر والخدمة الاجتماعية عن السنة الماضية والتى قبلها، وعن السنة الحالية طبعًا، وحجزها الإعلانات الحكومية عن كل صحف الإخوان، والدلائل على ذلك أكثر من أن تحصى، وهى ليست فى هذا الموقف أسوأ ممن سبقها من الحكومات، فالكل فى هذا التضييق سواء، والله هو الغنى الحميد، وحسبنا خزائن الله التى لا تنفد، وعزائم الإخوان التى لا تلين، وقديمًا قال المنافقون من قبل: ﴿لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾[المنافقون: 7]، فأخرسهم القرآن بقول الله ذى القوة المتين: ﴿وَللهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ﴾[المنافقون: 7]، وقد قال الله لنبيه من قبل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأنفال: 64]

ثانيًا- صلات الإخوان بالحكومات والأحزاب والدول

والإخوان المسلمون على صلات طيبة بكل الدول والحكومات العربية والإسلامية، وقد كانت أعز أمانيهم بعد الحرب الماضية -وقد بذلت الإنسانية فيها ما بذلت من الدماء والأرواح- أن يقوم على الأرض العالم الواحد المتآخى المتعاون الذى تشيع فيه الرحمة، ويتحكم فيه العدل، ويرفرف عليه السلام، ولكنهم فجعوا فى ذلك أعظم فجيعة، فموقف أمريكا من القضايا العربية والإسلامية -وبخاصة قضية فلسطين- فجيعة كبرى، وقد كان المنظور أن تكون حامية الحرية، ونصيرة حقوق الإنسان بين الأفراد والشعوب، فكانت خيبة أمل عظيمة لنا، ولكل مسلم وعربى، ولها أيضًا، وإذا كان ساستها لم يدركوا ضرر هذا الموقف الفاجع الآن فسيدركونه فى القريب ولاشك.

وموقف روسيا من هذه القضية باعد بينها وبين الشعوب العربية والإسلامية إلى حد كبير بعد أن كنا وكانت الشعوب العربية والإسلامية جميعًا -رغم نفورها من أى نظام اجتماعى أجنبى اكتفاء بما بين يديها من تعاليم دينها الحنيف، وحرصًا على ميراثها الاجتماعى الرائع- لا مانع عندها أبدًا من التعاون مع روسيا كدولة صديقة تعاونًا كاملاً فى كل ما فيه مصلحة الطرفين السياسية أو الاقتصادية، وإذا استمرت على هذا الموقف فستزداد مسافة هذا البعد ولاشك.

ونعلم وتعلم الشعوب العربية والإسلامية كلها أن أشد الأوزار الاستعمارية إنما تقع على رأس السياسة البريطانية التى هى السبب الأول فى نكبة فلسطين، والتى لا زالت تقف من جميع قضايانا موقفًا يزيد الأمور سوءًا وتعقيدًا وحرجًا، وقد كنا نظن أن تطور الظروف العالمية سيغير من طبيعة هذه السياسة الاستغلالية التجارية، ولكن يظهر أننا كنا مسرفين فى التفاؤل بهذا الظن، وأن الإنجليز اليوم هم الإنجليز بالأمس، مع أن مصلحتهم ومصلحتنا تقتضى الإسراع فى تصفية هذه المواقف، ومن المستحيل أن نقبل تصفية أساسها أن نعطى كل شىء ولا ننال بعد ذلك أى شىء، وكل تأخر فى إدراك هذه الحقائق ضار بهم وبنا أشد الضرر، والتبعة عليهم؛ لأن طرف الحبل فى يدهم، وهم الذين يستطيعون أن يقدموا من الدلائل العملية لا القولية ما يكسبون به الثقة التى فقدوها تمامًا من جديد.

وإن فرنسا -التى ذاقت مرارة الاحتلال، وذل الهزيمة والتحكم خلال أعوام الحرب- بيننا وبينها قضية المغرب العربى. الذى يرزح تحت أعباء أفظع استعمار عرفه التاريخ، وما لم ينل هذا المغرب بكل أقسامه -تونس والجزائر ومراكش- كامل حقوقه فى الحرية والاستقلال والحياة الكريمة فإن فرنسا ستظل خصمًا لكل عربى ومسلم، ومهما أخفت المجاملات السياسية والكلمات المعسولة من ذوى المطامع والمصالح والأغراض، فستظل هذه الحقيقة مجسمة فى كل نفس حتى يزول هذا الظلم عن هذه الأوطان.

