بحثاً عن تشافيز العربي

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
بحثاً عن تشافيز العربي

بقلم : عبد العال الباقوري

إنه الرجل الذي يتحدى الإمبراطور ويواجه الإمبراطورية بجسارة دون رهبة.

إنه «هوغو تشافيز» أحد الأحفاد المخلصين لأبي الثوار في أميركا اللاتينية.. «سيمون بوليفار» الذي أطلق تشافيزاسمه مع فنزويلا، فأصبحت «جمهورية فنزويلا البوليفارية»، وأصبحتشافيزنفسه يوصف بـ «البوليفاري» حيث يقول: «إن بطلي هو بوليفار وليس سوبر مان» وهو يقول ذلك عن اقتناع حقيقي بمثل تحرير الوطن وحرية المواطن ووحدة شعوب أميركا اللاتينية.

وقد فتح تشافيزعينيه على بلد يستشري فيه الفقر على الرغم من غناه بالثروات الطبيعية، ولكنها منهوبة بواسطة الاحتكارات الأميركية والأوروبية، وقد صدمه الواقع المرير الذي يعيش في كنفه أبناء فنزويلا.. ولذلك عمل على نسج صلات وثيقة بين العسكريين الشبان والإصلاحيين المدنيين والتحالفات اليسارية التي تجمعت حول مطالب العدالة الاجتماعية، وإدماج المهمشين والسكان الأصليين والسود وغيرهم من المحرومين. وفي عام 1992 قاد محاولة انقلابية، وكان السجن من نصيبه، وبعد كلمات خاطب بها زملاءه ووجهها إلى الشعب الذي أعجب بشجاعته وجسارته.

والسجن مدرسة للثوار وفيه أمعن «تشافيز»التفكير من فكرة الحلف المدني ـ العسكري، وبعد الإفراج عنه في 1994، وفي سنوات قلائل أصبح ينظر إليه على أنه الرئيس المقبل لفنزويلا.

وهذا ما تحقق في 1998. وكانت الرئاسة نقطة البداية للإصلاح والتغيير ومكافحة الفقر.

مما أدى إلى وقوع إنقلاب ضده في 2002. ولكن الشعب أعاده إلى السلطة.

وهنا أدرك أن التغيير ممكن عن الطريق البرلماني، ولكن الشعب هو الحامي للتغيير.

وكان الدرس الثاني الذي تعلمه من هذه التجربة هو أن الولايات المتحدة هي العدو الأول لشعبه ولشخصه.

ومن هنا كانت البداية الحقيقية لتجربة تشافيزفي النضال الوطني ومن أجل العدالة.. وهي تجربة لم نقرأ عنها كثيراً لان الصحف العربية، ولأن المكتبة العربية.

ومن هنا تأتي أهمية كتاب مصطفى مجدي الجمال عن «البوليفاري ـ هوغو تشافيز: جدل الثورة والكاريزما» الذي صدر أخيراً ليروي تاريخ تشافيزوالذي أصبح اليوم المشكلة الكبرى في أميركا اللاتينية بالنسبة لواشنطن: «والسبب ـ كما يقول المؤلف ـ أنه الزعيم الأكثر راديكالية في الإقليم، والوحيد الذي يقدم نموذجاً بديلاً واضحاً لسيناريو اتفاقية التجارة الحرة بين الأميركيتين والذي ترعاه الولايات المتحدة، ولعل هذا يطرح تساؤلاً لم يكن غائباً عن ذهن المؤلف، وهو أن حكومة تشافيزتنتظرها مصاعب أكبر من تلك التي مرت بها حتى الآن، وانتصر في معظمها.

وهذا تقدير صحيح، خاصة حين تنسحب الولايات المتحددة من العراق، وتبحث عن ميدان تحاول أن تخرج منه فائزة، ومن الملاحظ، أن الفترة «المثلى» التي كان يمكن للولايات المتحدة ىفيها أن تصعد عملها ضد تشافيزكانت بين 2002 (حين حدث الانقلاب ضده) والاستفتاء على سحب الثقة منه عام 2004 ولكن هذه الفترة بالتحديد كانت الفترة الحاسمة لتركيز الطاقات الأميركية على «مشروعها» في العراق.

وهذا يؤكد الحقيقة التي طرحها كثيرون منذ ظهرت وتصاعدت المقاومة في العراق، وهي أن الهزيمة الأميركية في بلاد الرافدين ستكون لها تأثيراتها على مكانة أميركا ليس في الوطن العربي أو «إقليم الشرق الأوسط» فقط بل من العالم كله، ولعل هذا ما يدركه الرئيس الأميركي جورج بوش وإدارته ومناصروه من «المحافظين الجدد» الذين يرفضون ـ إلى الآن ـ وضع جدول لانسحاب القوات الغازية، وهم في ذلك يتجاهلون أنه كلما طالت معركة أميركا في العراق، كلما غرقت أكثر فأكثر في المستنقع العراقي، ضعفت قوتها، ووهنت عزيمتها عن مواجهة أعداء آخرين، في العالم ككل وفي دول أميركا اللاتينية التي اتجهت إلى اليسار وأصبحت تطرح فيما بينها مشروعات تكامل بديلة للمشروع الأميركي في نصف الكرة الغربي.

