انتخابات الصحفيين في مصر وذعر النظام.
إنتخابات الصحفيين في مصر وذعر النظام
- بقلم / د. عصام العريان
كادت انتخابا ت نقيب الصحفيين في مصر أن تتحول إلى "تسونامي" يؤدي إلى تغييرٍ ما في المشهد النقابي والسياسي المصري الراكد.
ظهر أنه ركود ما يسبق الغليان، وهدوء ما يسبق العاصفة، فهل أدرك النظام أو عقلاؤه تلك الحقيقة التي يتغافل الكثيرون عنها؟!
كاد الشاب الذى يشارف الشيخوخة بعد الكهولة "ضياء رشوان" الصعيدي ابن قنا، ونجل العمدة، والباحث المتميز، وابن مؤسسة الأهرام أن يفوز في الجولة الأولى، وحل ثانيًا بفارق "39 صوتًا" فقط عن النقيب المخضرم والكاتب الكبير الذي أيده النظام، صاحب الرؤية المستقلة أحيانًا الأستاذ "مكرم محمد أحمد".
حال دون فوز أحدهما من الجولة الأولى فارق ضئيل عن النصاب القانوني (50%+ 1)، وحال بالذات دون فوز ضياء رشوان إحجام عدد لا بأس به من أنصاره عن المشاركة، أو تأخر عدد آخر من أنصار التغيير عن الحضور؛ حيث لم يدُر بخلدهم أن يفوز "ضياء" في أول تجربة نقابية له ولم يحصل على عضوية مجلس النقابة من قبل؛ على شخص في قامة ومقام ومكانة "مكرم" الذي كان نقيبًا لدورات متعددة، ويحظى برضاء النظام الذي يحكم قبضته على المؤسسات الكبرى الصحفية ودعمه، ويحشد الآلاف من أنصار الاستقرار الزائف، ويقدم للصحفيين رشاوى متعددة، ويتدخل بقوة للحفاظ على موقع نقيب الصحفيين بالذات دون أي نقيب آخر.
حضر الجمعية العمومية الثانية الحاسمة قرابة 4 آلاف عضو من إجمالي 5 آلاف تقريبًا، حصل الفائز على 2419 والمنافس على 1561 صوتًا، ومورست ضغوط هائلة للحشد من جانب رؤساء تحرير المؤسسات الكبرى وصلت إلى استقدام الصحفيين من الخارج على حساب مؤسساتهم التي تكفلت بتذاكر السفر.
وقد حصل "ضياء" من بين هؤلاء- الذين زادوا ألفًا تقريبًا عن الجمعية الأولى غير الحاسمة- على حوالي 100 صوت إضافي، كان هؤلاء كفيلين بترجيح كفة "ضياء رشوان" في الجولة الأولى، ولكنهم غابوا، فكانت الإعادة التي رجحت كفة "مكرم محمد أحمد" بفارق ضخم وصل إلى 858 صوتًا.
هذه النتيجة تُعد فوزًا لضياء رشوان الذي عليه أن يستعد للانتخابات القادمة بعد سنتين؛ بعد أن أثبت جدارته للمنافسة مع شخصية بقوة النقيب الحالي، وبعد أن التف حوله مئات الصحفيين من أجل التغيير، وعليه أن يحوّل الشعار إلى برنامج عملي جاد، وألا يتوقف عن مشاركة الصحفيين في كافة المواقع الصحفية همومهم ومشاكلهم، وليس فقط في "الأهرام" التي كان له دور واضح في انتفاضة العاملين بها ضد استمرار رئيس مجلس الإدارة السابق "مرسي عطا الله" في موقعه بالمخالفة للقانون؛ وهو ما جعله في قلب المعارك الصحفية، وليس مجردَ باحث أكاديمي في الحركات الإسلامية له حضور بارز في كافة المؤتمرات والفضائيات والندوات.
لم تكن المسألة انتخابات نقيب الصحفيين، بل تحولت إلى منافسة قوية وجادة بين تيارين في الحياة النقابية والسياسية المصرية: تيار الشباب الطامح إلى التغيير وضخ دماء جديدة في الحياة المصرية الراكدة، يقوده جيل يتميز بالحيوية والحماسة، لم يعد فقط في سن الثلاثين بل بلغ الخمسين والستين من السنين دون أن يحقق خلال السنوات الثلاثين الماضية أملاً حقيقيًّا في النهضة والتقدم والرقي بالمهن المختلفة أو بالبلاد عامة، يرى الآمال يتم خنقها في الصدور، والطرق تمتلئ بالسدود، والهياكل المؤسسية في كافة الأنحاء أصبحت فارغة من المضمون: مدارس بلا تعليم، مستشفيات بلا خدمة صحية، صحافة بلا حرية إلا مجرد الصراخ، مصانع دون إنتاج .. إلخ.
