براءة الإخوان ونصرهم ..

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
براءة الإخوان ونصرهم ..


الأستاذ محمد القدوسى - موقع "المصريون"

الحرب الشرسة التى يخوضها النظام ضد الإخوان المسلمين ، تؤكد أنهم انتصروا وانتهى الأمر، وعريضة الاتهام ـ أو عرائضه ـ قدمت لهم (على طبق من الصدق والصبر) براءة كانوا فى حاجة إليها.

وأبدأ بالبراءة، ذلك أن الضربات الأمنية والإعلامية، والحشد السياسى ضد الإخوان الذى وصل إلى درجة الإنذار شديد اللهجة على لسان الرئيس فى رسالته لتعديل الدستور، كلها أمور تنفى ما تردد عن وجود صفقة بين الإخوان والنظام موضوعها "ملف التوريث"، صفقة قيل إن الإخوان تعهدوا فيها بتأييد توريث الرئاسة لجمال مبارك، وترويج السيناريو الذى يستقر عليه النظام من السيناريوهات المطروحة للتوريث

مقابل أن يتاح لهم هامش أكبر من الحركة والمشاركة، وقيل إن النظام بدأ فى تسديد نصيبه من الصفقة فعلاً فى الانتخابات البرلمانية، حيث ترك الإخوان يتقدمون بدون مضايقات كبيرة، وهو زعم كان ما جرى فى الجولة الثالثة من الانتخابات كافياً لدحضه، لكن هواة "الحبكات البوليسية" كانوا يؤكدون أن الصفقة قائمة، وأن الإخوان استنفدوا نصيبهم المسموح به فى الجولتين الأولى والثانية، لهذا غلقت الأبواب فى الثالثة!

وتواصلت الأقاويل والمزاعم، التى كان الترويج لها مطلوباً من جانب النظام ولصالحه، لدرجة أنها نوقشت فى برامج تليفزيونية، وظلت تقفز بين آن وآخر إلى العناوين الرئيسية لصحف النظام الحكومية والحزبية والمستقلة، على نحو كان المطلوب منه هو "وصم" الإخوان بهذه الصفقة، وتطور الأمر ـ والأمور دائماً تتطور ـ وعلى طريقة جحا الذى أراد التخلص من ضجيج الصبيان فكذب عليهم قائلاً إن هناك عرساً ووليمة كبيرة فى آخر البلد، فلما انتشرت الكذبة ورأى الناس كلهم يهرولون إلى العرس، صدق كذبته وهرول هو الآخر معهم!

على طريقة جحا هذه صدقت بعض صحف النظام التى روجت الكذبة أن هناك صفقة فعلاً، وأصابها الرعب من إمكانية أن يلتقى الإخوان والنظام ولو على صفقة، ذلك أن "الجيش العرمرم في الشارع"* ـ ممثلاً فى الإخوان ـ لو التقى "الجيش العرمرم فى السلطة"* فلن يعوقه عائق ولن يقوى أحد على الوقوف فى طريقه، خاصة هؤلاء الذين لا عمل لهم إلا جمع فتات النظام وبقايا مائدته.

هذا الرعب أدى إلى زيادة الإلحاح على موضوع الصفقة، بالكتابة عنها، وإجراء حوارات وتدبيج أخبار حولها، لا على طريقة من يريد النشر فحسب، بل من يعتقد أن هناك صفقة فعلاً ويخشاها ويسعى إلى إفسادها. وأدى نشاط "المرعوبين" فى ترويج كذبة الصفقة إلى أن بعض الأطراف الوطنية شكت فى أنه ربما كانت هناك صفقة فعلاً، وراحت ـ بنزاهة ـ تؤدى واجبها النقدى طبقاً لما ترامى إليها من أخبار، وأدى نقد هذه الأطراف ـ الموثوقة ـ إلى مزيد من شيوع كذبة "الصفقة" التى أصبح الحديث عنها أحد ثوابت الجدل السياسى فى مصر لشهور طويلة.

ثم جاءت الحرب الأمنية الإعلامية السياسية الشاملة ضد الإخوان لتبدد الكذبة، لتبخرها كالندى تحت أشعة الشمس، ولا يبقى منها إلا الإدانة الواضحة لكل من روجوها بسوء نية، ولكل "جحا" أصابه الرعب منها فراح يحاول إفسادها.

