بعد عام على عملية الرصاص المصبوب.. نتائج وعِبَر سجّلتها المقاومة
بقلم: الدكتور محمد شندب
دار الزمن دورته وانقضى عام الحرب العدوانية التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة من أجل تدمير المقاومة الإسلامية فيه واقتلاع حركة حماس التي أصبحت مخرزاً في أعين قوى الظلم والفساد في الأرض.
لقد طغت إسرائيل وبغت وتجبرت بفضل السلاح الذي ترهب به جيرانها من عرب الخنوع والاستسلام، وبفضل الدعم السياسي والاقتصادي اللامحدود الذي تقدمه لها دول الاستكبار الغربي وفي طليعتها حكومة الولايات المتحدة الأميركية التي تشنّ حروبها المستمرة على العالم الإسلامي تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
ويوم فازت حماس في الانتخابات التشريعية وشكلت حكومة الوحدة الوطنية، بدأت إسرائيل بتشديد الحصار على قطاع غزة، ثم أغلقت المعابر البرية والبحرية والجوية بدعم كامل من الولايات المتحدة، التي تنادي بضرورة احترام الخيار الديمقراطي للشعوب كذباً ونفاقاً.
وسكتت الدول العربية وسكت العالم عن هذا الحصار الظالم الذي استهدف كل مقومات الحياة في غزة، كي تستسلم وتستسلم معها المقاومة الإسلامية.
لقد صبرت غزة على الجوع والعطش وعلى الظلم المتمادي وعلى الحرمان والقهر، ولكنها رفضت الاستكانة لمخططات الذل والمهانة التي تحاول اسرائيل فرضها على الشعب الفلسطيني وعلى الشعوب العربية.
لقد تحولت غزة بعد أن أعلنت ولاءها للمقاومة الإسلامية الى قوة جديدة في المنطقة، تقف في وجه الجلاد وتقول له إن قطار التسوية المذلة الذي يقوده الكيان الصهيوني ويركب فيه المتهافتون والساقطون على اختلاف أنواعهم، لن يعبر في أرضنا ما دمنا على قيد الحياة وان انحياز غزة وشعبها الى جانب خيار المقاومة والجهاد شكّل صدمة عنيفة لمخططات التحالف الأميركي الصهيوني المدعوم من قوى الأمر الواقع.
لذلك بدأت إسرائيل تعمل على اسقاط نظام حركة حماس في غزة، من خلال حرب خاطفة كما صرح نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
أما وزيرة الخارجية تسيبي ليفني فقد صرحت لقناة الجزيرة في 29/12/2008م «أن مصلحة العالم الحر لا تتحقق إلا باسقاط حماس وإزالتها عن ساحة الصراع».
أما ليبرمان فقد أكد أن شعب إسرائيل لن يكون في أمان ما دامت حماس تحكم قطاع غزة.
ويرى أن الحل المناسب هو في ضرب غزة بقنبلة نووية كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية لحسم الحرب العالمية الثانية، عندما دمرت هيروشيما وناكازاكي في اليابان.
أما رئيس حزب شاس الياهو بيشاي فقد دعا الى سحق حركة حماس وتدمير غزة بكاملها حتى لا يجرؤ أحد في المستقبل على إغاظة اليهود.
وعند ظهر يوم السبت 27/12/2008 شنّت الطائرات الإسرائيلية هجماتها الشرسة والغادرة على المراكز الأمنية في قطاع غزة (60 طائرة في الدفعة الأولى و40 طائرة في الدفعة الثانية) وهكذا قتل المئات من رجال الشرطة ومن المدنيين في الضربة الأولى.
وطوال فترة الحرب التي استمرت 22 يوماً كانت إسرائيل تسيطر على الجو والبر والبحر وقد استعمل الجيش الصهيوني في هذه الحرب كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، وتم تدمير كل المراكز الحيوية في قطاع غزة بما فيها المساجد والمدارس، كل ذلك من أجل كسر إرادة الصمود والتحدي لدى أهل غزة البواسل.
