بالعدل عاد النجاشي وبالعفة والصفح سيعود مُرسِيًّ بإذن الله
بقلم : د/ إبراهيم كامل محمد
(13/03/2014)
الحمد لله الحكم العدل , لاحكم إلا حكمه , ولافعل إلا فعله , ولاإرادة إلا إرادته , فعال لما يريد , بيده ملكوت السموات والأرض
والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى , وعلى آله وصحبه وسلم , وعلى التابعين وتابعيهم , ونحن معهم بإحسان إلى يوم الدين
وبعد :
قد يكون العنوان غريبا , والزمن ليس قريبا , بين النجاشي "الملك العادل" – الذي زكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : "لايُظلَم عنده أحد" – وبين فخامة الرئيس مرسي " الذي اختاره الشعب " , ثم انقلب عليه الطغاة الحاقدون , والعملاء المتسكِّعون على موائد اللئام .
لكن الصورة واحدة , حيث رد الله المُلْك للنجاشي , ورجاؤنا فيه وحده , أن يرد عبده الواثق به , إلى الحكم ليكون خادما لدينه , وليكون عبدا له وحده , غير مُسَيَّسٍ .
والنجاشي هو أصحمة بن أبجر الحبشي النجاشي ملك الحبشة , وأصحمة معناعا : عطية الله , أوعطاء الله . ( انظر مشارق الأنوار للقاضي عياض 1/63 , شرح صحيح مسلم للنووي 7/22 , فتح الباري للحافظ ابن حجر 2/203 , سير أعلام النبلاء 1/436 )
وكما تعلمون أن النجاشي – رضي الله عنه – أبَى أن يُسلم الصحابة - الذين فروا بدينهم إلى الحبشة - إلى عمرو ابن العاص ومن معه , ورد النجاشي كل الهدايا " الرشاوَى " الذي جاءته من سادة قريش , ولم يقبلها كما قَبِلَها بطاركته " لأنهم جميعا تواضروس زمانهم " , وقال قولته المشهورة : " فوالله ماأخذ الله منِّي الرشوة حين ردَّ عليَّ ملكي " وهذا هو الشاهد في القصة التي نريدها .
وإليكم القصة : قال الزهري : فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير عن أم سلمة فقال عروة : أتدري ما قوله : "ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، ولا أَطاع الناس فيَّ فأطيع الناس فيه" . فقلت : لا، ما حدثني ذلك أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة
فقال عروة : فإن عائشة حدثتني : أن أباه كان ملك قومه وكان له أخ له من صلبه اثنا عشر رجلاً، ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي، فأدارت الحبشة رأيها بينها فقالوا: لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه، فإن له اثني عشر رجلا من صلبه، فتوارثوا الملك، لبقيت الحبشة عليهم دهرا طويلاً لا يكون بينهم اختلاف . (تأملوا معي خارطة الطريق الذي وضعه المجلس الانقلابي للإطاحة بهذا الملك الذي اختاره الشعب )
فعدوا عليه فقتلوه، ومَلَّكُوا أخاه. فدخل النجاشي بعمه حتى غلب عليه، فلا يدير أمره غيره، وكان لبيباً حازماً من الرجال–أي كان مقربا لعمه , نافذ الأمر عنده لذكائه وفطنته , وحُسْن تدابير الأمور .
فلما رأت الحبشة مكانه من عمه قالوا : قد غلب هذا الغلام على أمر عمه، فما نأمن أن يملكه علينا، وقد عرف أنا قتلنا أباه، فلئن فعل لم يدع منا شريفاً إلا قتله، فكلموه فيه فليقتله، أو ليخرجه من بلادنا
فمشوا إلى عمه فقالوا : قد رأينا مكان هذا الفتى منك، وقد عرفت أنا قتلنا أباه، وجعلناك مكانه، وإنا لا نأمن أن يملك علينا فيقتلنا، فإما أن تقتله، وإما أن تخرجه من بلادنا .
قال : ويحكم قتلتم أباه بالأمس وأقتله اليوم ؟ بل أخرجه من بلادكم
فخرجوا به فوقفوه في السوق وباعوه من تاجر من التجار قذفه في سفينة بستمائة درهم أو بسبعمائة فانطلق به
فلما كان العشي هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يتمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته .
ففزعوا إلى ولده فإذا هم مُحَمَّقون ليس في أحد منهم خير .