إن قميص الإخوان ـ وقد قُدَّ من دبر ـ يشهد بأن هذه الصفقة لم تبرم قط، أقول لم تبرم، وأعلم أنها عُرِضت، لكن الإخوان لم يقبلوها، فهم جماعة لها منهج فكرى وعقائدى يلزم أكبر كبير فيها أمام أصغر أعضائها، وهى حقيقة لا يصلح معها أن تقدم الجماعة على عقد صفقات "طيارى" تناقض أفكارها ومبادئها، ذلك أنها لو فعلت ستنهار فعلاً بعد أن يفقد أعضاؤها الثقة فيها، وتصبح ـ ويصبحون ـ مضغة فى الأفواه.

ممارسة ألاعيب السياسة وتلاعباتها هو ما يهدم أى تنظيم عقائدى، أما الضربات والحروب فتبنيه وتقويه، والشاهد الحى على هذا هو الإخوان أنفسهم، الذين لم يبق من كل المختلفين معهم وخصومهم وأعدائهم منذ الثلاثينيات إلى الآن إلا هؤلاء الذين امتلكوا رؤية فكرية وعقائدية مقابلة، أما جنرالات السياسة والرياسة والوزارة والملك والمال فلم يبق منهم إلا الورق الجاف و«فراكة الجلد» التى يكفى قليل من الماء الدافئ لدفعها إلى "البلاعة" حيث مستقرها الأخير.

سيبقى الإخوان ، سيزيد عددهم وقوتهم، كما زادوا عددا وعدة مع كل عصف وعسف تعرضوا له من قبل، سيبقون لأن الأفكار هى التى تبقى، ولأن من يقود الهجوم ضدهم "أبيض يا ورد" ، بلا منهج ولا رؤية ولا فكرة، أما أصحاب الأفكار (أو من كانوا أصحاب أفكار) الذين اعتقدوا أن الحرب التى يشنها النظام فرصة للتخلص من الإخوان، وراحوا ـ بانتهازية ـ يحطبون فى حبل النظام، فقد أضاعوا الثقة فيهم وفى أفكارهم

ولم يبق منهم إلا الانتهازية وصمة لا يمحوها الدهر، الذى أسقط من حساباته رجالاً كانوا أشد بأساً وأرجح عقلاً، لكنهم ناوروا وزايدوا وانضموا إلى عسكر السلطان فسقطوا، ولم يعد أحد يصدق ما يقولونه عن الحرية التى تتسع لكل رأى، ولا عن الأفكار التى تقارع بالأفكار، وهم يرونهم يطبلون للديكتاتورية، يرقصون للسجان ويشمتون فى المساجين. ولم يعد أحد يصدقهم وهم يدعون أنهم ماركسيون أو يساريون، بينما هم يضعون أيديهم فى يد من يذبحون الطبقة العاملة، ولا أنهم قوميون وهم يرونهم يحالفون حلفاء "العدو الصهيونى".

ذهبوا جميعاً وعاشت الأفكار، عاش الأصلاء والصادقون وحدهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، عاش من يدفع من دمه ضريبة رأيه، ومن يعش كل لحظة من حياته وكأنها اللحظة الأخيرة، لهذا بقى الإخوان وسيبقون، والإمام على بن أبى طالب يقول "بقية السيف أنمى" ولعلكم لاحظتم كيف حصد هذا الجيل من الإخوان فى الانتخابات البرلمانية والنقابية ما زرعته الأجيال السابقة بدمها، وسيحصد الجيل القادم ما زرعه هذا الجيل.

اختلف مع الشجرة، لكنك لن تستطيع أن تبيدها، قل إنك لا تحب شوكها، واكشف ما فى ساقها من التواء وفروعها من عجف، ابتعد عنها أو أبعدها عنك، هذا كله من حقك، لكن اعلم أن الأشجار ستبقى، وتلقى بذورها على الأرض لتطرح شجراً يشبهها شوكاً وورداً، أما المزابل فلن يبقى منها حتى النتن!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى أله وصحبه أجمعين والله أكبر ولله الحمد

المصدر