بضاعة فاسدة.. للسوق السوداء

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
بضاعة فاسدة.. للسوق السوداء

بقلم : معتصم حمادة

ما طرحه موفاز ليس بجديد، بل هو بضاعة فاسدة تطرح على الحالة الفلسطينية في وقت تعاني فيه من سلسلة أزمات.

لذلك من حقنا أن نتخوف من أن ينجح موفاز في تصريف بضاعته الفاسدة في السوق الفلسطينية السوداء التي باتت جزءا من الحالة الفلسطينية كواحدة من تداعيات الانقسام

كان طبيعيا أن يحدث مشروع شاؤول موفاز للحل (هآرتس 9/11/2009) هذه الضجة السياسية على الصعيدين السياسي الإسرائيلي والفلسطيني وربما العربي.

فالرجل رئيس سابق لهيئة الأركان العامة لجيش العدو.

فضلا عن كونه وزيرا سابقا ومساعدا وفيا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شارون، ومطل تماما على أفكار هذا الأخير قبل أن يذهب في غيبوبة لم يفق منها حتى الآن.

وهو، إلى ذلك غادر الليكود وانتقل إلى كاديما مدركا حجم المتغيرات الطارئة على المشروع الصهيوني وعلى إسرائيل وضرورة استقبال هذه المتغيرات بسياسة من نوع آخر.

وفي هذا هو طامح إلى زعامة كاديما (خاصة بعد فشل زعيمته الحالية في تشكيل حكومة إسرائيلية لمرتين متتاليتين) ومنها إلى زعامة إسٍرائيل في منصب رئيس الحكومة.

لذا لم يكن مستغربا أن تكون بوابة موفاز إلى هذا الطموح هي القضية الفلسطينية، و«السلام» مع الجانب الفلسطيني.

  • لم يكن مستغربا أن تكون بوابته إلى الزعامة، إذن، القضية الفلسطينية.

فموفاز يدرك جيدا أن اهتمامات البيت الأبيض بقضايا العراق، وأفغانستان والملف النووي الإيراني والأزمة المالية العالمية، لن تكون إطلاقا على حساب اهتمامه بالموضوع الفلسطيني.

بل يدرك، ما هو أبعد من ذلك، فالموضوع الفلسطيني، بات في حسابات أوباما وأركان إدارته مدخلا إلى توفير الفرص لمعالجة باقي ملفات الشرق الأوسط.

وهو ما يفسر قول أوباما إن دولة فلسطينية (وفقا لمنظار أوباما نفسه) يخدم المصلحة الأميركية.

فإطفاء فتيل النزاع العربي الفلسطيني ـ الإسرائيلي يوفر الفرص شبه الأكيدة لإطفاء فتائل الحرائق والانفجارات الأخرى.

لذلك إذا كان موفاز يطمح بالزعامة السياسية، ويطمح بان يشكل حصان السباق لصالح البيت الأبيض (الحصان المطيع الهادئ الوديع بديلا للحصان الجامح الحرون العنيد نتنياهو) فإن عليه أن يقدم أوراق اعتماده إلى البيت الأبيض وسيده عبر البوابة الفلسطينية.

فالبوابة الفلسطينية هي أقرب الطرق (في الشرق الأوسط) إلى قلب أوباما وعقله وإدارته.

وهذا درس أول يتوجب على الفلسطينيين أن يستوعبوه وان يستوعبوا حقيقة الموقع الذي تحتله قضيتهم في الحسابات الدولية، وأن يستوعبوا قدرتهم (المعطلة) على تحريك هذه القضية بما يمكنهم من تسخير الحسابات الدولية لصالح حقوقهم الوطنية.

  • وليس مستغربا، على الصعيد الإسرائيلي، أن تكون بوابة موفاز للزعامة المحلية هي القضية الفلسطينية.

فموفاز، من موقعه السابق كرئيس للأركان، وكوزير وكرفيق مخلص لشارون، وكمطل على حقيقة أفكار هذا الأخير ومشروعه الذي تطلب، فيما تتطلب، شق الليكود، والعمل، وتدمير حزب الوسط، وبناء على أنقاض هذا حزب كاديما بمشروعه السياسي المعروف (الفصل من جانب واحد وفرض الحل من جانب واحد وكأمر واقع وبما يخدم مصالح إسرائيل ويتجاهل مصالح الفلسطينيين) موفاز هذا يدرك أهمية موقع القضية الفلسطينية في الحسابات السياسية الإسرائيلية الداخلية.

ويدرك أيضا أهمية موقع القضية الفلسطينية في الحسابات العسكرية الإسرائيلية.

ويدرك كذلك أهمية موقع القضية الفلسطينية في حسابات الرأي العام الإسرائيلي.

لذلك لا قيمة لأي مشروع سياسي يتبناه أي طامح للزعامة في إسرائيل إن لم يكن عنوانه «حل الصراع مع الفلسطينيين».

فهذا الحل هو المدخل إلى تطبيع العلاقات مع الدول العربية، كما تشترط مبادرة بيروت على 2002.

وهذا الحل هو الذي يوفر ماء الوجه لأية عاصمة عربية ترغب في بناء «علاقات طبيعية» مع إسرائيل وإرضاء البيت الأبيض.

وهذا الحل هو الذي يخلص العرب من «الصداع» الذي اسمه فلسطين (كما صرح بعض زعماء العرب من على منبر إحدى المنظمات الدولية).