واستطاعت حماس بفضل الله وتأييده وبإمكاناتها العسكرية المتواضعة مع إمكانيات بقية الفصائل أن تسطّر أروع ملاحم المجد والعزة.
لقد سقط في حرب «الرصاص المصبوب» مئات الشهداء من المجاهدين الأبطال ومن النساء والأطفال، كما سقط آلاف الجرحى من المدنيين العزل، كما دمرت إسرائيل آلاف المنازل والمؤسسات التربوية والاجتماعية والإنسانية.
رغم كل هذا فقد بقيت المقاومة الإسلامية قادرة على الإمساك بزمام المعركة على الأرض، تتصدى لآلة القتل الصهيونية رغم الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات.
وفي 8/1/2009 صدر قرار مجلس الأمن رقم 1860 الذي دعا الى وقف اطلاق النار، لكن الكيان الصهيوني بقي مستمراً في هجومه وعدوانه.
وفي 17/1/2009 أعلن العدو وقف إطلاق النار من جانب واحد. ثم تراجع دون أن يحقق شيئاً من أهدافه العسكرية والسياسية.
لذلك طلبت الدول الكبرى وفي مقدمتها اميركا وجوب الضغط على الحكومة المصرية كي تتعاون مع إسرائيل في تشديد الحصار على قطاع غزة من أجل دفع السكان كي يتمردوا على حماس لتحل محلها سلطة رام الله بقيادة محمود عباس.
واليوم وبعد عام على عملية الرصاص المصبوب، ماذا حققت المقاومة الإسلامية في غزة؟
- 2- إن حماس بقيت تطلق صواريخها باتجاه القوات الصهيونية الى آخر يوم في الحرب، وبعد أن أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد.. وهذا يؤكد أن المقاومة بقيت مستمرة في قدرتها على المواجهة والقتال.
- 3- إن مسار التسوية الذي تحاول إسرائيل فرضه على المنطقة العربية عموماً وعلى الشعب الفلسطيني خصوصاً، حقق فشلاً ذريعاً ولا بدّ من ظهور معادلة جديدة في الصراع تأخذ بعين الاعتبار حق الشعب الفلسطيني بحرية تقرير مصيره، وحقه بمقاومة المحتل الغاصب اليوم وغداً وبعد غد.
- 4- إن الانقسام الفلسطيني الداخلي بين فتح وحماس، والانقسام العربي بين معسكري الممانعة والاعتدال هو الذي شجع إسرائيل على شنّ عدوانها على لبنان وعلى غزة.
- وهذا الانقسام لا يزال يوفر فرصاً للعدوان والبطش.
- 5- إن رفع الحصار عن قطاع غزة وفتح جميع المعابر وفي مقدمتها معبر رفح، هو مطلب كل العرب وكل المسلمين وكل الأحرار في العالم.
- وعلى الحركات الإسلامية والقوى الحيّة في العالم أن تنسق جهودها لكسر هذا الحصار الظالم.
- 6- إن المصالحة الوطنية الفلسطينية هي أولوية آنية ومستقبلية من أجل تحسين إدارة الصراع مع الكيان الغاصب، والمصالحة يجب أن تنطلق من مصالح الشعب الفلسطيني وفي طليعتها الإصرار على المقاومة التي على أكتافها تقع أعباء الجهاد والتحرير.
- وهذا يؤسس لمرحلة قادمة تعيد الى الأمة العربية والإسلامية نوعاً من الحضور على مسرح الأحداث في العالم.
- 8- لقد أثبتت حرب غزة ومن قبلها حرب لبنان أن الإيمان هو القوة الحقيقية التي تصنع النصر والتمكين، وها هي القلة المؤمنة في غزة التي تعشق الشهادة لا تكتفي بالتصدي للعدو المدجج بأفتك أنواع الأسلحة بل تحاول الانقضاض عليه لتأسر بعض جنوده غير عابئة بالموت الذي يلفها من كل جانب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ولعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله.
قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: هم في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس» رواه الطبراني.
المصدر
- مقال:بعد عام على عملية الرصاص المصبوب.. نتائج وعِبَر سجّلتها المقاومةموقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان