بداية العلاقة بين العسكر والإخوان

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
بداية العلاقة بين العسكر والإخوان

مركز الدراسات التاريخية

ويكيبيديا الإخوان المسلمين

تمكنت الجماعة العقائدية الممثلة في جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الماركسية من اجتذاب بعض الشباب من ضباط الجيش إلى الاهتمام بالقضايا العامة من خلال هذه الجماعات.

فتعرفنا على فكر الإخوان ونظرتهم نحو الجيش وطبيعته ومهامه، وعرفنا مدى حرص الإخوان على هذه المؤسسة التي يتجلى دورها في الدفاع عن الوطن ضد كل معتدي خارجي أو ضد الفتن التي تثار داخليا.

استجدت على الساحة مستجدات سواء داخليا أو خارجيا دفعت بتقارب العلاقات بين جماعة الإخوان المسلمين وكثير من ضباط الجيش المصري والذي انصهر بعضهم في تنظيم الإخوان المسلمين.

لقد اهتم الإخوان بالجيش وضباطه وعساكره في أوقات مبكرة لكونهم عنصر وطني يسعي ويعمل على تحرير الوطن من المستعمر وهي الأهداف التي نادى بها الإخوان المسلمين في وقت مبكر فتلاقت هذه الأهداف مع بعضها البعض.

بدأ ظهور حركة الإخوان في الجيش وضباطه عام 1938م تقريبا لعدة أسباب، منها:

أولاً: تدهور الوضع السياسي والاقتصادي للجيش المصري نتيجة الاحتلال البريطاني وأعوانه من المنتفعين، واقتناع بعض أفراد الجيش بقوة جماعة الإخوان المسلمين، وجدوى اللجوء إلى الروح الإسلامية وإعادة إحيائها.
ثانيًا: نشاط صحيفة الإخوان "النذير" في مناقشة قضايا الجيش جنودًا وضباطا، حيث أفسحت المحال لمناقشة الأخطاء والعيوب التي تسمح بها أكالات الجيش المختلفة كنظام المراسلة للجنود الذي ما يزال قائمًا حتى الآن، وعدم إقامة الأذان في أوقات الصلاة، بل وعدم تخصيص وقت لصلاة الجنود، ومن ذلك تلك العريضة التي أرسلت إلى القصر في ديسمبر عام 1941م تطالب بمنع ما يتعارض مع الإسلام، وإلغاء معاهدة 1936م، ومنح الجندي الحق في الامتناع عن أي عمل يناقض الشرع، ووزعت منشورات في داخل وحدات الجيش بمضمون هذه العريضة التي وقعت باسم "الجنود الأحرار".
ثالثًا: جرت العادة بتنظيم دروس للجنود والضباط في المناسبات الإسلامية كالهجرة النبوية والمولد النبوي وشهر رمضان، ولم تكن تتقيد عادة بالوعاظ الرسميين، ويشرف على هذه الدروس بعض الضباط التابعين لوحداتهم، ومنذ عام 1938م كان الإمام حسن البنا أحد هؤلاء الوعاظ، فكانت كلماته تبعث في سامعيه الرغبة في الانتماء إلى ما يدعو إليه في وقت كانوا يشعرون فيه بالضياع، ولذا وجدت دعواه صداها بين الضباط والجنود والعمال العسكريين. (1)

حرص كل الإخوان على تعظيم هذه المؤسسة والتعرف على أبناءها لبث التربية الإسلامية فيهم، فنجد ظهور حركة الإخوان في الجيش في سنة 1938م حينما نشطت صحيفة الإخوان "النذير" في مناقشة قضايا الجيش جنودًا وضباطًا، وأفسحت المجال لمناقشة الأخطاء والعيوب التي تسمح بها أكالات الجيش المختلفة كنظام المراسلة وعدم إقامة الأذان في أوقات الصلاة؛ بل عدم تخصيص وقت لصلاة الجنود أصلاً.

حيث كانت البداية مع الوطنين من رجال الجيش كعزيز المصري الذي كان يعتبره كثير من شباب ضباط الجيش الأب الروحي لهم، ويوضح فتحي رضوان صلة عزيز المصري بكل الحركات الوطنية وخاصة الشابة، كان على صلة بمصر الفتاة وبي في الحزب الوطني وبالشيخ حسن البنا في الإخوان المسلمين وبالضباط الأحرار وبغير ذلك وغيرهم من الشبان الذين لا ينتمون لحركات معينة. (2)

يقول ميتشل:

ومن المعروف أن المصري كان يعمل في الفترة من 1928 حتى 1940، بالتنسيق مع على ماهر، على التودد ليس للإخوان المسلمين فقط بل أيضًا لمصر الفتاة. وطبقا لما ذكره هيورث دون، سعى المصري إلى توحيد الجماعتين التي ساد التوتر بينهما للمنافسة المتزايدة وكانت الصداقة بين الرجلين من القوة بحيث استطاع البنا في عام 1940 أن يقوم بدور الوسيط بين المصري وبين مجموعة من صغار الضباط الساخطين الذين أطلقوا على أنفسهم فيما بعد اسم «الضباط الأحرار» ثم قادوا الثورة الناجحة 23 يوليو 1952م. (3)

كانت العلاقة طيبة بين حسن البنا وعزيز المصري حيث كانا يحملان هموما كثيرا من اجل هذا الوطن الذي انتكس بالاستعمار البريطاني وأذنابه، وعن طريق الشيخ حسن البنا تم تعارف بين عزيز المصري وأنور السادات سنة 1940م،

فيقول في مذكراته:

وصارحني بأنه متشكك في أمري، وأني ربما كنت أحد رجال المخابرات أو أي شيء من هذا القبيل، قلت له: لو كان الأمر كذلك لالتقيت بك مباشرة ولكني كما ترى أتيت إليك عن طريق الشيخ حسن البنا وأظنك تثق به. (4)

ويقول ميتشل:

كان أنور السادات، أحد أعضاء المجموعة الثورية، هو الضابط الذي اجتمع به البنا في اللقاء الأول. ولم يكن معروفا على وجه اليقين في ذلك الوقت من هم هؤلاء الذين يمثلهم السادات، إلا أنه كان ضابطًا عاملا بالجيش وكان يشير إلى مجموعات تخطط للثورة.
ولم يكن واضحا بحال أنه كان يقصد «الضباط الأحرار» الذين أصبحوا بعد ذلك حكاما لمصر. وقد قيل أنه التقى هو والبنا، في البداية، عن طريق الصدفة في صالة طعام الضباط بأحد المعسكرات خارج القاهرة. وكانت الليلة هي ليلة المولد النبوي حيث ألقى البنا حديثا دينيا كجزء من الاحتفال بالمولد. وقامت بين الاثنين علاقة اتسمت بالألفة. وبدأت بينهما سلسلة من اللقاءات استمرت نحو عامين. (5)

لم تكن علاقة عزيز المصري بجماعة الإخوان علاقة تنظيمية، لكن كانت علاقة حب واحترام بين شخص الأستاذ البنا وعزيز المصري.

كما تعرف الضابط محمد أنور السادات على الإمام البنا من خلال الكلمات التي كان يلقيها على الضباط في المناسبات الإسلامية،أيضا من الشخصيات المحورية والتي كان يجلها ضباط الجيش كان الصاغ محمود لبيب والذي التحق بالإخوان المسلمين في فترة مبكرة من حياة الجماعة.

يقول محمود عبد الحليم:

الصاغ محمود لبيب ضابط من ضباط الجيش، كان من القلائل الذين كانت تجيش صدورهم بالحسرة علي ما آلت إليه حال بلادهم ، وكانوا يتناجون سرًا فيما بينهم ، وكانوا يبحثون عن وسيلة لإنقاذ هذه البلاد من ذل الاستعمار، ومن غائلة الفساد الذي نشره في ربوعها.
وكان من رعيل عزيز المصري وصالح حرب، وكان ممن رحلوا إلي تركيا في أثناء أزمتها واضعًا نفسه رهن إشارتها للمحافظة علي الكيان الإسلامي الذي كانت تمثله في ذلك الوقت الخلافة الإسلامية ، وشارك في كل الحركات العسكرية التي قامت في مصر وفي غيرها والتي كانت بواعثها وطنية إسلامية.

وقد أحيل الاستيداع مبكرًا ولذا كان رتبة الصاغ (الرائد)، ويبدو أن هذا الرجل كان خيرًا بطبعه وكان ميسور الحال ... جاء ذكر اسمه علي لساني مرة أمام والدي رحمه الله فقال لي إنه يعرفه إذ كان والدي منتدباً ناظرًا لمدرسة بوغاز رشيد وكان ذلك في أوائل الثلاثينيات

فذكر موظفو فنار رشيد أن نقطة السواحل التي بجانبهم جاءها ضابط يرأسها اسمه محمود لبيب من أتقي الناس ومن أحسنهم معاملة لمرءوسيه وللناس جميعًا، ولم يحضر إلي هذه النقطة ضابط نال إعجاب جميع الناس والكل يحبونه إلا هذا الضابط، قال لي والدي: وقد تعرفت عليه وجلست معه فشعرت بعاطفته الإسلامية الجارفة وجدتني أحببته، إلا أن إقامته في هذه النقطة لم تطل.

تعرف هذا الرجل علي الأستاذ المرشد مبكرًا في أواخر الثلاثينيات ، وكان الأستاذ يحبه ويحترمه، وكان الرجل وقد تعرفنا عليه قليل الكلام .. وكان نواة التكوينات الإخوانية في الجيش كما أنه كان المشرف علي تنظيم التدريبات العسكرية للمدنيين من الإخوان سواء من كان منهم في "النظام الخاص" وغيره ؛

وكان هو ممثل الإخوان في لجان الاتصال بين الإخوان وبين الجامعة العربية في إعداد متطوعي الإخوان لحرب فلسطين وكان من القلائل الذين كانوا يفهمون الإسلام دينًا ودولة ، وما كاد يعلم بظهور الإخوان المسلمين؛

حتى ألقي بنفسه وماله ووقته وكل مواهبه بين أيديهم ، فقد كانوا أمنيته وحلمه الذي تحقق ... وكان هذا الرجل الصامت من أكثر الإخوان إنتاجًا ، ولم يقبل أن يكون له منصب رسمي من مناصب الهيئة لأنه كان يكره أن يعرف الناس إنتاجه. (6)

ويقول ريتشارد ميتشل:

وكان هناك ضابط آخر، هو محمود لبيب، يساعد عبد الرءوف في تجنيد أفراد الجيش للانضمام للجماعة وقد تقاعد لبيب في عام 1936، بعد أن نال شهرة في عمليات الجيش المصري في السودان، وقد بدأ العمل مع البنا منذ عام 1941؛
وظل حتى عام 1947 مستشار البنا غير الرسمي في الأنشطة الخاصة «بالجوالة» ثم عين وكيلا «للشئون العسكرية» بالجماعة وأرسل إلى فلسطين للإشراف على تدريب وتجنيد المتطوعين هناك. وفي الحرب الفلسطينية، عمل لبيب مسئولا فنيًا عن «فرق المتطوعين» وممثلا شخصيا للبنا في المسائل المتعلقة بالحرب: وقد توفي في 18 ديسمبر 1951م. (7)

لم تتوقف العلاقة بين الإخوان ومؤسسة الجيش على شخص عزيز المصري لكن تعدت للأفراد داخل الجيش أمثال عبد المنعم عبد الرؤوف الذي وصف بداية معرفته بالإخوان بقوله:

أثناء جلوسي إلى جوار الموظف المسئول الذي سلمني إذن الصرف, وقعت عيناي على مجلة تحمل اسم (الإخوان المسلمون) وعلى غلافها شعار مكون من هذه الكلمات: دعوة الحق والقوة والحرية ورسم عليها القرآن الكريم فوق سيفين متقاطعين الأمر الذي دفعني إلى السؤال عن هذه الجماعة وأين مقرها؟ وكيفية الانضمام إليهم؟ وكم يكون اشتراك العضو؟ ولماذا اختاروا هذه الشعارات؟ وما معنى هذه الشارة (القرآن فوق سيفين)؟.