وبهذه المناسبة نستمطر شآبيب الرحمة على العاهل الجليل سيدى محمد المنصف باى تونس الذى قضى نحبه فى منفاه شهيد العسف الفرنسى، والاعتداء الاستعمارى.

أما هيئة الأمم المتحدة ومعها مجلس الأمن فقد أثبتت الحوادث فشلهما الذريع، وتحيزهما الواضح، ووقوعهما الكامل تحت تأثير المصالح الدولية الاستعمارية، وأنهما ليستا أكثر من أداة لتنفيذ مآرب الدول الطامعة، وسترها بستار من الجدل والنقاش تخديرًا للشعور، وكسبًا للوقت، وأنهما ليستا أحسن حالاً من عصبة الأمم البائدة، ولهذا فقد فقدتا تمام الفقدان ثقة الأمم والشعوب، وانصرفت عنهما النفوس والآمال.

ولقد حدد الإخوان المسلمون موقفهم من الحكومات المصرية على اختلاف ألوانها بأنه موقف نصح وتوجيه وتقويم، يتعاونون معها فى الخير والإحسان، وينكرون عليها جميعًا ضيق الأفق والتعصب الحزبى وحرصها الشديد على محاولة إقصاء الإخوان عن محيط الحياة العامة، وهى محاولة فاشلة فى كل الأحيان.

ولسنا نعتقد أن فى مصر حزبية سياسية ذات مناهج ووسائل وخطط بالمعنى السياسى الدقيق، وكل ما هنالك خلافات شخصية بين نفر من الأعيان الذين يتداولون كراسى الحكم تدور حول مسالك الأشخاص ومصالح الأتباع، ولقد كنا حريصين على أن تكون صلتنا بالجميع طيبة حتى نستطيع أن نصل بالدعوة وأهدافها السامية إلى قلوبهم فيجتمعون عليها أو ينصرف إليها منهم من يجمع الله به الكلمة، ويقرب مراحل الطريق، ولكن قصور النظرة الشخصية والحزبية ومطامع الأذناب والوسطاء ودس الإنجليز، والإجراء حال دون استقرار هذا الجو الهادئ الذى تمحص فيه الحقائق وتحدد فيه الوسائل والغايات، ونحن نشعر أمام هذا الوضع بكثير من الأسف على ما يضيع فى هذا العداء الوهمى من جهد ومال فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى جمع الكلمة ووحدة الجهود وتجنيد كل الكفايات، ولكن ما نصنع وكل ما نحن فيه من مصائب وويلات لم يكف بعد لإقناعنا بأنه لا نجاح بالوحدة والاتفاق؟! ونحن لا نعتبر أنفسنا حزبًا سياسيًّا، بل نحن حركة إسلامية شاملة مهمتنا توجيه الشعب توجيهًا سليمًا، وتهيئته تهيئة صالحة.

والأحزاب جزء من الشعب، بل هى أبرز أجزائه، فمهمتنا فى الحقيقة معها هى أولاً، ولهذا نحن لا نعتبر أنفسنا خصومًا لها، أو منافسين، ولكن ناصحين موجهين، لو وجد هذا المعنى الكريم سبيله إلى النفوس والقلوب وهى بيد الله.

ثالثًا: آراء الإخوان فى القضايا التى تشغل الأذهان الآن

ففى قضية فلسطين:

يرى الإخوان أن المخلص الوحيد بعد أن تحرجت الأمور، ووصلت إلى ما وصلت إليه، وتفصيل ذلك معلوم أن تنشأ حالاً حكومة فلسطينية من أهل فلسطين تقوم بتجنيد جيش من أهلها إلى جانب المتطوعين من البلاد العربية والإسلامية يقف للعصابات الصهيونية بالمرصاد، وتمد الحكومات العربية والإسلامية حكومة فلسطين بالمساعدات المادية التى تطلب منها، وبالأموال على هيئة قروض، وتمد الشعوب العربية هذه الحكومة بالرجال والأموال، ويكون لهذه الحكومة وحدها حق التكلم باسم فلسطين أمام الوسيط، أو هيئة الأمم المتحدة، أو مجلس الأمن؛ إذ إنه لا يحق للحكومات العربية ولا للجامعة أن تتكلم باسم فلسطين، وتظل الجيوش العربية مرابطة فى مواقعها بطلب من حكومة فلسطين استعدادًا للطوارئ، وحماية لمصالح هذه الدول فى فلسطين، وتأمينًا لحدودها.

