بعدما عطّلت الخلافات العمل الحكومي.. أين الاهتمام بقضايا الناس؟
بقلم: الأستاذ بسام غنوم
مقدمة
هل تعيش «حكومة الوفاق الوطني» في إجازة سياسية واقتصادية واجتماعية قسرية؟
سؤال بدأ يطرحه اللبنانيون بعد مضي ثلاثة أشهر على تشكيلة حكومة الوفاق الوطني التي ولدت بعد مخاض سياسي عسير استمر من 28 حزيران الماضي الى 10 تشرين الثاني 2009, حيث شهدت عملية تأليف الحكومة تسويات ومساومات واتصالات إقليمية ودولية أدت الى التوافق على تأليف الحكومة بشكلها الحالي، وقيل يومها إن هذه الحكومة بما أنها تضم كافة الفرقاء في الموالاة والمعارضة لن تقف في وجهها أية عراقيل سياسية أو أمنية، وستنصرف الى معالجة مطالب الناس الحياتية الملحة.
وقد أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري بعد إعلان تأليف الحكومة «ان الحكومة هي حكومة وفاق وطني وليست حكومة متاريس طائفية ومذهبية ومعطلة عن القيام بدورها في معالجة هموم المواطنين التي هي في الدرجة الأولى الكهرباء والماء والتعليم».
إلا أن كل هذا الدعم السياسي المحلي والإقليمي والدولي لحكومة الوفاق الوطني لم يمنعها من الغرق في الخلافات السياسية والطائفية والمذهبية التي حالت وتحول دون التوافق على قانون جديد للانتخابات البلدية، والاتفاق على التعيينات الإدارية، فضلاً عن السير بخطوات الاصلاح الاقتصادي وفق مؤتمر باريس 3 الذي يؤكد خصصة بعض القطاعات الأساسية مثل الكهرباء والاتصالات... إلخ.
ما يترك أكثر من علامة استفهام حول فعالية هذه الحكومة وقدرتها على تحقيق حاجات الناس الأساسية، فضلاً عن قدرتها على تجاوز المطبات السياسية التي ما زالت تعصف في البلد. وفي نظرة سريعة على الملفات والقضايا التي تناولتها الحكومة طوال فترة الثلاثة أشهر الماضية نجد أنفسنا أمام الصورة الآتية:
أولاً: الملف الإداري
في هذا الملف تبدو الحكومة عاجزة عن اتخاذ أي قرار إداري بخصوص التعيينات الإدارية في إدارات الدولة المختلفة التي تعاني شغوراً كبيراً في عدد من الإدارات، حيث وصل هذا الشغور الى 46 في المئة على مستوى المديرين العامين، كما قالت وزيرة المالية ريا الحسن.
حتى إن لجنة الرقابة على المصارف التي تعتبر أعلى مرجعية مالية في لبنان اصبحت معطلة بسبب الخلاف على الأسماء، وتُدار حالياً بواسطة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وبرز في الأيام القليلة الماضية أيضاً ملف الخلاف على تعيينات السفراء والمستشارين في وزارة الخارجية، حيث هناك 16 مركز سفير شاغراً لبلوغهم السن القانونية، وهناك 6 سفراء سيحالون هذه السنة على التقاعد، فضلاً عن الشغور في مركز السكرتير والمستشارين في السفارات ووزارة الخارجية.
ويبدو أن ملف التعيينات الإدارية سيكون مرشحاً لمزيد من حالات الشغور سواء بسبب الاحالة على التقاعد أو بسبب الخلافات بين الوزراء والمديرين العامين في الوزارات الجارية في أكثر من وزارة، وكل طرف يستقوي على الثاني بمرجعيته السياسسية والطائفية والمذهبية والأمر متروك على الغارب في هذا المجال.
ثانياً: الملف السياسي
ينقسم هذا الملف الى قسمين: قسم معني بملف الخلاف على سلاح حزب الله أو ما اتفق على تسميته «الاستراتيجية الدفاعية» المنوط بمؤتمر الحوار أمر مناقشتها في أقرب فرصة ممكنة حسماً للنقاش السياسي المستمر عليها بين مختلف الأطراف في الحكومة وخارجها.
والملف الثاني معني بالحسابات السياسية والطائفية التي تعرقل انطلاقة العمل الحكومي مثل الاصلاحات الانتخابية في القانون البلدي والمشاركة في القمة العربية المقررة في شهر آذار القادم في ليبيا، وقرار مجلس الأمن 1559 الذي يدور حوله جدل كبير بين القوى المشاركة في الحكومة.