لم تشف إجابات المسئول غلتى, وأحسست برغبة عارمة لزيارة هذه الجماعة وفى مقرها ومقابلة رئيسها والتعرف على أفرادها عن كثب.

وحدد لي أحد أيام الثلاثاء للالتقاء عند مراقب المركز العام للإخوان واسمه الأستاذ الطوبجى وذهبت إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وسألت عن سكرتير الدار وكنت عنده فى الموعد المحدد ورأيت مالم أره من قبل فى حياتي وشاهدت مواقف لم أعهدها من قبل. (8)

ثم يضيف:

وتكررت زياراتي لدار (جماعة الإخوان المسلمون) مدة شهر مساء كل يوم ثلاثاء وفى كل مرة كنت أزداد إعجابا بما رأيته من روح جماعية وما سمعته من أفكار إسلامية ومناقشات صريحة ومفيدة. (9)

ويكمل:

في أواخر شهر مايو عام 1942 أبلغني الأستاذ الطوبجى مراقب المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين أن فضيلة المرشد العام الشيخ حسن البنا عاد من رحلته فى الأقاليم وسيلقى حديث الثلاثاء وفى إمكاني اللقاء به.
ذهبت إلى المركز العام وأدخلني الأخ الطوبجى غرفة فضيلة المرشد فوجدته ومعه رجلان هما المرحوم الصاغ محمود لبيب والدكتور مهندس حسين كمال الدين .
استقبلني الثلاثة بحرارة واستفسروا عن صحة الفريق أركان حرب عزيز المصري وسألوني عن الأسباب الحقيقية لاندلاع النيران فى جناح الطائرة فأجبتهم بما أعرف في اختصار

ثم قلت لهم:

"لو أن الروح الإخوانية التي لاحظتها فى دروس الثلاثاء تسود الجيش المصري لعاد ذلك عليه بالخير الكثير وأن أول شىء يجب البدء فيه هو تكوين مجموعة من الضباط تعتنق مبادئ جماعة الإخوان المسلمين وهى الحق والقوة والحرية لتكون نواة تنبت منها خلايا تعم كل وحدات الجيش".

استحسن فضيلة المرشد العام الشيخ حسن البنا ذلك الكلام وقال لى: إن أخاك الصاغ محمود لبيب سيعينك على تحقيق هذه الفكرة وسيكون المشرف على تكوين هذه المجموعة وتمنى لنا التوفيق. (10)

بعدما انضم عبد المنعم عبد الرؤوف إلى الإخوان المسلمين وتعرف على الصاغ محمود لبيب انطلق داخل الجيش يتعرف على أقرب الضباط إليه ويحملون نفس الهم لوطنهم وما يحاك له من قبل المستعمر الانجليزي وأذنابه، فتعرف على عدد من الضباط؛

فيقول:

استطعت في شهر أكتوبر عام 1942 أن أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذي نقل على قوة الكتيبة
ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وكان منزله قريبا من منزلي بحي السيدة زينب وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا (الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا.
ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق من سلاح الإشارة (توفى إلى رحمة الله عام 1962) وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيي الدين واكتمل عددنا سبعة عام [[1944]] وواظبنا على اللقاء أسبوعيا فى بيت هذا مرة وفى منزل ذاك مرة أخرى وهكذا ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر.

وكانت أحاديثنا فى هذه اللقاءات تتناول ضعف عتاد الجيش وتصرفات الملك فاروق الخليعة وحوادث الصهاينة المتصاعدة ضد الفلسطينيين وتكالب الأحزاب على الحكم وكيفية تقوية خلايانا داخل صفوف الجيش.