وفى قضية وادى النيل:

يرى الإخوان بعد كل هذه التطورات أن الطريقة المثلى فى علاجها هى اتفاق الحكومة المصرية مع زعماء السودان، من أنصار الوحدة ومن غيرهم إن أراد على نظام الحكم فى السودان، وإعلان هذا الاتفاق، وتشجيع الحركة الوطنية فى الجنوب على المطالبة بالجلاء، وبذلك نرضى السودانيين، ونحرج الإنجليز، ونتفرغ نحن لقضية الجلاء دون مساومة، ونضمن ما نحرص عليه من الوحدة من مواطنينا فى الدفاع والسياسة الخارجية والنقد فى ظل التاج المصرى.

وفى ليبيا:

يرى الإخوان المسلمون أن وحدة الأمة هى الخطوة الأولى للنجاح، وأن من واجب الغيورين العمل بكل الوسائل على تحقيق هذه الوحدة، وإذا صح ما قيل من اعتراف الطرابلسيين ببيعة السيد إدريس وانضمامه إلى صفوف الأمة فى الحرص على الوحدة والاستقلال، فقد بقى أن ترسم خطط الكفاح حتى يجلو المحتل الجديد بعد المحتل القديم، ووجب على الحكومة المصرية والأمة المصرية تشجيع هذا الجهاد بكل ما تستطيع.

وبقيت قضية اجتماعية طريفة لا بأس من أن نجعلها ختام هذا البيان، تلك هى قضية بحث هيئة الأمم المتحدة لحقوق المرأة، ورأى الإخوان فى ذلك مستمد من توجيه الإسلام القويم.

ومن المعروف أن الإسلام الحنيف هو أسبق الشرائع جميعًا فى إعلان المساواة الإنسانية بين الرجل والمرأة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء: 1].

﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾[آل عمران: 195]

كما أعلن المساواة بينهما كذلك فى الحقوق المدنية والسياسية العامة، وإذا كان هناك تفريق فى بعض حالات الأهلية أو التصرف أو الاستحقاق فإنما اقتضته طبيعة التكوين، أو وظيفة كل منهما فى هذه الحياة، وقد لاحظ الإسلام أن إباحة اختلاط الجنسين بدون قيود ولا شروط مجلبة لمفاسد كثيرة، التجربة فيها أعدل شاهد، فقيد هذا الاختلاط بالقيود التى تدفع الشر والإفساد من: عدم الخلوة، وتحريم إظهار الزينة، والخضوع بالقول إلخ. فإذا كانت مزاولة بعض الحقوق ستؤدى إلى هذا الفساد كان من الواجب حرصًا على المصلحة إرجاء استخدام هذا الحق إلى أن تأتى الفرصة التى لا يؤدى استخدامه فيها إلى هذه النتيجة الضارة، ومن ذلك حق الانتخاب للمرأة لا يستطيع أحد أن يقول: إن الإسلام يمنع منه، ولكن الظروف الاجتماعية تحتم إرجاء استخدامه، وإذا كنا لا زلنا نشكو إلى الآن من سوء استخدام الرجال لهذا الحق، فكيف نحسن الظن بإباحة ذلك للنساء أيضا؟! فالمسألة عندنا نحن المسلمين ليست مسألة مبدأ، ولكنها مسألة تطبيق، وذلك مرهون بالظروف والأحوال، وعلى هيئة الأمم المتحدة أن تنصرف إلى مهمتها الحقيقية، وهى العمل على إقرار السلام فى الأرض، وأن تتدارك ما لحقها فى هذا الميدان من فشل تام، وأن تدع للفلاسفة والمربين من علماء الاجتماع مثل هذه البحوث ﴿وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾[الحج: 41].

وشكرًا لحضراتكم مشفوعًا بأطيب التحيات وأفضل التمنيات.

انظر:

الإخوان المسلمون اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ه- 5سبتمبر 1948م، ص(1، 4)