بالنسبة الى ملف سلاح حزب الله، أو ما اتفق على تسميته «الاستراتيجية الدفاعية» هناك ضرورة سياسية ووطنية لمقاربته والتوافق عليه في أقرب فرصة ممكنة، لأن النظرة الى هذا السلاح تضع لبنان في دائرة الخطر في ظل التهديدات الاسرائيلية اليومية الى لبنان.
ففيما يرى حزب الله وقوى 8 آذار ومعهم جنبلاط اخيراً أنه يجب المحافظة على هذا السلاح لردع «إسرائيل» ومنعها من اجتياح لبنان مجدداً، يرى البطريرك الماروني صفير ان «فرص الحرب قائمة باستمرار ما دام «حزب الله» يريد ان يقوم مقام الدولة».
وأكثر من ذلك، يرى البطريرك صفير أن «الطرف الذي يملك السلاح يستقوي على الآخرين».
وتشارك القوى والشخصيات المسيحية في 14 آذار البطريرك صفير موقفه من سلاح «حزب الله»، ما يعني أننا أمام نظرتين مختلفتين حول قضية بالغة الحساسية، ورغم ذلك لا يعلم أحد إن سيعقد مؤتمر الحوار، ويتساءل رئيس «اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط: «لا أدري اذا كانت طاولة الحوار ستعود أولا».
أما الملف السياسي الثاني، وهو المتعلق بالاصلاح السياسي، فقد دخل في ما يشبه الغيبوبة السياسية بعدما اتفقت القوى المسيحية في الحكومة وخارجها على رفض خفض سن الاقتراع الى 18 سنة، وعلى رفض تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، والسبب هو الاعتبارات الطائفية التي تخل بالتوازن الطائفي بين المسلمين والمسيحيين.
وقبل ذلك، طالب البعض في الحكومة بتوجيه رسالة الى مجلس الأمن لإلغاء القرار 1559، واعتبر البعض في الحكومة ايضاً ان قرارات مجلس الأمن لا يمكن إلغاؤها بطلب من الحكومة اللبنانية أو غيرها إلا بعد ان يقرر مجلس الأمن ان القرار تم تطبيقه فعلياً ولم تعد هناك حاجة له.
وهذا الجواب يخفي خلافاً على موضوع سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني في لبنان.
وبرز أيضاً في الأيام الأخيرة الحديث عن مشاركة لبنان في القمة العربية الدورية المقرر انعقادها في ليبيا في أواخر شهر آذار القادم حيث تعترض حركة أمل ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عبد الأمير قبلان على هذه المشاركة، فيما ينادي البعض بضرورة مشاركة لبنان في القمة ويطالب بالفصل بين الملف القضائي لاختفاء الامام الصدر والملف السياسي لعلاقة لبنان وليبيا كما قال النائب عن تكتل التغيير والاصلاح يوسف خليل، ما استدعى رداً من النائب علي بزي الذي قال للنائب يوسف خليل «لا قمة أعلى من قمة الإمام الصدر، كفى استخفافاً بكرامة لبنان» والقضية مرشحة للتفاعل أكثر من الأيام القادمة.
ثالثاً: الملف الخدماتي
هذا الملف كان يجب أن يكون له الأولوية في اهتمامات الحكومة لأن القضايا السياسية والإدارية على أهميتها، إلا انها اصبحت مستهلكة وسئمها اللبنانيون بسبب اليقين بأنه لا إمكانية للتفاهم بشأنها في ظل الانقسامات السياسية والطائفية التي تعيشها الطبقة السياسية.
وبالتالي فإن انصراف الحكومة الى معالجة قضايا الكهرباء والماء والطرقات والصحة والضمان الاجتماعي، فضلاً عن اصلاح الاقتصاد الأمر الذي يزيد فرص الاستثمار في لبنان ويسمح بايجاد فرص عمل للشباب اللبناني. هذه الأمور، أي الانطلاق من حاجات الناس، يمكن ان تشكل مدخل للتفاهمات السياسية بعدما ثبت أن معالجة القضايا السياسية أولاً تزيد الأمور تعقيداً ولا تؤدي الى أي نتيجة.
هل تبادر الحكومة ورئيسها الى معالجة قضايا الناس أولاً، وتؤجل الوصول الى حلول للقضايا السياسية إلى فترة لاحقة؟ ام تستمر في سياسة التأجيل والتسويف المتبعة حالياً حيث لا حلول سياسية ولا خدمات ولا اهتمام بقضايا الناس؟ سؤال برسم الحكومة ورئيسها للإجابة عنه.
المصدر
- مقال:بعدما عطّلت الخلافات العمل الحكومي.. أين الاهتمام بقضايا الناس؟موقع: الجماعة الإسلامية فى لبنان