وازداد عدد خلايانا فى أسلحة الجيش فمن سلاح الطيران انضم إلى تنظيمنا الطياران حسن إبراهيم مصطفى ومصطفى بهجت ومن سلاح خدمة الجيش المرحوم معروف الحضري و عبد الرحمن محمد أمين و مجدى حسنين وإبراهيم الطحاوي ومن المشاة فؤاد جاسر و جمال ربيع و أحمد حمدي عبيد و محمد أمين هويدي ومحمد كمال محجوب و وجيه خليل ومن مدافع الماكينة وحيد جودة رمضان. (11)

ويقول ميتشل:

وبعد إلقاء القبض على أنور السادات في أغسطس من نفس العام (بسبب اتصاله المستمر بعملاء الألمان) أصبح عبد الرءوف ضابط الاتصال الأساسي بين الجيش الإخوان المسلمين. (12)

وفي سلسلة مقالاته بمجلة المصور تحت عنوان "قصة ثورة الجيش من المهد إلى المجد" كتب حلمي سلام ذكريات عبد الناصر عن نشأة ومولد تنظيم الضباط الأحرار ، قال عبد الناصر: "كان يجمعنا وينظمنا المرحوم الصاغ (م . ل)".

يقول الضابط وحيد رمضان:

"لقد تعرفت في سنة 1945م في منزل عبد المنعم عبد الرؤوف على جمال عبد الناصر ، وكانت أول مرة ألقاه فيها، كما تعرفت على كمال الدين حسين في إحدى الأسر التي كان يحضرها الصاغ محمود لبيب ، وكان يشاركنا أيضًا خالد محيي الدين ، وكان لنا موعد دوري نلتقي فيه حتى بدأت حرب فلسطين". (13)

ويؤكد خالد محي الدين ما سبق أن قاله عبد المنعم عبد الرؤوف بقوله:

كنا في نهاية عام 1944 وكانت الحيرة تغلفنا جميعا بحثا عن طرق لنا ولمصر وذات يوم مر علي عبد المنعم عبد الرؤوف وعرض علي أن نلتقي بضابط آخر يحمل ذات الهموم ويبحث عن إجابات لذات الأسئلة، وأخذني لأقابل جمال عبد الناصر، وكان لقائي الأول معه..

لكن عبد المنعم عبد الرؤوف ما لبث أن طلب مني أن يعرفني بضابط آخر .. وأخذني إلى جزيرة الشاي في حديثة الحيوان حيث قابلت الصاغ محمود لبيب الذي عرفت فيما بعد أنه مسئول الجناح العسكري في الإخوان المسلمين فذهبت في لقائي الأول ومعي عثمان فوزي.

اشتم عثمان فوزي رائحة الإخوان من الحديث وقال لي ونحن عائدان من مقابلتنا:

هذه جماعة خطرة وضارة لكنني كنت سعيدا بالمقابلة وقلت إن الوطن بحاجة إلى تضحية والاتجاه الإسلامي يمكنه أن يبث في الشباب روح التضحية.
صمم عثمان فوزي على موقفه وانسحب ولم يحضر مرة أخرى، وواصلت أنا مقابلاتي مع محمود لبيب وفي مرة تالية حضر اللقاء جمال عبد الناصر فعبد المنعم عبد الرؤوف قابلني بجمال كل منا على انفراد بمحمود لبيب.
وبدأت علاقة من نوع غريب مع جماعة الإخوان وتكونت مجموعة عسكرية تضم العديد من الضباط ولم نعد نلتقي في أماكن عامة وإنما بدأن نعقد اجتماعات منتظمة في البيوت فكنا نجتمع في بيت مجدي حسنين وأحيانا في بيت الضابط أحمد مظهر (وهو نفس أحمد مظهر الفنان)
وفي هذه اللقاءات الإخوانية كان يحضر معنا جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وحسين حموده وحسين الشافعي وسعد توفيق وصلاح خليفة وعبد اللطيف بغدادي وحسن إبراهيم كانت علاقة الإخوان بهذه المجموعة من الضباط تتسم بالحساسية ففجأة وجد الإخوان أنفسهم أمام كنز من الضباط المستعيد لعمل أي شيء من أجل الوطن.
لكن هؤلاء الضباط لم يكونوا على ذات الدرجة من الولاء للجماعة فمثلا صلاح خليفة وحسن حمودة كانا من الإخوان قلبا وقالبا أما الآخرون فكانوا مجرد عناصر تبحث عن طريق لسنا ضد الإخوان بل نحن معهم لكننا لسنا معهم بالكامل. (14)