( أي حمقى لايصلحون للملك , وليس عندهم همَّة الملوك , وكل همهم اللعب والمنصب ونهب الأموال ونرى ذلك رأْي العين في السيسي وزمرته , وفي الطرطور, وإخوانه من حزب الزور , والطراطير والحناطير في جبهة الإغراق , وترزية الفتوى من أهل النفاق , وقضاة جهنم , وإعلامهم , الذي لايعرف عنهم سوى النعيق والنهاق )
فمرج على الحبشة أمرُهم، فقال بعضهم لبعض : تعلمون والله أن ملككم الذي لا يصلح أمركم غيره لَلَّذي بعتم الغداة, فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه قبل أن يذهب . فخرجوا في طلبه فأدركوه، فردوه، فعقدوا عليه تاجه، وأجلسوه على سريره وملَّكوه فقال التاجر : ردوا عليَّ مالي كما أخذتم مني غلامي
فقالوا : لا نعطيك . فقال : إذا والله لأكلمنه
فمشى إليه فكلمه فقال : أيها الملك إني ابتعت غلاماً فقبض مني الذين باعوه ثمنه، ثم عَدَوا على غلامي فنزعوه من يدي، ولم يردوا علي مالي
فكان أول ما خبر من صلابة حكمه وعدله أن قال : "لَتَرُدُّنَ عليه مالَهُ، أو لتجعلن يد غلامه في يده فليذهبن به حيث شاءَ
فقالوا : بل نعطيه ماله . فأعطوه إياه .
فلذلك يقول : "ما أخذ الله مني الرشوة فآخذ الرشوة حين رد عليَّ مُلكي، وما أطاع الناس فيَّ فأطيع الناس فيه . (خرجه من حديث أم سلمة : ابن إسحاق فِي السيرة(4/193رقم282)، ومن طريقه: الإمام أحمد فِي المسند(1/202، 5/291)، وإسحاق بن راهويه فِي مسنده(4/71-74رقم1835)، وابن خزيمة فِي صَحِيحِهِ(4/13رقم2260) وغيرهم بسند صحيح .
والنجاشي – رضي الله عنه - معدود في الصحابة رضي الله عنهم , وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر ، ولا له رؤية ، فهو تابعي من وجه ، صاحب من وجه ، وقد توفي في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فصلى عليه بالناس صلاة الغائب ولم يثبت أنه صلى -صلى الله عليه وسلم- على غائب سواه .
وقالت أمنا , أم المؤمنين أم سلمة – رضي الله عنها – " لما مات النجاشي،كنا نتحدث أنه لايزال يُرى على قبره نور " المسند " لأحمد بن حنبل .
وعلى أرض الواقع رأينا العدل في هذا الحاكم المسلم " فخامة الرئيس محمد مرسي " , والعفة كل العفة , حيث لم يقبض راتبه الشهري من خزانة الدولة , متنازلا عنه ليكون للشعب , وفرض حالة التقشف على حكومته فاستجابوا له , لأنه لو رتع لرتعوا .
بل وتسامح لكل من خاض في عرضه , والتمس شخصية الصحابي الجليل علبة بن زيد " رضي الله عنه " وهو أحد البكائين الذين تولوا وأعينهم تفيض من الدمع " روى عبد المجيد بن أبي عبس بن جبر، عن أبيه، عن جده قال: لما حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة، جاء كل منهم بطاقته، فقال علبة بن زيد: ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق بعرضي على من ناله من خلقك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل قبل صدقتك". ( رواه الثلاثة – أي النسائي وأبوداود والترمذي )
فهل تذكرون قول فخامته أنه مسامح لكل من خاض في عِرضه " حِسبة لله " ؟ لكنهم أفاعي لايعقلون .
من أجل هذه القُربات التي تقرَّب بها إلى ربه عبدُه الصالح محمد مرسي , والذي لم يُشْغِلْه الكرسي
من أجل العدل الذي طبقه على نفسه وعلى أسرته والأقربين , والأمانة التي تشهد له عند رب العالمين
من أجل الصدق والشفافية , وعدم الخيانة للرعية , حيث كان منصفا ولم يَظلم في قضية
سيعود فخامة الرئيس إلى القصر ليتكرر مرة أخرى " من السجن إلى القصر "
والآن قد بات واضحا فسطاط الإيمان الذي لاكفر فيه " وهم المناصرون للحق والشرعية " , وفسطاط الكفر الذي لاإيمان فيه " وهم الانقلابيون والمنافقون والتواضرسيون والمفسدون في الأرض "
وأذكركم بالآية التي استشهد بها فخامة الرئيس الشرعي " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون" يوسف 21 . وكما قال الشاعر قرار ابن الأجدع : وإن غدا لِناظِره قريب . وستُححمل على الأعناق يافخامة الرئيس حتى القصر إن شاء الله رب العالمين,
إمام ومدير المركز الإسلامي - أمريكا
المصدر
- مقال:بالعدل عاد النجاشي وبالعفة والصفح سيعود مرسي بإذن الله موقع:نافذة مصر