ولا مجال هنا للغوص في تاريخ تشافيزالنضالي ولا لمنجزاته الداخلية، والحزب الذي يبنيه، فمع أهمية ذلك إلى أن هناك نقاط لا يمكن إهمالها، مثل:

@ من أهم سمات نموذج تشافيزأنه يجمع بين مزايا التغيير الاجتماعي القائم على المجتمع المدني من أسفل وبين الرؤية الموجهة من قبل الدولة للتنمية وإعادة توزيع الثروة. وهنا يفتح المرء قوسين كبيرين ليقرأ تكملة صف الفقرة، وهي: «لعل في هذا ما يكفي للرد على من يطلقون على أنفسهم «اليبراليون الجدد» أو «الديمقراطيين الجدد» في الوطن العربي، والذين لا يكفون عن التشرق بمصطلح المجتمع المدني، ثم نكتشف في النهاية أنهم لا يعنون به إلا المنظمات والتحركات النخبوية.

أما من يعزون كل ما ينجزه تشافيزإلى مجرد «الصدفة السعيدة» للارتفاع الصاروخي لأسعار النفط، فعليهم أن يتساءلوا عما فعلت أنظمة عديدة أخرى في العالم بهذا الطوفان من الإيرادات، سوى إثراء خرافي لنخبة طفيلية هزيلة الحجم، وفورة عقارية لا معنى لها ومقاربات مالية عقيمة، وإعادة ضخ الجزء الأكبر من هذه الأموال نفسها في عروق المنظومة الرأسمالية العالمية في صورة استيراد سلع الرفاهية وأسلحة مآلها أن تصدأ في المخازن».

وهذه واحدة من المرات القليلة التي لجأ فيها مصطفى الجمال إلى المقارنة المباشرة بين الأوضاع العربية وأوضاع أميركا اللاتينية..

من المعروف أنه في وقت معركة السويس في 1956 كانت بلدان آسيا وأفريقيا تموج بثورات وطنية عارمة ضد الاستعمار والرجعية المحلية والتخلف بينما كانت بلدان أميركا اللاتينية شبه مستقرة تماماً في أحضان النفوذ الأميركي وبلا منافس، بل إن نضالات وطنيي ويساريي تلك القارة تأثرت وقتها تأثراً كبيراً ببعض نماذج الوطنية في آسيا وأفريقيا، وفي مقدمتها النموذج الناصري.

وقد عبر تشافيزأكثر من مرة عن إعجابه بجمال عبد الناصر، وهذا ليس أمراً نادراً في الأوساط اليسارية بأميركا اللاتينية، ولعل أهم ما يجذبه في شخصية عبد الناصر نزعة التحدي الجسور للمشروعات والمصالح الإمبراطورية.

@ بالنسبة للقضايا العربية، فإن «تشافيز»لا يترك فرصة دون إدانة العداونين الأميركي والإسرائيلي، وتوجيه التحية الحارة للمقاومة، وقد قام بسحب الدبلوماسيين الفنزويلي من «إسرائيل» بعد العدوان على لبنان في صيف 2006.

إن الجزء الأكبر من هذا الكتاب لم يتم التطرق إليه هنا، خاصة ذلك الجزء المرتبط بعنوان الكتاب: «جدل الثورة والكاريزما» وتعريف الشخصية الكارزمية ودورها في التاريخ ومعنى القيادة «الشعوبية» فضلاً عن جغرافية بوليفيا وتاريخها، بل تاريخ «تشافيز»> نفسه، وعلاقته بالقادة الثوار الآخرين في أميركا اللاتينية، وموقف اليسار منه ومن تجربته من العداء لأميركا وفي النضال ضد الرأسمالية، كيفية الاستفادة من الأصوات القادمة من نصف العالم الغربي والتي تواصل التحدي اليومي للهيمنة الأميركية في بعض أعز مواقعها الاستراتيجية..

وبالأحرى في فنائها الخلص، مما قد يمثل قوة ضغط معنوية غير مباشرة على النظم الحاكمة العربية التي قدمت للأمبراطورية الأميركية معظم ما طلبته من تنازلات تطبيق السياسات النيوليبرالية والتواطؤ ضد حركات المقاومة باسم مكافحة الإرهاب والتطبيع مع «إسرائيل».. ولكنها لم تجن في النهاية سوى ما تشاهده من ضياع السيادة وتعاظم عدوان الكيان الصهيوني وكارثة تفكيك المجتمعات العربية واحداً تلو الآخر تحت رايات «الفوضى الخلاقة».

إذن دعونا نبحث عن تشافيزالعربي، ولا أقول ننتظره، لأنه لن يهبط علينا من السماء، بل سيخرج من صفوفنا ليكون ابن الشعب الذي يعاني آلامه ويعمل لتحقيق ماله في الحرية والعدالة والوحدة.

ومن يشك ما عليه إلا أن يقرأ هذا الكتاب الذي يتكلم عن أوضاعنا بشكل ذكي وغير مباشر.

المصدر