كمل يوضح هذه العلاقة عبد اللطيف البغدادي في مذكراته فيقول:

تم الاتصال مع جمعية الإخوان المسلمين للتعرف على مدى استعدادها للمشاركة في تحقيق هذا الهدف، وقد رحب المرحوم الشيخ حسن البنا رئيس الجمعية في ذلك الوقت بالفكرة.

ويضيف:

واستمررنا أيضًا في الاتصال بجمعية الإخوان المسلمين رغم أن الغرض الذي كان يجمعنا في البداية قد بعد. وكان حلقة الاتصال بينهم وبيننا البكباشي سابقًا محمود لبيب. وكان هو المسئول عن الناحية العسكرية في تنظيمهم.
وكنا نوافيهم بمقالات لتنشر في صحيفتهم عن كيفية إصلاح الجيش والطيران المصري والنقص الذي بهما، وهذا الاتصال الذي استمر بيننا سيكون له أهميته عندما يعلن النحاس إلغاء معاهدة سنة 1936م، التي كانت قائمة بين بريطانيا ومصر وذلك سنة 1951م؛
فقد قمنا بتدريب الإخوان المسلمين عسكريًّا وأمددناهم بالأسلحة والذخيرة التي كان قد أمكن لنا تهريبها من مخازن الجيش، وعملنا على تشكيل كتائب فدائية منهم تحت قيادة ضباط من الطيران والجيش بغرض القيام بغارات فدائية على القاعدة البريطانية في منطقة السويس. (15)

ويؤكد السادات ذلك بقوله:

شعر الضباط الأحرار بأن من الواجب تدريب الشباب الذين يتطوعون للمعركة، وأن يتطوعوا معهم وأن يقودوهم خلال المعركة. (16)

ويسجل السادات في كتابه "صفحات مجهولة" الاجتماعات في منزل البنا مع الضباط الأحرار بما في ذلك جمال عبد الناصر، من أجل توحيد الجهود. (17)

ويقول حسين حموده (أحد الضباط الأحرار) عن بداية تلاقي العسكر بالإخوان:

تلاقيت مع عبد المنعم عبد الرؤوف كثيراً حتى اطمأن لي واطمأننت له ووثق بي ووثقت به فعرفني عبد المنعم عبد الرؤوف بشخصية من الشخصيات التي لها جهاد في سبيل مصر والعروبة والإسلام تلك الشخصية العظيمة هي شخصية الصاغ محمود لبيب.

ويضيف:

وبعد الاستماع لحديث الثلاثاء ذهبت لمنزل حسن البنا المجاور لدار الإخوان المسلمين بالحلمية ومعي محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرؤوف.. حيث التقينا بحسن البنا.. وتكررت اللقاءات بعد ذلك بالإمام حسن البنا في منزله وعرفت الكثير من حسن البنا.

وبعدما اقتنع بالدعوة حملها على عاتقه لنشرها وسط ضباط الجيش فيقول:

فاتفقنا نحن الأربعة الأستاذ الإمام الشهيد حسن البنا والصاغ محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرؤوف وكاتب هذه السطور على نشر هذا الفكر الإسلامي بين ضباط القوات المسلحة المصرية. (18)

تساؤل

وهنا لابد من تساؤل:

هل كان انضمام بعض ضباط للإخوان المسلمين والقسم على المصحف كان انضماما تنظيميا، بحيث يسري عليهم ما كان يسري على أفراد الجماعة من أسر تربوية وكتائب وغيرها؟
نقول من المعروف أن ضباط الجيش وبعض الهيئات في مصر يحرم عليها الانضمام للعمل السياسي أو الانتساب للهيئات أو الأحزاب حتى لا يتأثر الضابط بما تمليه عليه حركته أو حزبه.
ومن ثم التقي الإخوان في نقطة مشتركة مع بعض الضباط وهي آلية التخلص من المستعمر البريطاني من على أرض مصر، ولقد زادت الرغبة لدى الضباط بعد حادثة حصار الإنجليز لقصر عابدين في 4 فبراير 1942م والضغط على الملك فاروق بتكليف النحاس باشا بتشكيل حكومة جديدة، مما اعتبرها صغار الضباط طعنة في جبين مصر، وذلة ومهانة، ولذا التقت مصلحتهم مع مصلحة الإخوان المسلمين الذين كانوا يشكلون في هذا الوقت قوة كبيرة من حيث العدد والتنظيم.

يقول جمال حماد:

(كان انضمام عبد الناصر إلى جماعة الإخوان المسلمين في واقع الأمر مجرد مرحلة مؤقتة من مراحل كفاحه المرسوم لتحقيق الأمل الذي كان يراوده). (19)

يقول ريتشارد ميتشل:

كانت أهمية هذا الاتصال بالجيش من جانب الجماعة فيما بعد، فقد كان مقصورًا في ذلك الوقت على البنا وحده، والواقع أن الأهمية الأساسية لهذا الاتصال كانت تكمن في إقامة الصلة بين الجماعة والنطاق الأشمل للنضال الوطني ضد الاحتلال البريطاني، وهو النشاط الذي أحرز تقدمًا جديدًا وأكتسبه ثقة أعمق بسبب ضغوط الحرب على بريطانيا، ومصادرها الأولية.
وكان رد الفعل البريطاني عنيفا وحاسما، وقد تمثل عنف إجراءات رد الفعل هذا في عملية تنصيب وزارة النحاس باشا في فبراير 1942. منذ ذلك الحين بدأت عناصر الحركة الوطنية على اختلافها في تطوير ركيزة جديدة لنشاطها النضالي تكون أكثر حدة بصورة لم يسبق لها مثيل. (20)

المرجع

  1. بحث بعنوان:جماعة الإخوان الضباط، وليد رمضان الشهبة، موقع إخوان ويكي
  2. عزيز المصري والحركة الوطنية المصرية: محمد عبدالرحمن برج، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام
  3. ريتشارد ميتشل: الإخوان المسلمون، ترجمة عبد السلام رضوان، مدبولي، 1977، ص 59
  4. البحث عن الذات: محمد أنور السادات، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، 1998م.
  5. ريتشارد ميتشل: مرجع سابق، ص 59
  6. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ،الجزء الأول، دار الدعوة، 2004م
  7. المرجع السابق
  8. عبد المنعم عبد الرؤوف: أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، الزهراء للإعلام العربي، ط 2، 1989م، ص 37.
  9. عبد المنعم عبد الرؤوف: المرجع السابق، ص 38
  10. عبد المنعم عبد الرؤوف: المرجع السابق، ص 41.
  11. وحيد رمضان: صحيفة آفاق عربية، العدد 621 - 21 من أغسطس 2003م.
  12. ريتشارد ميتشل: مرجع سابق، ص 61
  13. ريتشارد ميتشل: مرجع سابق، ص 61
خالد محي الدين: والآن أتكلم، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ط1، 1992م، ص 43.
  1. عبد اللطيف البغدادي: مذكرات، الجزء الأول، المكتب المصري الحديث، ص 24
  2. صحيفة الجمهورية 9 يونيو 1954 ص 4.
  3. محمد أنور السادات: صفحات مجهولة من كتاب الثورة، دار الجمهورية للصحافة، ص 177- 182
  4. حسين محمد أحمد حموده: أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين، الزهراء للإعلام العربي
  5. جمال حماد: أسرار ثورة 23 يوليو، ص 59
  6. ريتشارد ميتشل: مرجع سابق، ص 62

إقرأ أيضا