وتيار آخر يقوده رجال النظام والمؤسسة، ويلتف حولهم آخرون من كل الأعمال رغبة أو رهبة؛ حيث أصبح المستفيدون بالنظام قلة قليلة في كل المواقع لا تتجاوز 5% من النخبة التي يتسابق أبناؤها على البقاء ضمن تلك الـ5%، تيار يخشى التغيير بل يقاومه، ويسعى إلى إبقاء الأوضاع كما هي عليه، يخاف من الحرية والديمقراطية والمشاركة الشعبية الواسعة، يقدّم الوعود والرشاوى والمسكنات ليُسكِت أصوات الصامتين والمتفرجين الذين قد يتحولون في لحظة إلى معسكر التغيير، وينسى أو يتناسى أنه حينما يفشل في تحقيق آمال الجماهير سيكون الانفجار الذي يؤجله فقط، أو الفوضى التي ستكتسح في طريقها الجميع.
ظهر ذعر النظام من نتائج الجولة الأولى؛ فكانت الجولة الثانية كما قال "ضياء رشوان": دولة ضد مرشح، وليست كسابقتها مرشح وبرنامج ضد مرشح وبرنامج.
وقدَّمت الدولة جوائز وحوافز أو قل رشاوى كما سماها المراقبون، أو حقوق مهدرة كما سماها الموافقون؛ بدلات (80) جنيهًا، ومدينة سكنية كاملة المرافق، ووعدًا بجدول جديد للأجور، وحواسب (700) وتليفونات، وكان الرابح الأكبر الصحفيين من (جريدة الشعب) التي أغلقها النظام وأسكت صوتها المعارض وشرَّد العاملين فيها منذ 9 سنوات، فقد تم حل مشكلتهم الخاصة بملف التأمينات فقط كصحفيين، أما الجريدة نفسها فقد انتهى مصيرها إلى الضياع بتوزيع الصحفيين على صحف هامشية- وليس المؤسسات القومية- قبل 24 ساعة من موعد الجولة الثانية.
والتقى النقيب الفائز في حضور أمين عام الحزب الحاكم مع وزير المالية الذي يعارض ويماطل في حل المشكلة، ويرفض أي تنازل حتى جاءت اللحظة الحاسمة ليعلنوا الوصول إلى اتفاق. ويقول ضياء: إنه السبب الحقيقي في حل المشكلة، ولولا ترشحه ومنافسته القوية لبقيت الأمور على ما هي عليه.
وبقيت أزمة الصحفيين في جريدة (آفاق عربية) تنتظر انتخابات أخرى قادمة في تكريس لمبدأ خطير في الحياة النقابية. يبقى على النقيب أن يحل المشكلة الحقيقية في حرية الصحافة وليس مجرد التأمينات.
أهمية انتخابات نقيب الصحفيين التي انتهت بفوز "مكرم محمد أحمد" أنها تأتي قبل الانتخابات البرلمانية القادمة، وأن المنافس فيها لم يكن مرشحًا للإخوان المسلمين، ومع ذلك فقد مارس النظام أقصى ممارساته على الجماعة الصحفية، واتَّهم بكذب صراح وفجاجة وبجاحة واضحة المرشح المعارض بأنه من الإخوان، مع العلم اليقين أنه ينتمي إلى تيار قومي ناصري يساري، رغم عدم ظهور الإخوان في المشهد الانتخابي في الجولة الأولى؛ كي لا يرسخوا التهمة الباطلة مع تأييدهم لضياء؛ مما جعل البعض من أنصار ضياء يتهم الإخوان بعدم الحشد لحسم الانتخابات من الجولة الأولى.
الآن وفي نفس التوقيت تتواصل انتخابات النقابات الفرعية للنقابة الأخرى المهمة "المحامين" في هدوء، ولا نستطيع تحليل النتائج حتى الآن، إلا أن الإخوان استطاعوا حصد بعض المقاعد المعقولة، وفاز مرشحوهم ومن أيَّدوهم كنقباء فرعيين في نقابتين أو أكثر، وما زالت الانتخابات تتوالى، مع عدم اكتمال النصاب في أهم النقابات الفرعية (القاهرة)، ووقف الانتخابات في (الإسكندرية).
فهل نشهد العام المقبل- مع انتخابات التجديد الثلثي لمجلس الشورى والانتخابات البرلمانية - تغييرًا ما في مصر أم ينتصر تيار الإقصاء وإبعاد المعارضة الجادَّة والحقيقية عن المؤسسات الدستورية؟
وهنا.. ماذا يمكن أن نتوقع في مستقبل الأيام؟! اللهم لطفك بنا وببلادنا!
المصدر : إخوان اون لاين