وهذا الحل هو الذي يرفع عن إسرائيل «تهمة» أنها دولة احتلال، ويخلص قيادتها السياسية والعسكرية من خطر الإحالة إلى المحكمة الجزائية لارتكابها جرائم حرب ضد الفلسطينيين وجرائم ضد الإنسانية.

فهل يدرك الفلسطينيون أهمية موقع قضيتهم في الحسابات الإسرائيلية وبالتالي يمتلكون القدرة والإرادة والرؤية للفعل في الداخل الإسرائيلي انطلاقا من قدرة قضيتهم على التأثير في الوضع الداخلي لكيان يعيش أزمات سياسية وحزبية وأخلاقية..

هل يدرك الفلسطينيون هذا كله فيعيدون النظر بأساليب تعاملهم مع هذا «الكيان»، إن في المجابهات السياسية أو في المفاوضات أو في المؤسسات والمنظمات الدولية أو في طرح المشاريع والاقتراحات لتبديد الطاقات وتشتيت الانتباه، وإنجاح المناورات، وصولا إلى تحقيق الأهداف والمصالح والغايات الوطنية.

  • في الوقت نفسه، إن موفاز يدرك حقيقة الواقع الفلسطيني المنقسم على نفسه.

ويدرك أنه، في حالة الانقسام، سيبحث كل من الأطراف الفلسطينية عن تحالفات إقليمية تعزز من خلالها موقعها في الصراع الداخلي، ويرى موفاز كيف تبنى تحالفات بعض الأطراف الفلسطينية، من موقع الاستقواء على الداخل الفلسطيني، إن في تكريس الانقسام أو في استغلاله أو حتى عند البحث في إنهائه والعودة إلى الوحدة الداخلية.

كما يدرك موفاز، من موقع خبرته السياسية، أن الأطراف المنقسمة على نفسها هي في واقع الحال أطراف ضعيفة وإن بدت للحظة أنها قوية.

فالانقسام هو إضعاف لمجمل الحالة الفلسطينية؛ وهذا أمر لا نقاش فيه. لذلك ليس غريبا أن يبحث كل من الأطراف، ومن موقع تقوية دوره وموقعه، عن أية مداخل تقوده إلى المعادلة السياسية، وتقود إلى الاعتراف به طرفا سياسيا مقبولا (وإن بشروط).

وهذا أمر يكرره التاريخ على الدوام.

وقد ذكر محمد حسنين هيكل في أحد كتبه كيف أن الاحتلال البريطاني لمصر، بعد قيام ثورة يوليو 1952، حاول أن يستعين بالأطراف المصرية في مواجهة قيادة الثورة.

وإن من الأطراف التي رشحت لذلك الإخوان المسلمون الذين رحبوا بالتعاون مع البريطانيين ضد الثورة ظنا منهم أن هذا يعطيهم مشروعية دولية.

لكن البريطانيين اكتشفوا أن مرحلة ثورة يوليو تختلف عن سابقها، وأن حركة الإخوان، كغيرها من القوى السياسية في مصر، لا تمسك أيا من خيوط السياسة، وان كل الخيوط باتت مجمعة في قبضة ضباط الثورة المصرية.

موفاز، يحاول هنا أن يكرر لعبة البريطانيين مع الإخوان المسلمين، فيطرح في مشروعه للحل أسماء قوى سياسية لا يرى مانعا في التفاوض معها، لكن بشروطه.

وردود الفعل على موقفه جاءت ملتبسة مرتبكة، عين على الإغراء المقدم من موفاز، وعين على الشارع الفلسطيني الذي بات يدرك، بخبرته، خلفية هذه المناورة أو تلك، والذي بات يدرك جيدا أن الأفعال شيئ وأن الأقوال شيئ آخر، وأن الشعارات لا تصنع السياسة.

بعد هذا، أي جديد في ما طرحه موفاز على الفلسطينيين؟ الدولة ذات الحدود المؤقتة ليست مشروعا جديدا، بل سبق وإن عرض في خطة خارطة الطريق ورفض.

وعرضه أيهود أولمرت وتم رفضه.

وعرضه آخرون ولم يجد أذانا صاغية.

ثم ما هو الإغراء في دولة فوق 60% من أرض الضفة، مسقطا منها القدس الشرقية المحتلة عام 67، والتي «حسم» موفاز أمرها باعتبارها عاصمة لإسرائيل.

وأين هو الإغراء في الدخول في مفاوضات بلا مرجعية وبلا سقف زمني، للبحث في قضايا الحل الدائم، مستبعدا منها قضية اللاجئين والذين يدعو موفاز لتوطينهم، بقوله البحث عن «حل دولي لهم».

بغض النظر عن طموحات موفاز الشخصية والخاصة، فإن طرحه لمبادرته السياسية جاء في وقت يعاني فيه الفلسطينيون الانقسام، وقد وصلت جولات الحوار إلى الطريق المسدود (ولو آنيا) ومستقبل الانتخابات ما زال قيد المجهول.

ومحمود عباس يعلن عن عدم رغبته في إعادة ترشيح نفسه لجولة جديدة في رئاسة السلطة.

ولجنة الانتخابات المركزية تتوصل إلى استنتاج (هو ليس بمفاجئ) تؤكد فيه عجزها عن تنظيم انتخابات في الضفة والقطاع معا.

بضاعة موفاز فاسدة ولا تصلح للبيع.

لكن الخوف، كل الخوف أن يتم تصريفها في السوق السوداء.